Professor Dr Helmi Al Hajjar, Attorney at law
- Litigation, legal consultation and arbitration.
- Legal advice and services in the field of real estate, financial, commercial civil and administrative contracts and in the preparation of case memorandums for submission to the court of cassation under both Lebanese and UAE laws.
- Over 25 years of experience as a practicing lawyer through his own firm in Beirut, Lebanon in addition to his experience as a judge in Lebanon for 17 years and a judge in the commercial chamber in the court of cassation in Abu Dhabi.
- Professor at the higher institute of Legal studies at the faculty of law and political and administrative sciences at the Lebanese University in Beirut.
- Registered arbitrator at the Abu Dhabi Commercial Conciliation and Arbitration Center
Address: Madame Curie Street - Next to Atlantis - Inaam Building - 6th Floor North 
Mobile: + 961 3 788848, Landline: +961 1 788889
Email: hajjar.legal@gmail.com, emihajja43@gmail.com         

Back

محاماة واستشارات قانونية

أبحاث ومقالات

بين حق الخصوم في ضمان حيادية القاضي والتعسف في استعمال طلبات الرد - سياسية وعامّة

حلمي الحجار
11/10/2023


المكان: بيروت – اوتيل متروبوليتان                       الزمان: 26/9/2023
مقدمة
    1 – تكريس النص على طلب رد القاضي في مختلف البلدان العربية – اختلاف تسمية ذات القانون  باللغة العربية: ان النص على طلب رد القاضي ورد في لبنان في التقنين المتعلق بأصول المحاكمات المدنية، كما ورد النص عليه  في بقية البلدان العربية بذات القانون وإن بمصطلحات مختلفة في اللغة العربية، رغم انها تكون إجمالاً تعريباً لذات المصطلح باللغة الأجنبية، وقد ظهر هذا الاختلاف في التسمية ببرنامج هذا المؤتمر وفي الصفحة الأولى منه تحت البند أولاً المتعلق بأهمية المؤتمر حيث وردت أربع تسميات هي: الأولى أصول المحاكمات المدنية (لبنان و الاردن) الثانية قانون المرافعات (مصر) الثالثة قانون المرافعات المدنية (العراق) الرابعة المسطرة المدنية (المملكة المغربية)
 وهنا استأذن الحضور وممثل جامعة الدول العربية المشاركة في هذا المؤتمر لأفتح مزدوجين للإشارة الى مقالة كنت نشرتها في جريدة النهار اللبنانية موجهة الى وزراء العدل العرب بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربية للعام 2008، وكانت بعنوان: «ألاَ يستطيع العرب تحقيق الوحدة على الأقل في حقل القانون»، وكنت اشرت الى ذات الامر في بعض مؤلفاتي المنشورة في لبنان وفي دولة الامارات العربية وفي مناقشة الأطروحات لطلاب دكتوراه في لبنان وفي العالم العربي. وبالطبع ان المحاضرة لا تتسع لبحث هذا الموضوع من اجل ذلك أُرفق المقالة مع هذه المحاضرة كمستند مضموم الى المحاضرة.
وبالفعل ان المصطلح المستعمل في القانون اللبناني جاء تعريباً لذات المصطلح المعتمد في القانون الفرنسي وهو«Code de procédure Civile»، وقد تم تعريب هذا المصطلح ذاته بمصطلحات عربية متعدّدة في البلدان العربية على الشكل التالي:
(1)     قانون أصول المحاكمات المدنيّة، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من لبنان والأردن وسوريا
(2) - قانون الإجراءات المدنية، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من دولة الإمارات العربية المتحدة الجزائر والسودان والصومال.
 (3) - قانون المرافعات، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من اليمن الشماليّة وقطر
(4) - قانون المرافعات المدنيّة، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من العراق وليبيا
(5) - قانون المرافعات المدنيّة والتجارية، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من مصر والكويت والبحرين
(6) - مجلّة الإجراءات المدنيّة والتجارية، وقد اعتمد هذه التسمية القانون التونسي
(7) - قانون المسطرة المدنيّة، وقد اعتمد هذه التسمية القانون المغربي
(8) - مجلّة المرافعات المدنيّة والتجارية، وقد اعتمد هذه التسمية القانون الموريتاني
 أي هناك ثماني مصطلحات في البلدان العربية تعريباً لذت المصطلح باللغة الفرنسية وهو، كما ذكرنا، Code de procédure Civile»
وكما اختلفت التشريعات العربيّة، في تعريب اسم القانون، كذلك اختلفت ذات التشريعات في تسمية محكمة النقض أو التمييز، وبالفعل ان اسم هذه المحكمة جاء تعريباً للمصطلح المعتمد في القانون الفرنسي وهو«La Cour de cassation»   وأحيانا «La Cour suprême». وقد تم تعريب المصطلح ذاته بمصطلحات عربية متعدّدة جاءت على الشكل التالي:
(1) - محكمة النقض، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من القانون السوري والمصري والليبي، وقانون الإجراءات المدنية في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة مع الإشارة هنا الى ان إمارة أبوظبي تعتمد تسمية محكمة النقض في حين تعتمد إمارة دبي وإمارة رأس الخيمة تسمية محكمة التمييز
(2) - محكمة التمييز، وقد اعتمد هذه التسمية، بالإضافة الى إمارتي دبي ورأس الخيمة، كلّ من القانـون اللبناني والعراقي والكويتي والأردني.
(3) - المحكمة العليا، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من القانون السوداني واليمني الشمالي والصومالي والموريتاني.
(4) - المجلس الأعلى، وقد اعتمد هذه التسمية القانون المغربي والقانون الجزائري.
(5) - محكمة التعقيب، وقد اعتمد هذه التسمية القانون التونسي، مع الإشارة إلى أن القانون الموريتاني الذي أطلق على المحكمة اسم المحكمة العليا، أطلق على طريقة الطعن أمامها عبارة »الطعن بالتعقيب«.    
أي هناك خمس مصطلحات في البلدان العربية تعريباً لذات المصطلح باللغة الفرنسية وهو، كما ذكرنا، «La Cour de cassation!!!
وإذا جاز لنا أن نبدي ملاحظة على هذا الاختلاف المشهود بين التشريعات العربيّة حول تعريب اسم قانون واحد وتسمية محكمة واحدة( ). فإننا نتساءل ماذا يمنع جامعة الدول العربيّة منذ عام 1945 من القيام بعمل جاد لتوحيد المصطلحات القانونية باللغة العربية؟ فإذا لم تستطع الجامعة أن تخطو خطوة باتجا وحدة كاملة أو نظام اتحادي بين الدول العربية بسبب عقبات لم تستطع الجامعة أن تتجاوزها، فما هي العقبات التي يصطدم بها تعريب مصطلح قانوني فرنسي إلى اللغة العربيّة، بل أكثر من ذلك ماهي العقبات التي تحول دون توحيد مختلف القوانين العربيّة في حقل القانون الخاص والتي لها ذات المضمون تقريباً في جميع البلاد العربيّة؟ هذا في وقت نشهد محاولات لتوحيد شعوب تختلف القوميات واللغة فيها كما هو حال أوروبا السائرة على درب الوحدة؟


    
    2 - الاعتبـارات التـي قصد القانون الوضعي مراعاتها عندما أدخل مؤسسة رد القضاة الى القانون الوضعي: ان عنوان المحاضرة يوحي ان هناك نوعاً من التناقض - او التعارض على الأقل - بين حق الخصوم في الوصول الى الحقوق المكرّسة لهم قانوناً وبين العدالة في بعض الأحيان، فكيف السبيل الى التوفيق بين حق الخصوم وبين مصلحة الدولة في تأمين العدالة للجميع بدون أي عوائق، وبالتالي ما هي الاعتبارات التي حاول المشرّع التوفيق بينها عندما وضع النص على إجازة طلب رد القاضي؟ وبمعنى آخر هل هناك اعتبارات متضاربة قصد القانون التوفيق بينها بالنص على طلب رد القاضي، هل فضّل التضحية باعتبارات معينة لمصلحة اعتبـارات أخرى؟
    في الواقع انه عند وضع أي تقنين بشكل عام أو أية قاعدة قانونية بعينها يحاول المشرّع مراعاة اعتبارات معينة  للتوفيق بين مصالح متضاربة بين المعنيين بهذا التقنين أو تلك القاعدة بغرض  مراعاة  المبادئ الأساسية التي تحفظ استقرار المجتمع ومحاولة تطويره باستمرار ؛ مثلاً بالنسبة لفروع القانون الخاص هناك مصالح متضاربة يحاول هذا القانون التوفيق بينها، وبالفعل في نطاق القانون المدني بشكل عام هناك مصلحة الدائن مقابل مصلحة المدين، واذا أخذنا قاعدة أو مجموعة قواعد بعينها يظهر التناقض ذاته بين المصالح المتعارضة فمثلاً لو تعلق الامر بعقد الايجار لبرزت أمامنا  مصلحة المؤجر مقابل مصلحة المؤجر ونفس الوضع في عقد البيع أو عقد الرهن حيث يكون أحدهما دائن والآخر مدين. وفي نطاق القانون التجاري بشكل عام هناك مصلحة التاجر مقابل مصلحة الزبون، وإذا أخذنا قاعدة أو مجموعة قواعد بعينها يظهر التناقض ذاته بين المصالح المتعارضة فمثلاً في عقد القرض التجاري أو الفائدة التجارية هناك مصلحة التاجر المُقرض مقابل مصلحة الزبون المستقرض. هذه أمثلة ويمكن تكراره بدون حدود
    ونفس الوضع بالنسبة لفروع القانون العام سواء القانون الدولي العام حيث تظهر مصالح الدول المتناقضة، وكذلك الامر بالنسبة للقانون الإداري داخل الدولة ذاتها حيث تظهر المصلحة العامة في الدولة باتخاذ مختلف القرارات لحفظ أمن المجتمع من قوانين أو مراسيم أو لوائح أو قرارات إدارية مقابل مصلحة الافراد الذين قد تمسّ بحقوقهم؛ وتبعاً لذلك فان المشرّع يأخذ دائما هذه الاعتبارات أو المصالح المتضاربة عند إقرار القاعدة القانونية
     وفي جميع الأحوال تبقى هناك مصلحة عليا على الصعيد الداخلي بالمحافظة على امن المجتمع واستقراره، ونفس الوضع بالنسبة للقانون الدولي العام هناك مصلحة عليا 1 - بالمحافظة على السلم والامن الدولي 2 - إنماء العلاقات الودية بين الأمم 3 – تحقيق التعاون الدولي ....، كما جاء في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة. وذات المبادئ وردت في ميثاق جامعة الدول العربية منذ انشائها في العام 1945- حيث كان لبلدي لبنان شرف لقب عضو مؤسس – وبالفعل نصت المادة الثانية من الميثاق ان الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها، وبالنهاية تعاون الدول المشتركة في مختلف الشؤون الاقتصادية والمواصلات والمالية والجنسية وتنفيذ الاحكام والشؤون الصحية والاجتماعية.
    وبالعودة الى عنوان المحاضرة يُطرح السؤال ذاته، ما هي المصالح المتناقضة التي حاول المشرّع التوفيق بينها، وما هي الاعتبارات التي حاول المشرّع مراعاتها عندما أجاز طلب رد القاضي؟
     بالإجابة على السؤال المتقدم تظهر أولاً مصلحة المتضرر - المدعي المجني عليه في الحصول على حقه بأقرب فرصة، مقابل مصلحة الجاني المدعى عليه أو الجاني في تأمين حقه بممارسة حق الدفاع وفي محاكمة نزيهة وشفافة؛ ولكن الى جانب المصلحتين المتقدمتين هناك مصلحة المجتمع لحفظ أمنه واستقراره وتطبيق النظام القانوني في الدولة. ومن ثم جاء النص على طلب رد القضاة لمراعاة كل الاعتبارات المتقدمة في محاولة للتوفيق بين مصلحة المتضرر - المدعي المتضرر مدنياّ أو المجني عليه جزائياً ومصلحة المدعى عليه مسبب الضرر مدنياً – الجاني جزائياً
3 – حيادية القاضي أحد شروط المحاكمة العادلة والنزيهة – مخطط البحث: ان حيادية القاضي بين الخصوم تعتبر من أهم شروط المحاكمة العادلة والنزيهة، وهذ المبدأ مكرس في الشرع العالمية لحقوق الانسان وفي طليعتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة، وبالفعل نصت المادة 10 من هذا الإعلان على ان «لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه» وتكرّس القوانين العصرية في مختلف الدول في العالم مبدأ الحيادية في نصوصها الوضعية
ولكن إذا قامت في القاضي ظروف شخصية يمكن ان تخرجه عن حيادته كأن يكون قريباً من أحد الخصوم او كأن يكون لديه رأي سبق ان أعطاه في النزاع المطروح عليه أو يملك معلومات شخصية سابقة عن النزاع بشكل يمكن ان يكون شاهداً فيه مع ان المبدأ هو منع القاضي من الاستناد الى معلوماته الشخصية المستقاة من الملف، كذلك يمكن ان تتوفر عند القاضي ظروف لصيقة بشخصه قد تجعله يستشعر الحرج في فصل النزاع، فكيف يمكن للخصم الآخر ان يركن بحيادية القاضي في مثل كل هذه الحالات، وحتى كيف يمكن للقاضي نفسه ان يتخلص من عبء الاستمرار في نظر هكذا ملف؟ ان القانون أجاب على السؤال المتقدم بان أوجد مؤسسة رد القاضي وعرض تنحيه من تلقاء نفسه، وما شابه ذلك من مؤسسات
ولكن ماذا لو سلك الخصم الآخر تقديم طلب الرد تعسفاً لتأخير الفصل في النزاع مع ما في ذلك من ضرر يمكن ان يلحق بخصمه، الأمر الذي يطرح مشكلة التوفيق بين مؤسسة طلب الرد كوسيلة لحماية مصلحة الخصم الذي يعتبر ان له مصلحة في تقديم طلب الرد، وبين مصلحة الخصم الآخر في منع خصمه من سلوك طريق الرد تعسفاً للإضرار به
ومن اجل الإضاءة على هذا الموضوع في القانون اللبناني سنبحث في مفهوم رد القضاة كوسيلة لحماية مصلحة جميع الخصوم في ضمان حيادية القاضي (أولاً) ثم في كيف يضمن النظام القانوني لطلبات الرد منع أحد الخصوم الإضرار بخصمه عن طريق سلوك تقديم طلب الرد تعسفاً (ثانياً) وأخيراً سنخصص فقرة مستقلة للحالة اللبنانية (ثالثاً)

الفقرة الأولى: مفهوم طلب رد القضاة كوسيلة لمراعاة حق الخصوم في ضمان حيادية القاضي
4 – تعريف طلب الرد - أسبابه: نص القانون اللبناني على طلب رد القاضي وتنحيته عن الحكم في المواد من 120 الى 130 منه. ويعني طلب رد القاضي  ان خصماً في الدعوى يطلب تنحية قاضٍ معين عن نظر الملف بسبب ظروف يُمْكن أن تُخرج القاضي عن موضوعيته إذا نظر بالدعوى، هذا ما يستفاد من الأسباب التي تشكل سبباً لطلب الرد في مختلف القوانين الوضعية المتعلقة بقانون أصول المحاكمات أو الإجراءات المدنية؛ ومنها المادة 120 من القانون اللبناني والمادة 341 من القانون الفرنسي لعام 1975 والمادة 116 من القانون الإماراتي لعام 2022؛ وتعود أسباب الرد بشكل عام الى أسباب شخصية ترتبط بشخص القاضي وعلاقته بأحد الخصوم، وبالفعل لقد عددت المادة 120 من القانون اللبناني أسباب الرد على الشكل التالي:
1 - إذا كان له أو لزوجه أو لخطيبه مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الدعوى ولو بعد انحلال عقد الزواج أو الخطبة.
        2 - إذا كان بينه وبين أحد الخصوم أو وكيله بالخصومة أو ممثله الشرعي قرابة أو مصاهرة من عمود النسب أو الحاشية لغاية الدرجة الرابعة ولو بعد انحلال الزواج الذي نتجت عنه المصاهرة.
3- إذا كانت له صلة قرابة أو مصاهرة لغاية الدرجة الرابعة بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصمة أو بأحد مديريها وكانت لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية بالدعوى.
4 - إذا كان أو سبق إن كان وكيلاً لأحد الخصوم أو ممثلاً قانونياً له أو كان أحد الخصوم قد اختاره محكماً في قضية سابقة.
5 - إذا كان قد سبق له أو لأحد أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة أن نظر بالدعوى قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها. وتستثنى الحالة التي يكون فيها ناظراً بالاعتراض أو اعتراض الغير أو إعادة المحاكمة ضد حكم اشترك فيه هو أو أحد أقاربه أو أصهاره المذكورين.
6 - إذا كان قد أبدى رأياً في الدعوى بالذات ولو كان ذلك قبل تعيينه في القضاء. ولا يصح إثبات هذا الأمر إلا بدليل خطي أو بإقرار القاضي.
8 - إذا كانت بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل، ولا يستهدف القاضي للرد بسبب التحقير الذي يوجهه له أحد الخصوم.
8- إذا كان أحد الخصوم دائناً أو مديناً أو خادماً للقاضي أو لأحد أقاربه لغاية الدرجة الثانية.
وتوجب القوانين إجمالاً على القاضي بان يعرض تنحيه عن نظر الدعوى من تلقاء نفسه عند توفر سبب من أسباب الرد أو التنحي، كما يجوز للقاضي، في غير أحوال الرد المتقدم ذكرها، إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب، أن يعرض تنحيه.
 (المادة 121 من القانون اللبناني وبنفس المعنى المادة 118 من القانون الإماراتي)  
5 ­ القضاة الذين يمكن طلب ردهم: إن عرض التنحي وطلب الرد لا يقتصر على قضاة الحكم في محاكم الدرجة الأولى والاستئناف والنقض، بل يمكن أن يتناول أيضاً قضاة النيابة العامة والمحكمين والخبراء (المادة 128/1 أ.م.م.) وقد أضاف قانون أصول المحاكمات الجزائية اليهم قاضي التحقيق (المادة 52)
6 - التمييز بين طلب الرد وأوضاع مشابهة: ان موضوع المحاضرة، كما هي محددة في برنامج، ينحصر بطلبات الرد المعروفة في التشريعات العربية من مثل قانون الإجراءات المدنية في دولة الإمارات العربية منذ اول قانون صدر فيها عام 1992 بالقانون رقم 11/92 وصولاً الى القانون الاتحادي رقم 42/2022، وقد نص هذا القانون على عدم صلاحية القضاة وردهم وتنحيتهم في الباب الثامن منه (المادة 116 الى المادة 125)
ولكن إذا كانت معظم التشريعات العربية، وعلى غرار قانون دولة الإمارات العربية المتحدة، نصت على هذا الطريق الوحيد لعرقلة سير العدالة تعسفاً أحياناً؛ فان القانون اللبناني نص على طرق أخرى مشابهة يمكن ان يسلكها أحد الخصوم تعسفاً للإضرار بمصلحة خصمه ومصلحة العدالة اجمالاً، وهذه الطرق يمكن حصرها بإثنين هما (أ) طلب نقل الدعوى (ب) مخاصمة القضاة أو مداعاة الدولة بشأن المسؤولية عن أعمال القضاة وهذه الطريق قد تكون أشدّ وقعاً بضررهاً على الدولة وعلى الخصم الآخر من سلوك طريق الرد
(أ‌)    طلب نقل الدعوى: ان طلب نقل الدعوى ورد النص عليه في قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني في المواد من 116 الى 119 منه، وهذه المواد سبقت مباشرة النص على طلب رد القاضي وتنحيته بدءاً من المادة 120
أما الأسباب التي قد تبرّر طلب نقل الدعوى، فقد عددتها المادة 117 من القانون اللبناني على الشكل التالي:
1- إذا تعذر تشكيل هيئة المحكمة لعدم وجود عدد كاف من القضاة أو لاستحالة قيام المحكمة بأعمالها بسبب القوة القاهرة.
2 - إذا كان بين أحد الخصوم وبين القاضي المنفرد أو قاضيين ممن تتألف منهم المحكمة أو رئيسها قرابة أو مصاهرة من جهة عمود النسب أو من الحاشية لغاية الدرجة الرابعة.
3 - إذا وجد سبب يبرر الارتياب بحياد المحكمة.
    4 - إذا كان من شأن نظر الدعوى لدى إحدى المحاكم أن يحدث اضطراباً بالأمن.
     ويتبين من هذا التعداد ان السبين الثاني والثالث هما من ذات نوعية الأسباب التي تبرر طلب رد القاضي او تنحيته أي انها متعلقة بشخص القاضي، في حين السببين الأول والرابع تعود لأسباب موضوعية غير متعلقة بشخص القاضي
 (ب) مداعاة الدولة بشأن المسؤولية عن أعمال القضاة - مخاصمة القضاة: يمكن تعريف مداعاة الدولة بشأن المسؤولية عن أعمال القضاة أو مخاصمة القضاة على أنها طريق طعن يهدف لتعويض الخصم عن إخلال القاضي أو هيئة المحكمة بكاملها بالواجبات المهنية.
وهذا الطريق من طرق الطعن يرمي إلى التوفيق بين الضمانات المفروض توفيرها للقضاة في عملهم وبين الضمانات الواجب توفيرها للمتقاضين عند اخلال القضاة بالواجبات المهنية( )
ومن ثم يصح القول ان دعوى مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة العدليين هي طريق استثنائي لإبطال الحكم، وبالتالي فانها لا تقبل ما لم يكن الطاعن استنفذ طرق الطعن المتاحة له قانوناً، بمعنى انه إذا كان المدعي في هذه الدعوى لديه طرق أخرى للطعن ولم يستنفدها، فعندها لا تقبل دعواه ويغرّم( ). مما مفاده ان الدعوى هنا يجب ان تتناول حكماً لا يحوز فقط على الصفة القطعية (راجع عن الصفة القطعية للحكم كتاب الوسيط في قانون أصول المحكمات المدنية اللبناني الطبعة الثامنة 2022 ج 2 البند 797)، بل لا بد ان يكون اكتسب صفة الانبرام( ). ذلك ان هذه الدعوى تشكل مراجعة استثنائية بدليل ان الشروع بالمحاكمة فيها غير ممكن قبل التأكد من جدية أسبابها( ).
ولا تقبل الدعوى بشأن التدابير الخاصة بالإدارة القضائية( ) ( راجع بشأن هذه التدابير المرجع السابق البند 867)
ويجدر الإشارة هنا الى ان دور الهيئة العامة لمحكمة التمييز في هذه الدعوى يقتصر على تقييم مسؤولية القاضي وتحديد مدى ارتكابه خطاً جسيماً فيما ذهب اليه في قراره، بمعنى ان الهيئة العامة هنا ليست مرجعاً تسلسلياً أو تمييزياً للقاضي أو المحكمة مصدرة القرار موضوع دعوى مسؤولية الدولة عن أعمال القضاة العدليين( ).
وفي الواقع لا يمكن اعتبار مداعاة الدولة بشأن المسؤولية عن اعمال القضاة طريقاً من طرق الطعن إلا بقدر ما تهدف إلى الطعن بالحكم والتخلص من نتائجه، إذ أن هناك حالات لا يكون فيها الحكم قد صدر.  وبالفعل عند المداعاة بسبب التخلف عن احقاق الحق لا يشكو المدعي من حكم صدر بل يمكن ان يشكو من عدم صدور الحكم.
ولقد حلت مداعاة الدولة بشأن المسؤولية عن أعمال القضاة محل الطعن المعروف في القانون القديم بمخاصمة القضاة (prise á la partie). فالقانون اللبناني القديم الصادر عام 1932 كان يعالج احكام مخاصمة القضاة في المواد /563/ إلى /581/، وقد تعدلت هذه الأحكام بالمواد /86/ إلى /97/ من قانون التنظيم القضائي اللبناني السابق. وهي مستوحاة اجمالاً من القانون الفرنسي القديم (المواد /505/ إلى /516/)، وكانت دعوى المخاصمة في القانون القديم تقام على القاضي والدولة معاً، وإذا حكم بصحتها فيحكم على المدعى عليهم بالتكافل والتضامن مع الدولة بدفع بدل العطل والضرر.
وحلت مداعاة الدولة بشأن المسؤولية عن أعمال القضاة في فرنسا محل مخاصمة القضاة المعروفة في القانون القديم بموجب قانون التنظيم القضائي الصادر بالمرسوم رقم /329/ تاريخ 16/3/1978.
إلا أن ما يقتضي الإشارة إليه هو أن القواعد الجديدة لا تختلف كثيراً عن القواعد القديمة إذ أن وجه الاختلاف الجوهري بينهما هو أن الدعوى تقام، بموجب القانون الحالي، على الدولة وليس على القاضي وإنما يبقى للقاضي أن يتدخل في الدعوى.
الفقرة الثانية: استعمال الطلب تعسفاً في النظام القانوني لطلب الرد
7 - إجراءات طلب الرد توصلاً للفصل فيه قد تُفسح في المجال لاستعماله تعسفاً: يجب على القاضي أن يعرض تنحيه من تلقاء نفسه عند توفر سبب من أسبابه، وإذا لم يعرض القاضي تنحيه رغم توفر أحد هذه الأسباب فيجوز للخصوم أو لأحدهم أن يطلب رده (المادة 121)
ولكن إذا كان القانون أوجب على القاضي ان يعرض تنحيه من تلقاء نفسه في الأحوال المبينة في المادة السابقة، الا انه لا يمكن للفرقاء إلزامه بالتنحي في هذه الحالة، ولا حتى في حالة استشعار الحرج، ذلك ان المشترع اعطى للفرقاء حق طلب ردّ القاضي في حال تبين لهم توفر احدى الحالات المنصوص عليها في المادة 120 في حال عدم تنحي القاضي عند توفر أحد شروطه. وتبعاً لذلك لا يجوز للفرقاء طلب تنحي القاضي مهما كانت الأسباب لهذا الطلب لأن التنحي يصدر عن القاضي نفسه( )
ويقدم طلب الرد فيما يتعلق بقضاة محاكم الدرجة الأولى إلى محكمة الاستئناف التابعة لها تلك المحاكم، وفيما يتعلق بقضاة محكمة الاستئناف إلى محكمة الاستئناف ذاتها لتنظر فيه غرفة من غرفها يعينها الرئيس الأول لهذه المحكمة، وفيما يتعلق بقضاة محكمة النقض إلى محكمة النقض ذاتها لتنظر فيه غرفة من غرفها يعينها الرئيس الأول لمحكمة النقض. وبكل الاحوال وتنظر المحكمة المختصة بطلب الرد في غرفة المذاكرة، وبدون دعوة الخصوم، وتبت به بقرار لا يقبل أي طعن (المادة 123) يقدم طلب الرد قبل المناقشة في الموضوع تحت طائلة عدم قبوله، ما لم يكن سببه قد وقع أو عرف بعد ذلك وعندها يجب تقديمه خلال ثمانية أيام من وقوع سببه أو العلم به (المادة 124) وهذا يعني ان طلب الرد له طبيعة الدفع الإجرائي
ويبلغ القاضي والخصوم طلب الرد ولكل منهم أن يبدي ملاحظاته خلال مهلة ثلاثة أيام، ويفصل في الطلب بغرفة المذاكرة (المادة 126)
ومنذ تبليغ (اعلان) القاضي طلب رده يتوجب عليه أن يتوقف عن متابعة النظر بالقضية إلى أن يفصل في الطلب. إلا أنه يجوز للمحكمة التي تنظر في طلب الرد، وعند توفر الضرورة، أن تقرر السير في المحاكمة دون أن يشترك فيها القاضي المطلوب رده (المادة 125).
وإذا تبين أن من طلب الرد غير محق في طلبه فيحكم عليه بغرامة وبالتعويض للقاضي المطلوب رده وللخصم المتضرر من تأخير المحاكمة، وإذا أدى طلب أو طلبات الرد المتعددة إلى تعذر تأليف هيئة المحكمة فتطبق عندئذ أحكام نقل الدعوى (المادة 129).
يتبين من إجراءات طلب الرد توصلاً للفصل فيه انه بمحرد تقديم طلب الرد يجب ان يتوقف سير الدعوى، ويبقى متوقفا الى حين الفصل بالطلب إما برده وإما بقبوله ولا يتابع السير بالملف إلاّ بعد ان يتم تبليغه من المعنيين به، ومثل هذه الإجراءات تستغرق وقتا في لبنان قد يطول لعدة أسباب سنذكرها لاحقاً، وهذا ما يُفسح في المجال أمام الخصم يكون هدف من سلك هذا الطريق تعسفاً.



8 – الوسائل القانونية والعملية للحد من استعمال طلب الرد تعسفاً: يمكن للقاضي المطلوب رده تفويت الفرصة على الخصم المتعسف في استعمال حقه بتقديم طلب وذلك  بان يعرض تنحيه من تلقاء نفسه، ذلك ان تقديم طلب الرد لا يشكل  حائلاً يمنع القاضي ان يعرض تنحيه من تلقاء نفسه بما يحيز للمحكمة التي تنظر بطلبات الرد والتنحي ان تقبل بسرعة عرض التنحي وتعيّين قاضٍ بديل لإكمال هيئة المحكمة، وقد صدر حديثاً قرار عن الهيئة الاتهامية في بيروت في نهاية شهر آب من العام 2023 تنحّت فيه من تلقاء نفسها لمنع عرقلة العدالة بمجرد ان تقدم أحد الخصوم بطلب الرد اعتبرته قُدّم تعسفاً
وبكل الأحوال حاول قانون أصول المحكمات المدنية اللبناني الحدّ من تقديم طلب الرد تعسفاً، وذلك بفرض غرامة مالية على من يتقدم بمثل هكذا طلب، بالإضافة الى الحكم بالتعويض للمتضرر، وذلك كما يتضح من المادة 127 من القانون ومؤداها:
إذا تبين أن من طلب الرد غير محق في طلبه فيحكم عليه بغرامة تتراوح بين أربعين ومئة وستين ألف ل.ل. ويمكن أن يحكم عليه بالتعويض للقاضي المطلوب رده وللخصم المتضرر من تأخير المحاكمة
ولكن ما يمكن هنا قوله هو ان نتائج التعسف بممارسة الحق باستعمال طريق طلب الرد ليس حكراً على طلب الرد فقط، ذلك انه مجرد حالة تطبيقية لنظرية التعسف باستعمال الحق المكرسة في المادة 124 من قانون الموجبات والعقود اللبناني منذ صدوره في العام 1932، وهذا هو نصها: الموجب الناجم عن تجاوز استعمال الحق: يلزم ايضا بالتعويض من يضر الغير بتجاوزه، في اثناء استعمال حقه، حدود حسن النية او الغرض الذي من اجله منح هذا الحق. كما تكرست النظرية أيضا في قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني منذ صدور عام 1932 والذي حل محله القانون الصادر عام 1983 بالمرسوم الاشتراعي رقم 90/83 وهذه هي النصوص في هذا القانون:
المادة 10- حق الادعاء وحق الدفاع مقيدان بحسن استعمالهما، فكل طلب أو دفاع أو دفع يدلي به تعسفاً يرد ويعرض من تقدم به للتعويض عن الضرر المسبب عنه.
المادة 11- يحكم على الخصم المتعسف بغرامة قدرها أربعون ألف ليرة على الأقل ومليونا ليرة على الأكثر تقضي بها المحكمة من تلقاء نفسها.
ونفس الحل يطبق على من يتقدم تعسفاً بطلب تدخل أو ادخال (المادة 43) أو بطعن أو دفاع بوجه طعن الآخر (المادة 628)
ولكن من الناحية العملية يمكن القول ان الغرامات والتعويضات التي كانت تفرضها المحاكم بسبب التعسف في استعمال الحق في كل وجوهه لم تكن تشكل رادعاً لبعض الخصوم من سلوك هذا الطريق.
 وبالنتيجة اعتقد ان التعسف باستعمال طلب رد القاضي قد لا يحتاج الى دراسة مفصلة باعتباره وجهاً من الوجوه التطبيقية لنظرية التعسف باستعمال الحق، وقد يكون هذا الوجه التطبيقي للنظرية هو الأقل ضرراً من الوجوه العديدة لها؛ ولكن الحالة التطبيقية في لبنان وبالأخص استعمال طلبات الرد ودعاوى مخاصمة القضاة في قضية انفجار مرفأ بيروت هي التي أضفت على هذا الموضوع أهمية خاصة جعلها تتجاوز الرأي العام في لبنان الى الرأي العام في العالم بحيث تتصدر أحياناً وسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، في حين اننا لم نسمع بقضية مماثلة في دول عربية أخرى، الأمر الذي يوجب البحث في أسباب الحالة اللبنانية ووضع مقترحات لمعالجتها

الفقرة الثالثة: الحالة اللبنانية
9 – الحالة اللبنانية - ابعادها سواء المتعلقة بالتحقيق بانفجار مرفأ بيروت بشكل خاص أو بتعثّر النظام القضائي في لبنان بشكل عام: ان اللجوء الى سلوك طريق رد القاضي أو مخاصمته تعسفاً في مختلف القوانين العربية هي حالة عادية تتيح للخصوم سلوكها لضمان محاكمة عادلة ونزيهة، ولكن الحالة اللبنانية جعلت من سلوك هذا الطريق حالة فريدة نسبة للعالم العربي بعد ان شاع في العالم خبر كارثة انفجار مرفأ بيروت ومن ثم توقف التحقيق في هذا الانفجار بسبب طلبات رد القضاة ومخاصمة المحقق العدلي وطلب نقل الدعوى الى محقق عدلي آخر في هذا الانفجار، وسنبدأ هذه الفقرة  بعرض  انفجار مرفأ بيروت وطلبات الرد والأوجه المشابهة  
10 – واقع انفجار مرفأ بيروت وتوقف التحقيق فيه: حصل انفجار المرفأ في بيروت يوم 4 آب من العام 2020 وبعدها قرر مجلس الوزراء بتاريخ 11 من ذات الشهر إحالة الملف الى المجلس العدلي، وبعد يومين تم تعيين القاضي فادي صوان محقّقأ عدلياً في القضية، ولكن بعد سبعة أشهر وتحديداً بتاريخ  18 شباط من العام 2021 قررت محكمة التمييز الجزائية اللبنانية برئاسة القاضي جمال الحجار قبول طلب نقل التحقيق الى محقق عدلي آخر نتيجة لطلب نقل للدعوى كان تقدم به بعض الوزراء السابقين - نواب في حينه - والذين استدعاهم المحقق العدلي لاستجوابهم بصفة مدعى عليهم، وعلى الأثر وتحديدا بتاريخ 19/2/2021 _ أي بعد يوم واحد - تم تعيين المحقق طارق البيطار بديلاً عن القاضي صوان؛ ولكن بعد ان واصل المحقق البيطار التحقيق لمدة سنة وبضعة أشهر توقف حكماً عن متابعة التحقيق بسبب دعاوى مخاصمة تقدمت ضده أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز اللبنانية، وهذه الدعاوى لا تزال عالقة لغاية الآن بما كان يوجب استمرار توقف المحقق العدلي عن عمله
 ولكن القاضي البيطار، وبعد توقفه عن العمل لمدة 13 شهراً، حاول العودة الى التحقيق بفتوى قانونية كان اعتمدها هو؛ إلاّ ان محاولته باءت بالفشل لعدم الموافقة على هذه الفتوى من كثير من رجال القانون في لبنان وكذلك البعض في الإدارة القضائية، وخصوصاً النائب العام التمييزي، ومن ثم اتخذ هذا الأخير قراراً مزدوجاً في إطار التحقيق في انفجار المرفأ قرّر فيه:
-    الادعاء على القاضي البيطار معتبراً ان يده لاتزال مكفوفة عن النظر بالملف
-    إطلاق سراح جميع الموقوفين في ملف انفجار المرفأ لمرور أكثر من سنة على توقيفهم، وعدم وجود محقق عدلي للبت بطلبات إخلاءات السبيل المتراكمة المقدمة منهم
وكخطوة مقابلة ادعى المحقق البيطار على مدعي عام التمييز. ولا يزال كل من الادعائيين المتقابلين عالقين دون ان تتخذ أي إجراءات عملية في أي منهما، بما يُستفاد منه ان التعثر في تحقيق انفجار المرفأ هو انعكاس لعدم انتظام العمل القضائي في لبنان كما سيلي
11 - أسباب تعثر التحقيق في انفجار المرفأ بشكل خاص وتراكم الملفات للتأخير بسير المحاكمة لفصل الدعاوى بشكل عام: ان الاجازة للخصوم بطلب رد القاضي والوجوه المشابهة له هو حق للخصوم لضمان حقهم بمحاكمة عادلة ونزيهة وإن كان يمكن التعسف في استعمال هذا الحق أحياناً، وبسبب الأثر الحكمي للطلب المتمثل بوجوب توقف القاضي عن النظر بالملف الى حين الفصل بالطلب، ونتيجة للإجراءات وما يداخلها من مهل أو مواعيد يستوجبها كل إجراء، كان من الطبيعي ان يتأخر سير التحقيق كما هو الحال في أي دعوى يحصل فيها تقديم طلب رد القاضي عن نظر القاضي بالملف؛ ولكن ان يتوقف التحقيق لسنوات ويُترك مدعى عليهم موقوفون في الملف لأشهر أو سنوات دون وجود قاضٍ يمكنه ان  يفصل بطلب إخلاء سبيل الموقوفين كما هو حاصل في التحقيق في انفجار المرفأ، كل ذلك يشكل سابقة يجب بيان أسبابها بكل موضوعية، وإذا امعنا النظر في مختلف المشاكل والأزمات التي يعاني منها لبنان لتبين لنا، بدْءاً من أزمة انتخاب رئيس الجمهورية الى قضية التحقيق في مرفأ بيروت بشكل خاص والخلل في انتظام العمل القضائي بشكل عام ترتدّ جميعها الى الخلل في تطبيق النصوص الدستورية والقانونية أحياناً والى تجذّر النظام الطائفي  بشكل عام، كما سيلي
12 – ان الخلل في انتظام عمل السلطات في لبنان وتجذّر الطائفية السياسية هما وراء مشكلة تعثّر انتخاب رئيس الجمهورية ووقف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت: نسمع كثيراً عن طروحات بضرورة الحوار والتوافق على اسم الرئيس وكذلك قدوم موفدين من دول شقيقة وصديقة للمساعدة في الحلّ؛ ولكن كل ذلك ما هو إلاّ هروب من تطبيق النص الدستوري وتجذّر الطائفية السياسية، وبالفعل ان الطائفية السياسية في لبنان التي كانت أصلاً لتوزيع المراكز بين الطوائف بشكل عادل، تحوّلت الى سيطرة أمراء الطوائف على السلطة السياسية في الدولة والسيطرة على كل مؤسسات الدولة عن طريق إحلال الولاء الى الحزب أو التيار السياسي بدل الولاء للوطن، ذلك ان
مشكلة انتخاب الرئيس تجد حلاً واحداً لها يتمثل بتطبيق النص الدستوري بشكل نزيه، فالمادة المادة 74 من الدستور تنص بشكل صريح على انه: إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا بحكم القانون ...، والأهم من الانعقاد الحكمي هو ما نصت عليه المادة 75 التي أتت تحت عنوان: صلاحيات المجلس الملتئم للانتخاب وهو التالي: إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة او أي عمل آخر.
وبالطبع ان سبب عدم تطبيق النص الدستوري أدّى دوماً الى عدم انتظام الحياة السياسة في لبنان وهذا يعود لأسباب تتعلق بتجذّر الطائفية والتزام الكتل النيابية برأي أمير الطائفة أو الحزب أو التيار
ولعل عدم انعقاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز اللبنانية بذريعة تشكيل الهيئة من الرؤساء الأصلين فقط هو حالة نموذجية تطبيقية لحالة عدم انعقاد مجلس النواب الحكمي لانتخاب الرئيس، ذلك ان هناك رؤساء لجميع الغرف يمارسون أعمالهم ويفصلون بالملفات كرؤساء للغرف وفقاً للقانون وتالياً ان الهيئة مكتملة، إلاّ ان تجذّر الطائفية السياسية وما وصلت اليه من ضرورة موافقة امير الطائفة أو الحزب على التعيين لهذا المركز يمنع الرؤساء المنتدبين من إكمال الهيئة العامة بذريعة التوازن الطائفي في تشكيلة الهيئة العامة أو ما أسموه بالميثاقية تطبيقاً لما اطلقوا عليه النظام التوافقي!!!
13 - ان الخلل في انتظام عمل السلطات في لبنان وتجذّر الطائفية السياسية هما وراء بطء سير العجلة القضائية في لبنان: ان الخلل في النص التشريعي بوجوب التوقف الحكمي عن النظر بالملف بمجرد تقديم طلب الرد بغياب أي جزاء فعّال ورادع يمكن ان يتعرض له من يتعسف في استعمال الحق يمكن ان يشكل خللاً في النص التشريع يمكن تداركه بتعديل النص، وكذلك ان عدم تحديث طرق التبليغ مع ما يستتبع ذلك احياناً من لجوء أصحاب العلاقة الى التهرّب من التبليغ بطرق غير نزيهة، كلّها مشاكل يمكن معالجتها بتعديل طرق التبليغ توصلا للتبليغ الالكتروني، ولكن ماذا يمنع ذلك ؟
هناك أمران يمنعان ذلك أولهما يتمثل بعدم انتظام عمل المؤسسات الدستورية وثانيهما عدم تطبيق النصوص القانونية وغياب المحاسبة في أكثر الأحيان
(أ) بالنسبة لعدم انتظام العملية التشريعية وعدم انتظام عمل المؤسسات الدستورية: ان عدم انتظام عمل السلطات الدستورية في لبنان يشكل حائلاً دون تحديث القوانين خصوصاً لإصلاح أي خلل يظهر في النص التشريعي.
وهنا يمكن ان أذكر واقعة قد يتذكرها أيضاً معالي الصديق الوزير رئيس الجلسة وهي التالية: شكّل الوزير ابراهيم النجار، يوم تولّى مركز وزارة العدل، لجنة من كبار رجال القانون في لبنان بدون تدخل السياسيين أو مراعاة التوزيع الطائفي، وكان لي شرف عضويتها. وكان الهدف من تشكيل اللجنة تحديث القوانين في لبنان، وكان الوزير يدعو لانعقاد جلسات دورياً بداية كل شهر، وقد تم وضع مشاريع قوانين عديدة في هذا المجال وبينها مشروع قانون كان لي شرف اعداده وهو يتعلق بالوقف الحكمي لسير الدعوى عند الادعاء جزائياً بتزوير المستند (المادة 850 من قانون أصول المحاكمات اللبناني) وكثيرا ما كان يتم اساة استعمال هذا النص ، فمثلاً كان المنفذ عليه ينتظر حتى يتم وضع دفتر شروط البيع وتحديد جلسة المزايدة، ليبادر بعد ذلك الى تقديم دعوى تزوير السند التنفيذي جزائيا رغم علمه بصحة المستند، فوضعنا في لجنة تحديث القوانين مشروع قانون لتعديل ذات المادة بحيث لا يتوقف التنفيذ إلا اذا قررت المحكمة ذلك على ضوء جدّية الأسباب المتخذة سنداً لدعوى التزوير؛ ولكن بكل أسف ان مشروع القانون لم يصدر من السلطات الدستورية لغاية الآن كما الكثير من غيره من مشاريع القوانين التي أعدتها اللجنة برئاسة الوزير نجار وذلك منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وأُضيف هنا انه بعد ان ترك الوزير نجار الوزارة وتعاقب خمسة على مركز وزارة العدل من بعده، لم نتلقَّ أي دعوة لانعقاد أية جلسة للجنة تحديث القوانيين!!!
(ب) بالنسبة لعدم تطبيق النصوص القانونية وغياب المحاسبة: ان عدم تشدّد الإدارة القضائية بتطبيق النصوص القانونية خصوصاً بالنسبة لمهل المحاكمات بشكل عام بحجة حق الدفاع يشكل سبباً رئيسياً لبطء سير المحاكمات ذلك ان القانون اللبناني يحدد مهلاً معقولة لممارسة حق الدفاع سواء في المحاكمات الجزائية أو المدنية؛ ولكن التراخي في احترام المهل القانونية للمحاكمة قد يكون من أهم أسباب الأخير في فصل الملفات، وبالفعل:
 فعلى صعيد التحقيق الجزائي يعطي قانون أصول المحاكمات الجزائية الحق للمدعى عليه بالاستعانة بمحامٍ في التحقيق وبتقديم مذكرة دفوع شكلية، وفي أكثر الأحيان يأتي المدعى عليه الى الجلسة الأولى امام المحقق المخصصة لاستجوابه، فيستمهل لتعيين محامٍ فتحدد جلسة لاحقة بهدف ان يعين المدعى عليه محاميا ً لمعاونته في التحقيق فيأتي المحامي في الجلسة ويستمهل لإبراز الوكالة ومن بعدها يستمهل مجدّداً بذريعة انه بحاجة الى وقت للاطلاع على الملف، ومن ثم تحدد جلسة جديدة لهذا الغرض، ثم يأتي المحامي الوكيل الى هذه الجلسة ويستمهل مجدداً لتقديم مذكرة دفوع شكلية قبل استجواب، وإذا تم تقديم مذكرة الدفوع الشكلية ترجأ الجلسة الى موعد جديد لإصدار القرار بشأن الدفوع الشكلية، وبعد اصدار القرار برد الدفوع الشكلية يسلك وكيل المدعى عليه طرق الطعن بهذا القرار، بحيث تمر فترة طويلة والمحقق لم يتمكن بعد من استجواب المدعى عليه
 أمّا على الصعيد المدني فيتخذ موضوع الاستمهال لممارسة حق الدفاع طابعاً أكثر حدة بتكرار الاستمهال وانعقاد جلسات لا فائدة منها تطيل أمد المحاكمة المدنية سنوات وسنوات خلافاً للنص القانوني، وبالفعل:
هناك نصوص صريحة في القانون اللبناني تجعل صدور الحكم ممكنا خلال عدة أشهر، ذلك ان القانون حدّد مهلاً معقولة وقصيرة نسياً لممارسة حقق الدفاع قبل انعقاد أية جلسة، وبعد ذلك نصت المادة 456/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الحالي منذ صدوره في العام 1983 على أنه «في اليوم التالي لانتهاء مهل تقديم اللوائح، يجب على رئيس القلم أو الكاتب أن يحيل الملف إلى رئيس المحكمة الذي ينتدب أحد قضاتها للاطلاع عليه لأجل استكماله عند الاقتضاء وتحضير القضية للمرافعة في مهلة يحددها له وتكون قابلة للتمديد عند الحاجة. ويعود لرئيس المحكمة أن يباشر هذا العمل بنفسه». ولكن بالرغم من صدور هذا النص منذ العام 1983 فانه لم يطبّق لغاية الآن وبقي الخصوم والمحامون الوكلاء والقضاة يهدرون وقتهم في حضور جلسات لا طائل منها لأكثر من عشر سنوات أحياناً والملف في قلم المحكمة، مع تضخيم الملف أحيانا بدون سبب سوى اصدار عشرات القرارات الاعدادية والتي يكون لا مبرر لها في أكثر الأحيان!!!
وكل هذه الأوجه لتأخير سير المحاكمات المدنية والجزائية والتي تبدو مألوفة أمام المحاكم اللبنانية، لم أصادف مثيلاً له طيلة فترة عملي كمستشار في محكمة النقض في ابوظبي لسهر الإدارة القضائية هناك على التقيّد بتطبيق النصوص القانونية، تحت طائلة المحاسبة الجدّية؛ ولكن غياب المحاسبة في لبنان يعود لإمساك أمراء الطوائف بولاء من يزكونهم للتعيين للمركز ومن ثم التغطية عليهم في احيانٍ كثيرة
14 - النتيجة: وبالنهاية يصح القول ان كل المشاكل العالقة في لبنان تجد حلاّ واحداً لها وهو في التزام كل المكونات السياسية والطائفية في لبنان – الوطن - بالنظام القانوني فيه وفي طليعة هذا النظام نصوص الدستور اللبناني بعد الطائف الذي حدّد النظام السياسي في البند هـ منه بالقول: «النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها» و في البند ج: «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية»، ومن ثم يصح القول ان الطروحات  اليوم بضرورة الدعوات للحوار والتوافق على اسم الرئيس وتالياً القول بان النظام السياسي اللبناني هو نظام  توافقي هي كلها مناقضة تماماً للنظام البرلماني ويوحي ان هناك دولاً أو قبائل متعددة في لبنان لا يمكن ان يسير الحكم بدون اتفاق مشايخها أو رؤساء القبائل فيها، وبما كان دوماً يعطل سير وانتظام عمل السلطات الدستورية - وهو الذي عطّل التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت -
جاء أيضاً في البند أ من مقدمة الدستور ان «لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع ابنائه» كذلك جاء في البند ب من ذات المقدمة ان «لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية، وملتزم مواثيقها...»
بمعنى ان هناك وطناً ودولة واحدة يعيش فيه اللبنانيون، وأول مفهوم للدولة كان هو مفهوم الدولة الدركي «l’Etat gendarme» أي التي تحتكر وحدها القوى العامة والقوات المسلحة للوطن، كما انه في  مفهوم الوطن الواحد يُفترض ان يتربى الناشئة على أساس ان الولاء السياسي يكون لهذا الوطن بحيث لا يمكن تجزئة هذا الولاء بين الوطن لبنان وبين وطن او دولة أخرى بمفهوم الوطن، كما ان مفهوم الوطن يفترض ان تكون تربية اجياله على أساس هويته وانتمائه المتفق عليهما في العقد الاجتماعي، أي وفقاً لما ورد في الدستور اللبناني  بان لبنان هو وطن عربي الهوية والانتماء

فهرس
مقدمة
    1 – تكريس النص على طلب رد القاضي في مختلف البلدان العربية – اختلاف تسمية ذات القانون باللغة العربية. قانون أصول المحاكمات المدنيّة 2 - الاعتبـارات التـي قصد القانون الوضعي مراعاتها عندما أدخل مؤسسة رد القضاة الى القانون الوضعي.  3 – حيادية القاضي أحد شروط المحاكمة العادلة والنزيهة – مخطط البحث
الفقرة الأولى: مفهوم طلب رد القضاة كوسيلة لمراعاة حق الخصوم في ضمان حيادية القاضي
4 – تعريف طلب الرد – أسبابه. 5 ¬ القضاة الذين يمكن طلب ردهم. 6 - التمييز بين طلب الرد وأوضاع مشابهة.  (أ) طلب نقل الدعوى (ب) مداعاة الدولة بشأن المسؤولية عن أعمال القضاة - مخاصمة القضاة.  
الفقرة الثانية: استعمال طلب الرد تعسفاً في النظام القانوني
7 - اجراءات طلب الرد توصلاً للفصل فيه قد تُفسح في المجال لاستعماله تعسفاً 8 – الوسائل القانونية والعملية للحد من استعمال طلب الرد تعسفاً.
الفقرة الثالثة: الحالة اللبنانية
9 – الحالة اللبنانية - ابعادها سواء المتعلقة بالتحقيق بانفجار مرفأ بيروت بشكل خاص أوبتعثّر النظام القضائي في لبنان بشكل عام 10 – واقع انفجار مرفأ بيروت وتوقف التحقيق فيه 11 - أسباب تعثر التحقيق في انفجار المرفأ بشكل خاص وتراكم الملفات للتأخير بسير المحاكمة لفصل الدعاوى بشكل عام:    12 – ان الخلل في انتظام عمل السلطات في لبنان وتجذّر الطائفية السياسية هما وراء مشكلة تعثّر انتخاب رئيس الجمهورية ووقف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت 3 - ان الخلل في انتظام عمل السلطات في لبنان وتجذّر الطائفية السياسية هما وراء بطء سير العجلة القضائية في لبنان
14 - النتيجة