التعريف بالكتاب
طبقاً للقانون الاتحادي رقم 42/2022 واجتهاد المحاكم العليا في الامارات لغاية نهاية أيار 2024
مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه أو في تأويله – وقوع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم - صدور الحكم على خلاف قواعد الاختصاص - الفصل في النزاع على خلاف حكم آخر - خلو الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها - الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه - الحكم الانتهائي الفاصل في نزاع خلافًا لحكم آخر
تأليف
البروفسور حلمي محمد الحجار
مستشار سابقاً في محكمة النقض إمارة أبوظبي الغرفة التجارية الثانية - قاضٍ أسبق وعضو لجنة تحديث القوانين وأستاذ في جامعات الحقوق وفي معهد الإدارة العامة ومعهد قوى الأمن الداخلي في الجمهورية اللبنانية
ISBN -978 – 9948 -20 -239 -4
جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف
الطبعة الأولى بيروت 1444هـ - 2024 م
لا يجوز نشر اي جزء من هذا الكتاب، او نقله على اي نحو وبأي طريقة كانت الا بموافقة خطية من المؤلف.
النسخة الالكترونية
تطلب من شركة دار الكتاب الإلكتروني اللبناني ش.م.ل. شركة مساهمة لبنانية مسجّلة في السجلّ التجاري في بيروت تحت الرقم 1008990 بيروت - فرن الشباك – بناية سلطان – خلف السجل العدلي ص.ب.: 9220-11
تلفون: 838755 3 00961
Turkishlaw.almustashar.com
jo.pcm.gov.lb
Email: [email protected]
و 614667 1 00961 - خلوي 464667/03
النسخة الورقية
تطلب ودون ان تعطي لاحد أي حق حصري بالتوزيع في بلده أو في أي مكان آخر
1- من مكتبة دار الحافظ دولة الإمارات العربية المتحدة
2- 557789715 (00971)
Email : [email protected]
انستغرام
Dar – alhafez-uae
2 - منشورات الحلبي الحقوقية بيروت فرع أول: بناية الزبن -¬ شارع القنطاري قرب تلفزيون إخبارية المستقبل هاتف: 364561 (1 -961 + ) خليوي: 640544 ¬ 640821 (3-+961)
فرع ثانٍ: سوديكو سكوير هاتف 612632 ¬ (1 -961 + )
فاكس: 612633 (1 -961 + ) ص.ب. 0475/11 بيروت -¬ لبنان
E-mail: www.halabi-lp.com
[email protected]
فهرس مختصر لمحتويات الكتاب
الموضوع ص
1 - مراجع مختصرة ومصطلحات ............................ 7
2 – تقديم ......................................................... 19
3 - مقدمة الطبعة الأولى...................................... 23
4- مقدمة الكتاب................................................. 29
5 – القسم الأول من الكتاب .................................... 63
مخالفة القانون مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه
6 - القسم الثاني من الكتاب ................................... 261
– وقوع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم صدور الحكم - على خلاف قواعد الاختصاص - الفصل في النزاع على خلاف حكم آخر - خلو الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها - الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه - الحكم الانتهائي الفاصل في نزاع خلافًا لحكم
7 – فهرس هجائي.............................................. 649
8 – فهرس موضوعي......................................... 657
9- حلمي الحجار في سطور................................. 679
نتمنى على كل من يقرأ هذا الكتاب ويلفت نظره أي خطأ مطبعي أو أي ملاحظة أو غير ذلك ابلاغ المؤلف بالأمر
www.hajjarlegal.com
[email protected]
009613788848 009612788848
مقدمة الكتاب
1 - تعدد المحاكم العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة: يلاحظ انه توجد في دولة الإمارات العربية المتحدة اربع محاكم عليا هي المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة النقض في إمارة أبوظبي ومحكمة التمييز في إمارة دبي ومحكمة التمييز في إمارة رأس الخيمة، وهذا ناشيء عن الطابع الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة بالاضافة الى خصوصية معينة ادت الى قيام المحكمتين الاخيرتين.
وقد يكون من المفيد هنا وعلى سبيل المقارنة، أن نذكر أنه كان يوجد في إيطاليا قبل عام /1923/ خمس محاكم للنقض موزّعة جغرافياً حسب المناطق. وكان من نتيجة هذا التعدّد في محاكم النقض في الدولة الواحدة تنوّع الاجتهاد بتنوّع المناطق حسب رأي محكمة النقض التي تتبعها المنطقة.
إزاء المحذور المتقدّم صدر في إيطاليا مرسوم بتاريخ 24/1/1923
ألغى النظام السابق وتبنّى نظاماً مشابهاً للنظام الفرنسي إذْ نصّ على إيجاد محكمة نقض واحدة مركزها روما(1).
ولكن يبدو ان وجود اربع محاكم عليا في دولة الإمارات العربية المتحدة لم ينجم عنه أي محذور سلبي، لان الملاحظ هو وحدة اجتهاد تلك المحاكم
2 - إختلاف التسميات العربيّة لذات المحكمة ولذات القانون الذي ينظّمها - ضرورة توحيد المصطلحات القانونيّة العربيّة: إنّ تنظيم محكمة النقض واختصاصاتها وأسباب الطعن وأصول الطعن ومفاعيل الأحكام التي تصدر عنها تأتي عادة ضمن القوانين المتعلّقة بالإجراءات المدنيّة، وقد جاءت تسمية المحكمة والقوانين التي تنظمها تعريباً لمصطلحات قانونيّة فرنسية ليس لها إلاّ معنى واحد باللغة العربيّة.
ولكن إذا عدنا إلى التشريعات العربيّة المتعدّدة في هذا الموضوع نجد أن تلك القوانين عرّبت المصطلحات الفرنسية إلى اللغة العربيّة بعبارات مختلفة.
3 - بالنسبة لتسمية القانون المتعلّق بالإجراءات المدنيّة: إن المصطلح المستعمل في القانون الفرنسي بالنسبة لهذا القانون هو«Code de procédure Civile »، في حين نجد أن التشريعات العربيّة أطلقت على هذا القانون تسميات مختلفة.
- ففي دولة الإمارات العربية المتحدة أُطلق على هذا القانون اسم قانون الإجراءات المدنية، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من الجزائر والسودان والصومال(1). في حين نجد أن بقيّة التشريعات العربيّة أطلقت على ذات القانون التسميات التالية:
قانون أصول المحاكمات المدنيّة، وقد اعتمد هذه التسمية لبنان، بموجب المرسوم الإشتراعي رقم 72 / ل تاريخ 1/2/1933 وهو بعنوان » أصول المحاكمات المدنيّة « وقد حلّ محلّه في عام /1983/ المرسوم الإشتراعي رقم 90/83 وهو ايضاً بعنوان قانون »أصول المحاكمات المدنيّة«
- كما اعتمد ذات التسمية الأردن بالقانون رقم /44/ لسنة /1988/ مع صيغته المعدّلة بموجب القانون رقم /14/ لسنة /2001/، إذْ أطلق عليه تسمية قانون أصول المحاكمات المدنيّة؛ أمّا القانون السوري فقد حذف من التسمية كلمة »المدنيّة« وإختصرها إلى قانون أصول المحاكمات وذلك منذ عام /1953/ عندما صدر قانون أصول المحاكمات بتاريخ 28/9/1953،
- قانون المرافعات، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من اليمن الشماليّة وقطر(1).
- قانون المرافعات المدنيّة، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من العراق وليبيا(2).
- قانون المرافعات المدنيّة والتجارية، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من مصر والكويت والبحرين(3).
- مجلّة الإجراءات المدنيّة والتجارية، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون التونسي(1).
- قانون المسطرة المدنيّة، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون المغربي(2).
- مجلّة المرافعات المدنيّة والتجارية، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون الموريتاني(3).
وإذا كانت التشريعات العربيّة إختلفت فيما بينها على تعريب ذات المصطلح المتعلّق بذات القانون، فإنها إختلفت أيضاً بتعريب المصطلح المتعلّق بذات المحكمة أيّ محكمة النقض.
4 - بالنسبة لتسمية محكمة النقض: إن تسمية هذه المحكمة هي تعريب لتسميتها الفرنسية La Cour de cassation»« أو » La Cour suprême « .
وهنا أيضاً إختلفت التشريعات العربيّة، وضمن النصوص الواردة في القوانين التي أشرنا إليها (راجع البند 3)، في تعريب إسم المحكمة. وبالفعل يتبيّن من تلك القوانين أنها أطلقت على ذات المحكمة تسميات مختلفة هي التالية:
- محكمة النقض، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من القانون السوري والمصري والليبي، وقانون الإجراءات المدنية في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة مع الاشارة هنا الى ان إمارة أبوظبي تعتمد تسمية محكمة النقض في حين تعتمد إمارة دبي تسمية محكمة التمييز
- محكمة التمييز، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من القانـون اللبناني والعراقي والكويتي والأردني.
- المحكمة العليا، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من القانون السوداني واليمني الشمالي والصومالي والموريتاني.
- المجلس الأعلى، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون المغربي والقانون الجزائري.
- محكمة التعقيب، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون التونسي، مع الإشارة إلى أن القانون الموريتاني الذي أطلق على المحكمة إسم المحكمة العليا، أطلق على طريقة الطعن أمامها عبارة »الطعن بالتعقيب «
وإذا جاز لنا أن نبدي ملاحظة على هذا الإختلاف المشهود بين التشريعات العربيّة حول تعريب إسم قانون واحد وتسمية محكمة واحدة، فإننا نتساءل ماذا فعلت جامعة الدول العربيّة منذ عام 1945؟ فإذا لم تستطع أن تفعل شيئاً حيال وحدة الموقف العربي بسبب عقبات لا تستطيع الجامعة أن تتجاوزها، فما هي العقبات التي يصطدم بها تعريب مصطلح قانوني أجنبي إلى اللغة العربيّة، بل أكثر من ذلك ماهي العقبات التي تحول دون توحيد مختلف القوانين العربيّة في حقل القانون الخاص والتي لها ذات المضمون تقريباً في جميع البلاد العربيّة؟ هذا في وقت نشهد محاولات لتوحيد شعوب تختلف القوميات واللغة فيها كما هو حال أوروبا السائرة على درب الوحدة؟
أفلا يستطيع العرب تحقيق وحدة قانونيّة على الأقلّ في حقل القوانين التي لها ذات المضمون تقريباً؟.
5 - اختصاص محكمة النقض: إن لمحكمة النقض اختصاصاً عاماً يوليها إيّاها القانون. وهذا الاختصاص العام تشترك فيه المحاكم العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة مع بقية محاكم النقض في الدول العصرية، وهو نابع من الدور الذي أنشئت محكمة النقض من أجله، كما يظهر هذا الدور من تاريخ محكمة النقض الفرنسية (راجع لاحقاً البند 11)، وهو دور المراقبة القانونية على محاكم الموضوع، ودون ان تشكل المحكمة العليا درجة ثالثة من درجات المحاكمة
وتنظر مبدئياً في القضيّة دائرة أوغرفة من دوائر أو غرف محكمة النقض مؤلّفة من رئيس وعدد معين من المستشارين، ودور المحكمة العليا في المراقبة القانونية يتمثّل بالنظر في طلبات نقض الأحكام الصادرة عن محاكم الإستئناف أو أيّة محكمة أخرى أجاز القانون الطعن باحكامها أمام محكمة النقض.
6 - موقع الطعن بطريق النقض بين طرق الطعن ومبدأ التقاضي على درجتين: هناك مبدأ معروف في أصول المحاكمات هو مبدأ التقاضي على درجتين. ويعني هذا المبدأ أنه يحقّ لمن يتظلّم من حكم صدر عن محكمة الدرجة الأولى أن يطعن بهذا الحكم أمام محكمة تعلوها هي محكمة الإستئناف
وتحرص الدول العصرية على تضمين قوانينها المتعلّقة بالإجراءات المدنيّة والجزائية نصوصاً تؤمّن مبدأ التقاضي على درجتين، وقد تكرّس هذا التوجه في الشرع العالميّة المتعلّقة بحقوق الإنسان.
وبالفعل إن الشرعة الدوليّة للحقوق المدنيّة والسياسية الملحقة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسـان الصـادر عن الأمم المتّحدة بتاريـخ 10/12/1948 أكّد في البند /5/ من المادّة /14/ منه على أن »لكل محكوم بإحدى الجرائم الحقّ في إعادة النظر بالحكم والعقوبة بواسطة محكمة أعلى… «
وقد أسْتُعِيدَ النصّ ذاته وتكرّس في الشرعة الدوليّة الخاصّة بالحقوق المدنيّة والسياسية التي أقرّتها الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في دورتها الحادية والعشرين بتاريخ 16/12/1966
وأضحى طريق الطعن بالأحكام القضائيّة الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى أمام محاكم أعلى هي محاكم الدرجة الثانية أو محاكم الإستئناف مبدأً مستقرّاً في القوانين الحديثة، وهو يعتبر طريق طعن عادي يمكن سلوكه ضد أيّ حكم قضائي صادر بالدرجة الأولى ما لم يوجد نصّ خاصّ يمنع سلوكه.
ويُعْتَبر الإستئناف طريق الطعن العادي الأكثر أهمية وهو يطرح النزاع مجدّداً أمام محكمة الدرجة الثانية بجميع عناصره الواقعيّة والقانونيّة بحيث يصحّ أن تُسْنَد أسباب الإستئناف إلى العناصر الواقعيّة أو القانونيّة.
وهذا يعني أنه يجوز لمحكمة الإستئناف أن تنظر بالنزاع الذي طُرِح على محكمة الدرجة الأولى بجميع عناصره الواقعيّة أو القانونيّة، ومن ثمّ يحقّ لها أن تعيد النظر في العناصر الواقعيّة أو في تقدير محكمة الدرجة الأولى لتلك العناصر وتخلص إلى نتيجة مختلفة، كما يمكنها أن تعيد النظر في القواعد القانونيّة التي طبقتها محكمة الدرجة الأولى وتخلص إلى نتيجة مختلفة بشأنها، من هنا تشكّل محكمة الإستئناف درجة ثانية من درجات المحاكمة طالما أنه يمكن طرح النزاع برمّته، أيّ بعناصره الواقعيّة والقانونيّة على محكمة الإستئناف.
أمّا الطعن بطريق النقض فلا يعتبر درجة ثالثة من درجات المحاكمة إذْ انه لا يفسح في المجال للطاعن أن يُدْلي بأيّ سبب توصّلاً لنقض القرار المطعون فيه، بل أن هناك أسباباً محدّدة لا يمكن توسّل غيرها طعناً بالحكم بطريق النقض.
7 - تعريف الطعن بطريق النقض ـ إختلاف التشريعات حول إقراره: إن الطعن بطريق النقض هو طعن غير عادي يقدّم أمام محكمة عليا بهدف نقض القرارات القضائيّة الصادرة بالدرجة الأخيرة(1)، إنه طريق طعن غير عادي لأنه من جهة لا يوقف مبدئياً تنفيذ الحكم المطعون فيه ومن جهة أخرى لأنه لا يقبّل إلاّ في الحالات التي حدّدها القانون(2)، وهذا بعكس طرق الطعن العاديّة التي تعتبر مبدئياً موقفة للتنفيذ ومفتوحة ضد جميع الأحكام القضائيّة ما لم يوجد نصّ خاصّ يمنعها.
وإذا كانت أكثر التشريعات عرفت الإستئناف كطريق طعنٍ عادي منذ وقت طويل، فإن بعض التشريعات العصرية لم تقرّ لغاية اليوم الطعن بطريق النقض، كما أن التشريعات التي تعتمده حالياً تأرجحت مراراً بين إقراره وبين إلغائه كما أنها لا تزال تختلف حول تعيين الأسباب التي تفسح مجالاً لقبوله.
8 - جذور محكمة النقض ـ مجلس المتداعين في فرنسا: ترجع جذور محكمة النقض إلى أيام الملكيّة حيث كان التنظيم القضائي يشهد تنوّعاً وتعدّداً في الهيئات القضائيّة. فهناك محاكم الملك ومحاكم النبلاء بالإضافة إلى المحاكم الكنسيّة.
وكانت محاكم الملك تتألّف من هيئات مختلفة، فهناك المحاكم العاديّة والمحاكم الإستثنائية ثمّ في درجة أعلى هناك البرلمانات، وأخيراً هناك مجلس الملك الذي كان يوجد ضمنه قسم يسمّى مجلس المتداعين(1).
ويشكّل مجلس المتداعين في الواقع الجذور التي تمتدّ إليها محكمة النقض(2) إذْ كان يعود لهذا المجلس مراقبة المحاكم الدنيا في تطبيقها للقوانين والأعراف؛ إلاّ أن اختصاص اته لم تكن محدّدة بصورة واضحة ودقيقة وذلك بسبب السلطة الملكيّة التي كانت تعتبر أن كلّ عدالة مصدرها الملك الذي كان يعتبر موجوداً دائماً في مجلسه، لذلك كان للمجلس أن لا يكتفي بإلغاء القرار المعروض عليه بل كان من حقه أن ينظر بالدعوى ويفصل أساسها بشكلٍ نهائي، كما كانت هناك بعض القضايا التي يمكن رفعها مباشرة أمام هذا المجلس(3).
9 - إنشاء محكمة النقض بعد الثورة الفرنسية: إن اختصاص ات مجلس المتداعين أصبحت تتنافى مع مبدأ فصل السلطات الذي أقرّته الثورة، إذْ أن هذا المبدأ لا يجيز تدخّل رئيس الدولة أو ممثّليه في النزاعات القائمة بين الأفراد، وبالتالي كان يجب أن يحلّ محلّه جسم له الصفة القضائيّة المجرّدة تحدّد مهامه بصورة دقيقة لينكبّ على مراقبة القرارات القضائيّة من ناحية القانونيّة(1) دون أن يشكّل هذا الجسم قاضي نزاع. إلاّ أن مجلس المتداعين إستمرّ حتى 27/11/1790 وإنما مع تقليص صلاحياته، إذْ منذ 25/10/1789 أقرّت الجمعية الوطنيّة بقاءه بصورة مؤقتة، إنّما منعته من النظر بأساس النزاع وحصرت أسباب الطعن أمامه بإثنين:
الأوّل: مخالفة الشكليات (2).
الثاني: المخالفة الصريحة للقانون(3).
ولكن إنشاء محكمة النقض والمبادئ التي يجب أن ترعى عملها أثارا جدلاً حادّاً بعد هذا التاريخ(4) وبنتيجة هذا الجدل أُنْشِئت محكمة النقض الفرنسية على أساس ثلاثة مبادئ:
الأوّل: وحدة محكمة النقض في الدولة.
الثاني: محكمة النقض ليست درجة ثالثة للمحاكمة.
الثالث: يقتصر دور محكمة النقض على المراقبة القانونيّة فقط.
10 - المبدأ القائل بأن محكمة النقض ليست درجة ثالثة للمحاكمة: إن المبدأ الذي اعْتمده رجال الثورة في فرنسا كان مبدأ التقاضي على درجتين، وهذا المبدأ يجيز لمن يتظلّم من حكم صدر عن محكمة الدرجة الأولى أن يطعن به أمام محكمة أعلى هي محكمة الإستئناف، بمعنى أنه يعود لمحكمة الإستئناف أن تنظر بالنزاع مجدّداً بجميع عناصره الواقعيّة والقانونيّة، وكان الهدف من درجتي المحاكمة تأمين عدالة أفضل لأن مبدأ المحاكمة على درجتين يحقق فائدة مزدوجة:
فهو من جهة، يسمح بإصلاح الخطأ القانوني أو الواقعي الذي قد يقع فيه قضاة الدرجة الأولى لأن الحكم القضائي كأيّ نتاج بشري يمكن أن يأتي مشوباً بنقص أو خطأ.
ومن جهة ثانية، بمجرّد أن يعلم القاضي أن حكمه يمكن أن يعرض على محكمة تعلوه في الدرجة فإنه سيبذل أقصى جهوده علماً وضميراً عند فصـل النزاع المعروض عليه(1)
ويمكن إثارة كافة عناصر النزاع القانونيّة والواقعيّة أمام محكمة الإستئناف بصفتها محكمة الدرجة الثانية، ويكون قرار محكمة الإستئناف نهائياً إذا كان منطبقاً على القانون. أمّا محكمة النقض فلا تشكّل درجة ثالثة من درجات المحاكمة(2)، فهي لا تحكم في الدعوى بل تنظر في القرار المطعون فيه ومدى علاقته بالقانون، وذلك من أجل مصلحة تعلو على مصلحة الأفراد، بحيث لا يُنْقض الحكم إلاّ إذا جاء مناقضاً للتشريع.
إن المتقاضين أمام محكمة النقض ليسوا في الحقيقة فرقاء الدعوى بل القرارات المطعون فيها من زاوية مدى إنطباقها على القانون. وقد عبّرGilbert عن ذلك بقوله: إن الإستئناف يطرح أساس النزاع للبحث مجدّداً، بينما الطعن بطريق النقض يوجّه ضد حكم له القوّة المطلقة التي لا يمكن تجريده منها إلاّ بقدر تجاوزه حدود الشرعيّة.
كما عبّر Merlin عن المعنى ذاته بقوله: إن الإساءة في الحكم والحكم بخلاف نصّ القانون الصريح هما شيئان مختلفان، وإذا كان من حقّ بل من واجب محكمة النقض أن تنقض كلّ قرار مخالف للقانون فإنه لا يمكنها أن تنقض حكماً لأنه غير صائب(1). وتكريساً لحصر التقاضي بدرجتين وعدم إعتبار محكمة النقض درجة ثالثة من درجات المحاكمة نصّت المادّة /7/ من قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الصادر بتاريخ 20/4/1810 على ما يلي:
»إن القضاء منوط بصورة مطلقة بمحاكم الإستئناف فعندما يستجمع القرار الإستئنافي الشكليات المفروضة تحت طائلة البطلان، لا يمكن نقضه إلاّ عند المخالفة الصريحة للقانون…«
إذاً أن وظيفة محكمة النقض تنحصر فقط بمراقبة قانونيّة القرارات المطعون فيها.
11 - المبدأ القائل بأن دور محكمة النقض يقتصر على الرقابة القانونيّة: تحدّد دور محكمة النقض الفرنسية إنطلاقاً من التوفيق بين المبدأين التاليين: مبدأ وحدة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات.
لقد كان أحد الهموم الأولى للجمعية الوطنيّة أن تُصْدر تشريعاً موحّداً للبلاد يتناسب مع الأفكار الجديدة التي أطلقتها، ولكن هذه الوحدة يمكن أن تتكسّر على عتبة المحاكم المتعدّدة الموجودة في البلاد بحيث يتنوّع الاجتهاد وتفسير القانون بتعدّد هذه المحاكم، لأنه إذا كان من حقّ كلّ قاضٍ أن يفسّر القانون كما يريد ودون أيّة رقابة فلن يبقى من وحدة التشريع إلاّ الإسم. إذاً كيف السبيل إلى حفظ وحدة التشريع؟
ولكن بالمقابل إذا سلخنا حقّ تفسير القانون عن المحاكم، فكيف يمكن لهذه المحاكم أن تفصل النزاعات المعروضة عليها بالإستناد إلى القانون الذي يُصَاغ بعبارات عامّة ترعى حالات واقعيّة لا حصر لها؟
من هنا برزت الحاجة الملحّة إلى إيجاد هيئة عليا على رأس الهرم القضائي للقيام بالمهمّة المتقدّمة، ولكن هل تنتسب هذه الهيئة إلى الجسم القضائي أو إلى الجسم التشريعي؟
أليس من المفروض أن يعود تفسير القانون إلى السلطة المخوّلة حقّ إصداره، وبالتالي إذا أعطينا حقّ تفسير القانون إلى السلطة القضائيّة ألاَ يشكّل ذلك إفتئاتاً من هذه السلطة على صلاحيّة السلطة التشريعية؟ تلك كانت فكرة روبسبير الذي إقترح وضع الهيئة العليا داخل الجسم التشريعي نفسه.
ولكن الفكرة التي قال بها روبسبير إنطلاقاً من مبدأ فصل السلطات ألآ تخالف هي الأخرى هذا المبدأ بإعطاء الجسم التشريعي سلطة مراقبة القرارات القضائيّة؟ ألاَ تعني فكرة روبسبير العودة إلى وضع مشابه للوضع السابق للثورة حيث كان الملك يتمتّع بسلطة مراقبة القرارات القضائيّة؟ وماذا تكون فعلت الثورة؟ إنها لم تفعل سوى أنها إنتزعت سلطة مراقبة القرارات القضائيّة من رئيس الدولة لتعطيها إلى البرلمان، وبالتالي تبقى السلطة القضائيّة في الحالتين فاقدة لإستقلاليتها.
لذلك صُرف النظر عن إقتراح روبسبير وصدر قانون بتاريـخ 27/11 - 1/12/1790 ينصّ على إنشاء محكمة النقض(1) وأصبحت هذه المحكمة تشكّل جزءاً من الجسم القضائي.
12 - نظام المراجعة التشريعية: إن المشترع لم يتخلّ عن كلّ حقّ له في مراقبة تفسير القانون لمصلحة السلطة القضائيّة، إذْ إنحصر دور محكمة النقض بسلطة نقض القرارات القضائيّة التي تنطوي على مخالفة صريحة للقانون أو مخالفة للشكليات، بحيث أنه إذا نقضت القرار لأحد هذين السببين يتوقّف دورها عند النقض وتُعيد القضيّة إلى محكمة أساس من ذات صنف ودرجة المحكمة مصدرة القرار المنقوض حيث تنظر محكمة الموضوع بموضوع النزاع، ولكن هذه المحكمة لا تكون ملزمة بالتقيّد برأي محكمة النقض.
وإذا أصدرت محكمة الموضوع قرارها وخالفت فيه رأي محكمة النقض وتبنّت رأي محكمة الموضوع الأولى، كان لمحكمة النقض قبل إصدار قرارها بشأن طلب النقض الثاني أن تطلب تفسير القانون من المشترع نفسه بما عُرِف بالمرسوم المعلن للقانون(1) وعن طريق أصول مراجعة خاصّة عرفت بالمراجعة التشريعية(2).
وقد دام نظام المراجعة التشريعية لغاية تاريخ 16/9/1807 حيث إستعيض عنه بطلب تفسير القانون من قبل مجلس الدولة الذي كان مُخوّلاً، بموجب الدستور الذي كان نافذاً في تلك الحقبة، صلاحيّة تحضير مشاريع القوانين(3).
إن النظام المتقدّم، سواء المراجعة التشريعية أو طلب تفسير القانون من قبل مجلس الدولة، يوضح الفكرة الأساسيّة من إنشاء محكمة النقض الفرنسية والوظيفة التي أُنْشِئت من أجلها، إذْ ظَهَر عملها وكأنه ينتسب إلى العمل التشريعي أكثر ممّا ينتسب إلى العمل القضائي.
13 - إلغاء نظام المراجعة التشريعية ـ إقرار وظيفة محكمة النقض كمحكمة عليا للرقابة القانونيّة: صدر بتاريخ 30/7/1827 قانون ينصّ على أن الرأي النهائي يكون للمحكمة المحالة إليها القضيّة بعد النقض، إلاّ أن هذا الحلّ يناقض أيضاً الهدف الذي أُنْشِئت محكمة النقض من أجله في جانبه المتعلّق بالمحافظة على وحدة التشريع.
لذلك لم يستمرّ النظام المتقدّم أكثر من تسع سنوات إذْ بتاريخ 1/4/1837 صدر قانون ينصّ على أنه إذا أصرّت المحكمة المحالة إليها القضيّة، بعد النقض، على رأي محكمة الموضوع الأولى فتحال القضيّة عند التقدّم بطلب نقض ثانٍ إلى محكمة النقض بغرفها مجتمعة ويكون رأيها عندئذٍ ملزماً للمحكمة التي تحال إليها القضيّة بعد النقض، وهذا النظام لايزال متّبعاً لغاية اليوم(1).
وهكذا إستقرّت محكمة النقض في وجودها لتقوم بدور الرقابة القانونيّة وذلك بهدف جعل محاكم الموضوع تحترم إرادة المشترع وبهدف المحافظة على وحدة الاجتهاد (2)، ولكن دون أن تصل تلك الرقابة إلى حدّ التعرّض لأساس النزاع والعناصر الواقعيّة فيه.
فالطعن بطريق النقض لا يمكن أن يوجّه إلاّ ضد خطأ إرتكبه قاضي الموضوع في تطبيق القانون، ومن ثمّ فإن النزاع لا يعرض على محكمة النقض إلاّ بالشكل الذي عرض فيه على محكمة الإستئناف حيث يقتصر دور المحكمة العليا على التحقّق من الأمرين التاليين:
- هل راعت محكمة الإستئناف الشكليات القانونيّة؟.
- بعد أن تحقّقت محكمة الإستئناف ضمن حدود سلطتها من العناصر الواقعيّة للنزاع، هل أعطت تلك العناصر النتائج التي يرتّبها المشترع عليها؟.
فإذا أجابت محكمة النقض على السؤالين المتقدّمين بالإيجاب أبرمت القرار المطعون فيه وردّت طلب النقض، أمّا إذا أجابت على السؤالين أو أحدهما فقط بالنفي نقضت القرار وأحالت القضيّة أمام محكمة أساس أخرى من ذات صنف ودرجة المحكمة التي أصدرت القرار، وهذا النظام لا يزال معمولاً به لغاية اليوم(1).
وهذا يعني أن دور محكمة النقض ينحصر بالرقابة القانونيّة، وتبعاً لذلك ترتدّ أسباب النقض جميعها إلى مخالفة القانون بمعناه الواسع، وهذا ما يتّضح من خلال إلقاء نظرة سريعة على أسباب النقض المعدّدة في القانون الإماراتي ومختلف القوانين العربيّة والقانون الفرنسي.
14 - تطوّر أسباب النقض في القانون الفرنسي: إنطلاقاً من وظيفة محكمة النقض التي تقتصر على مراقبة قانونيّة القرارات المطعون فيها، كان الفقه التقليدي يعدّد أسباب النقض على الشكل التالي:
- مخالفة القانون.
- عدم الاختصاص وتجاوز حدّ السلطة L`excès de pouvoir.
- عدم مراعاة الشكليات.
- التناقض بين الأحكام.
وكان الفقه والاجتهاد يؤسّس سببي النقض المتمثّلين بعدم مراعاة الشكليات ومخالفة القانون على المادّة /3/ من المرسوم الصادر بتاريخ 27/11 - 31/12 من العام /1790/ الذي أنشأ محكمة النقض، وعلى الفقرة الثانية من المادّة /7/ من قانون أصول المحاكمات المدنيّة الصادر عام /1810/ المتعلّقة بتعليل الأحكام.
أمّا سبب النقض المتمثّل بالتناقض بين الأحكام فكان يؤسّس على المادّة /504/ من قانون أصول المحاكمات المدنيّة الصادر عام /1810/، في حين أن سبب النقض المتمثّل بعدم الاختصاص وتجاوز حدّ السلطة فكان يؤسّس على بعض النصوص الخاصّة المتعلّقة بالموضوع(1).
ولكن يبقى خارج التصنيف المتقدّم سببان هما: فقدان الأساس القانوني والتشويه، وهما سببان يجدان مصدرهما في عرفٍ متوطّد في القانون الفرنسي، وكانت محكمة النقض الفرنسية تسندهما دوماً إلى نصوص قانونيّة.
كما أن الفقيه الفرنسي الشهير Ernest Fay في كتابه عن محكمة النقض اعْتمد تقسيماً ثلاثياً لأسباب النقض، على الشكل التالي:
- السبب الأوّل: مخالفة القانون، وقد أدرج ضمن هذا السبب: عدم الاختصاص ـ تجاوز حدّ السلطة ـ والتناقض بين الأحكام.
- السبب الثاني: مخالفة الشكليات، وقد أدرج ضمن هذا السبب العيوب المتعلّقة بالتعليل وفقدان الأساس القانوني.
ولكن Faye إستبعد التشويه من بين أسباب النقض وأدان بشدّة إعْتماد هذا السبب بين أسباب النقض(1).
وكان مشروع قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الصادر عام /1975/، يتضمّن، بصيغته الأصلية، تعداداً شاملاً ومفصّلاً لأسباب النقض مع تعريف دقيق لكل من تلك الأسباب، وعندما عُرِض المشروع على مجلس الدولة بهيئته العامّة لإبداء رأيه بالموضوع، أعطى رأياً إستشارياً خلص فيه إلى ضرورة حذف تعداد أسباب النقض الواردة في المشروع معللاً رأيه بالقول أن هذا التعداد من شأنه أن يجمّد أو يشلّ بشكلٍ نهائي رقابة محكمة النقض على محاكم الموضوع، لأنه ينزع عن المحكمة العليا المرونة التي يفترض أن تتوفّر لديها في إجراء رقابتها ممّا يؤدّي إلى تجميد دور محكمة النقض ويمنع عليها التطوّر في هذا المجال.
وخلص مجلس الدولة في رأيه إلى أنه يفترض أن تبقى المحكمة العليا سيدة نفسها بالنسبة للأسباب الممكن توسّلها أمامها وذلك حتى تتمكّن دوماً من التكيّف مع مقتضيات الوظيفة المنوطة بها، وهو الأمر الذي لم تتوقّف محكمة النقض ومجلس الدولة عن ممارسته منذ أكثر من مئة وخمسين عاماً.
ومن ثمّ يفترض بالمشترع أن يعيّن بشكلٍ كافٍ الإطار العام لرقابة محكمة النقض، ويكتفي بأن يَمْنع عليها أن تَدخل في حقل العناصر الواقعيّة بحيث تنحصر مهمتها بالرقابة القانونيّة والتحقّق من مدى إنطباق أحكام وقرارات محاكم الموضوع على القانون ومدى إحترام تلك المحاكم لموجبات تعليل الأحكام والقرارات القضائيّة(1).
وتبعاً للرأي المتقدّم لمجلس الدولة، إكتفى القانون الفرنسي بنص المادّة /604/ حول أسباب النقض ومضمونها:
إن الطعن بطريق النقض يهدف لمراقبة عدم إنطباق الأحكام المطعون بها على القواعد القانونيّة(2).
ثمّ تضمّنت المادتان /617/ و /618/ نصوصاً تتعلّق بالطعن المُسْند إلى التناقض بين الأحكام
وهكذا يتبيّن أن قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الصادر عام /1975/ صرف النظر عن تعداد أسباب النقض المعروفة تقليدياً، مكتفياً بتحديد دور محكمة النقض في الرقابة القانونيّة ومفسحاً أمام المحكمة العليا مجال التطوّر الدائم للقيام بالوظيفة التي أُنْشِئت من أجلها.
15 - أسباب النقض في القوانين العربيّة: إنقسمت التشريعات العربيّة في تعداد أسباب النقض إلى فئتين الأولى إكتفت بذكر مخالفة القانون وخرق الشكليات، والثانية أضافت إلى السببين المتقدّمين أسباباً أخرى مستوحية التصنيف التقليدي لأسباب النقض.
16 - القوانين العربيّة التي إكتفت بذكر مخالفة القانون وخرق الشكليات كأسباب للنقض ـ مصر ـ الكويت ـ السودان ـ ليبيا ـ موريتانيا: ويأتي في طليعة هذه الفئة كلّ من مصر والكويت والسودان إذْ أن المادّة /248/ من قانون المرافعات المدنيّة والتجارية المصري والمادّة /152/ من قانون المرافعات المدنيّة والتجارية الكويتي لعام /1980/، والمادّة /207/ من قانون الإجراءات المدنيّة السوداني لعام /1974/، نصّت على أنه للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في الأحكام الصادرة عن محاكم الإستئناف في الأحوال الآتية:
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة للقانون أوخطأ في تطبيقه أو تأويله.
2 - إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثّر في الحكم.
كما أن المادّة /336/ من قانون المرافعات المدنيّة الليبي لعام /1954/ إعتمدت ذات الأسباب وإن بصيغة مختلفة للبند المتعلّق ببطلان الحكم أو بطلان الإجراءات(1).
وأضافت المادّة /239/ من القانون ذاته إلى ذلك سبب النقض المتمثّل بالتناقض بين الأحكام، فنصّت على ما يلي:
»للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في أيّ حكم إنتهائي، أيّاً كانت المحكمة التي أصدرته، فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوّة الشيء المحكوم به سواء أَدُفِعَ بهذا أَمْ لم يُدْفع«
كذلك إن المادّة /234/ من قانون مجلّة المرافعات المدنيّة الموريتاني المنقح بموجب القانون رقم /68238/ لعام /1968/ نصّت على ما يلي:
»يمكن الطعن بالتعقيب لخرق القانون لدى المحكمة العليا على كلّ الأحكام الصادرة نهائياً عن سائر المحاكم في المواد المدنيّة والتجاريّة والإداريّة«.
وأضافت المادّة /246/ من القانون ذاته على أنه:
»لايمكن نقض أحكام الدرجة النهائية إلاّ بسبب خرق القانون إذا كانت حائزة على الصيغ القانونيّة المقرّرة«
ويتبيّن من النصوص السابقة أنها متّفقة على أن مخالفة القانون يشكّل سبباً للنقض بالإضافة إلى السبب المنبثق من مخالفة قواعد صيغ الإجراءات التي يترتّب على مخالفتها البطلان.
17 - القوانين العربيّة التي أسهبت في تِعداد أسباب النقض إعتمدت بقيّة القوانين العربيّة الأسباب ذاتها التي إعتمدتها الفئة الأولى وأضافت إليها أسباباً أخرى معروفة تقليدياً بأنها تشكّل أسباباً للنقض، ويأتي في طليعة هذه الدول لبنان.
وبالفعل بتاريخ 16/9/1983 صدر في لبنان المرسوم الإشتراعي رقم 90/83 بعنوان قانون » أصول المحاكمات المدنيّة «، وقد أجاز الطعن بطريق النقض، ونظم أحكامه في المواد /703/ إلى /740/، وقد عدّدت المادّة /708/ أسباب النقض على الشكل التالي:
1 - مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تفسيره. ويجب على الطاعن أن يبيّن النصّ أو المبدأ القانوني أو القاعدة القانونيّة الواقعة عليها المخالفة أو الواقع الخطأ في تطبيقها أو تفسيرها وأوجه المخالفة أو الخطأ.
2 - مخالفة قواعد الاختصاص الوظيفي أو النوعي.
3 - التناقض في الفقرة الحكمية للقرار الواحد بحيث يستحيل تنفيذه.
4 - إغفال الفصل في أحد المطالب.
5 - الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
6 - فقدان الأساس القانوني للقرار المطعون فيه بحيث جاءت أسبابه الواقعيّة غير كافية أو غير واضحة لإسناد الحلّ القانوني المقرّر فيه.
7 - تشويه مضمون المستندات بذكر وقائع خلافاً لما وردت عليه فيها أو بمناقضة المعنى الواضح والصريح لنصوصها.
8 - التناقض بين حكمين صادرين بالدرجة الأخيرة في ذات الدعوى عن محكمتين مختلفتين أو عن محكمة واحدة.
18 - أسباب النقض في القانون الاردني: إن قانون أصول المحاكمات المدنيّة الأردني رقم /24/ لسنة /1988/ بصيغته المعدّلة بموجب القانون رقم /14/ لسنة /2001/، عدّد في المادّة /198/ منه أسباب النقض على الشكل التالي:
- إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.
- إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثّر في الحكم.
- إذا صدر الحكم نهائياً خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغيّر صفاتهم وتعلّق النزاع بذات الحقّ محلاًّ وسبباً وحاز قوّة القضيّة المقضيّة سواء أَدُفِعَ بهذا أم لم يُدْفَع.
- إذا لم يُبْنَ الحكم على أساس قانوني بحيث لا تسمح أسبابه لمحكمة التمييز أن تمارس رقابتها.
- إذا أغفل الحكم الفصل في أحد المطالب أو حكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
19 - أسباب النقض في القانون السـوري: عدّدت المـادّة /250/(1) من قانون أصول المحاكمات الصادر عام /1953/ أسباب النقض على الشكل التالي:
»(أ) إذا صدر الحكم عن محكمة غير ذات اختصاص مع مراعاة أحكام المادتين /145/ و /146/ من قانون أصول المحاكمات(2).
(ب) إذا كان الحكم مَبْنِيّاً على مخالفة للقانون أو خطأ في تفسيره.
(ج) إذا صدر الحكم نهائياً خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغيّر صفاتهم وتعلّق النزاع بذات الحقّ محلاًّ وسببا، وحاز قوّة القضيّة المقضيّة سواء أُدُفِع بهذا أم لم يُدْفَع.
(د) إذا لم يُبْنَ الحكم على أساس قانوني بحيث لا تسمح أسبابه لمحكمة النقض أن تمارس رقابتها.
(هـ) إذا أغفل الحكم الفصل في أحد المطالب أو حكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه«.
20 - أسباب النقض في القانون العراقي: عدّدت المادّة /203/ من قانون المرافعات المدنيّة الصادر عام /1974/، كما تعدّلت بالقانون رقم /2/ لعام /1977/، أسباب النقض على الشكل التالي:
1 - إذا كان الحكم قد بُنِيَ على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو عيب في تأويله.
2 - إذا كان الحكم قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص .
3 - إذا وقع في الإجراءات الأصولية التي اتُّبِعت عند رؤية الدعوى خطأ مؤثّر في صحّة الحكم.
4 - إذا صدر حكم يناقض حكماً سابقاً صدر في الدعوى نفسها بين الخصوم أنفسهم أو من قام مقامهم وحاز درجة البتات.
5 ـ إذا وقع في الحكم خطأ جوهري.
ويعتبر الخطأ جوهرياً إذا أخطأ الحكم في فهم الوقائع أو أغفل الفصل في جهة من جهات الدعوى أو فصل في شيء لم يَدّعِ به الخصوم أو قضى بأكثر ممّا طلبوه أو قضى على خلاف ما هو ثابت في محضر الدعوى أو على خلاف دلالة الأوراق والسندات المقدّمة من الخصوم أو كان منطوق الحكم مناقضاً بعضه لبعض أو كان الحكم غير جامع لشروطه القانونيّة.
ويلاحظ هنا أن القانون العراقي إنفرد بالنصّ على سبب غير معتمد تقليدياً بين أسباب النقض هو وقوع خطأ جوهري في الحكم معتبراً أن الخطأ في فهم الوقائع هو خطأ جوهري في الحكم، وبالطبع إن مثل السبب المتقدّم يعطي محكمة النقض مجال الدخول في حقل العناصر الواقعيّة خلافاً لدورها المحصور بالرقابة القانونيّة. إلاّ في حالة تشويه الوقائع أو مخالفة الثابت بالاوراق
كما أن القانون العراقي تميّز بإعتماده التشويه (راجع عن التشويه البند 78 وما يليه) كسبب من أسباب النقض وذلك من خلال تعريف الخطأ الجوهري الذي يقع في الحكم والذي يشمل على القضاء بما يخالف » ما هو ثابت في محضر الدعوى أو على خلاف دلالة الأوراق والسندات المقدّمة من الخصوم «.
21 - أسباب النقض في القانون التونسي: عدّدت المادّة /175/ من قانون مجلّة الإجراءات المدنيّة لعام /1959/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- إذا كان الحكم مَبْنِيّاً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.
- إذا كان الحكم صادراً فيما يتجاوز اختصاص المحكمة التي أصدرته.
- إذا كان هناك إفراط في السلطة.
- إذا لم تُراعَ في الإجراءات أو في الحكم الصيغ الشكلية التي رتّب القانون على عدم مراعاتها البطلان أو السقوط.
- إذا كانت هناك أحكام نهائية متناقضة في نصِّها وكانت صادرة بين نفس الخصوم وفي ذات الموضوع والسبب.
- إذا صدر الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه أو أغفل الحكم الإستئنافي بعض الطلبات التي حكم فيها إبتدائياً أو كان نصّ الحكم مشتملاً على أجزاء متناقضة.
- إذا صدر الحكم على فاقد الأهلية بدون أن يقع تمثيله في القضيّة تمثيلاً صحيحاً أو وقع تقصير واضح في الدفاع عنه وكان ذلك هو السبب الأصلي أو الوحيد في صدور الحكم المطعون فيه .
ويلاحظ أن القانون التونسي إنفرد عن بقيّة القوانين العربيّة بإضافة سبب غير وارد تقليدياً ضمن أسباب النقض وهو السبب المتعلّق بفاقد الأهلية، وهذا السبب يمكن أن يضطر محكمة النقض للدخول في حقل العناصر الواقعيّة، خلافاً لدورها المحصور تقليدياً بالرقابة القانونيّة.
22 - أسباب النقض في القانون الجزائري: عدّدت المادّة /223/ من قانون الإجراءات المدنيّة الصادر عام /1966/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- عدم الاختصاص أو تجاوز السلطة.
- مخالفة أو إغفال قاعدة جوهرية في الإجراءات.
- إنعدام الأساس القانوني للحكم.
- إنعدام أو قصور أو تناقض الأسباب.
- مخالفة أو خطأ في تطبيق القانون الداخلي أو قانون أجنبي متعلّق بالأحوال الشخصيّة.
- تناقض الأحكام النهائية الصادرة من محاكم مختلفة.
ويلاحظ هنا أيضاً أن القانون الجزائري إنفرد بالنصّ على مخالفة القانون الأجنبي حاصراً هذه المخالفة بالقانون الأجنبي المتعلّق بالأحوال الشخصيّة.
23 - أسباب النقض في القانون المغربي: عدّدت المادّة /359/ من قانون المسطرة المدنيّة الصادر عام /1974/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- خرق القانون الداخلي.
- خرق قاعدة مسطرية أضرّ بأحد الأطراف.
- عدم الاختصاص .
- الشطط في إستعمال السلطة.
- عدم إرتكاز الحكم على أساس قانوني أو إنعدام التعليل «.
24 - أسباب النقض في القانون اليمني: عدّدت المادّة /198/ من قانون المرافعات الصادر عام /1981/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة للشرع أو خطأ في تطبيقه أو تأويله أو لم يبيّن الأساس الشرعي الذي بُنِيَ عليه.
- إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أَثّر في الحكم.
- إذا حكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
- إذا تعارض حكمان نهائيان في دعويين إتّحد فيها الخصوم والموضوع والسبب.
25 - أسباب النقض في الصومال: عدّدت المادّة /246/ من قانون الإجراءات المدنيّة الصادر عام /1974/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- عدم ولاية القضاء أو الاختصاص .
- مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه.
- بطلان في الحكم أو الإجراءات أثارها الخصوم أو كان للمحكمة أن تثيرها من تلقاء ذاتها.
- عدم التسبيب أو عدم كفايته في مسألة حاسمة في النزاع.
»وأضافت المادّة /247/ أن القانون هو الذي يحدّد الحالات الأخرى التي يجوز فيها طعن القرارات القضائيّة بطريق النقض«.
26 - تقويم تعداد أسباب النقض في القانون اللبناني والقوانين العربيّة - أسباب النقض في قانون دولة الإمارات العربيّة المتّحدة - خطة البحث: إن أسباب النقض ترتبط بوظيفة محكمة النقض والدور الذي أُنْشِئت من أجله وهو يتمثّل، وبكلمةٍ مختصرة، بمراقبة مدى تقيّد محاكم الموضوع بالقواعد القانونيّة المرعيّة في البلد، وهذا يعني أن محكمة النقض هي محكمة قانون وليست محكمة واقع، إذْ أن وظيفة محكمة النقض تنحصر بمراقبة مدى تقيّد محاكم الموضوع في تطبيق القانون على العناصر الواقعيّة التي إستثبتتها محاكم الموضوع.
وهذا يعني أن الصورة الواقعيّة كما عُرِضت على محكمة الموضوع تعتبر هي المنطلق لتطبيق القواعد القانونيّة، وينحصر دور محكمة النقض بمراقبة كيفية تطبيق محاكم الموضوع للقانون على تلك الصورة الواقعيّة فقط وتبعاً لذلك فإن محكمة النقض لا تبحث في صحّة الصورة الواقعيّة ذاتها، ولا يمكن الإستناد أمامها إلى أيّ من الأسباب الواقعيّة
ومن ثمّ يفترض أن تنصبّ أسباب النقض على الطعن بالصورة القانونيّة التي عكسها حكم محكمة الموضوع للصورة الواقعيّة التي ظهرت من خلال الملف كما عُرِض على محكمة الموضوع(1).
وتبعاً لذلك نجد أن جميع القوانين المتعلّقة بأصول المحاكمات أو بالإجراءات المدنيّة تعتبر أن مخالفة القانون تشكّل سبباً للنقض وإن كانت إعتمدت تسميات مختلفة لهذا السبب.
كما أن قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الحالي إكتفى بتحديد وظيفة محكمة النقض بالمراقبة القانونيّة، وترك لها مجال التكيّف والتطوّر في قيامها بتلك الوظيفة (راجع البند 14).
وإذا كان القانون الفرنسي ومختلف التشريعات العربيّة تعتبر أن مخالفة القانون تشكّل سبباً للنقض، فإن هذا السبب هو سبب عام يمكن الإستناد إليه في كلّ مرّة يتضمّن الحكم مخالفة لقاعدة قانونيّة معيّنة وبالتالي لا يمكن حصر الحالات التي يمكن أن تندرج تحت هذا السبب(2).
إلاّ أن هذا السبب، رغم كونه سبباً عاماً، يبقى قاصراً عن أن يشكّل سبباً مستقلاًّ قائماً بذاته بمعنى أن الطعن بطريق النقض لعلّة مخالفة القانون لا يمكن تأسيسه فقط على أيّ من المواد الواردة في قوانين الإجراءات المدنيّة والتي تعتبر أن مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تفسيره أو تأويله يشكّل سبباً للنقض بل لا بدّ من بيان القاعدة القانونيّة التي خالفها الحكم المطعون فيه(1) بحيث يتكوّن سبب النقض من مخالفة هذه القاعدة معطوفة على الفقرة التي تعتبر مخالفة القانون سبباً للنقض كما هي واردة ضمن الأحكام المتعلّقة بمحكمة النقض.
وأخيراً جاء القانون الإماراتي متوافقاً مع القوانين العربية التي أسهبت في تعداد أسباب النقض، وبالفعل كانت المادّة /173/ من قانون 1992 عدّدت أسباب النقض، والتي أصبحت المادة 175 في القانون رقم 42/2022 على الشكل التالي:
- إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله.
- إذا وقع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثّر في الحكم.
- إذا كان الحكم المطعون فيه قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص .
- إذا فصل في النزاع على خلاف حكم آخر صدر في ذات الموضوع بين نفس الخصوم وحاز قوّة الأمر المقضي به.
- خلوّ الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها.
- إذا حكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
وتبعاً لذلك سنبحث في سبب النقض العام المتمثل بمخالفة القانون المنصوص عليه في البند الأول من المادة 175 (القسم الاول)، لنعرض بعد ذلك الى بقية الأسباب الخاصة للنقض المعدّدة في البنود اللاحقة من المادة 175 (القسم الثاني)
مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه أو في تأويله – وقوع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم - صدور الحكم على خلاف قواعد الاختصاص - الفصل في النزاع على خلاف حكم آخر - خلو الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها - الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه - الحكم الانتهائي الفاصل في نزاع خلافًا لحكم آخر
تأليف
البروفسور حلمي محمد الحجار
مستشار سابقاً في محكمة النقض إمارة أبوظبي الغرفة التجارية الثانية - قاضٍ أسبق وعضو لجنة تحديث القوانين وأستاذ في جامعات الحقوق وفي معهد الإدارة العامة ومعهد قوى الأمن الداخلي في الجمهورية اللبنانية
ISBN -978 – 9948 -20 -239 -4
جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف
الطبعة الأولى بيروت 1444هـ - 2024 م
لا يجوز نشر اي جزء من هذا الكتاب، او نقله على اي نحو وبأي طريقة كانت الا بموافقة خطية من المؤلف.
النسخة الالكترونية
تطلب من شركة دار الكتاب الإلكتروني اللبناني ش.م.ل. شركة مساهمة لبنانية مسجّلة في السجلّ التجاري في بيروت تحت الرقم 1008990 بيروت - فرن الشباك – بناية سلطان – خلف السجل العدلي ص.ب.: 9220-11
تلفون: 838755 3 00961
Turkishlaw.almustashar.com
jo.pcm.gov.lb
Email: [email protected]
و 614667 1 00961 - خلوي 464667/03
النسخة الورقية
تطلب ودون ان تعطي لاحد أي حق حصري بالتوزيع في بلده أو في أي مكان آخر
1- من مكتبة دار الحافظ دولة الإمارات العربية المتحدة
2- 557789715 (00971)
Email : [email protected]
انستغرام
Dar – alhafez-uae
2 - منشورات الحلبي الحقوقية بيروت فرع أول: بناية الزبن -¬ شارع القنطاري قرب تلفزيون إخبارية المستقبل هاتف: 364561 (1 -961 + ) خليوي: 640544 ¬ 640821 (3-+961)
فرع ثانٍ: سوديكو سكوير هاتف 612632 ¬ (1 -961 + )
فاكس: 612633 (1 -961 + ) ص.ب. 0475/11 بيروت -¬ لبنان
E-mail: www.halabi-lp.com
[email protected]
فهرس مختصر لمحتويات الكتاب
الموضوع ص
1 - مراجع مختصرة ومصطلحات ............................ 7
2 – تقديم ......................................................... 19
3 - مقدمة الطبعة الأولى...................................... 23
4- مقدمة الكتاب................................................. 29
5 – القسم الأول من الكتاب .................................... 63
مخالفة القانون مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه
6 - القسم الثاني من الكتاب ................................... 261
– وقوع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم صدور الحكم - على خلاف قواعد الاختصاص - الفصل في النزاع على خلاف حكم آخر - خلو الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها - الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه - الحكم الانتهائي الفاصل في نزاع خلافًا لحكم
7 – فهرس هجائي.............................................. 649
8 – فهرس موضوعي......................................... 657
9- حلمي الحجار في سطور................................. 679
نتمنى على كل من يقرأ هذا الكتاب ويلفت نظره أي خطأ مطبعي أو أي ملاحظة أو غير ذلك ابلاغ المؤلف بالأمر
www.hajjarlegal.com
[email protected]
009613788848 009612788848
مقدمة الكتاب
1 - تعدد المحاكم العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة: يلاحظ انه توجد في دولة الإمارات العربية المتحدة اربع محاكم عليا هي المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة النقض في إمارة أبوظبي ومحكمة التمييز في إمارة دبي ومحكمة التمييز في إمارة رأس الخيمة، وهذا ناشيء عن الطابع الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة بالاضافة الى خصوصية معينة ادت الى قيام المحكمتين الاخيرتين.
وقد يكون من المفيد هنا وعلى سبيل المقارنة، أن نذكر أنه كان يوجد في إيطاليا قبل عام /1923/ خمس محاكم للنقض موزّعة جغرافياً حسب المناطق. وكان من نتيجة هذا التعدّد في محاكم النقض في الدولة الواحدة تنوّع الاجتهاد بتنوّع المناطق حسب رأي محكمة النقض التي تتبعها المنطقة.
إزاء المحذور المتقدّم صدر في إيطاليا مرسوم بتاريخ 24/1/1923
ألغى النظام السابق وتبنّى نظاماً مشابهاً للنظام الفرنسي إذْ نصّ على إيجاد محكمة نقض واحدة مركزها روما(1).
ولكن يبدو ان وجود اربع محاكم عليا في دولة الإمارات العربية المتحدة لم ينجم عنه أي محذور سلبي، لان الملاحظ هو وحدة اجتهاد تلك المحاكم
2 - إختلاف التسميات العربيّة لذات المحكمة ولذات القانون الذي ينظّمها - ضرورة توحيد المصطلحات القانونيّة العربيّة: إنّ تنظيم محكمة النقض واختصاصاتها وأسباب الطعن وأصول الطعن ومفاعيل الأحكام التي تصدر عنها تأتي عادة ضمن القوانين المتعلّقة بالإجراءات المدنيّة، وقد جاءت تسمية المحكمة والقوانين التي تنظمها تعريباً لمصطلحات قانونيّة فرنسية ليس لها إلاّ معنى واحد باللغة العربيّة.
ولكن إذا عدنا إلى التشريعات العربيّة المتعدّدة في هذا الموضوع نجد أن تلك القوانين عرّبت المصطلحات الفرنسية إلى اللغة العربيّة بعبارات مختلفة.
3 - بالنسبة لتسمية القانون المتعلّق بالإجراءات المدنيّة: إن المصطلح المستعمل في القانون الفرنسي بالنسبة لهذا القانون هو«Code de procédure Civile »، في حين نجد أن التشريعات العربيّة أطلقت على هذا القانون تسميات مختلفة.
- ففي دولة الإمارات العربية المتحدة أُطلق على هذا القانون اسم قانون الإجراءات المدنية، وقد اعتمد هذه التسمية كلّ من الجزائر والسودان والصومال(1). في حين نجد أن بقيّة التشريعات العربيّة أطلقت على ذات القانون التسميات التالية:
قانون أصول المحاكمات المدنيّة، وقد اعتمد هذه التسمية لبنان، بموجب المرسوم الإشتراعي رقم 72 / ل تاريخ 1/2/1933 وهو بعنوان » أصول المحاكمات المدنيّة « وقد حلّ محلّه في عام /1983/ المرسوم الإشتراعي رقم 90/83 وهو ايضاً بعنوان قانون »أصول المحاكمات المدنيّة«
- كما اعتمد ذات التسمية الأردن بالقانون رقم /44/ لسنة /1988/ مع صيغته المعدّلة بموجب القانون رقم /14/ لسنة /2001/، إذْ أطلق عليه تسمية قانون أصول المحاكمات المدنيّة؛ أمّا القانون السوري فقد حذف من التسمية كلمة »المدنيّة« وإختصرها إلى قانون أصول المحاكمات وذلك منذ عام /1953/ عندما صدر قانون أصول المحاكمات بتاريخ 28/9/1953،
- قانون المرافعات، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من اليمن الشماليّة وقطر(1).
- قانون المرافعات المدنيّة، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من العراق وليبيا(2).
- قانون المرافعات المدنيّة والتجارية، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من مصر والكويت والبحرين(3).
- مجلّة الإجراءات المدنيّة والتجارية، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون التونسي(1).
- قانون المسطرة المدنيّة، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون المغربي(2).
- مجلّة المرافعات المدنيّة والتجارية، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون الموريتاني(3).
وإذا كانت التشريعات العربيّة إختلفت فيما بينها على تعريب ذات المصطلح المتعلّق بذات القانون، فإنها إختلفت أيضاً بتعريب المصطلح المتعلّق بذات المحكمة أيّ محكمة النقض.
4 - بالنسبة لتسمية محكمة النقض: إن تسمية هذه المحكمة هي تعريب لتسميتها الفرنسية La Cour de cassation»« أو » La Cour suprême « .
وهنا أيضاً إختلفت التشريعات العربيّة، وضمن النصوص الواردة في القوانين التي أشرنا إليها (راجع البند 3)، في تعريب إسم المحكمة. وبالفعل يتبيّن من تلك القوانين أنها أطلقت على ذات المحكمة تسميات مختلفة هي التالية:
- محكمة النقض، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من القانون السوري والمصري والليبي، وقانون الإجراءات المدنية في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة مع الاشارة هنا الى ان إمارة أبوظبي تعتمد تسمية محكمة النقض في حين تعتمد إمارة دبي تسمية محكمة التمييز
- محكمة التمييز، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من القانـون اللبناني والعراقي والكويتي والأردني.
- المحكمة العليا، وقد اعْتمد هذه التسمية كلّ من القانون السوداني واليمني الشمالي والصومالي والموريتاني.
- المجلس الأعلى، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون المغربي والقانون الجزائري.
- محكمة التعقيب، وقد اعْتمد هذه التسمية القانون التونسي، مع الإشارة إلى أن القانون الموريتاني الذي أطلق على المحكمة إسم المحكمة العليا، أطلق على طريقة الطعن أمامها عبارة »الطعن بالتعقيب «
وإذا جاز لنا أن نبدي ملاحظة على هذا الإختلاف المشهود بين التشريعات العربيّة حول تعريب إسم قانون واحد وتسمية محكمة واحدة، فإننا نتساءل ماذا فعلت جامعة الدول العربيّة منذ عام 1945؟ فإذا لم تستطع أن تفعل شيئاً حيال وحدة الموقف العربي بسبب عقبات لا تستطيع الجامعة أن تتجاوزها، فما هي العقبات التي يصطدم بها تعريب مصطلح قانوني أجنبي إلى اللغة العربيّة، بل أكثر من ذلك ماهي العقبات التي تحول دون توحيد مختلف القوانين العربيّة في حقل القانون الخاص والتي لها ذات المضمون تقريباً في جميع البلاد العربيّة؟ هذا في وقت نشهد محاولات لتوحيد شعوب تختلف القوميات واللغة فيها كما هو حال أوروبا السائرة على درب الوحدة؟
أفلا يستطيع العرب تحقيق وحدة قانونيّة على الأقلّ في حقل القوانين التي لها ذات المضمون تقريباً؟.
5 - اختصاص محكمة النقض: إن لمحكمة النقض اختصاصاً عاماً يوليها إيّاها القانون. وهذا الاختصاص العام تشترك فيه المحاكم العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة مع بقية محاكم النقض في الدول العصرية، وهو نابع من الدور الذي أنشئت محكمة النقض من أجله، كما يظهر هذا الدور من تاريخ محكمة النقض الفرنسية (راجع لاحقاً البند 11)، وهو دور المراقبة القانونية على محاكم الموضوع، ودون ان تشكل المحكمة العليا درجة ثالثة من درجات المحاكمة
وتنظر مبدئياً في القضيّة دائرة أوغرفة من دوائر أو غرف محكمة النقض مؤلّفة من رئيس وعدد معين من المستشارين، ودور المحكمة العليا في المراقبة القانونية يتمثّل بالنظر في طلبات نقض الأحكام الصادرة عن محاكم الإستئناف أو أيّة محكمة أخرى أجاز القانون الطعن باحكامها أمام محكمة النقض.
6 - موقع الطعن بطريق النقض بين طرق الطعن ومبدأ التقاضي على درجتين: هناك مبدأ معروف في أصول المحاكمات هو مبدأ التقاضي على درجتين. ويعني هذا المبدأ أنه يحقّ لمن يتظلّم من حكم صدر عن محكمة الدرجة الأولى أن يطعن بهذا الحكم أمام محكمة تعلوها هي محكمة الإستئناف
وتحرص الدول العصرية على تضمين قوانينها المتعلّقة بالإجراءات المدنيّة والجزائية نصوصاً تؤمّن مبدأ التقاضي على درجتين، وقد تكرّس هذا التوجه في الشرع العالميّة المتعلّقة بحقوق الإنسان.
وبالفعل إن الشرعة الدوليّة للحقوق المدنيّة والسياسية الملحقة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسـان الصـادر عن الأمم المتّحدة بتاريـخ 10/12/1948 أكّد في البند /5/ من المادّة /14/ منه على أن »لكل محكوم بإحدى الجرائم الحقّ في إعادة النظر بالحكم والعقوبة بواسطة محكمة أعلى… «
وقد أسْتُعِيدَ النصّ ذاته وتكرّس في الشرعة الدوليّة الخاصّة بالحقوق المدنيّة والسياسية التي أقرّتها الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في دورتها الحادية والعشرين بتاريخ 16/12/1966
وأضحى طريق الطعن بالأحكام القضائيّة الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى أمام محاكم أعلى هي محاكم الدرجة الثانية أو محاكم الإستئناف مبدأً مستقرّاً في القوانين الحديثة، وهو يعتبر طريق طعن عادي يمكن سلوكه ضد أيّ حكم قضائي صادر بالدرجة الأولى ما لم يوجد نصّ خاصّ يمنع سلوكه.
ويُعْتَبر الإستئناف طريق الطعن العادي الأكثر أهمية وهو يطرح النزاع مجدّداً أمام محكمة الدرجة الثانية بجميع عناصره الواقعيّة والقانونيّة بحيث يصحّ أن تُسْنَد أسباب الإستئناف إلى العناصر الواقعيّة أو القانونيّة.
وهذا يعني أنه يجوز لمحكمة الإستئناف أن تنظر بالنزاع الذي طُرِح على محكمة الدرجة الأولى بجميع عناصره الواقعيّة أو القانونيّة، ومن ثمّ يحقّ لها أن تعيد النظر في العناصر الواقعيّة أو في تقدير محكمة الدرجة الأولى لتلك العناصر وتخلص إلى نتيجة مختلفة، كما يمكنها أن تعيد النظر في القواعد القانونيّة التي طبقتها محكمة الدرجة الأولى وتخلص إلى نتيجة مختلفة بشأنها، من هنا تشكّل محكمة الإستئناف درجة ثانية من درجات المحاكمة طالما أنه يمكن طرح النزاع برمّته، أيّ بعناصره الواقعيّة والقانونيّة على محكمة الإستئناف.
أمّا الطعن بطريق النقض فلا يعتبر درجة ثالثة من درجات المحاكمة إذْ انه لا يفسح في المجال للطاعن أن يُدْلي بأيّ سبب توصّلاً لنقض القرار المطعون فيه، بل أن هناك أسباباً محدّدة لا يمكن توسّل غيرها طعناً بالحكم بطريق النقض.
7 - تعريف الطعن بطريق النقض ـ إختلاف التشريعات حول إقراره: إن الطعن بطريق النقض هو طعن غير عادي يقدّم أمام محكمة عليا بهدف نقض القرارات القضائيّة الصادرة بالدرجة الأخيرة(1)، إنه طريق طعن غير عادي لأنه من جهة لا يوقف مبدئياً تنفيذ الحكم المطعون فيه ومن جهة أخرى لأنه لا يقبّل إلاّ في الحالات التي حدّدها القانون(2)، وهذا بعكس طرق الطعن العاديّة التي تعتبر مبدئياً موقفة للتنفيذ ومفتوحة ضد جميع الأحكام القضائيّة ما لم يوجد نصّ خاصّ يمنعها.
وإذا كانت أكثر التشريعات عرفت الإستئناف كطريق طعنٍ عادي منذ وقت طويل، فإن بعض التشريعات العصرية لم تقرّ لغاية اليوم الطعن بطريق النقض، كما أن التشريعات التي تعتمده حالياً تأرجحت مراراً بين إقراره وبين إلغائه كما أنها لا تزال تختلف حول تعيين الأسباب التي تفسح مجالاً لقبوله.
8 - جذور محكمة النقض ـ مجلس المتداعين في فرنسا: ترجع جذور محكمة النقض إلى أيام الملكيّة حيث كان التنظيم القضائي يشهد تنوّعاً وتعدّداً في الهيئات القضائيّة. فهناك محاكم الملك ومحاكم النبلاء بالإضافة إلى المحاكم الكنسيّة.
وكانت محاكم الملك تتألّف من هيئات مختلفة، فهناك المحاكم العاديّة والمحاكم الإستثنائية ثمّ في درجة أعلى هناك البرلمانات، وأخيراً هناك مجلس الملك الذي كان يوجد ضمنه قسم يسمّى مجلس المتداعين(1).
ويشكّل مجلس المتداعين في الواقع الجذور التي تمتدّ إليها محكمة النقض(2) إذْ كان يعود لهذا المجلس مراقبة المحاكم الدنيا في تطبيقها للقوانين والأعراف؛ إلاّ أن اختصاص اته لم تكن محدّدة بصورة واضحة ودقيقة وذلك بسبب السلطة الملكيّة التي كانت تعتبر أن كلّ عدالة مصدرها الملك الذي كان يعتبر موجوداً دائماً في مجلسه، لذلك كان للمجلس أن لا يكتفي بإلغاء القرار المعروض عليه بل كان من حقه أن ينظر بالدعوى ويفصل أساسها بشكلٍ نهائي، كما كانت هناك بعض القضايا التي يمكن رفعها مباشرة أمام هذا المجلس(3).
9 - إنشاء محكمة النقض بعد الثورة الفرنسية: إن اختصاص ات مجلس المتداعين أصبحت تتنافى مع مبدأ فصل السلطات الذي أقرّته الثورة، إذْ أن هذا المبدأ لا يجيز تدخّل رئيس الدولة أو ممثّليه في النزاعات القائمة بين الأفراد، وبالتالي كان يجب أن يحلّ محلّه جسم له الصفة القضائيّة المجرّدة تحدّد مهامه بصورة دقيقة لينكبّ على مراقبة القرارات القضائيّة من ناحية القانونيّة(1) دون أن يشكّل هذا الجسم قاضي نزاع. إلاّ أن مجلس المتداعين إستمرّ حتى 27/11/1790 وإنما مع تقليص صلاحياته، إذْ منذ 25/10/1789 أقرّت الجمعية الوطنيّة بقاءه بصورة مؤقتة، إنّما منعته من النظر بأساس النزاع وحصرت أسباب الطعن أمامه بإثنين:
الأوّل: مخالفة الشكليات (2).
الثاني: المخالفة الصريحة للقانون(3).
ولكن إنشاء محكمة النقض والمبادئ التي يجب أن ترعى عملها أثارا جدلاً حادّاً بعد هذا التاريخ(4) وبنتيجة هذا الجدل أُنْشِئت محكمة النقض الفرنسية على أساس ثلاثة مبادئ:
الأوّل: وحدة محكمة النقض في الدولة.
الثاني: محكمة النقض ليست درجة ثالثة للمحاكمة.
الثالث: يقتصر دور محكمة النقض على المراقبة القانونيّة فقط.
10 - المبدأ القائل بأن محكمة النقض ليست درجة ثالثة للمحاكمة: إن المبدأ الذي اعْتمده رجال الثورة في فرنسا كان مبدأ التقاضي على درجتين، وهذا المبدأ يجيز لمن يتظلّم من حكم صدر عن محكمة الدرجة الأولى أن يطعن به أمام محكمة أعلى هي محكمة الإستئناف، بمعنى أنه يعود لمحكمة الإستئناف أن تنظر بالنزاع مجدّداً بجميع عناصره الواقعيّة والقانونيّة، وكان الهدف من درجتي المحاكمة تأمين عدالة أفضل لأن مبدأ المحاكمة على درجتين يحقق فائدة مزدوجة:
فهو من جهة، يسمح بإصلاح الخطأ القانوني أو الواقعي الذي قد يقع فيه قضاة الدرجة الأولى لأن الحكم القضائي كأيّ نتاج بشري يمكن أن يأتي مشوباً بنقص أو خطأ.
ومن جهة ثانية، بمجرّد أن يعلم القاضي أن حكمه يمكن أن يعرض على محكمة تعلوه في الدرجة فإنه سيبذل أقصى جهوده علماً وضميراً عند فصـل النزاع المعروض عليه(1)
ويمكن إثارة كافة عناصر النزاع القانونيّة والواقعيّة أمام محكمة الإستئناف بصفتها محكمة الدرجة الثانية، ويكون قرار محكمة الإستئناف نهائياً إذا كان منطبقاً على القانون. أمّا محكمة النقض فلا تشكّل درجة ثالثة من درجات المحاكمة(2)، فهي لا تحكم في الدعوى بل تنظر في القرار المطعون فيه ومدى علاقته بالقانون، وذلك من أجل مصلحة تعلو على مصلحة الأفراد، بحيث لا يُنْقض الحكم إلاّ إذا جاء مناقضاً للتشريع.
إن المتقاضين أمام محكمة النقض ليسوا في الحقيقة فرقاء الدعوى بل القرارات المطعون فيها من زاوية مدى إنطباقها على القانون. وقد عبّرGilbert عن ذلك بقوله: إن الإستئناف يطرح أساس النزاع للبحث مجدّداً، بينما الطعن بطريق النقض يوجّه ضد حكم له القوّة المطلقة التي لا يمكن تجريده منها إلاّ بقدر تجاوزه حدود الشرعيّة.
كما عبّر Merlin عن المعنى ذاته بقوله: إن الإساءة في الحكم والحكم بخلاف نصّ القانون الصريح هما شيئان مختلفان، وإذا كان من حقّ بل من واجب محكمة النقض أن تنقض كلّ قرار مخالف للقانون فإنه لا يمكنها أن تنقض حكماً لأنه غير صائب(1). وتكريساً لحصر التقاضي بدرجتين وعدم إعتبار محكمة النقض درجة ثالثة من درجات المحاكمة نصّت المادّة /7/ من قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الصادر بتاريخ 20/4/1810 على ما يلي:
»إن القضاء منوط بصورة مطلقة بمحاكم الإستئناف فعندما يستجمع القرار الإستئنافي الشكليات المفروضة تحت طائلة البطلان، لا يمكن نقضه إلاّ عند المخالفة الصريحة للقانون…«
إذاً أن وظيفة محكمة النقض تنحصر فقط بمراقبة قانونيّة القرارات المطعون فيها.
11 - المبدأ القائل بأن دور محكمة النقض يقتصر على الرقابة القانونيّة: تحدّد دور محكمة النقض الفرنسية إنطلاقاً من التوفيق بين المبدأين التاليين: مبدأ وحدة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات.
لقد كان أحد الهموم الأولى للجمعية الوطنيّة أن تُصْدر تشريعاً موحّداً للبلاد يتناسب مع الأفكار الجديدة التي أطلقتها، ولكن هذه الوحدة يمكن أن تتكسّر على عتبة المحاكم المتعدّدة الموجودة في البلاد بحيث يتنوّع الاجتهاد وتفسير القانون بتعدّد هذه المحاكم، لأنه إذا كان من حقّ كلّ قاضٍ أن يفسّر القانون كما يريد ودون أيّة رقابة فلن يبقى من وحدة التشريع إلاّ الإسم. إذاً كيف السبيل إلى حفظ وحدة التشريع؟
ولكن بالمقابل إذا سلخنا حقّ تفسير القانون عن المحاكم، فكيف يمكن لهذه المحاكم أن تفصل النزاعات المعروضة عليها بالإستناد إلى القانون الذي يُصَاغ بعبارات عامّة ترعى حالات واقعيّة لا حصر لها؟
من هنا برزت الحاجة الملحّة إلى إيجاد هيئة عليا على رأس الهرم القضائي للقيام بالمهمّة المتقدّمة، ولكن هل تنتسب هذه الهيئة إلى الجسم القضائي أو إلى الجسم التشريعي؟
أليس من المفروض أن يعود تفسير القانون إلى السلطة المخوّلة حقّ إصداره، وبالتالي إذا أعطينا حقّ تفسير القانون إلى السلطة القضائيّة ألاَ يشكّل ذلك إفتئاتاً من هذه السلطة على صلاحيّة السلطة التشريعية؟ تلك كانت فكرة روبسبير الذي إقترح وضع الهيئة العليا داخل الجسم التشريعي نفسه.
ولكن الفكرة التي قال بها روبسبير إنطلاقاً من مبدأ فصل السلطات ألآ تخالف هي الأخرى هذا المبدأ بإعطاء الجسم التشريعي سلطة مراقبة القرارات القضائيّة؟ ألاَ تعني فكرة روبسبير العودة إلى وضع مشابه للوضع السابق للثورة حيث كان الملك يتمتّع بسلطة مراقبة القرارات القضائيّة؟ وماذا تكون فعلت الثورة؟ إنها لم تفعل سوى أنها إنتزعت سلطة مراقبة القرارات القضائيّة من رئيس الدولة لتعطيها إلى البرلمان، وبالتالي تبقى السلطة القضائيّة في الحالتين فاقدة لإستقلاليتها.
لذلك صُرف النظر عن إقتراح روبسبير وصدر قانون بتاريـخ 27/11 - 1/12/1790 ينصّ على إنشاء محكمة النقض(1) وأصبحت هذه المحكمة تشكّل جزءاً من الجسم القضائي.
12 - نظام المراجعة التشريعية: إن المشترع لم يتخلّ عن كلّ حقّ له في مراقبة تفسير القانون لمصلحة السلطة القضائيّة، إذْ إنحصر دور محكمة النقض بسلطة نقض القرارات القضائيّة التي تنطوي على مخالفة صريحة للقانون أو مخالفة للشكليات، بحيث أنه إذا نقضت القرار لأحد هذين السببين يتوقّف دورها عند النقض وتُعيد القضيّة إلى محكمة أساس من ذات صنف ودرجة المحكمة مصدرة القرار المنقوض حيث تنظر محكمة الموضوع بموضوع النزاع، ولكن هذه المحكمة لا تكون ملزمة بالتقيّد برأي محكمة النقض.
وإذا أصدرت محكمة الموضوع قرارها وخالفت فيه رأي محكمة النقض وتبنّت رأي محكمة الموضوع الأولى، كان لمحكمة النقض قبل إصدار قرارها بشأن طلب النقض الثاني أن تطلب تفسير القانون من المشترع نفسه بما عُرِف بالمرسوم المعلن للقانون(1) وعن طريق أصول مراجعة خاصّة عرفت بالمراجعة التشريعية(2).
وقد دام نظام المراجعة التشريعية لغاية تاريخ 16/9/1807 حيث إستعيض عنه بطلب تفسير القانون من قبل مجلس الدولة الذي كان مُخوّلاً، بموجب الدستور الذي كان نافذاً في تلك الحقبة، صلاحيّة تحضير مشاريع القوانين(3).
إن النظام المتقدّم، سواء المراجعة التشريعية أو طلب تفسير القانون من قبل مجلس الدولة، يوضح الفكرة الأساسيّة من إنشاء محكمة النقض الفرنسية والوظيفة التي أُنْشِئت من أجلها، إذْ ظَهَر عملها وكأنه ينتسب إلى العمل التشريعي أكثر ممّا ينتسب إلى العمل القضائي.
13 - إلغاء نظام المراجعة التشريعية ـ إقرار وظيفة محكمة النقض كمحكمة عليا للرقابة القانونيّة: صدر بتاريخ 30/7/1827 قانون ينصّ على أن الرأي النهائي يكون للمحكمة المحالة إليها القضيّة بعد النقض، إلاّ أن هذا الحلّ يناقض أيضاً الهدف الذي أُنْشِئت محكمة النقض من أجله في جانبه المتعلّق بالمحافظة على وحدة التشريع.
لذلك لم يستمرّ النظام المتقدّم أكثر من تسع سنوات إذْ بتاريخ 1/4/1837 صدر قانون ينصّ على أنه إذا أصرّت المحكمة المحالة إليها القضيّة، بعد النقض، على رأي محكمة الموضوع الأولى فتحال القضيّة عند التقدّم بطلب نقض ثانٍ إلى محكمة النقض بغرفها مجتمعة ويكون رأيها عندئذٍ ملزماً للمحكمة التي تحال إليها القضيّة بعد النقض، وهذا النظام لايزال متّبعاً لغاية اليوم(1).
وهكذا إستقرّت محكمة النقض في وجودها لتقوم بدور الرقابة القانونيّة وذلك بهدف جعل محاكم الموضوع تحترم إرادة المشترع وبهدف المحافظة على وحدة الاجتهاد (2)، ولكن دون أن تصل تلك الرقابة إلى حدّ التعرّض لأساس النزاع والعناصر الواقعيّة فيه.
فالطعن بطريق النقض لا يمكن أن يوجّه إلاّ ضد خطأ إرتكبه قاضي الموضوع في تطبيق القانون، ومن ثمّ فإن النزاع لا يعرض على محكمة النقض إلاّ بالشكل الذي عرض فيه على محكمة الإستئناف حيث يقتصر دور المحكمة العليا على التحقّق من الأمرين التاليين:
- هل راعت محكمة الإستئناف الشكليات القانونيّة؟.
- بعد أن تحقّقت محكمة الإستئناف ضمن حدود سلطتها من العناصر الواقعيّة للنزاع، هل أعطت تلك العناصر النتائج التي يرتّبها المشترع عليها؟.
فإذا أجابت محكمة النقض على السؤالين المتقدّمين بالإيجاب أبرمت القرار المطعون فيه وردّت طلب النقض، أمّا إذا أجابت على السؤالين أو أحدهما فقط بالنفي نقضت القرار وأحالت القضيّة أمام محكمة أساس أخرى من ذات صنف ودرجة المحكمة التي أصدرت القرار، وهذا النظام لا يزال معمولاً به لغاية اليوم(1).
وهذا يعني أن دور محكمة النقض ينحصر بالرقابة القانونيّة، وتبعاً لذلك ترتدّ أسباب النقض جميعها إلى مخالفة القانون بمعناه الواسع، وهذا ما يتّضح من خلال إلقاء نظرة سريعة على أسباب النقض المعدّدة في القانون الإماراتي ومختلف القوانين العربيّة والقانون الفرنسي.
14 - تطوّر أسباب النقض في القانون الفرنسي: إنطلاقاً من وظيفة محكمة النقض التي تقتصر على مراقبة قانونيّة القرارات المطعون فيها، كان الفقه التقليدي يعدّد أسباب النقض على الشكل التالي:
- مخالفة القانون.
- عدم الاختصاص وتجاوز حدّ السلطة L`excès de pouvoir.
- عدم مراعاة الشكليات.
- التناقض بين الأحكام.
وكان الفقه والاجتهاد يؤسّس سببي النقض المتمثّلين بعدم مراعاة الشكليات ومخالفة القانون على المادّة /3/ من المرسوم الصادر بتاريخ 27/11 - 31/12 من العام /1790/ الذي أنشأ محكمة النقض، وعلى الفقرة الثانية من المادّة /7/ من قانون أصول المحاكمات المدنيّة الصادر عام /1810/ المتعلّقة بتعليل الأحكام.
أمّا سبب النقض المتمثّل بالتناقض بين الأحكام فكان يؤسّس على المادّة /504/ من قانون أصول المحاكمات المدنيّة الصادر عام /1810/، في حين أن سبب النقض المتمثّل بعدم الاختصاص وتجاوز حدّ السلطة فكان يؤسّس على بعض النصوص الخاصّة المتعلّقة بالموضوع(1).
ولكن يبقى خارج التصنيف المتقدّم سببان هما: فقدان الأساس القانوني والتشويه، وهما سببان يجدان مصدرهما في عرفٍ متوطّد في القانون الفرنسي، وكانت محكمة النقض الفرنسية تسندهما دوماً إلى نصوص قانونيّة.
كما أن الفقيه الفرنسي الشهير Ernest Fay في كتابه عن محكمة النقض اعْتمد تقسيماً ثلاثياً لأسباب النقض، على الشكل التالي:
- السبب الأوّل: مخالفة القانون، وقد أدرج ضمن هذا السبب: عدم الاختصاص ـ تجاوز حدّ السلطة ـ والتناقض بين الأحكام.
- السبب الثاني: مخالفة الشكليات، وقد أدرج ضمن هذا السبب العيوب المتعلّقة بالتعليل وفقدان الأساس القانوني.
ولكن Faye إستبعد التشويه من بين أسباب النقض وأدان بشدّة إعْتماد هذا السبب بين أسباب النقض(1).
وكان مشروع قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الصادر عام /1975/، يتضمّن، بصيغته الأصلية، تعداداً شاملاً ومفصّلاً لأسباب النقض مع تعريف دقيق لكل من تلك الأسباب، وعندما عُرِض المشروع على مجلس الدولة بهيئته العامّة لإبداء رأيه بالموضوع، أعطى رأياً إستشارياً خلص فيه إلى ضرورة حذف تعداد أسباب النقض الواردة في المشروع معللاً رأيه بالقول أن هذا التعداد من شأنه أن يجمّد أو يشلّ بشكلٍ نهائي رقابة محكمة النقض على محاكم الموضوع، لأنه ينزع عن المحكمة العليا المرونة التي يفترض أن تتوفّر لديها في إجراء رقابتها ممّا يؤدّي إلى تجميد دور محكمة النقض ويمنع عليها التطوّر في هذا المجال.
وخلص مجلس الدولة في رأيه إلى أنه يفترض أن تبقى المحكمة العليا سيدة نفسها بالنسبة للأسباب الممكن توسّلها أمامها وذلك حتى تتمكّن دوماً من التكيّف مع مقتضيات الوظيفة المنوطة بها، وهو الأمر الذي لم تتوقّف محكمة النقض ومجلس الدولة عن ممارسته منذ أكثر من مئة وخمسين عاماً.
ومن ثمّ يفترض بالمشترع أن يعيّن بشكلٍ كافٍ الإطار العام لرقابة محكمة النقض، ويكتفي بأن يَمْنع عليها أن تَدخل في حقل العناصر الواقعيّة بحيث تنحصر مهمتها بالرقابة القانونيّة والتحقّق من مدى إنطباق أحكام وقرارات محاكم الموضوع على القانون ومدى إحترام تلك المحاكم لموجبات تعليل الأحكام والقرارات القضائيّة(1).
وتبعاً للرأي المتقدّم لمجلس الدولة، إكتفى القانون الفرنسي بنص المادّة /604/ حول أسباب النقض ومضمونها:
إن الطعن بطريق النقض يهدف لمراقبة عدم إنطباق الأحكام المطعون بها على القواعد القانونيّة(2).
ثمّ تضمّنت المادتان /617/ و /618/ نصوصاً تتعلّق بالطعن المُسْند إلى التناقض بين الأحكام
وهكذا يتبيّن أن قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الصادر عام /1975/ صرف النظر عن تعداد أسباب النقض المعروفة تقليدياً، مكتفياً بتحديد دور محكمة النقض في الرقابة القانونيّة ومفسحاً أمام المحكمة العليا مجال التطوّر الدائم للقيام بالوظيفة التي أُنْشِئت من أجلها.
15 - أسباب النقض في القوانين العربيّة: إنقسمت التشريعات العربيّة في تعداد أسباب النقض إلى فئتين الأولى إكتفت بذكر مخالفة القانون وخرق الشكليات، والثانية أضافت إلى السببين المتقدّمين أسباباً أخرى مستوحية التصنيف التقليدي لأسباب النقض.
16 - القوانين العربيّة التي إكتفت بذكر مخالفة القانون وخرق الشكليات كأسباب للنقض ـ مصر ـ الكويت ـ السودان ـ ليبيا ـ موريتانيا: ويأتي في طليعة هذه الفئة كلّ من مصر والكويت والسودان إذْ أن المادّة /248/ من قانون المرافعات المدنيّة والتجارية المصري والمادّة /152/ من قانون المرافعات المدنيّة والتجارية الكويتي لعام /1980/، والمادّة /207/ من قانون الإجراءات المدنيّة السوداني لعام /1974/، نصّت على أنه للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في الأحكام الصادرة عن محاكم الإستئناف في الأحوال الآتية:
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة للقانون أوخطأ في تطبيقه أو تأويله.
2 - إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثّر في الحكم.
كما أن المادّة /336/ من قانون المرافعات المدنيّة الليبي لعام /1954/ إعتمدت ذات الأسباب وإن بصيغة مختلفة للبند المتعلّق ببطلان الحكم أو بطلان الإجراءات(1).
وأضافت المادّة /239/ من القانون ذاته إلى ذلك سبب النقض المتمثّل بالتناقض بين الأحكام، فنصّت على ما يلي:
»للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في أيّ حكم إنتهائي، أيّاً كانت المحكمة التي أصدرته، فصل في نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوّة الشيء المحكوم به سواء أَدُفِعَ بهذا أَمْ لم يُدْفع«
كذلك إن المادّة /234/ من قانون مجلّة المرافعات المدنيّة الموريتاني المنقح بموجب القانون رقم /68238/ لعام /1968/ نصّت على ما يلي:
»يمكن الطعن بالتعقيب لخرق القانون لدى المحكمة العليا على كلّ الأحكام الصادرة نهائياً عن سائر المحاكم في المواد المدنيّة والتجاريّة والإداريّة«.
وأضافت المادّة /246/ من القانون ذاته على أنه:
»لايمكن نقض أحكام الدرجة النهائية إلاّ بسبب خرق القانون إذا كانت حائزة على الصيغ القانونيّة المقرّرة«
ويتبيّن من النصوص السابقة أنها متّفقة على أن مخالفة القانون يشكّل سبباً للنقض بالإضافة إلى السبب المنبثق من مخالفة قواعد صيغ الإجراءات التي يترتّب على مخالفتها البطلان.
17 - القوانين العربيّة التي أسهبت في تِعداد أسباب النقض إعتمدت بقيّة القوانين العربيّة الأسباب ذاتها التي إعتمدتها الفئة الأولى وأضافت إليها أسباباً أخرى معروفة تقليدياً بأنها تشكّل أسباباً للنقض، ويأتي في طليعة هذه الدول لبنان.
وبالفعل بتاريخ 16/9/1983 صدر في لبنان المرسوم الإشتراعي رقم 90/83 بعنوان قانون » أصول المحاكمات المدنيّة «، وقد أجاز الطعن بطريق النقض، ونظم أحكامه في المواد /703/ إلى /740/، وقد عدّدت المادّة /708/ أسباب النقض على الشكل التالي:
1 - مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تفسيره. ويجب على الطاعن أن يبيّن النصّ أو المبدأ القانوني أو القاعدة القانونيّة الواقعة عليها المخالفة أو الواقع الخطأ في تطبيقها أو تفسيرها وأوجه المخالفة أو الخطأ.
2 - مخالفة قواعد الاختصاص الوظيفي أو النوعي.
3 - التناقض في الفقرة الحكمية للقرار الواحد بحيث يستحيل تنفيذه.
4 - إغفال الفصل في أحد المطالب.
5 - الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
6 - فقدان الأساس القانوني للقرار المطعون فيه بحيث جاءت أسبابه الواقعيّة غير كافية أو غير واضحة لإسناد الحلّ القانوني المقرّر فيه.
7 - تشويه مضمون المستندات بذكر وقائع خلافاً لما وردت عليه فيها أو بمناقضة المعنى الواضح والصريح لنصوصها.
8 - التناقض بين حكمين صادرين بالدرجة الأخيرة في ذات الدعوى عن محكمتين مختلفتين أو عن محكمة واحدة.
18 - أسباب النقض في القانون الاردني: إن قانون أصول المحاكمات المدنيّة الأردني رقم /24/ لسنة /1988/ بصيغته المعدّلة بموجب القانون رقم /14/ لسنة /2001/، عدّد في المادّة /198/ منه أسباب النقض على الشكل التالي:
- إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.
- إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثّر في الحكم.
- إذا صدر الحكم نهائياً خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغيّر صفاتهم وتعلّق النزاع بذات الحقّ محلاًّ وسبباً وحاز قوّة القضيّة المقضيّة سواء أَدُفِعَ بهذا أم لم يُدْفَع.
- إذا لم يُبْنَ الحكم على أساس قانوني بحيث لا تسمح أسبابه لمحكمة التمييز أن تمارس رقابتها.
- إذا أغفل الحكم الفصل في أحد المطالب أو حكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
19 - أسباب النقض في القانون السـوري: عدّدت المـادّة /250/(1) من قانون أصول المحاكمات الصادر عام /1953/ أسباب النقض على الشكل التالي:
»(أ) إذا صدر الحكم عن محكمة غير ذات اختصاص مع مراعاة أحكام المادتين /145/ و /146/ من قانون أصول المحاكمات(2).
(ب) إذا كان الحكم مَبْنِيّاً على مخالفة للقانون أو خطأ في تفسيره.
(ج) إذا صدر الحكم نهائياً خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغيّر صفاتهم وتعلّق النزاع بذات الحقّ محلاًّ وسببا، وحاز قوّة القضيّة المقضيّة سواء أُدُفِع بهذا أم لم يُدْفَع.
(د) إذا لم يُبْنَ الحكم على أساس قانوني بحيث لا تسمح أسبابه لمحكمة النقض أن تمارس رقابتها.
(هـ) إذا أغفل الحكم الفصل في أحد المطالب أو حكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه«.
20 - أسباب النقض في القانون العراقي: عدّدت المادّة /203/ من قانون المرافعات المدنيّة الصادر عام /1974/، كما تعدّلت بالقانون رقم /2/ لعام /1977/، أسباب النقض على الشكل التالي:
1 - إذا كان الحكم قد بُنِيَ على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو عيب في تأويله.
2 - إذا كان الحكم قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص .
3 - إذا وقع في الإجراءات الأصولية التي اتُّبِعت عند رؤية الدعوى خطأ مؤثّر في صحّة الحكم.
4 - إذا صدر حكم يناقض حكماً سابقاً صدر في الدعوى نفسها بين الخصوم أنفسهم أو من قام مقامهم وحاز درجة البتات.
5 ـ إذا وقع في الحكم خطأ جوهري.
ويعتبر الخطأ جوهرياً إذا أخطأ الحكم في فهم الوقائع أو أغفل الفصل في جهة من جهات الدعوى أو فصل في شيء لم يَدّعِ به الخصوم أو قضى بأكثر ممّا طلبوه أو قضى على خلاف ما هو ثابت في محضر الدعوى أو على خلاف دلالة الأوراق والسندات المقدّمة من الخصوم أو كان منطوق الحكم مناقضاً بعضه لبعض أو كان الحكم غير جامع لشروطه القانونيّة.
ويلاحظ هنا أن القانون العراقي إنفرد بالنصّ على سبب غير معتمد تقليدياً بين أسباب النقض هو وقوع خطأ جوهري في الحكم معتبراً أن الخطأ في فهم الوقائع هو خطأ جوهري في الحكم، وبالطبع إن مثل السبب المتقدّم يعطي محكمة النقض مجال الدخول في حقل العناصر الواقعيّة خلافاً لدورها المحصور بالرقابة القانونيّة. إلاّ في حالة تشويه الوقائع أو مخالفة الثابت بالاوراق
كما أن القانون العراقي تميّز بإعتماده التشويه (راجع عن التشويه البند 78 وما يليه) كسبب من أسباب النقض وذلك من خلال تعريف الخطأ الجوهري الذي يقع في الحكم والذي يشمل على القضاء بما يخالف » ما هو ثابت في محضر الدعوى أو على خلاف دلالة الأوراق والسندات المقدّمة من الخصوم «.
21 - أسباب النقض في القانون التونسي: عدّدت المادّة /175/ من قانون مجلّة الإجراءات المدنيّة لعام /1959/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- إذا كان الحكم مَبْنِيّاً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.
- إذا كان الحكم صادراً فيما يتجاوز اختصاص المحكمة التي أصدرته.
- إذا كان هناك إفراط في السلطة.
- إذا لم تُراعَ في الإجراءات أو في الحكم الصيغ الشكلية التي رتّب القانون على عدم مراعاتها البطلان أو السقوط.
- إذا كانت هناك أحكام نهائية متناقضة في نصِّها وكانت صادرة بين نفس الخصوم وفي ذات الموضوع والسبب.
- إذا صدر الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه أو أغفل الحكم الإستئنافي بعض الطلبات التي حكم فيها إبتدائياً أو كان نصّ الحكم مشتملاً على أجزاء متناقضة.
- إذا صدر الحكم على فاقد الأهلية بدون أن يقع تمثيله في القضيّة تمثيلاً صحيحاً أو وقع تقصير واضح في الدفاع عنه وكان ذلك هو السبب الأصلي أو الوحيد في صدور الحكم المطعون فيه .
ويلاحظ أن القانون التونسي إنفرد عن بقيّة القوانين العربيّة بإضافة سبب غير وارد تقليدياً ضمن أسباب النقض وهو السبب المتعلّق بفاقد الأهلية، وهذا السبب يمكن أن يضطر محكمة النقض للدخول في حقل العناصر الواقعيّة، خلافاً لدورها المحصور تقليدياً بالرقابة القانونيّة.
22 - أسباب النقض في القانون الجزائري: عدّدت المادّة /223/ من قانون الإجراءات المدنيّة الصادر عام /1966/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- عدم الاختصاص أو تجاوز السلطة.
- مخالفة أو إغفال قاعدة جوهرية في الإجراءات.
- إنعدام الأساس القانوني للحكم.
- إنعدام أو قصور أو تناقض الأسباب.
- مخالفة أو خطأ في تطبيق القانون الداخلي أو قانون أجنبي متعلّق بالأحوال الشخصيّة.
- تناقض الأحكام النهائية الصادرة من محاكم مختلفة.
ويلاحظ هنا أيضاً أن القانون الجزائري إنفرد بالنصّ على مخالفة القانون الأجنبي حاصراً هذه المخالفة بالقانون الأجنبي المتعلّق بالأحوال الشخصيّة.
23 - أسباب النقض في القانون المغربي: عدّدت المادّة /359/ من قانون المسطرة المدنيّة الصادر عام /1974/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- خرق القانون الداخلي.
- خرق قاعدة مسطرية أضرّ بأحد الأطراف.
- عدم الاختصاص .
- الشطط في إستعمال السلطة.
- عدم إرتكاز الحكم على أساس قانوني أو إنعدام التعليل «.
24 - أسباب النقض في القانون اليمني: عدّدت المادّة /198/ من قانون المرافعات الصادر عام /1981/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة للشرع أو خطأ في تطبيقه أو تأويله أو لم يبيّن الأساس الشرعي الذي بُنِيَ عليه.
- إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أَثّر في الحكم.
- إذا حكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
- إذا تعارض حكمان نهائيان في دعويين إتّحد فيها الخصوم والموضوع والسبب.
25 - أسباب النقض في الصومال: عدّدت المادّة /246/ من قانون الإجراءات المدنيّة الصادر عام /1974/ أسباب النقض على الشكل التالي:
- عدم ولاية القضاء أو الاختصاص .
- مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه.
- بطلان في الحكم أو الإجراءات أثارها الخصوم أو كان للمحكمة أن تثيرها من تلقاء ذاتها.
- عدم التسبيب أو عدم كفايته في مسألة حاسمة في النزاع.
»وأضافت المادّة /247/ أن القانون هو الذي يحدّد الحالات الأخرى التي يجوز فيها طعن القرارات القضائيّة بطريق النقض«.
26 - تقويم تعداد أسباب النقض في القانون اللبناني والقوانين العربيّة - أسباب النقض في قانون دولة الإمارات العربيّة المتّحدة - خطة البحث: إن أسباب النقض ترتبط بوظيفة محكمة النقض والدور الذي أُنْشِئت من أجله وهو يتمثّل، وبكلمةٍ مختصرة، بمراقبة مدى تقيّد محاكم الموضوع بالقواعد القانونيّة المرعيّة في البلد، وهذا يعني أن محكمة النقض هي محكمة قانون وليست محكمة واقع، إذْ أن وظيفة محكمة النقض تنحصر بمراقبة مدى تقيّد محاكم الموضوع في تطبيق القانون على العناصر الواقعيّة التي إستثبتتها محاكم الموضوع.
وهذا يعني أن الصورة الواقعيّة كما عُرِضت على محكمة الموضوع تعتبر هي المنطلق لتطبيق القواعد القانونيّة، وينحصر دور محكمة النقض بمراقبة كيفية تطبيق محاكم الموضوع للقانون على تلك الصورة الواقعيّة فقط وتبعاً لذلك فإن محكمة النقض لا تبحث في صحّة الصورة الواقعيّة ذاتها، ولا يمكن الإستناد أمامها إلى أيّ من الأسباب الواقعيّة
ومن ثمّ يفترض أن تنصبّ أسباب النقض على الطعن بالصورة القانونيّة التي عكسها حكم محكمة الموضوع للصورة الواقعيّة التي ظهرت من خلال الملف كما عُرِض على محكمة الموضوع(1).
وتبعاً لذلك نجد أن جميع القوانين المتعلّقة بأصول المحاكمات أو بالإجراءات المدنيّة تعتبر أن مخالفة القانون تشكّل سبباً للنقض وإن كانت إعتمدت تسميات مختلفة لهذا السبب.
كما أن قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الحالي إكتفى بتحديد وظيفة محكمة النقض بالمراقبة القانونيّة، وترك لها مجال التكيّف والتطوّر في قيامها بتلك الوظيفة (راجع البند 14).
وإذا كان القانون الفرنسي ومختلف التشريعات العربيّة تعتبر أن مخالفة القانون تشكّل سبباً للنقض، فإن هذا السبب هو سبب عام يمكن الإستناد إليه في كلّ مرّة يتضمّن الحكم مخالفة لقاعدة قانونيّة معيّنة وبالتالي لا يمكن حصر الحالات التي يمكن أن تندرج تحت هذا السبب(2).
إلاّ أن هذا السبب، رغم كونه سبباً عاماً، يبقى قاصراً عن أن يشكّل سبباً مستقلاًّ قائماً بذاته بمعنى أن الطعن بطريق النقض لعلّة مخالفة القانون لا يمكن تأسيسه فقط على أيّ من المواد الواردة في قوانين الإجراءات المدنيّة والتي تعتبر أن مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تفسيره أو تأويله يشكّل سبباً للنقض بل لا بدّ من بيان القاعدة القانونيّة التي خالفها الحكم المطعون فيه(1) بحيث يتكوّن سبب النقض من مخالفة هذه القاعدة معطوفة على الفقرة التي تعتبر مخالفة القانون سبباً للنقض كما هي واردة ضمن الأحكام المتعلّقة بمحكمة النقض.
وأخيراً جاء القانون الإماراتي متوافقاً مع القوانين العربية التي أسهبت في تعداد أسباب النقض، وبالفعل كانت المادّة /173/ من قانون 1992 عدّدت أسباب النقض، والتي أصبحت المادة 175 في القانون رقم 42/2022 على الشكل التالي:
- إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله.
- إذا وقع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثّر في الحكم.
- إذا كان الحكم المطعون فيه قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص .
- إذا فصل في النزاع على خلاف حكم آخر صدر في ذات الموضوع بين نفس الخصوم وحاز قوّة الأمر المقضي به.
- خلوّ الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها.
- إذا حكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
وتبعاً لذلك سنبحث في سبب النقض العام المتمثل بمخالفة القانون المنصوص عليه في البند الأول من المادة 175 (القسم الاول)، لنعرض بعد ذلك الى بقية الأسباب الخاصة للنقض المعدّدة في البنود اللاحقة من المادة 175 (القسم الثاني)