نماذج من بعض ما ورد شرح  أسباب النقض كما وردت في الكتاب، والنماذج تتعلق بالأسباب التالية:
1 – مخالفة القانون
2 - أسباب النقض التي تقع في الفقرة الحكميّة
3 - الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه
4 - أسباب النقض التي يمكن أن تظهر  في شكليات الحكم وأسبابه 
5 – عدم كفاية الأسباب أو غموضها
 6 – مخالفة الثابت بالأوراق

    26 - تقويم تعداد أسباب النقض في القانون اللبناني والقوانين العربيّة - أسباب النقض في قانون دولة الإمارات العربيّة المتّحدة - خطة البحث: إن أسباب النقض ترتبط بوظيفة محكمة النقض والدور الذي أُنْشِئت من أجله وهو يتمثّل، وبكلمةٍ مختصرة، بمراقبة مدى تقيّد محاكم الموضوع بالقواعد القانونيّة المرعيّة في البلد، وهذا يعني أن محكمة النقض هي محكمة قانون وليست محكمة واقع، إذْ أن وظيفة محكمة النقض تنحصر بمراقبة مدى تقيّد محاكم الموضوع في تطبيق القانون على العناصر الواقعيّة التي إستثبتتها محاكم الموضوع.
    وهذا يعني أن الصورة الواقعيّة كما عُرِضت على محكمة الموضوع تعتبر هي المنطلق لتطبيق القواعد القانونيّة، وينحصر دور محكمة النقض بمراقبة كيفية تطبيق محاكم الموضوع للقانون على تلك الصورة الواقعيّة فقط وتبعاً لذلك فإن محكمة النقض لا تبحث في صحّة الصورة الواقعيّة ذاتها، ولا يمكن الإستناد أمامها إلى أيّ من الأسباب الواقعيّة 
    ومن ثمّ يفترض أن تنصبّ أسباب النقض على الطعن بالصورة القانونيّة التي عكسها حكم محكمة الموضوع للصورة الواقعيّة التي ظهرت من خلال الملف كما عُرِض على محكمة الموضوع(1).
    وتبعاً لذلك نجد أن جميع القوانين المتعلّقة بأصول المحاكمات أو بالإجراءات المدنيّة تعتبر أن مخالفة القانون تشكّل سبباً للنقض وإن كانت إعتمدت تسميات مختلفة لهذا السبب.
    كما أن قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الحالي إكتفى بتحديد وظيفة محكمة النقض بالمراقبة القانونيّة، وترك لها مجال التكيّف والتطوّر في قيامها بتلك الوظيفة (راجع البند 14).
    وإذا كان القانون الفرنسي ومختلف التشريعات العربيّة تعتبر أن مخالفة القانون تشكّل سبباً للنقض، فإن هذا السبب هو سبب عام يمكن الإستناد إليه في كلّ مرّة يتضمّن الحكم مخالفة لقاعدة قانونيّة معيّنة وبالتالي لا يمكن حصر الحالات التي يمكن أن تندرج تحت هذا السبب(2).
    إلاّ أن هذا السبب، رغم كونه سبباً عاماً، يبقى قاصراً عن أن يشكّل سبباً مستقلاًّ قائماً بذاته بمعنى أن الطعن بطريق النقض لعلّة مخالفة القانون لا يمكن تأسيسه فقط على أيّ من المواد الواردة في قوانين الإجراءات المدنيّة والتي تعتبر أن مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تفسيره أو تأويله يشكّل سبباً للنقض بل لا بدّ من بيان القاعدة القانونيّة التي خالفها الحكم المطعون فيه(1) بحيث يتكوّن سبب النقض من مخالفة هذه القاعدة معطوفة على الفقرة التي تعتبر مخالفة القانون سبباً للنقض كما هي واردة ضمن الأحكام المتعلّقة بمحكمة النقض.
وأخيراً جاء القانون الإماراتي متوافقاً مع القوانين العربية التي أسهبت في تعداد أسباب النقض، وبالفعل كانت المادّة /173/ من قانون 1992 عدّدت أسباب النقض، والتي أصبحت المادة 175 في القانون رقم 42/2022 على الشكل التالي:
    - إذا كان الحكم المطعون فيه مَبْنِيّاً على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله.
    - إذا وقع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثّر في الحكم.
    - إذا كان الحكم المطعون فيه قد صدر على خلاف قواعد الاختصاص .
    - إذا فصل في النزاع على خلاف حكم آخر صدر في ذات الموضوع بين نفس الخصوم وحاز قوّة الأمر المقضي به.
    - خلوّ الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها.
    - إذا حكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه.
     وتبعاً لذلك سنبحث في سبب النقض العام المتمثل بمخالفة القانون المنصوص عليه في البند الأول من المادة 175 (القسم الاول)، لنعرض بعد ذلك الى بقية الأسباب الخاصة للنقض المعدّدة في البنود اللاحقة من المادة 175 (القسم الثاني)

القسم الأول
 مخالفة القانون27 – المشاكل التي يطرحها بحث مخالفة القانون كسبب للتقض: أن جميع القوانين المتعلّقة بأصول المحاكمات أو بالإجراءات المدنيّة تعتبر أن مخالفة القانون تشكّل سبباً للنقض وإن كانت اعتمدت تسميات مختلفة لهذا السبب (راجع البندين 16 و37 وما يليهما) إلاّ ان قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي لعام 1975 اكتفى بتحديد وظيفة محكمة النقض بالمراقبة القانونيّة، وترك لها مجال التكيّف والتطوّر في قيامها بتلك الوظيفة معتبراً ان كل الأسباب المعدّدة في مختلف التشريعات العصرية هي بالنهاية تشكل نوعاً معيناً من مخالفة القانون (راجع البند 19). 
والواقع ان كل نزاع يعرض على القضاء يمكن أن يندرج ضمن إحدى الحالات التالية:
الحالة الأولى: النزاع القانوني، في هذه الحالة يفترض أن الخصوم متفقون على العناصر الواقعية وإنما يتنازعون حول النتائج القانونية التي يمكن أن تترتب عليها.
الحالة الثانية: النزاع الواقعي، وفي هذه الحالة يكون النزاع دائراً حول العناصر الواقعية ذاتها التي يمكن أن ينبثق عنها الحق المتنازع عليه.
الحالة الثالثة: النزاع الواقعي والقانوني في آن واحد، وفي هذه الحالة يكون النزاع دائراً حول العناصر الواقعية والنتائج القانونية التي يمكن أن تترتب عليها.
وهذا يعني ان ما يطرح على المحكمة في أي نزاع يعرض عليها ينحصر بعنصرين اثنين: 
والعنصر الأول: هو القانون الذي يجب حلّ النزاع على ضوئه
والعنصر الثاني: هو الواقع الذي ولّد النزاع  بين الخصوم 
وطالما ان الخصوم هم الذين يملكون العنصر الأول وهم  الذين يعرضونه على المحكمة ويقدمون الوسائل لإثبات العناصر الواقعية (راجع لاحقاً البند )، مقابل دور القاضي الذي عليه ان يطبق القانون على الوقائع التي اثبتها الخصوم (راجع لاحقاً البند ) فان المشكلة التي تظهر أمام محكمة النقض عند البحث بمخالفة القانون، تصبح محصورة بالإجابة على السؤالين التاليين:
السؤال الأول: معنى مخالفة القانون (الفصل الأوّل)
السؤال الثاني: ما هو معيار التمييز بين الواقع والقانون (الفصل الثاني)
 
الفصل الأوّل
معنى مخالفة القانون   

28-  مكرر طرح المشكلة من خلال بُنْيَة القاعدة لقانونيّة: لا تكتمل القاعدة القانونيّة ولا يمكن وصفها بالقاعدة القانونيّة إلاّ إذا رتّبت أثراً على سلوك معيّن( ) وبالتالي لا يمكن أن تكتفي القاعدة القانونيّة بإقرار أمر أو ترتيب منع دون أن تُقْرن ذلك بأثر قانوني يترتّب على مخالفة الأمر أو خرق المنع، فمفهوم القاعدة القانونيّة ذاته يرتبط بفكرة الإكراه والإلزام( )
مثلا إن أمر التاجر بدفع ديونه التجاريّة أو منع السرقة لا يمكن وصف أيّ منهما بالقاعدة القانونيّة طالما لا يترتّب أيّ أثر على مخالفة الأمر أو خرق المنع، وبالتالي حتى تكتمل القاعدة وترتقي إلى مرتبة القاعدة القانونيّة لا بدّ من أن تقترن بأثر قانوني أو جزاء.
    فإذا قلنا أنه »إذا توقف التاجر عن دفع ديونه التجاريّة يعلن إفلاسه« نكون أمام قاعدة قانونيّة، كذلك إذا قلنا »من يسرق يسجن« نكون عندئذٍ إزاء قاعدة قانونيّة، أيضاً إذا قلنا إذا قدم الإستئناف بعد إنقضاء المهلة القانونيّة يردّ شكلاً نكون أيضاً أمام قاعدة قانونيّة لأن مخالفة الأمر أو خرق المنع قد ترتّب عليه أثر قانوني معيّن.
    ولذلك نجد أن الفقهاء الذين بحثوا في تكوين القاعدة القانونيّة أظهروا وجود عنصرين فيها وإن بعبارات مختلفة( )
مثلاً بالنسبة لايهرنع تتكوّن القاعدة القانونيّة من (Conditionnant et conditionné) وبالنسبة الى ستاملر (Stammler) وموتلكسي (Moutlsky) تتكوّن القاعدة من فرضيات (Présupposition) وأثر قانوني (effet juridique)، (يراجع حول هذا الموضوع Moulskly, principes p. 18).
العنصر الأوّل هو الفرضيات والعنصر الثاني هو الجزاء أو الحكم الذي يجب تقريره أيّ الأثر القانوني الذي يترتّب على مخالفة الأمر أو خرق المنع. فكل قاعدة قانونيّة، وأيّة قاعدة قانونيّة تتكون من العنصرين المتقدّمين، ولا توجد بالتالي دون توفّرهما معاً.
    وتستقلّ بنية القاعدة القانونيّة La structure de la règle de droit   والعناصر التي تتألّف منها عن صياغتها، فقد توجد قواعد قانونيّة مكتملة ضمن مادّة قانونيّة واحدة بحيث تحتوي هذه المادّة على فرضيات القاعدة والحكم المقرّر لها، مثلاً المادة /282/ من قانون المعاملات المدنية الإماراتي  تنص على ان «كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر»(2) وهذه المادّة تتضمّن فرضيات القاعدة وهي « كل إضرار بالغير ولو من غير مميز«، والحكـم المقـرّر هو »إلزام الفاعل بضمان الضرر« هذا مثال ويمكن تكرار الأمثلة.
    ولكن يمكن أحياناً أن تتوزّع القاعدة القانونيّة على عدّة مواد، بحيث يحتوي البعض منها على فرضيات القاعدة أو بعضها والبعض الآخر يحتوي على القسم الباقي من الفرضيات أو على الحكم المقرّر لها، مثلاً المادة /207/ من قانون المعاملات المدنية الإماراتي  تنص على ان:
«1 ـ السبب هو الغرض المباشر المقصود من العقد.
 2 ـ ويجب أن يكون موجوداً وصحيحاً ومباحاً وغير مخالف للنظام العام أو الآداب«. كما نلاحظ ليس في نصّ هذه المادّة سوى فرضيات، وإذا بحثنا عن الحكم المقصود ترتيبه على الفرضيات المتقدّمة لوجدناه في المادّة 208/1 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي التي تنصّ على انه 
»لا يصح العقد إذا لم تكن فيه منفعة مشروعة للمتعاقدين«، فهنا رتّب القانون على الفرضيات المبينة في المادة /207/ أثراً قانونياً هو اعتبار العقد غير صحيح، وهذا أيضاً مثال ويمكن تكرار الأمثلة.
    من هنا نرى أن القاعدة القانونيّة يجب ان تتضمّن دوماً جزءين:
    الجزء الأوّل: هو الفرضيات، وهي تتضمّن المفاهيم القانونيّة التي تبيّن شروط وميدان تطبيق القاعدة ومن ثمّ  الحالات الواقعيّة التي تطبّق القاعدة عليها.
    الجزء الثاني: هو الحلّ أو الأثر القانوني الذي تقرّره القاعدة القانونيّة للحالات الواقعيّة المشمولة بالقاعدة.
    ولا شكّ في أن بُنْية القاعدة القانونيّة تطرح للتساؤل عمّا إذا كانت مخالفة القانون بالمعنى الواسع تعني فقط مخالفة الجزء الثاني من أجزاء القاعدة القانونيّة أيّ الأثر أو الحلّ الذي ترتّبه القاعدة القانونيّة على الحالات الواقعيّة التي تنطبق عليها أم أن المخالفة يمكن أن تتأتّى أيضاً من مخالفة الجزء الأوّل من أجزاء القاعدة القانونيّة أيّ الجزء الذي يشكّل فرضيات القاعدة القانونيّة وتالياً المفاهيم القانونيّة التي تبيّن شروط وميدان تطبيق الحلّ الذي تتضمّنه القاعدة القانونيّة.
    إن الجواب على التساؤل المتقدّم يتلخّص بالقول انه حتى يعتدّ بمخالفة القانون يجب ان تكون المخالفة مؤثّرة في الحلّ القانوني الذي خلص إليه الحكم المطعون فيه في فقرته الحكمية(1) يضاف إلى ذلك أنه يجب أن يكون سبق عرض السببب المتذرّع به على محكمة الموضوع.
    ومن ثمّ سنبحث هنا فيما هو مقصود بمخالفة القانون المؤثّر في الحلّ (المبحث الأوّل) ليصار على ضوء ذلك إلى البحث في الشرط القائل بوجوب أن يكون السبب المُسْندة إليه مخالفة القانون سبق عرضه على المحكمة المطعون بحكمها (المبحث الثاني).

 
المبحث الأوّل
معنى مخالفة القانون المؤثّرة في الحلّ

    29 - ضرورة وجود مخالفة للقانون مؤثّرة في نتيجة الحكم وعرض المخالفة بشكلٍ واضح على محكمة النقض: ................
الفصل الثاني
التمييز بين الواقع والقانون 
     65 - ظهور مشكلة التمييز بين الواقع والقانون على أثر انشاء محكمة النقض الفرنسية ـ المعايير المختلفة بالموضوع: إذا كان القانون الذي تراقب محكمة النقض تطبيقه يتمثل بالقاعدة القانونية الصادرة عن السلطة المخولة حق التشريع، بحيث يسهل القول ان كل ما يتعلق بتلك القاعدة، سواء للتحقق من وجودها أومضمونها أوتفسيرها، يدخل ضمن سلطة محكمة النقض في الرقابة القانونية على محاكم الموضوع؛ إلا ان وظيفة محكمة النقض لاتقتصر على البحث بالقاعدة القانونية بمعزل عن الواقع الموجود في الملف ، بل ان وظيفتها تتعدى ذلك  إلى النظر بصحّة تطبيق القاعدة على العناصر الواقعيّة، وهنا تبرز مشكلة اولى تتعلق بمعرفة الحدود الفاصلة بين الواقع والقانون أو التمييز بين الواقع والقانون.
 وبالفعل على أثر إنشاء محكمة النقض الفرنسية بعد الثورة الفرنسية وحصر دورها بالرقابة القانونيّة (راجع البند11) طرحت على رجال القانون مشكلة التمييز بين الواقع والقانون لأن ما يدخل في حقل الواقع يخرج عن رقابة المحكمة العليا وما يدخل في حقل القانون يقع ضمن رقابتها، ولكن ما هي الحدود الفاصلة بين الواقع والقانون؟.
    لقد وُضِعت معايير مختلفة للتمييز بين الواقع والقانون(1).
    ان احد المعايير التي اقتُرِحت في هذا المجال كان التعريف القانوني للمفاهيم القانونية، وهذا المعيار يستند في التمييز بين المسائل الخاضعة لرقابة محكمة النقض وتلك التي تخرج عن الرقابة،  وبالتالي في التمييز بين مسائل الواقع ومسائل القانون، إلى ما إذا كانت المفاهيم التي طبّقها القاضي معرّفة قانوناً أو تَخْلو من مثل هذا التعريف.
    بمعنى أنه عندما يضع القانون تعريفاً لمفهوم معيّن ويوضح خصائصه فيدخل هذا المفهوم عندئذٍ ضمن مسائل القانون، ويخضع بالتالي لرقابة محكمة النقض. ويتابع أصحاب هذا الرأي القول أنه عندما يكْتفي القانون بذكر عبارة معيّنة دون أن يُعْطِيها أيّ تعريف فتعتبر عندئذٍ من مسائل الواقع وليس من مسائل القانون(1).
ولكن المعيار المتقدّم يصحّ انتقاده بسهولة لأن التمييز بين المفاهيم التي أعطاها القانون تعريفاً وتلك التي لم يعطِها هذا التعريف لا يستند إلى أيّ أساس جديّ(2)، إذْ من جهة أن كلّ مفهومٍ يستعمله القانون يفترض ضِمْناً أنه يعطيه تعريفاً معيناً، ومن جهة ثانية غالباً ما يكون التعريف الذي يعطيه القانون لمفهوم معيّن غير كافٍ بذاته ويحتاج بالتالي إلى تفسير وشرح(3).
    من اجل ذلك ظهر معيار آخر يعتبر ان التكييف القانوني هو المعيار الاصح للتمييز بين الواقع والقانون، ومن ثم يعتبر القائلون بهذا المعيار أن التكييف (La qualification) القانوني يعتبر دوماً مسألة قانونيّة(1) (راجع عن التكييف البند 32).
    ولا شكّ أن الرأي المتقدّم هو صحيح في جوهره لأنه لا خلاف على اعتبار التكييف من مسائل القانون، إلاّ أن هذا الرأي لا يكفي لاعتبار أن التكييف هو المعيار الذي يمكن اعتماده للتمييز بين الواقع والقانون لأن هذا التمييز يطرح مسائل كثيرة تتجاوز مسألة التكييف.
    66 - القانون أحد مقدّمات القياس كمعيار للتمييز بين الواقع والقانون: ينطلق أصحاب هذا المعيار من نظرة منهجيّة معيّنة لتطبيق القانون بالقول أنّ استخراج نتيجة قانونيّة معيّنة بشأن قضيّة مخصوصة يتمّ عن طريق مقارنة العناصر الواقعيّة البحتة للقضية المخصوصة بالعناصر الأوّليّة التي استخرجت منها فرضيات القاعدة القانونيّة ومن ثمّ يعتبر أصحاب هذا الرأي أن المسألة تدخل ضمن مسائل القانون عندما يتمّ حلها عن طريق مقارنة العناصر الواقعيّة البحتة في القضيّة المخصوصة بالعناصر الأوّليّة التي استخرجت من فرضيات القاعدة القانونيّة، بعد تحليل هذه الفرضيات إلى عناصرها الأوّليّة(2) (راجع البند 28).
    ونعتقد أن هذا المعيار يصحّ اعتماده لأنه أدقّ وأشمل من المعايير السابقة، فالمسألة تصبح قانونيّة عندما لا يمكن حلّها إلاّ عن طريق مقارنة العناصر الواقعيّة بقاعدة قانونيّة. أمّا إذا كان من الممكن حلّ المشكلة بمقارنة العناصر الواقعيّة بمفاهيم واقعيّة أخرى فعندها تبقى المسألة من مسائل الواقع، ونوضح ذلك بالمثال التالي:
    باع سالم مالاً منقولاً إلى سامي بموجب سند عـادي مؤرخ فـي 1/1/1983 دون أن يسلّمه المال، ثمّ باع المال ذاته إلى فؤاد بموجب سند رسمي مؤرخ في 1/7/1985.
    من خلال المثال المتقدّم نطرح المسألتين التاليتين:
    المسألة الأولى: أيّ من السندين هو الذي يحمل تاريخاً أسبق من الآخر؟
    المسألة الثانية: من يُفضّل في الشراء في حال طُرِح النزاع على القضاء؟
    بالنسبة للمسألة الأولى، إذا قلنا أن تاريخ السند العادي المؤرخ في 1/1/1983 هو أسبق من تاريخ السند الثاني المنظّم عند الكاتب العدل بتاريخ 1/7/1985، فإن حلّ هذه المسألة تمّ عن طريق المقارنة بين عناصر واقعيّة بحتة، وآية ذلك أن المقارنة تمّت هنا بين التاريخ الموضوع على كلّ من السندين؛ وإذا أردنا أن نختصر العملية عن طريق قياس منطقي بسيط فتكون عناصر هذا القياس على الشكل التالي:
    مقدّمة كبرى: إن تاريخ 1/1/1983 هو أسبق من تاريخ 1/7/1985 (وهذه مسألة واقعيّة).
    مقدّمة صغرى: السند الأوّل يحمل تاريخ 1/1/1983 والسند الثاني يحمل تاريخ 1/7/1985.
    النتيجة: السند الأوّل هو أسبق تاريخاً من السند الثاني.
    نرى هنا أن مقدّمات القياس لحلّ المشكلة تنحصر بمقارنة عناصر واقعيّة بعناصر واقعيّة أخرى وتبقى المسالة بالتالي مسألة واقع.
    بالنسبة للمسألة الثانية تُحلّ على الشكل التالي:
    إن السند الذي يحمله سامي هو سند عادي، بينما السند الذي يحمله فؤاد هو سند رسمي، والقاعدة القانونيّة تقول أن تاريخ السند العادي لا يسري على الغير الذي يحمل سنداً صحيح التاريخ، وفي نفس الوقت هناك قاعدة قانونية أخرى تقول ان المحرر الرسمي يعتبر حجة على الكل بما دوّن فيه من امور قام بها محرره في حدود مهمته، وبمقارنة السندين مع القاعدتين المشار اليهما، نصل الى نتيجة واحدة هي ان فؤاد هو الأسبق في الشراء لان سنده رسمي ويسري على سامي الذي يحمل سنداً عادياً. وقد تم حلّ المسألة هنا عن طريق قياس منطقي كان القانون إحدى مقدّماته، ويمكن بالتالي اختصار العملية القياسية على الشكل التالي:
    مقدّمة كبرى: إن تاريخ السند العادي لا يسري على الغير الذي يحمل سنداً صحيح التاريخ (وهذه المقدّمة تشكّل قاعدة قانونيّة)، في حين ان المحرر الرسمي يعتبر حجة على الكل بما دوّن فيه من امور قام بها محرره في حدود مهمته    
مقدّمة صغرى: إن تاريخ سند سامي هو غير صحيح وهو لا يسري على الغير، بينما سند فؤاد الرسمي يسري على الكل
    النتيجة: سند سامي لا يسري على فؤاد.    
    نرى هنا أن إحدى مقدّمات القياس لحلّ المسألة انطلق من فرضيات قاعدة قانونيّة، وتبعاً لذلك تعتبر المسألة هنا من مسائل القانون.
    ومن ثمّ نستطيع أن نلخّص المعيار المتقدّم بالقول أنه عندما ينصرف رجل القانون لحلّ صعوبة معيّنة، فلا بدّ له من أن يعمد إلى نوع من القياس ليصل إلى النتيجة التي يسعى إليها، فإذا كان القانون أحد أركان هذا القياس فيعتبر الحلّ الذي يعطيه لتلك الصعوبة من مسائل القانون. 
بمعنى أنه عندما لا يكون بالإمكان الوصول إلى النتيجة إلاّ من خلال النظر إلى المسألة الواقعيّة من زاوية علاقتها بقاعدة قانونيّة، فتكون المسألة عندئذٍ من مسائل القانون، وبالعكس عندما يتمّ حلّ المشكلة عن طريق المقارنة بين عناصر واقعيّة بحتة فتبقى المسألة عندئذٍ من مسائل الواقع(1). وعلى ضوء هذا المعيار يمكن تحديد ماهية العناصر الواقعية والمشاكل التي يمكن ان تنجم عن التحقق من وجودها المادي في الملف ومدى شمولها في سبب النقض المتمثل بمخالفة القانون من خلال البحث في التحقّق من الوجود المادّي للواقعة في الملف (المبحث الأول) ثم في إثبات وجود اصل الواقعة في الملف (المبحث الثاني).
المبحث الاول
مخالفة القانون في التحقّق من الوجود المادّي للوقائع
67 ـ الوجود المادّي للوقائع ضمن أوراق الملف ـ التفريق بين الوجود المادّي للواقعة وبين مضمون الواقعة: إن الوجود المادّي للعناصر الواقعيّة يعني أن تلك العناصر موجودة ضمن أوراق الملف  الذي عُرِض على محكمة الأساس أو في المخطوطات الموجودة ضمنه.
    تشمل أوراق الملف أمام المحكمة عادة الصحيفة التي قُدّمت الدعوى بموجبها ومذكرات الخصوم والمستندات المبرزة منهم ومحضر المحاكمة، كما يمكن أن تشمل محاضر الاستجواب ومحاضر سماع الشهود ومحاضر المعاينات والكشوفات الحسّيِة وتقارير الخبراء وأوراق الاعلان ...
ومن ثمّ فإن الوجود المادّي للعناصر الواقعيّة يعني أن تلك العناصر موجودة ضمن محتويات الملف الذي إنتهى بصدور القرار المطعون كما لو كانت الواقعة تتعلّق بعقد موقع بين الخصوم في الدعوى، فالعقد بمجمله والبنود الواردة فيه تعتبر موجودة مادياً ضمن الملف طالما انه مبرز في الملف، كذلك أقوال الشهود متى كان تمّ سماعهم بموجب محاضر موجودة في الملف...
    ولكن الوجود المادّي للمستند، الذي يؤكّد الواقعة، ضمن محتويات الملف لا يكفي لحلّ كلّ المشاكل المتعلّقة بالتحقّق من وجود العناصر الواقعيّة التي أسندت المحكمة حكمها إليها، بل إن الواقعة الواردة في المستند قلّما تكون واضحة وصريحة بل تحتاج في أحيانٍ كثيرة إلى تفسير أو حتى لممارسة نوع من السلطة التقديرية لجلاء مضمون الواقعة.
    من هنا لا بدّ من التفريق بين ضرورة توفّر المستندات المثبتة لوجود الواقعة في الملف وبين تحديد مضمون الواقعة، وهذا يعني أن هناك مشكلتين بموضوع التحقّق من وجود العناصر الواقعيّة في الملف:
    المشكلة الأولى: معنى الواقع بالمقارنة مع معنى مخالفة القانون (الفقرة الأولى)
    المشكلة الثانية: التحقّق من مضمون تلك الواقعة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى
مخالفة القانون في تحديد مفهوم الواقع 

    68 - ماهية الوقائع

الباب الثاني
أسباب النقض التي تقع في الفقرة الحكميّة

    145 ـ تقسيم: إن الفقرة الحكميّة - منطوق الحكم - هي أهم أجزاء الحكم لأنها هي التي تتضمّن الحلّ الذي يُعْطى للنزاع، في حين أن التسبيب يهدف فقط لتبرير الحلّ الذي إنتهت إليه المحكمة في الفقرة الحكميّة.
    وهذا يعني أن الفقرة الحكميّة تتضمّن الحلّ الذي أعطته المحكمة لطلبات الخصوم، فإمّا أن تحكم بها أو تردّها كلّياً أو جزئيّاً. ويجب أن تتقيّد المحكمة بطلبات الخصوم وأن تفصل في الفقرة الحكميّة بكل ما هو مطلوب، ولكن بما هو مطلوب فقط.
    وتكمن أهميّة الفقرة الحكميّة في أن حجّية وقوّة القضيّة المقضضي بها تقتصر مبدئياً عليها( ) كما أن التنفيذ ينصبّ على ما قضت به هذه الفقرة. ويمكن ان تظهر أسباب النقض في الفقرة الحكمية إمّا يشكل مخالفة لقواعد البت بالمطالب (الفصل الأول) إمّا في التناقض الذي يمكن أن يقع في الفقرة الحكمية بين حكمين متناقضين (الفصل الثاني).

الفصل الأوّل
مخالفة قواعد البتّ بالمطالب

    146 ـ أوجه مخالفة قواعد البت بالمطالب في القانون المقارن: عددت المادة (175) من قانون الإجراءات المدنية أسباب النقض، ومن بين هذه الأسباب السبب المتمثل بالحكم «بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوا»، وهذا أحد وجوه مخالفة المطالب، ذلك ان هناك وجه آخر لمخالفة قواعد البت بالمطالب هو إغفال المحكمة البت بأحد الطلبات، فالمحكمة ملزمة بأن تفصل بكل ما هو مطلوب؛ ولكن النزاع لا يتضمن عادة مطلباً واحداً أو مطلبين متناقضين بل يتضمن، كما كتب العميد (Vizioz)، شبكة حقيقية من المطالب بحيث يتوجب على القاضي أن يوضح خيوطها ويحلها الواحد تلو الآخر( ). وطالما أن الأمر هو كذلك يمكن أن يغفل القاضي عن الفصل في أحد أو بعض الطلبات التي طرحت عليه.
147 - اختلاف التشريعات حول طريق الطعن الذي يمكن ولوجه بسبب مخالفة قواعد البتّ بالمطالب: إن معظم التشريعات في مختلف الدول العصرية كانت تعتبر أن الحكم بغير أو بأكثر من المطلوب وكذلك إغفال الفصل بما هو مطلوب يفسح مجالاً لسلوك طرق الطعن ضد الحكم، وكانت بعض هذه التشريعات تعتبر أن طريق الطعن المسموح في هذه الحالة هو طريق التماس إعادة النظر في حين أن البعض الآخر كان يحصر هذا الطريق بالنقض، كما أن هناك تشريعات كانت تجيز طريقي النقض والالتماس ضمن شروط خاصة لكل منهما.
 إلاّ ان الاتجاه الحديث في التشريع المعاصر يميل الى إعطاء المحكمة التي أصدرت الحكم صلاحية الفصل بالطلبات التي أغفلت الفصل فيها ما لم يكن تم الطعن بالحكم إذ عندها تنتقل هذه الصلاحية الى المحكمة التي تنظر بالطعن( ). 
148 - الاتّجاه التشريعي الحديث بالإجازة بالرجوع إلى محكمة الدرجة الأولى عند إغفال الفصل بأحد المطالب – الحل في القانون الإماراتي: أعطى القانون الإماراتي صلاحية الفصل بالطلبات التي أغفلت المحكمة الفصل فيها إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم بدون أي قيد، حتى في الحالة التي يكون تم فيها الطعن بالحكم بأحد طرق الطعن.
وهذا يعني ان سبيل تدارك إغفال الحكم الفصل في بعض الطلبات يكون بالرجوع الى المحكمة التي أصدرته بناء على طلب صاحب الشأن( )،  ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا السبب أمام محكمة النقض غير مقبول( ) لأن علاج الإغفال وفقاً لنص المادة 139 من قانون الإجراءات المدنية يكون بالرجوع لنفس المحكمة لتستدرك ما فاتها فيه إن كان له وجه( ).
وتبعاً لذلك ينحصر البحث هنا بالوجه الأول من أوجه مخالفة المقواعد البت بالطلبات أي الحكم بغير أو بأكثر من المطلوب
    149 ـ تقسيم الفصل: لا بد أولاً من تحديد معنى الطلب أو موضوع الدعوى (المبحث الأوّل) حتى نتمكن من تحديد المقصود  بسبب النقض المتمثل بالحكم بغير أو بأكثر من المطلوب (المبحث الثاني).
المبحث الأول: مفهوم الطلب الذي تفسح مخالفته مجالاً للنقض
150 – أهمية الطلب - تعريف: أن أحد المبادئ الرئيسية، التي تقوم عليها الخصومة أمام المحكمة، هو مبدأ ثبات عناصر النزاع. وأحد هذه العناصر هو الموضوع؛ ومن ثم يكتسب تحديد معنى الموضوع أهمية قصوى لجهة تطبيق مبدأ ثبات عناصر النزاع على الموضوع والاستثناءات التي يحتملها هذا المبدأ. 
كما أن القانون يفرض واجبات معينة على القاضي حيال الموضوع كما حدده الخصوم. كذلك أن الموضوع يفيد على صعيد إعمال حجية الأمر المقضي لأن أحد شروط الحجّية هو وحدة الموضوع (المادة 87 من قانون الإثبات) 
ولا شك إن كل دعوى، ترفع أمام القضاء، يهدف صاحبها من ورائها إلى الحصول على نتيجة معينة كالحكم له بمبلغ من النقود أو التحلل من التزامات عقدية أو تنفيذ عقد أو إعادة الحال إلى ما كانت عليه.... وبالتالي فإن الطلبات التي يمكن أن يتوخى الخصوم الحصول عليها من إقامة الدعوى هي متعددة متنوعة لا يمكن حصرها؛ ولكن يمكن القول بكلمة مختصرة ان الموضوع هو ما يرمي إليه المدعي ويطلب الحكم له به على خصمه وهو ما تتقيد به المحكمة( ). كطلب الحكم بصحة ونفاذ بيع محل تجاري إذ ان مقصود هذا الطلب هو وجود هذا العقد فعلاً( )، ونفاذه وهذا يعني أن موضوع الخصومة يتمثل بما هو مطلوب( )، بمعنى أنه يتمثل بالغاية الاقتصادية أو الاجتماعية المتوخاة من إقامة الدعوى( ). 
ويتفق إجمالاً تحديد مفهوم الموضوع، بالمعنى المتقدم، مع التحديد الذي يعطيه اجتهاد المحاكم العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة لمعنى ما يطلبه الخصوم عند البحث بسبب النقض المسند إلى الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبه. ذلك أن العبرة في تحديد طلبات الخصم هي بما يطلب الخصم الحكم له به على خصمه لأن الطلب هو الذي يحدد النزاع، ويجب الرجوع إليه لمعرفة ما إذا كان القاضي قد حكم بما طلبه الخصم أو جاوزه أو أهمل بعضه، ومن ثم يمكن القول ان العبرة في تحديد معنى الطلب هي لحقيقة ما يرمي إليه الخصم وما يطلب الحكم له به على خصمه، وهو ما تتقيد به المحكمة ودون أن تكون مقيده في تكييف الطلبات المعروضة عليها بوصف الخصوم لها وإنما تلتزم بالتكييف الصحيح الذي تتبينه من وقائع الدعوى وتطبيق القانون عليها ( )
ومن ثم فإن ما يطلب المدعي الحكم له به على المدعى عليه، لا يشمل الأسباب الواقعية والقانونية التي يرتكز عليها المدعي لدعم طلبه بل تقتصر على الطلبات التي أبداها الخصوم في صحيفة الدعوى والمذكرات والرامية إلى الحكم بها لصالحهم بالدعوى( )، أو هي الطلبات التي تتعلق بموضوع النزاع وبما يطلب كل من الفريقين الحكم له به على الآخر( )، كطلب الحكم بملكية عقار( )، أو كطلب بطلان العقد( )، أو كطلب تصحيح خطأ مادي في خريطة المساحة( ).
ولا يقتصر تعريف الموضوع بالشكل المتقدم على الطلب الأصلي المقدم من المدعي، بل يشمل أيضاً الطلب العارض سواء أكان مقدماً من المدعي أو من المدعى عليه أو طلب تدخل أو إدخال( ). (المادة 96 وما يليها من قانون الإجراءات)
ومن ثم يصح القول ان موضوع الدعوى قد لا يقتصر على ما طلبه المدعي في صحيفة دعواه، ذلك ان العبرة في النهاية ليست فقط للطلبات الواردة في صحيفة الدعوى بل أيضاً للطلبات الواردة في المذكرات اللاحقة لتقديم الصحيفة.
والمبدأ انه يجب على محكمة الموضوع أن تجيب بأسباب خاصة على كل طلب أو وجه دفاع يدلي به الخصوم لدى محكمة الموضوع ويطلب إليها بطريق الجزم أن تفصل فيه ويقدم دليل إثباته أو يطلب تحقيقه بالطريق المناسب، ويكون مما يجوز أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى( ).
 151- اختلاف معنى الموضوع عن طلبات التحقيق - المحاكمة التي يكون موضوعها تعيين خبير: ان العبرة في تحديد طلبات الخصوم هي بما يطلب كل الخصم الحكم له به على خصمه لأن هذا الطلب هو الذي يحدد موضوع النزاع، بحيث يجب الرجوع إليه لمعرفة ما إذا كان القاضي قد حكم بما طلبه الخصوم أو جاوزه أو أهمل بعضه، لان هذا ما يتوجب على المحكمة ان تتقيد به.
 ومن ثم يختلف الموضوع بهذا المعنى عن طلبات التحقيق التي يتوسل الخصوم بواسطتها لإثبات الحق الذي يدعونه( )، وبذلك لا تدخل طلبات التحقيق ضمن معنى الطلب( )؛ كالطلب الرامي إلى إجراء تحقيق إضافي( )، أو طلب الكشف على دفاتر الخصم( ) أو طلب ابراز وثيقة ثبوتية أو مستند موجود في دائرة رسمية يبغي أحد الخصوم الاستناد إليه لإثبات باب واقعة معينة، أو طلب جلب ملف دعوى أخرى وضمه إلى ملف الدعوى لإثبات أمور معينة من خلال الملف المطلوب ضمه( ) أو طلب استجواب بعض الخصوم( ) أو طلب عدم قبول البينة الشخصية( ). وهكذا نرى أن كل ما يتعلق بالطلبات التحقيقية التي ترمي لإثبات أو نفي العناصر الواقعية لا يدخل ضمن مفهوم الطلب.
إلاّ ان القانون أجاز في بعض الحالات إقامة الدعوى لتوفير وسيلة إثبات، كدعوى سماع شاهد يمكن أن يحتج بشهادته عند النزاع مستقبلاً، إذا كان فوات الوقت يمكن أن يؤدي إلى ضياع فرصة سماع الشاهد. فالموضوع الوحيد في المحاكمة المتقدمة يكون طلب التحقيق ذاته، وإن كان هذا التحقيق يمكن أن يستعمل كوسيلة إثبات في محاكمة أخرى يتحدد موضوعها بما يتفق مع تعريف الموضوع بشكل عام المنصوص عنها في المادة 47 من قانون الإثبات الاماراتي، أو كدعوى إجراء معاينة لإثبات التي تجيز لقاضي الأمور المستعجلة الانتقال للمعاينة بناء لطلب ممن يخشى ضياع معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء، وفي هذه الحالة يجوز لقاضي الأمور المستعجلة أن يندب أحد الخبراء للانتقال والمعاينة وسماع الشهود بغير يمين 
إلاّ ان اجتهاد المحاكم العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة يعتبر ان طلب تعيين خبير أمام محكمة الموضوع يشكل موضوعاً للدعوى، إذ في كثير من الأحيان يطلب المدعي تعيين خبير والحكم بما تسفر عنه نتيجة الخبرة. وفي هذه الحالة يعتبر الاجتهاد  هنا ان طلب تعيين الخبير يشكل موضوعاً للدعوى كما يعتبر ان الدعوى تعتبر غير معينة القيمة، وهذه الوجهة تخالف الوجهة المعتمدة في القانون المقارن الذي يعتبر ان طلب تعيين خبير لإجراء معاينة فنية أو طلب تعيين لجنة خبراء أمام محكمة الموضوع، في معرض دعوى عالقة أمامها، تتعلق بوسائل الإثبات وتخرج بالتالي عن مفهوم الطلب( ).
152 - اختلاف معنى الموضوع عن وسائل الدفاع: إن موقف الجهة المدعى عليها يمكن أن يقتصر على طلب رفض الدعوى والإدلاء بوسائل دفاع ¬أسباب دفاع في الموضوع أو دفوع إجرائية أو دفوع بعدم القبول توصلاً لرفض الدعوى. كما أن المدعي يدعم الموضوع الذي يبغي الحصول عليه، بنتيجة الدعوى، بأسباب واقعية وقانونية( ).
وتتميز وسائل الدفاع عن الموضوع لأن هذه الوسائل لا تتضمن المطالبة بأية منفعة متميزة عن الموضوع الأصلي للدعوى. فإذا كانت هذه الوسائل مقدمة من المدعى عليه فإنها تهدف فقط لرفض طلب المنفعة التي يبغي المدعي الحصول عليها بنتيجة الخصومة، وهي لا تدخل بالتالي ضمن مفهوم الطلب( ). كذلك ان الأسباب الواقعية والتكييف القانوني الذي يدلي بها المدعي توصلاً للحكم له بالموضوع الذي يطلبه، لا تدخل ضمن مفهوم الموضوع( ).
153 – ضرورة تحديد الموضوع والطلبات بشكل واضح: أوجب النص القانوني ان تشتمل صحيفة الدعوى على الموضوع والطلبات. كما نصت المادة 97 من ذات القانون على ان تقديم الطلبات العارضة يتم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أو بطلب يقدم شفاهيةً في الجلسة في حضور الخصم، ويثبت في محضرها (راجع لاحقاً شرح المادة 99). ومن ثم فإن الطلب الواجب على المحكمة الفصل فيه هو ما يقدمه الخصوم من طلبات، تنطبق على مفهوم الموضوع كما حددناه سابقاً، وهو يشمل الطلب الأصلي الوارد في صحيفة الدعوى والطلبات العارضة التي ترد في المذكرات اللاحقة وفقاً للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أو حتى التي تقدم شفاهيةً في الجلسة بحضور الخصم وتثبت في محضرها. ذلك ان العبرة بالطلبات التي يتعين على محكمة الموضوع التصدي للفصل فيها هي الطلبات الختامية للخصم سواء فيما يرد بصحيفة دعواه الابتدائية أو بصحيفة تعديل الطلبات أو في مذكرته الختامية( )
 ويجب إيراد الطلبات الأصلية والطلبات العارضة بصورة واضحة ومفصلة في فقرة المطالب التي تختتم بها صحيفة الدعوى أو المذكرة بتعديل المطالب. ونعتقد انه لا ملامة على المحكمة إذا لم تفصل في الطلبات الواردة على خلاف هذه الأحكام( ). فالموضوع الذي تلتزم المحكمة بالبت به إذاً هو الذي أورده الخصم في خاتمة الصحيفة أو المذكرة بتعديل الطلبات واستمر متمسكاً به في خاتمة اللائحة الأخيرة.
ولكن يمكن لأحد الخصوم، في سياق عرضه للقضية، أن يضمن صحيفة الدعوى أو المذكرة بتعديل الطلبات بعض الطلبات ثم يغفل ذكرها في خاتمة الصحيفة أو المذكرة، فهل تعتبر مثل هذه الطلبات مطروحة على المحكمة؟ بمعنى أنه إذا بتت المحكمة بتلك الطلبات هل تكون حكمت بما لم يطلب وبالعكس إذا أهملت البت بها هل تكون أغفلت الفصل بأحد الطلبات؟
ورد في القانون المقارن حلولاً لمثل هذه الحالة، فمثلاً إن المادة /454/ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني نصت على انه «لا يتعين على القاضي» البت بتلك الطلبات، بمعنى أنها تركت للقاضي حرية التقدير في ذلك، فله أن يبت بهذه الطلبات أو يهملها، ولا رقابة لمحكمة النقض على ممارسة هذا الخيار المتروك لقاضي الموضوع( )؛ ونتيجة لحق الخيار المتقدم، إذا لم يبت القاضي بمطلب ورد في متن الصحيفة أو المذكرة ولم يرد في خاتمتها، فإنه لا يكون قد ارتكب خطأ قانونياً( )، كما أنه إذا بت بذلك الطلب فإنه أيضاً لا يكون قد ارتكب أي خطأ( )، لأنه يكون قد استعمل خياراً تركه له القانون، وهذه وجهة تبدو سليمة لأنه لا يمكن إلزام القاضي بإحصاء الطلبات مبعثرة في ثنايا الصحيفة والمذكرات وجمعها من أجل الرد عليها( ).
المبحث الثاني: متى يتوفر سبب النقض المتمثل بالحكم بغير أو بأكثر من المطلوب 
154 – تحديد الموضوع من قبل الخصوم في صحيفة الدعوى يحدد للمحكمة إطار النزاع: المبدأ بقضي انه لا يمكن للمحكمة أن تفصل بغير المطلوب أو بأكثر مما طلب. وهذه القاعدة هي تطبيق للمبدأ القائل بوجوب تقيد القاضي بحدود النزاع كما رسمها الخصوم، وهي بالتالي ذات مدى عام فتشمل كل طلب لم يعرضه الخصوم على القاضي، بمعنى أنه إذا تبين للقاضي في معرض نزاع معروض عليه أن حقاً معيناً يقتضي تكريسه لمصلحة أحد الخصوم، فإنه لا يستطيع أن تفصل به طالما أن هذا الخصم لم يطلب منه ذلك.
ولكن الحكم بما يدخل ضمن الطلب المطروح على المحكمة لا يعتبر من قبيل القضاء بما لم يطلب، ذلك ان المناط في التزام الحكم بطلبات الخصم هو عدم تجاوزه مقدار المبلغ المطلوب الحكم به من خلال الطلب الجازم والطلبات الختامية وإعطاء الطلب التكييف القانوني الصحيح. ومن ثم إذا كان المطعون ضده قد طلب في صحيفة دعواه إلزام الطاعنة بأداء مبلغ 1.000.000 درهماً تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به بنتيجة رفض الطاعنة للمطالبة بمبلغ التأمين الذي يستحق، وكان مفاد هذا الطلب هو الحكم له بالتعويض عن المخاطر المضمونة بموجب وثيقة التأمين عن وفاة زوجته وكان الحكم المطعون فيه قضى بإلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ 50.000 دولار أميركي أو ما يعادلها بالدرهم الإماراتي، فلا يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم، ويضحي النعي على غير أساس( ).
ولكن قضاء الحكم بما لم يطلبه الخصوم يوجب نقضه جزئياً وتصدي محكمة النقض للفصل في الموضوع( ),  كما انه إذا كان المطعون ضده قد طلب في صحيفة دعواه أمام محكمة أول درجة ندب طبيب شرعي لبيان حالته والأضرار التي أصابته من جراء الحادث ونسب العجز مع حفظ حقه في تعديل الطلبات في تحديد التعويض الجابر للضرر ثم عاد وأصرّ على طلبه أمام محكمة الاستئناف بندب الطبيب الشرعي لبيان حالته. وكان الحكم المطعون فيه قضى له بتعويض قدره 200,000 درهم دون طلب منه، فيكون تجاوز نطاق الدعوى وقضى للمطعون ضده بما لم يطلبه، مما يعيبه ويوجب نقضه( ). 
 كذلك يكون القاضي حكم بغير المطلوب إذا قضى لمصلحة المستأنف فرعياً بشيء لم يطلبه هذا الأخير، كما لو قضى الحكم الابتدائي بإزالة المخالفات المحدثة من شبابيك ونوافذ وشرفات في الطابقين الأرضي والأول دون الثاني، وطلب المستأنف عليه تصديق الحكم الابتدائي ولم يطلب في استئنافه الفرعي إلا تعديل بدل العطل والضرر، فإن قضاء محكمة الاستئناف بإزالة المخالفات المحدثة في الطابق الثاني يعتبر من قبيل الحكم بغير المطلوب( ). 
كذلك يتوفر الحكم بغير المطلوب عندما تحكم المحكمة بالمطالب الأصلية والمطالب الاحتياطية معاً( )، أما عندما ترد المحكمة الطلب الأصلي فإن حكمها بالطلب الاحتياطي لا يكون من قبيل الحكم بغير المطلوب( )، كما أن الحكم بغير المطلوب يتوفر إذا قضت المحكمة بطلب آخر بدل الذي طلبه أحد الخصوم، وفي هذه الحالة تكون بالنسبة للطلب الذي قضت به قد حكمت بما يتجاوز المطالب وبالنسبة للطلب الذي طرحه هذا الخصم قد اغفلت البت بأحد المطالب( ). لأن القاضي لا يمكنه أن يحل طلباً بدل آخر. وإذا كان الحكم بغير المطلوب يتوفر عندما يحكم القاضي لأحد الخصوم بما لم يطلب أو بأكثر مما طلب، فبأولى درجة أن يتوفر الحكم بغير المطلوب إذا قضى الحكم بشيء لمصلحة شخص خارج عن الخصوم.
إلا أن الحكم بغير المطلوب لا يتوفر بمجرد الإشارة في حيثيات الحكم إلى بعض المطالب غير المطروحة على المحكمة دون أن تتمتع هذه الحيثيات بقوة الأمر المقضي، إذ يشترط للقول بالحكم بغير المطلوب أن يكون ما حُكِمَ به قد تكرس في منطوق الحكم المطعون فيه أو الحيثيات المرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً والتي تحوز مع المنطوق قوة الأمر المقضي( ). كما لا يتوفر الحكم بغير المطلوب عندما تحكم المحكمة بأكثر مما قدره الخبير أو بأكثر مما قال به الشهود طالما ان ما قضى به الحكم بقي ضمن حدود المبلغ الذي طلبه المحكوم له( )، أو عندما تحكم المحكمة بالمطالب المتقابلة المقدمة من الجهة المدعى عليها المدعية تقابلاً إذا لم تناقش الجهة المدعية بتوفر شروط قبول الدعوى المتقابلة قبل أية مناقشة في الموضوع( )، أو عندما تحكم بالمطالب العارضة المقدمة على وجه قانوني من المدعي نفسه( ).
كذلك عندما يكون المطلوب مرتبطاً برابطة غير قابلة للتجزئة مع أمور غير مطلوبة فإن الحكم بالمطالب الأخيرة لا يعتبر من قبيل الحكم بغير المطلوب، كما لو تعلق الأمر بدعوى إثبات الوراثة إذ أن تحديد الأنصبة الارثية للورثة الشرعيين زيادة أو نقصاناً لا بد أن يحدث أثراً في حصة الورثة الآخرين بالنظر لرابطة التلازم بين الحصص الارثية للورثة الشرعيين( ).
والواقع أن الحكم بغير المطلوب ينجم في أغلب الأحيان عن عدم وضوح عرض المطالب من قبل الخصوم، لذلك فإن القاعدة المتقدمة لا يمكن أن تحول دون حق القاضي في تفسير طلبات الخصوم وإعطائها أوصافها القانونية الصحيحة.
155 - التفريق بين تفسير طلبات الخصوم وإعطائها التكييف القانوني الصحيح وبين الفصل بغير المطلوب: يمكن لأحد الخصوم أن يخطئ أحياناً في التكييف القانوني الذي يعطيه لطلباته أو يعرض تلك الطلبات بشكل يكتنفه الغموض، إلا أن إرادته تكون واضحة حول المطالب التي يتوخى الحصول عليها من وراء إقامة الدعوى وذلك من خلال العناصر الواقعية والقانونية التي أدلى بها، فهل يمكن للقاضي أن يعيد لهذه الطلبات تكييفها الصحيح أو تفسيرها ليستنتج منها طلبات ضمنية تحتويها الطلبات بالشكل الذي عرضت فيه؟.
إن قاعدة وجوب تقيّد القاضي بحدود موضوع الدعوى وطلبات الخصوم ونتيجته اللازمة القائلة بمنع الحكم بما يتجاوز المطلوب، لا يمكن أن تحول دون اعطاء الطلبات تكييفها الصحيح أو تفسيرها لاستنتاج الطلبات الضمنية التي يمكن أن تحتويها.
156 - إعطاء التكييف الصحيح لطلبات الخصوم لا يعتبر من قبيل الفصل أو الحكم بغير المطلوب: يمكن لأحد الخصوم أن يخطئ في اعطاء التكييف القانوني الصحيح لطلباته بحيث يأتي التكييف أحياناً متناقضاً مع ما عرضه في مذكراته وما قصده من وراء إقامة الدعوى، وبحيث تكون نيته واضحة في الغاية المتوخاة من الدعوى والتي لا تعبر عنها العبارات التي استعملت في فقرة المطالب؛ في هذه الحالة لا مندوحة من العودة إلى عناصر الدعوى الواقعية والقانونية من أجل تفسير الطلبات ومعرفة حقيقة ما رمى إليه الخصم من وراء إقامة الدعوى وما صاغه في فقرة المطالب. والاجتهاد  مستقر في هذه الحالة على أنه يعود للمحكمة أن تعطي الدعوى التكييف القانوني الصحيح بحسب ماهية العناصر الواقعية والقانونية المتعلقة بها، لان المحكمة غير مقيده في تكييف الطلبات المعروضة عليها بوصف الخصوم لها وإنما تلتزم بالتكييف الصحيح الذي تتبينه من وقائع الدعوى وتطبيق القانون عليها( ).
 وهذا يعنى ان قاعدة منع الحكم بما يتجاوز المطلوب لا يمكن أن تحول دون إعطاء الطلبات تكييفها الصحيح أو تفسيرها لاستنتاج الطلبات الضمنية التي يمكن أن تحتويها بالضرورة، ومن ثم إذا كان يبين من صحيفة الدعوى ان المطعون ضده عرض فيها انه اتفق مع الطاعنة على شراء الوحدة السكنية منها وانه نفذ التزاماته العقدية بان سدد لها مبلغ كذا وسلمها عدداً من الشيكات بقيمة كذا في حين تخلفت هي عن تنفيذ التزاماتها، وخلص بالنتيجة الى طلب الحكم بإلزامها بأن ترد له المبلغ المسلّم إليها من ثمن الوحدة السكنية والشيكات التي استلمتها منه وإلزامها بالفائدة القانونية، فيكون التكييف الصحيح لطلباته هو الفسخ لأن كل ما يطلبه يرتكز على الفسخ وفقاً لما تنص عليه المادة /274/ من قانون المعاملات المدنية من انه إذا انفسخ العقد أو فُسخ أُعيد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، وبالتالي إذا قضى الحكم المطعون فيه بفسخ العقد المبرم بين الطرفين فيكون تقيد بطلبات المطعون ضده (المدعي) ولم يحكم بما لم يطلب، ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه بما تقدم من أسباب على غير أساس( ).
ومن ثم إذا كان من الثابت من صحيفة الدعوى والطلبات الواردة فيها والطلب المعدل أن طلبات المدعي في الدعوى كانت بالزام الورثة بالمبالغ المطالب بها على ضوء ما خلصت إليه الخبرة، وكانت المحكمة قضت بإلزامهم بهذه المبالغ بحسب نصيب كل منهم في تركة مورثهم فلا يعتبر ان المحكمة حكمت بغير المطلوب، بل ان ذلك كان من صميم عمل القاضي ومن سلطة المحكمة ببيان نصيب كل من المحكوم به على كل من المدعى عليهم، مما يكون هذا النعي غير قائم على أساس( ).
كما انه إذا قالت المحكمة بأن للمدعي الحق بفسخ العقد فلا تكون قد حكمت بغير المطلوب( )، كذلك إذا أدلى المدعي بعناصر واقعية معينة وتذرع بحل العقد بأثر رجعي وطلب بالنتيجة فسخ العقد، فإن هذا التكييف للطلب لا يمنع المحكمة من الأخذ بالتكييف الصحيح له متى كان المقصود منه الابطال وليس الفسخ( ).
إن حكم المحكمة بالطلب المقصود حقيقة لا يعتبر من قبيل الحكم بغير المطلوب ذلك ان المحكمة تكون تقيّدت بطلبات الخصوم وكل ما فعلته أنها أعادت لتلك الطلبات تكييفها القانوني الصحيح على ضوء العناصر الواقعية والقانونية المدلى بها.
157 - تفسير طلبات الخصوم - الطلبات الضمنية: إن العبارات التي يستعملها الخصوم لتحديد طلباتهم، يمكن أن يكتنفها أحياناً بعض......

الباب الثالث
أسباب النقض التي يمكن أن تظهر 
في شكليات الحكم وأسبابه 
تمهيد

    173 ـ أسباب النقض المسندة لمخالفة قواعد الشكل: تتّصف قوانين أصول المحاكمات المدنيّة إجمالاً بالطابع الشكلي، وهذا الطابع هو أهم خصائصها سواء في المواد المدنيّة أو الجزائية أو الإداريّة، فجميع الأعمال الإجرائيّة التي تحصل خلال المحاكمة تخضع لصيغٍ شكليّة معيّنة حدّدها القانون، بدءً من العمل الإجرائي الذي يضع يد المحكمة على النزاع وإنتهاءً بالقرار أو الحكم القضائي الذي يفصل النزاع.
    ويمكن أن يترتّب على مخالفة قواعد الصيغة جزاءات بمنتهى القساوة أهمها بطلان العمل الإجرائي الذي تمّ خلافاً لقواعد الصيغة(1) كما يمكن أن يترتّب على القيام بإجراء معيّنٍ خارج المهلة القانونيّة سقوط حق صاحب العلاقة بالقيام بذات الإجراء متى كانت المهلة موضوعة تحت طائلة السقوط(2).
    من هنا تظهر أهميّة أسباب النقض المُسْندة إلى مخالفة الشكليات، إذ أن توفّر مثل هذه الأسباب يمكن أن يؤدّي إلى نقض الحكم دون النظر بما إذا كانت المخالفة أثّرت في الحلّ القانوني الذي إنتهى إليه القرار المطعون فيه(3)، رغم أن بعض القوانين العربية تشترط أن يؤدّي  البطلان الواقع في الحكم أو في الإجراءات إلى تأثير في الحكم (راجع البند 20)
    مثلاً إذا كان قرار محكمة الإستئناف قرّر قبول الإستئناف شكلاً، رغم إنتفاء أحد الشروط الشكليّة لقبوله، فعندها لا بدّ أن  تنقض المحكمة العليا هذا القرار 
    174 ـ تسبيب الحكم: أوجب القانون على المحاكم موجب بيان الأسباب التي بُنِيت عليها الفقرة الحكميّة أي تعليل أحكامها. وبالفعل ورد النص على موجب تسبسب الأحكام وأوجه عيوب التسبيب في النصوص التالية من قانون الإجراءات:
- البند ان الأول والثالث  من المادة 129 ومؤداهما: انه «يجب في جميع الأحوال أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها، وانه يترتب على مخالفة هذا الموج بطلان الحكم»
    - البند الثالث  من المادة 130 ومؤداه: «ان القصور في أسباب الحكم الواقعية والنقص أو الخطأ الجسيم في أسماء الخصوم وصفاتهم وعدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه بطلان الحكم»
    ثم عادت المادة 175 التي عدّدت أسباب النقض وذكرت بين أسباب النقض «خلو الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها تشكل أسباباً للنقض»  
    من هنا يكون السؤال المطروح عن المقصود بكل من تلك الأسباب، وهل تعني بيان الأسباب الأسباب القانونية والواقعية أم أحدهما فقط، وهل هو موجب شكلي أم أنه موجب أساسي يُبنى عليه منطوق الحكم، وأخيراً هل ان مخالفة كل وجه من وجوه التسبيب يشكل سبباً للنقض، أم ان سبب النقض يفتصر على بعض الأجه دون البعض الآخر؟
    175 – مخطط البحث – تقسيم الباب: ان المحكمة الإتحادية ومن بعدها  محاكم التمييز والنقض ربطت بين شكليات المحاكمة وما ورد في المادتين 129 و130 بخصوص إصدار الحكم وما ورد في المادة 175  بشان أسباب النقض لتستخلص منها الأسباب التي يمكن ان يُبنى عليها أيٍ من أسباب النقض، ويمكن قسمة الأسباب هنا الى فئتين:
الفئة الأولى: أسباب النقض لوقوع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم (الفصل الأوّل)
الفئة الثانية: أسباب النقض لعدم كفاية الأسباب وغموضها أو عدم صحتها في تبرير الحل الذي انتهى اليه الحكم في منطوقه (الفصل الثاني).

الفصل الثاني
أسباب النقض لعدم كفاية الأسباب في تبرير الحل الذي انتهى اليه الحكم في منطوقه 

    225 ـ العيوب التي يمكن أن تعتري التسبيب ـ تقسيم الفصل: نص البند الثالث من المادة 130 من قانون الإجراءات على «ان القصور في أسباب الحكم الواقعية يترتب عليه بطلان الحكم»، كما نصت المادة 175 في الفقرة هـ. من البند الأول منها ان «عدم كفاية الأسباب أو غموضها»، يشكل أيضأً سبباً للنقض
وسبق ان ذكرنا أن الحكم يجب ان يشتمل على الأسباب القانونيّة والأسباب الواقعيّة التي إستند إليها للتوصل إلى النتيجة التي خلص إليها في الفقرة الحكميّة، وأن هذا العيب الشكلي يمكن ان يظهر في الحكم  من خلال خلوّ الحكم من أيّ تسبيب واقعي (راجع البند 209)، وان توفر التسبيب الواقعي كموجب شكلي مشروط بان تكون الأسباب  التي بُني عليها الحكم سائغة (راجع البند 224) في حين ان النقص أو الغموض أو التناقض في التسبيب القانوني لا يعيب الحكم طالما انه لمحكمة النقض الحق برد الطعن عندما تكون النتيجة التي إنتهى إليها الحكم صحيحة (راجع البند 63 و 215)
    وتبعاً لذلك يمكن االقول انه يبقى من عيوب التسبيب الواقعي نوعان يمكن ان يشكل كل منهما سبباً للنقض:
 ألأول: هو السبب الناجم عن عدم كفاية الأسباب الواقعية أوغموضها (المبحث الأول)
    أما الثاني فهو يتمثل باستناد الحكم إلى عناصر واقعيّة غير ثابتة في أوراق الملف، وهذا السبب معروف في بعض البلدان العربية بالتشويه تعريباً للسبب المعروف في القانون الفرنسي  La dénaturation
    وتبعاً لذلك سنبحث في عدم كفاية الأسباب الواقعية أوغموضها (المبحث الأوّل) ثمّ في غير الثابت في الأوراق  (المبحث الثاني).

المبحث الأوّل
عدم كفاية الأسباب الواقعية أوغموضها 
- فقدان الأساس القانوني -

    226 ـ تعريف – تكريسه كسبب للنقض في القانون الوضعي: كرّس قانون الإجراءات المدنية هذا السبب في الفقرة هـ. من البند الأول من المادة 175 منه، كما كرسته بعض البلدان العربية في تشريعاتها بمصطلحات وتعابير متقاربة، فكل من القانون الأردني والقانون السوري استعمل مصطلح إذا لم يُبْنَ الحكم على أساس قانوني بحيث لا تسمح أسبابه لمحكمة التمييز أن تمارس رقابتها. في حين ان القانون المغربي استعمل مصطلح عدم إرتكاز الحكم على أساس قانوني، أمّا القانون الجزائري فاستعمل مصطلح إنعدام الأساس القانوني للحكم، أمّا القانون اللبناني استعمل مصطلح  فقدان الأساس القانوني. وكل هذه المصطلحات جاءت تعريباً للسبب المعروف في القانون الفرنسي  Manque de base légale 
     وبالفعل ان الاجتهاد  الفرنسي هو الذي أوجد هذا السبب، قبل أن يكرّس بأيّ قانون وضعي( )، وكان يُدْرج ضمنه جميع الحالات التي تكون فيها أسباب الحكم منطبقة على الشكليّات التي  تفرضها المادّة /7/ من قانون /1810/، إلاّ أن تلك الأسباب تكون غير كافية لتمكين محكمة النقض من إجراء رقابتها والقول ما إذا كان هذا الحكم موافقاً أو مخالفاً للقانون( ). وتبعاً لذلك فان إختلاف النصوص التشريعيّة العربية في المصطلح المستعمل للتدليل على هذا السبب لم يرافقه خلاف في الاجتهاد  حول مفهوم هذا السبب الذي كان يستعمل مصطلح فقدان الأساس القانوني للتدليل على ذات السبب، كما جاء في بعض أحكام محكمة النقض في أبو ظبي عندما قالت:
انه إذ كانت لجنة الخبرة، وعطفاً على تقريريها الاصلي والاستدراكي، أوردت في خلاصة تقريرها التكميلي ان هناك ثلاث انواع من الاضرار لحقت بالمطعون ضدها فصلتها على الشكل التالي: 1 ــــ مبلغ 18.000.000 درهم تمثل قيمة تكاليف الجزء المنهار فقط. 2 ـــــ مبلغ 102.472.426.00 درهم ثابت بدفاتر وقيود المطعون ضدها (منها مبلغ  96.493.736.73 درهم مسددة بالفعل بالاضافة الى مبلغ 6.018.689.27 درهم رصيد لم يسدد لغاية اعداد التقرير. 3 ـــ مبلغ 82.994.204.00 «خسائر تقديرية» وفقاً للعبارة المستعملة من لجنة الخبرة، ومن ثم تركت اللجنة للمحكمة ان تقرر الاخذ باي من الاقتراحات الثلاثة في تحديد الأضرار الواجب التعويض عنها. ومن ثم إذا كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قرر الأخذ بالخيار الثالث الذي يشمل الانواع الثلاثة من الاضرار، ومن ثم قضى بإلزام الطاعنة متضامنين بأن يؤدوا للمطعون ضدها الأولى مبلغ  مقداره مائة وخمسة وستون مليون وتسعمائة واثنان وتسعون ألفاً وستمائة وثلاثة وثلاثون درهماً وخمسة وثمانون فلساً والفائدة، ودون ان يبين ماهية الانواع الثلاثة من الاضرار وما إذا كان محققاً منها لإعادة الحال الى ما كان عليه، وما هي الاضرار الواقعة كخسارة محققة أو كسب فائت بسبب دفع بدل مساكن بديلة او خسارة لايرادات بسبب عدم ايجار الوحدات السكنية، مما يشكل فقداناً للاساس القانوني الذي يحول دون تمكين محكمة النقض من إجراء رقابتها، بما يوجب نقض الحكم المطعون فيه في هذه الجزئية، على ان يشمل النقض المبلغ المحكوم به عن الاضرار المادية والمعنوية( ).
ولا شك ان دراسة هذا السبب يستدعي البحث في مفهوم عيب عدم كفاية  أو عدم وضوح التسبيب الواقعي للحكم القضائي (الفقرة الأولى) ومن ثم طبيعة هذا العيب (الفقرة الثانية) وأخيراً الحدود التي يتوقف عندها التسبيب الواقعي للحكم (الفقرة الثالثة)
الفقرة الأولى: مفهوم عيب عدم كفاية ووضوح التسبيب الواقعي
للحكم القضائي
227 - تعريف عدم كفاية ووضوح الأسباب كسبب النقض: يمكن تعريف هذا السبب بانه يتمثل بعرض غير كافٍ أو غير واضح للعناصر الواقعيّة التي تبرّر تطبيق القاعدة القانونيّة التي طبّقها القرار المطعون فيه، وبحيث أنه إذا وُضِعت تلك العناصر الواقعيّة إزاء قواعد قانونيّة أخرى فإنها لا تؤدّي إلى حلٍّ مختلف بالنسبة للقضية( ).
    فالقرار القضائي يجد أساسه القانوني بمقارنة العناصر الواقعيّة التي إستثبتها قاضي الموضوع مع النصّ القانوني المطبّق، فإذا ظهر من خلال هذه المقارنة أن هناك مخالفة أو تطبيقاً خاطئاً للقانون فيمكن عندئذٍ الطعن بالقرار لعلّة مخالفة القانون.
    أمّا إذا لم تسمح الأسباب بمعرفة ما إذا كانت العناصر الواقعيّة الضروريّة، التي تبرّر تطبيق القاعدة القانونيّة التي طبقها القرار أو غيرها من القواعد، متوفّرة أم لا فيتحقّق عندئذٍ العيب. وبالتالي إن هذا العيب لا يمكن أن ينتج إلاّ عن عرضٍ غير كاملٍ للعناصر الواقعيّة الأمر الذي يمنع محكمة النقض من إجراء رقابتها( ).
    وإذا كانت محكمة النقض الفرنسية قد إستعملت عبارات متعدّدة للتدليل على فقدان الأساس القانوني «Manque de base légale» كعبارة »إن القرار غير مبرّر قانوناً« أو »أن ما إستثبته قضاة الأساس لا يتيح لمحكمة النقض إجراء رقابتها« أو »أن القرار لا يسمح بمعرفة ما إذا كان قاضي الموضوع قد حكم في الواقع أو القانون« أو »أن قاضي الموضوع لم يبرّر تطبيقه أو رفضه لتطبيق قاعدة قانونيّة معيّنة«، فإن جميع قرارات المحكمة العليا تنطلق من فكرة واحدةٍ وهي أن قرار قاضي الموضوع يعتريه نقص في عرض العناصر الواقعيّة بشكلٍ يمنع محكمة النقض من إجراء رقابتها( )  
    وهذا العيب لا يمكن التغاضي عنه وإلاّ أصبح بإمكان قضاة الأساس التفلّت من رقابة محكمة النقض بإستعمال عبارات غير كاملة أو مقتضبة أو غامضة ممّا يعرض مهمّة محكمة النقض لأن تصبح مهمّة نظرية غير قابلة للتحقيق( ).
228 ـ أمثلة عن حالات عدم كفاية الأسباب او غموضها - عدم ارتكاز الحكم أو فقدانه للأساس القانوني: اذا قضى الحكم المطعون فيه بإلزام الطاعنة بسداد مبلغ معين دون بيان الواقعة التي استند عليها للقضاء بهذا المبلغ، فيكون معيباً بما يوجب نقضه( ). 
كما انه إذ كانت لجنة الخبرة، وعطفاً على تقريريها الاصلي والاستدراكي، أوردت في خلاصة تقريرها التكميلي ان هناك ثلاث انواع من الاضرار لحقت بالمطعون ضدها فصلتها على الشكل التالي: 1 ــــ مبلغ 18.000.000 درهم تمثل قيمة تكاليف الجزء المنهار فقط. 2 ـــــ مبلغ 102.472.426.00 درهم ثابت بدفاتر وقيود المطعون ضدها (منها مبلغ  96.493.736.73 درهم مسددة بالفعل بالاضافة الى مبلغ 6.018.689.27 درهم رصيد لم يسدد لغاية اعداد التقرير. 3 ـــ مبلغ 82.994.204.00 «خسائر تقديرية» وفقاً للعبارة المستعملة من لجنة الخبرة، ومن ثم تركت اللجنة للمحكمة ان تقرر الاخذ باي من الاقتراحات الثلاثة في تحديد الأضرار الواجب التعويض عنها. ومن ثم إذا كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قرر الأخذ بالخيار الثالث الذي يشمل الانواع الثلاثة من الاضرار، ومن ثم قضى بإلزام الطاعنة متضامنين بأن يؤدوا للمطعون ضدها الأولى مبلغ  مقداره مائة وخمسة وستون مليون وتسعمائة واثنان وتسعون ألفاً وستمائة وثلاثة وثلاثون درهماً وخمسة وثمانون فلساً والفائدة، ودون ان يبين ماهية الانواع الثلاثة من الاضرار وما إذا كان محققاً منها لإعادة الحال الى ما كان عليه، وما هي الاضرار الواقعة كخسارة محققة أو كسب فائت بسبب دفع بدل مساكن بديلة او خسارة لايرادات بسبب عدم ايجار الوحدات السكنية، مما يشكل فقداناً للاساس القانوني الذي يحول دون تمكين محكمة النقض من إجراء رقابتها، بما يوجب نقض الحكم المطعون فيه في هذه الجزئية، على ان يشمل النقض المبلغ المحكوم به عن الاضرار المادية والمعنوية( ).
كذلك إذا كانت أسباب الحكم استندت، فيما اقرته من وجود خطأ طبي، على ما ورد في تقرير اللجنة الطبية وكانت اللجنة قد تحاشت في تقريرها الاجابة على ما هو مطلوب منها في تحديد وجود خطأ طبي من عدمه، واقتصر تقريرها على وصف حالة المريضة فقط مما لا يعين المحكمة في تكوين عقيدتها، فان الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه( ). 
أو إذا كان يبين من الدعوى المتقابلة المقدمة من الطاعن أمام محكمة اول درجة، وعلى ما ورد في باب الوقائع، ان الطاعن أسس دعواه المتقابلة وتمسك به بمذكرته الشارحة للاستئناف بذات أوجه الدفاع سند الدعوى المتقابلة؛ وكان الحكم المطعون فيه قضى بإلزام الطاعن بان يؤدي للمطعون ضدها بمبلغ (1.508.322) درهم وهو صافي قيمة الإيرادات الناتجة عن إيجار الفلل ورفض دعواه المتقابلة دون بيان المبالغ التي تم سدادها من ماله الخاص لحساب البنك المرتهن والاقساط المتبقية لصالح البنك، وكذلك المبالغ التي سددها لاستشاري ومقاول المشروع وكذلك بيان كافة المصاريف والرسوم التي تكبدها وصولاً إلى تحديد اجمالي المديونية والأقساط سواء المستحقة أو المؤجلة وتحميل المطعون ضدها حصتها من تلك المديونية للبنك الراهن ومن الالتزامات الملقاة على عاتق الطاعن نتيجة القرض العقاري الممنوح له لبناء الارض موضوع الشراكة بين الطرفين، ودون ان يبين بالتالي العناصر الواقعية التي تبين من تحمل مصاريف وكلفة تشييد الفلل الخمسة  بما يحول دون تمكين هذه المحكمة من إجراء رقابتها. فيكون معيباً بما يوجب نقضه( ). 
    وذات الوضع يتوفر إذا ورد في محضر ضبط المحاكمة أنّ الجلسة أٌرْجئت إلى تاريخٍ معيّنٍ دون أن يَرِدَ في هذا المحضر أيّة إشارة إلى ما حصل في الجلسة المحدّدة بهذا التاريخ بل إن المحضر أشار إلى جلسة عُقِدت بتاريخٍ لاحقٍ لم يحضرها المعترض، فإن من شأن ذلك أن يمنع محكمة النقض من إجراء رقابتها والتدقيق في ورقة التبليغ غير الموجودة بين أوراق الدعوى( ).
    كذلك يتوفّر العيب إذا إعتبر القرار المطعون فيه أن الدَيْن عُقِد بتاريخٍ معيّنٍ وفي نفس الوقت إعتبر أن هذا الدين إستحقّ بتاريخٍ سابقٍ لانعقاده( ).
وذات الوضع يتوفر أيضاً عندما تكون العناصر الواقعيّة التي إرتكز عليها القرار متناقضة( )، لأن هذا التناقض يؤدّي إلى تهافت العناصر الواقعيّة المتناقضة فلا يُعْرف بالنتيجة إلى أيّ منها إستند الحلّ المُعْتمد في القرار، الأمر الذي يمنع محكمة النقض من إجراء رقابتها( ).
وتشير بعض المحاكم العليا في الامارات الى مصصلح فقدان الأساس القانوني لللتدليل على هذا السبب بانه معروف في القانون المقارن بمصطلح فقدان الأساس القانوني فتقول: ان النص القانوني في قانون الإجراءات المدنية ذكر بين أسباب النقض خلو الحكم من الأسباب أو عدم كفايتها أو غموضها وهذا السبب هو المعروف، في القانون المقارن، بفقدان الأساس القانوني للحكم القضائي والذي يتمثّل بعرض غير كافٍ للوقائع التي تبرّر تطبيق القاعدة القانونيّة التي طبّقها الحكم المطعون فيه، الأمر الذي يجعل من المتعذر على محكمة النقض إجراء رقابتها على الحكم المطعون فيه ( ). 
      وبالنتيجة نرى أن العيب يتوفّر عندما تطبّق محكمة الموضوع قاعدة قانونيّة دون تبيان العناصر الواقعيّة الكافية المبرّرة لتطبيقها( ). أمّا عندما يتضمّن القرار المطعون فيه عرضاً كافياً وواضحاً للعناصر الواقعيّة التي إعتمدها أساساً للحل الذي إنتهى إليه فلا يمكن النعي عليه بفقدان الأساس القانوني( ).
    كما لو كانت الدعوى مقامة أمام قاضي العجلة بالإستناد إلى التعدّي الواضح على الحقوق وقضى القرار بردّ الدعوى، فهذا القرار يكون مؤسّساً من الناحية القانونيّة طالما أنه بيّن العناصر الواقعيّة الكافية التي تجعل طبيعة الإشغال موضع إلتباس، الأمر الذي يترتّب عليه بالنسبة لقاضي العجلة أنه لا يمكن إعتبار الإشغال من قبيل التعدّي الواضح على الحقوق الذي إشترطته الفقرة الثانية من المادّة /579/ أ.م.م.، وتبعاً لذلك يرد سبب النقض المُسْند إلى فقدان الأساس القانوني( ).
    229 ـ التفريق بين فقدان الأساس القانوني وبين أوجه مشابهة : ...... 
الفقرة الثانية: طبيعة عيب التسبيب الواقعي في الحكم
239 ـ رقابة محكمة النقض على محاكم الموضوع لعيب عدم كفاية الأسباب الواقعية أو غموضها: أوضحت بعض القوانين العربية معنى عدم كفاية الأسباب الواقعية أو غموضها بعبارات متقاربة، فالقانونان الأردني والسوري عرفا هذا السبب بالقول انه يتوفر متى كانت أسبابه لا تسمح لمحكمة التمييز أن تمارس رقابتها، كما عرفه القانون اللبناني بشكل مشابه وذلك بالقول انه يتوفر متى جاءت الأسباب الواقعيّة غير كافية أو غير واضحة لإسناد الحلّ المقرّر فيه (المادة 708/6 من قانون أصول المحاكمات المدنية لعام 1983)، وتأخذ المحاكم العليا بنفس التعريف وإن بعبارات مختلفة مقتضبة أو موسّعة أحيانا
    وتبعاً لذلك تؤكد المحاكم العليا بانه عندما تكون أسباب الحكم الواقعية لا تمكّنها من مراقبة صحة الحل القانوني الذي ارتكز عليه هذا الحكم فيكون معيبا بما يوجب نقضه، لانه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى إلا أن شرط ذلك أن تؤسس قضاءها على أسباب واضحة تبين الأدلة التي حصلت هذا الوقائع من خلالها، وذلك تمكينًا لمحكمة النقض من ممارسة رقابتها على صحة تطبيق القانون على وقائع الدعوى. 
من ثم إذا كان الحكم المطعون فيه قضى للمطعون ضده بمبلغ يزيد عن أصل الين المستحق له بذمة الطاعن ودون ان يتبين من الحكم أو من تقرير الخبير الأسس التي ابتنى عليها أي منهما استحقاق المطعون ضده عما زاد عن أصل الدين فعندها تكون أسباب الحكم الواقعية جاءت غير كافية لتمكين محكمة النقض من إجراء رقابتها، بما يعيبه ويوجب نقضه بهذا الخصوص( ). 
ومن ثم يجب ان تكون أسباب الحكم جلية واضحة حتى تتمكن محكمة النقض من أعمال رقابتها في شأن مدى صحة أعمال القانون على واقع الدعوى، بما يعني إذا كانت أسباب الحكم لا تساعد على فهم ما قضى به المنطوق، فعندها تعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على مدى التزام الحكم المطعون فيه بصحيح القانون مما يعيبه ويوجب نقضه( ).
وكثيراً ما يستعمل الطاعن بالنقض أحياناً مصطلح الاستدلال أو الفساد في الاستدلال دون ان يكون قانون الإجراءات المدنية أورد في أي من نصوصه مثل هذا المصطلح في أسباب النقض أو في أي موضع منه، وبالفعل يتردد المصطلح كثيراً في صحائف  الطعن مع جمعه في أحيان كثيرة مع غيره من الأسباب كما في سبب النعي: «ينعي الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي فهم الواقع والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والإخلال بحقوق الدفاع»، ومثل هذا النعي يجمع ضمن ذات السبب خمسة أسباب لكل منها مفهوم مختلف عن الآخر ضمن أسباب النقض المنصوص عنها في المواد 129 و130 و 175 من قانون الإجراءات المدنية. كما تستعمل المحاكم العليا أحيانا هذا المصطلح في أحكامها كحد لمحكمة الموضوع في فهم الواقع.
    240 - رقابة محكمة النقض من خلال الاستدلال: كانت المحاكم الاتحادية العليا تؤكّد دوماً حقها بمراقبة محاكم  الموضوع في فهم وتحصيل الواقع الدعوى من خلال مراقبة أسباب الحكم التي تمكّنها من معرفة ما إذا كانت هذه الأسباب تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها الحكم في منطوقه، بما يوجب على محكمة الموضوع ان تورد في حكمها الأسباب التي تبرر ما قضت به وبيان المصدر الذي استقت منه تلك الأسباب( ) فاذا قضى الحكم المطعون فيه بإلزام الطاعنة بسداد مبلغ معين دون بيان الواقعة التي استند عليها للقضاء بهذا المبلغ، فيكون معيباً بما يوجب نقضه.( ). لانه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى إلا أن شرط ذلك أن تؤسس قضاءها على أسباب واضحة تبين الأدلة التي حصلت هذا الوقائع من خلالها، وذلك تمكينًا لمحكمة النقض من ممارسة رقابتها على صحة تطبيق القانون على وقائع الدعوى.  ومن ثم إذا كان الحكم المطعون فيه قضى للمطعون ضده بمبلغ يزيد عن أصل الين المستحق له بذمة الطاعن  ودون ان يتبين من الحكم أو من تقرير الخبير الأسس التي ابتنى عليها أي منهما استحقاق المطعون ضده عما زاد عن أصل الدين فعندها تكون أسباب الحكم الواقعية جاءت غير كافية لتمكين محكمة النقض من إجراء رقابتها، بما يعيبه ويوجب نقضه بهذا الخصوص( ). 
لأن أسباب الحكم يجب ان تكون جلية واضحة تنبئ عن المقصود منها وتحدد المقضى به دون غموض أو إبهام حتى يتمكن المطلع على الحكم من إدراك مراميه وكذلك محكمة النقض من أعمال رقابتها في شأن مدى صحة أعمال القانون على واقع الدعوى, ومن ثم إذا كانت أسباب الحكم لا تساعد على فهم ما قضى به المنطوق، فعندها تعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على مدى التزام الحكم المطعون فيه بصحيح القانون مما يعيبه ويوجب نقضه( ).
وبكلمة مختصرة يصح القول انه في كل مرة تأتي أسباب الحكم الواقعية غير كافية لتمكين محكمة النقض من إعمال رقابتها على تطبيق القانون على وجهه الصحيح، فيكون الحكم معيباً بما يوجب نقضه( ). كما إذا كانت أسباب الحكم استندت، فيما اقرته من وجود خطأ طبي، على ما ورد في تقرير اللجنة الطبية وكانت اللجنة قد تحاشت في تقريرها الاجابة على ما هو مطلوب منها في تحديد وجود خطأ طبي من عدمه، واقتصر تقريرها على وصف حالة المريضة فقط مما لا يعين المحكمة في تكوين عقيدتها، فان الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه( ). 
وتشير أحكام المحاكم العليا في أحيان كثيرة ان وسيلتها في الرقابة هو الاستدلال الذي يسمحح لها بمعرفة ما إذا كانت الأسباب الواقعية التي استند اليها الحكم تؤدّي الى النتيجة التي خلص اليها في منطوقه، وذلك حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على مدى صحة تطبيق القانون وصحة الاستدلال المطبق في القضية( ). بحيث  يتوفر الفساد في الاستدلال متى شابت أسباب الحكم عيب يمس سلامة الاستنباط( ) 
    241 - الاستدلال الذي يمكن استعارته من علم المنطق:  .......
المبحث الثاني: مخالفة الثابت في الأوراق - التشويه
    270 ـ مخالفة الثابت في الأوراق أو التشويه بين النص والاجتهاد  كسبب للنقض: ان قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي نص فقط على مخالفة القانون كسبب للنقض معتبراً ان هذا السبب العام يشمل جميع الأسباب الخاصة المسندة الى مخالفة قواعد إجرائية، وتبعاً لذلك لم ينص على هذا السبب؛ أما القوانين العربية فإن البعض منها نص على هذا السبب كالقانون العراقي التي ذكرت الفقرة الخامسة من المادّة /203/ منه هذا السبب بين أسباب النقض بالقول:
    «إذا وقع في الحكم خطأ جوهري: ويعتبر خطأً جوهرياً إذا أخطأ الحكم في فهم الوقائع ... أو قضى على خلاف ما هو ثابت في محضر الدعوى أو على خلاف دلالة الأوراق والسندات المقدّمة من الخصوم». كما ان قانون أصول المحاكمات المدنيّة اللبناني لعام 1983 ذكر ذات السبب بمصطلح التشويه( ) في المادّة /708/ منه التي عددت أسباب النقض في المواد المدنيّة، وقد ورد بين تلك الأسباب في البند 7 منها كسبب للنقض «تشويه مضمون المستندات بذكر وقائع خلافاً لما وردت عليه فيها أو بمناقضة المعنى الواضح والصريح لنصوصها»
أمّا بقيّة التشريعات العربيّة فلم تنصّ على مخالفة الثابت في الأوراق كسببٍ للنقض، مقتفيةً في ذلك أثر التشريع الفرنسي والتشريع البلجيكي اللذين لم يوردا الثابت في الأوراق بين أسباب النقض. ولكن الاختلاف في النصوص التشريعيّة حول إيراد أو عدم إيراد هذا السبب بين أسباب النقض لم يرافقه خلاف في الحلول القانونيّة، ذلك ان عدم النص على هذا السبب لم يمنع المحاكم العليا من نقض الحكم لعلّة مخالفة الثابت في الأوراق، وهذا ما سار عليه اجتهاد المحاكم العليا في الامارات، بما يعني انه يتعين على محكمة الموضوع أن تقيم قضاءها على ما له أصل ثابت بأوراق الدعوى بحيث انه كانت المحكمة قد استخلصت الواقعة التي بنت عليها قضاءها من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما أثبتته أو غير مناقض ولكنه يخالف الوقائع الثابتة ماديا بأوراق الدعوى فإن حكمها يكون معيبا بمخالفة الثابت بالأوراق( ). 

    ولكن مخالفة الثابت في الأوراق يعني مخالفة العناصر الواقعيّة الثابتة في ملف الدعوى التي استند اليها الحكم، وهذا يطرح للبحث مشكلة معرفة ما إذا كان هذا السبب يشكّل خطأً قانونيّاً أو خطأً واقعيّاً، (الفقرة الأولى)، لأنه على ضوء ذلك يمكن فهم معنى مخالفة الثابت في الأوراق وخصائصه وميدان تطبيقه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: طبيعة عيب مخالفة الثابت في الأوراق
    271 ـ طرح المشكلة: إن مسائل القانون وحدها هي التي تخضع لرقابة محكمة النقض بمعنى أن مسائل الواقع تخرج من تلك الرقابة (راجع البند 11). وتقع على الحدود الفاصلة بين مسائل الواقع ومسائل القانون، من هنا تطرح مشكلة مدى قانونيّة رقابة محكمة النقض على محاكم الموضوع في حالة الطعن بالقرار لعلّة مخالفة الثابت في الأوراق، لإن تحديد مفهوم مخالفة الثابت في الأوراق يدقّ أحياناً نظراً للحظر المفروض على محكمة النقض في الدخول في حقل العناصر الواقعيّة، وهذا الحظر هو مطلق لدرجة أنه يطبق سواء قُدّم الطعن من قبل الخصوم أو نفعاً للقانون، لأن محكمة النقض لا تراقب الأخطاء القانونيّة في الحكم في كلّ مرّة تتطلب فيها هذه الرقابة فحص عناصر واقعيّة لم يتحقّقها قاضي الأساس( ).
    والمبدأ ان محاكم الموضوع تتمتّع بسلطة تقديرية للتحقّق من العناصر الواقعيّة، فإذا أساء قاضي الموضوع الحكم فإن هذه الإساءة لا تفسح مجالاً للنقض ما لم يكن هناك تعرض لقاعدة قانونيّة( ) (راجع البند 13)، وهذا يُظْهِر أن هناك مشكلة تكمن في تحديد نقطة التوازن بين سلطة قاضي الموضوع وسلطة محكمة النقض بالنسبة لوقائع الدعوى، إذ يُفْترض أن لا يصل الحقّ المُعْطى لقاضي الموضوع في استثبات العناصر الواقعيّة إلى حدّ إفساد معنى ومدى هذه العناصر تحت ستار الحقّ المعطى له في التقدير والتفسير، وهذا ما يجيز لمحكمة النقض أن تتدخّل وتمارس رقابتها عند مخالفة الثابت في الأوراق من قبل محكمة الموضوع( ). و بذلك يظهر عيب مخالفة الثابت في الأوراق وكأنّه الحدّ الذي تتوقّف عنده سلطة قاضي الموضوع في تقدير وتفسير العناصر الواقعيّة للدعوى، أو بعبارة أخرى كأنه يقع على الحدود الفاصلة بين الواقع والقانون( ).
    و تشير المحاكم العليا دوماً إلى سلطة محكمة الموضوع في التقدير والتفسير وإلى أن هذه السلطة لا تخضع لرقابة محكمة النقض، إلاّ أن المحكمة العليا كانت دوماً تضع حداً لسلطة محكمة الموضوع  في التقدير والتفسير، وهذا الحدّ يتمثّل بعدم مخالفة العناصر الواقعية الثابتة في الملف، بمعني ان يكون ما استخلصته المحكمة مما ورد في المستندات وله أصله الثابت في الأوراق( ) 
ومن ثم ما هي طبيعة هذا العيب وهل هو خطأ في الواقع ارتكبته محكمة الموضوع أم هو خطأ في القانون؟ من هنا يكون من الضروري البحث بطبيعة مخالفة الثابت في الأوراق وإذا كان الجواب بأنه خطأ قانوني فذلك يستتبع طرح سؤال آخر هو التالي: ما هو هذا الخطأ، أيّ ما هو النصّ أو المبدأ القانوني الذي يخالفه قاضي الموضوع عندما يأتي حكمه والذي يجب أن ترتدّ إليه كلّ حالات هذا العيب؟
    لقد تعدّدت الآراء الفقهية بالموضوع كما أن الاجتهاد  الفرنسي ذاته تطوّر مراراً في الجواب على السؤال المتقدّم، ومرّ بثلاث مراحل نعرضها تباعاً ( )
    272 ـ المرحلة الأولى في الاجتهاد  الفرنسي بموضوع الرقابة على هذا العيب: .......
    279 - المذهب الذي يسند الرقابة الى عدم كفاية الوقائع أو غموضها أي الى فقدان الأساس القانوني: يعتبر قسم من الفقه ان التشويه أو مخالفة الثابت في الأوراق يفقد القرار أساسه القانوني ومن ثمّ كان يسند مخالفة الثابت إلى السبب المتقدّم ( ). لانه يتمثل في النهايّة بعدم وجود تعليل جدي ( ). ولكن إذا كان ذلك يتعلّق بالتسبيب الواقعي للقرار ويعيب هذا التسبيب، إلاّ أن هذا العيب يبقى متميزاً بشكلٍ جلي عن عيب فقدان الأساس القانوني، وإن كان هذا العيب الأخير يتعلق أيضاً بالتسبيب الواقعي
    وبالفعل إن فقدان الأساس القانوني يضع محكمة النقض أمام استحالة لإجراء رقابتها بسبب عدم كفاية العناصر الواقعيّة المبرّرة للحلّ، بمعنى أن العناصر الواقعيّة المشروطة لتطبيق القاعدة القانونيّة لا تكون مكتملة .
    أمّا في حالة التشويه أو مخالفة الثابت في الأوراق فلا توجد أيّة استحالة أمام محكمة النقض لممارسة رقابتها القانونيّة إذْ أن القرار المطعون فيه يكون قد بيّن العناصر الواقعيّة التي بُنِيَ عليها ومن ثمّ فإن مخالفة الثابت في الأوراق يتميز بشكلٍ جلي عن فقدان الأساس القانوني ( ).
    ولكن المشكلة هنا تطرح في الواقع رقابة أبعد من ذلك، رقابة تطال مدى صحّة العناصر الواقعيّة والمصدر التي استقت منه محكمة الموضوع العناصر الواقعيّة التي بنت عليه حكمها، بمعنى انه هل ان هذه العناصر موجودة في الملف
    280 ـ المذهب الذي يسند الرقابة إلى مخالفة قانون العقود: ......................
الفقرة الثانية: مفهوم مخالفة الثابت في الأوراق
  288 - تعريف مخالفة الثابت في الأوراق كسبب للنقض - تسميته: يتوفر هذا العيب عندما تكون أسباب الحكم الواقعية غير مسندة على ما له أصل ثابت بأوراق أو إذ كانت المحكمة استخلصت الواقعة التي بنت عليها قضاءها من مصدر لا وجود له في الملف أو موجود فيه ولكنه مناقض لمعناه الواضح والصريح ويخالف الوقائع الثابتة ماديا بأوراق الدعوى( ). 
     وتشير محكمة النقض في أبو ظبي أحياناً الى هذا السبب بمصطلح التشويه بالقول( ): الذي يعيب الحكم ويخالف الثابت بالأوراق، يتمثّل بذكر وقائع خلافاً لما وردت عليه في المستند المدّعى تشويهه وانحراف محكمة الموضوع عن المعنى الظاهر والصريح لنصوصه وبما لا تحتمله عبارات هذا المستند ودون أن يكون في باقي الأوراق والمستندات ما يؤيد وجهة النظر التي اعتمدها الحكم المطعون فيه عند تفسيره لهذا المستند، ويشترط للقول بالتشويه ان ينسب التشويه الى مخطوطة محددة موجودة في الملف إستند إليها الحكم المطعون فيه وأعطاها معنى مغايراً للمعنى الظاهر والصريح الوارد فيها بشكل أثّر على الحلّ الذي أُعْطي للنزاع، ومن ثم فان التشويه هو الحد الذي تتوقف عنده سلطة محكمة الموضوع  بتفسير العقود والمستندات بشرط ان تقيم قضاءها على أسباب لها أصلها الثابت في الأوراق بما يكفي لحمله وبشرط ان يأتي تفسيرها للمستندات مما تحتمله عباراتها ولا يخرج عن المعنى الظاهر والصريح لها، ودون ان تقف في التفسير عند حد ما تفيده عبارة معينة بل ما تفيده عبارات المحرر بأكمله وما تفيده جميع المستندات الموجودة في الملف»( ). 
    وهذا التعريف لمخالفة الثابت بالأوراق أو التشبيه يتوافق مع التعريف المعتمد في القانون( )، كما يتوافق مع التعريف المنصوص عليه مع القانون العراقي (راجع البند ) ومع المادة 708من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني القائلة  أنه يتمثّل بذكر وقائع خلافاً لما وردت عليه في الأوراق أو بمناقضة المعنى الواضح والصريح لنصوصها (راجع سابقاً البند )
    ومن ثمّ يمكن القول أن التشويه أو مخالفة الثابت بالأوراق يتمثّل بتنكّر محكمة الموضوع للمعنى الواضح والصريح لمخطوطة موجودة في الملف استند إليها القرار المطعون فيه، دون أن يكون في هذه المخطوطة أو في غيرها من المخطوطات الأخرى المتوفّرة في الملف ما يجيز هذا التنكّر لمعنى المخطوطة( ) أو بتحريف أو تحوير الوقائع الثابتة بالمستندات أو بانحراف المحكمة عن المعنى الصريح والواضح لنصوص المستندات وإعتمادها معنى آخر لها( ).
    289 - شروط التمسك بمخالفة الثابت في الأوراق أمام محكمة النقض أمام محكمة النقض: إن تعريف عيب مخالفة الثابت في الأوراق بالشكل المعروض في البند السابق يوضح أنه ذلك العيب الذي يرتكبه قاضي الموضوع في القرار الذي يصدره، ومن ثمّ فهو يختلف عن التشويه الذي يمكن أن ينسب للخصم الآخر، بمعنى أنه إذا كان مصدر التشويه المزعوم هو أحد الخصوم بالقول أن هذا الخصم أضاف إلى السند عبارات فشوّهه، فإن مثل هذا القول لا ينطبق على مفهوم التشويه أو مخالفة الثابت في الأوراق الذي يشكّل سبباً للنقض والذي لا يتوفّر إلاّ إذا كان القرار المطعون فيه هو ذاته مصدر التشويه( ).
    كذلك يجب أن يتعلّق عيب مخالفة الثابت في الأوراق الذي ارتكبه قاضي الموضوع بمخطوطة موجودة في الملف استند إليها القرار المطعون فيه وأعطاها معنى مغايراً للمعنى الواضح والصريح الوارد فيها بشكل أثّر على الحلّ الذي أُعْطي للنزاع( ).
    290 ـ وجوب تحديد العيب على وجه الدقّة: وقد أوجبت المادة 179 من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي على الطاعن بيان أسباب النقض في صحيفة الطعن بالنقض، ولا شك أن القواعد التي يتضمّنها النصّ المتقدّم تطبّق أيضاً على بقيّة أسباب النقض بما فيها السبب المُسْند إلى مخالفة الثابت بالأوراق (راجع البند).
    وهذا يعني أنه لكي تبحث محكمة النقض في هذا السبب يجب أن يحدّد الطاعن على وجه الدقّة العبارات الصريحة والواضحة في المستند المدّعى تشويهه ومن ثمّ المعنى المغاير الذي أعطاه القرار لتلك العبارات( ) 
من ثم يتوجّب على الطاعن أن يبيّن موقع العيب حصراً وتحديداً، لا أن يكفي الاستناد الى العموميات( )، بمعنى انه إذا اكتفى الطاعن بالقول أن القرار المطعون فيه يتضمّن تناقضاً فاضحاً وتشويهاً عميقاً للأدلّة والبيانات ولمضمون المستندات دون أن يوضح بالتحديد ما هو المستند وما هي الأدلّة والبيانات التي جرى تشويهها، فإن محكمة النقض لا تبحث بهذا السبب طالما أن مستدعي النقض لم يحدّد بدقّة العيب الذي يدّعيه( ). وتبعاً لذلك يصحّ القول أنه على مستدعي النقض أن يبيّن أين وقع عيب مخالفة الثابت في الأوراق وفي أيّ مستند تحت طائلة عدم البحث بالسبب المتذرّع به( ).
    291 ـ وقوع العيب في مخطوطة أُبْرزت في الملف