المحامي الدكتور حلمي الحجار01/04/2007
محاضرة القيت في نيسان من العام 2007 في بيت المحامي في بيروت ضمن محاضرات التدرج
منهجية تنظيم الاستحضار واللوائح
1 ـ مراحل عمل المحامي: يبدأ عمل الـمـحامي، سواء أكان فـي موقع الهجوم كمحامٍ للمدعي أو في موقف الدفـاع كمـحام للـمدعى عليه، بالإحاطة بعناصر النزاع الواقعية لـيحدد الـمطالب التـي يـمكن الـحصول علـيها سنداً للقواعد القانونـية التـي يعتقد أن حل النزاع يجب أن يتم على ضوئها، ومن ثم يضع مقدمات القياس التـي يعتقدها متوفرة في النزاع ويحدد بـالتالـي الأهداف التـي يعتقد أنه يـمكن بلوغها علـى ضوء تلك الـمقدمات؛ بمعنى أن المحامي يحدد فـي هذه الـمرحلة إطار الـمعركة القانونـية التـي يخوضها والأسلـحة الـمتوفرة لديه والـخطط المؤدية لكسب المعركة، وبعبـارة مختصرة يضع المحامي فـي هذه المرحلة الاستراتيجية (stratégie) لعمله.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى التفكير بتنظيم استعمال الأسلحة الـمتوفرة عنده وكيفـية تـحريكها تبـاعاً في الـمعركة ضد خصمه تـحقـيقاً للاستراتـيجية التي وضعها، وبعبارة مختصرة يضع الـمـحامي فـي هذه المرحلة التكتـيك (tactique) الذي سيتبعه فـي عمله.
وتحكم عمل المحامي، في تحديده لإطار المعركة القانونـية وتنظيـم سيرها، مجموعة من القواعد تشكل بالحقيقة تأيـيداً لـمنهجية حل النزاع القانونـي، سواء في دراسة القضية وتحضيرها وكيفية عرضها على المحكمة قبل جلسة المرافعة (أولاً) أو في تحضير المرافعة التي يهدف المحامي من خلالها الى إقناع المحكمة بالأسباب والطلبات التي تقدم بها (ثانيا) وأخيراً سنعطي مثالاً عن مرافعة في قضية عرضت على القضاء (ثالثاً)
أولاً: المنهجية في دراسة القضية وتحضيرها وعرضها على المحكمة
2 ـ تحديد إطار النزاع ينطلق من تحديد عناصره: يتـم حل النزاع القضائي بتطبـيق قاعدة أو مـجموعة من القواعد القانونـية علـى العناصر الواقعية التي ولدت هذه النزاع (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 94 وما يليه).
ومن ثم يتـمثل العنصر الأول للنزاع بـالعناصر الواقعية والعنصر الثاني بالعناصر القانونية أو القواعد القانونية التي يجب حل النزاع علـى ضوئها. ومن خلال مقارنة العناصر الواقعية مع القواعد القانونـية يتـم تحديد الخصوم أو أطراف النزاع والمطالب التـي يجوز لكل منهم التقدم بها بوجه الآخر أو الآخرين.
وينصب عمل المحامي بالتالي، فـي تـحديده لإطار النزاع، علـى تعيـين عناصره الواقعية والقواعد القانونـية التـي يجب أن يحل علـى ضوئها ومن ثم على تحديد أطراف هذا النزاع ومطالبهم.
وتحكم عمل المحامي في هذه المرحلة، أي مرحلة تحديد إطار النزاع، منهجية حل النزاع القانونـي (راجع كتاب الـمنهجية للمحاضر البند 112 وما يليه).
3 ـ الاطلاع على عناصر النزاع الواقعية: يبدأ عمل المحامي بالإطلاع من موكله على عناصر النزاع الواقعية. فـالـموكل الذي يرغب بإقامة الدعوى أمام القضاء يسرد علـى مـحاميه العناصر الواقعية التـي ولدت النزاع.
ويأتـي عرض الـموكل لتلك العناصر ـ عادة ـ بشكل مسهب تتداخـل فيه العناصر الواقعية المفيدة في حل النزاع مع تلك التـي تكون غير مفـيدة إذ يستفـيض الموكل أحياناً في سرد عناصر واقعية لا تترتب علـيها أية نتـيجة قانونـية، فـي حين يقتضب أحياناً أخرى بالحديث عن عناصر واقعية قد تكون مفـيدة فـي حل النزاع، أو حتـى قد يصمت عن مثل بعض هذه العناصر الأخيرة ظناً منه أن لا تأثير لها في حل النزاع. أما الموكل الذي يرغب بتوكيل محامٍ للدفاع عنه فـي دعوى مقامة ضده أمام القضاء، فـيطلع مـحاميه أولاً على الـمخطوطات التـي تبلغها فـي النزاع الـمقام ضده، ثم يسرد عليه العناصر الواقعية من وجهة نظره متى كانت مختلفة عن تلك التي أوردها خصمه.
وفي الحالتين يعرض الموكل لمحاميه وسائل الإثبـات الـمتوفرة لديه وتلك التي قد تكون متوفرة عند خصمه.
ولا شك أن عرض العناصر الواقعية على المحامي، بـالشكل الـمتقدم، يعطيه فكرة أولـية عن هذا النزاع تدفعه لإعادة قراءة العناصر الواقعية من جديد، بهدف تنقـيتها وتـحديد الـمفـيد منها علـى ضوء القاعدة أو القواعد القانونية التي يعتقد أن حل النزاع يمكن أن يتـم علـى ضوئها.
4 ـ تنقـية العناصر الواقعية والبحث عن القواعد القانونـية الممكن تطبيقها لحل النزاع: إن الفكرة الأولـية التـي يكوّنها الـمـحامي عن النزاع، من خلال عرض موكله لعناصر النزاع الواقعية علـيه، تعطيه فكرة أولية عن فئة القواعد القانونية التي يمكن حل النزاع علـى ضوئها (راجع مثالاً علـى ذلك ضمن البند 118 وما يـلـيه)، وهذا يدفعه لقراءة جديدة ودقـيقة لعناصر النزاع الواقعية بهدف الوصول إلـى الـمعرفة الكلية الصحيحة لهذه العناصر ومن ثم تحديد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق من بين فئات القواعد القانونية الممكن تطبيقها. وعمل الـمـحامي الـمتقدم يـمكنّه من تحديد العناصر الواقعية المنتجة في حل النزاع علـى ضوء القاعدة القانونـية التي إعتقد أنه يفترض تطبيقها لـحل النزاع، وهذا ما يدفعه للبحث بدقة عن جميع العناصر الـمنتـجة فـي حل النزاع عند موكله.
5 ـــ البحث عن جميع العناصر الواقعية المنتجة في حل النزاع: بعد أن يعيّن المحامي القاعدة القانونية التي يعتقد أنّ حلّ النزاع يجب أن يتـمّ علـى ضوئها، يعود لـيبحث فـيـما إذا كانت العناصر الواقعية الـمتوفرة لديه كافـية لإعْمال تلك القاعدة.
ويتوقّـف إعْمال القاعدة علـى ما إذا كانت فرضيات هذه القاعدة تتضمن بـين ما تتضمنه العناصر الواقعية موضوع القضية الـمخصوصة المطروحة في النزاع، من هنا يعود المحامي لتـحلـيـل فرضيات القاعدة القانونية إلى عناصرها الأولية أي إلى الحالات الواقعية التي بنـيت علـيها (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 11 وما يليه و117 وما يليه) ويقارن الـحالة الـمخصوصة موضوع النزاع بتلك الحالات.
فإذا وجدها متوفرة بالكامل أمكنه المضي بوضع مقدمات القـياس المنطقي، وإذا وجد أن هناك بعض العناصر الواقعية غير متوفرة أو غير واضحة يعود لـموكله ويستوضحه ويستعلـم منه عن تلك العناصر أي يعود للبحث عند موكله عن بقـية العناصر الواقعية الـمنتـجة فـي حل النزاع والتـي قد يكون الموكل أغفل سردها أو اقتضب بشأنها اعتقاداً منه أنها لا تؤثّر فـي حل النزاع (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 120). فإذا وجد أن العناصر الواقعية الـمطلوبة متوفرة، انتقل بعد ذلك لتـحديد الـخصوم أو أطراف النزاع ومن ثم الطلبات التي يجوز التقدم بها بوجههم.
6 ـ تعيـين الـخصوم ـ أطراف النزاع: بـالطبع عندما يقصد الموكل محاميه لعرض النزاع عليه بهدف إقامة دعوى أمام القضاء يكون في ذهنه ـ عادة ـ فكرة معينة عن خصمه أو خصومه أطراف النزاع. كذلك عندما يقصد الـمدعى عليه محاميه بهدف الدفـاع عنه في الدعوى المقامة ضده يكون خصمه واضحاً من خلال استحضار الدعوى.
ولكن المعرفة العلـمية لعناصر النزاع قد تكشف عن أشخاص آخرين يجوز أو يجب اختصامهم أو إدخالهم فـي النزاع غير الذين عينهم الموكل. ويتوصل المحامي إلى تحديد أطراف النزاع علـى وجه الدقة بإتبـاع منهجية حل النزاع القانونـي، أي بتحليل القاعدة القانونـية الواجبة التطبيق ومقارنتها بعناصر النزاع الواقعية.
ونكتفـي هنا بـمثال واحد هو ذاته الذي ضربناه عند البحث فـي آلية حل النزاع القانوني وهو المتعلق بالضرر الذي لـحق بشخص بنتـيجة حادث اصطدام سيارة كان يستقلها.
فإذا توصل الـمـحامي، بنتيجة دراسة العناصر الواقعية، إلـى أن القاعدة القانونـية الواجب إعْمالها هي التـي تتضمنها الـمادة/ 131/ م.ع. الـمتعلقة بـالـمسؤولـية عن حراسة الجوامد (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 120) وإذا حدد موكله الخصم بسائق السيارة أو بمالكها غير السائق، فإن تـحلـيـل القاعدة القانونـية التـي تتضمنها الـمادة/ 131/ م.ع. قد يؤدي إلـى إمكانـية اختصام حارس السيارة والذي قد يكون غير السائق أو غير المالك، وهذا مثال ويمكن تكرار الأمثلة.
ومن ثم فإن منهجية حل النزاع القانونـي هي التـي توصل إلـى تحديد الخصوم على وجه الدِّقّة.
7 ـ تحديد المطالب: كل نزاع يرفع أمام القضاء يهدف صاحبه من ورائه إلـى الـحصول علـى نتيجة معينة هي التي تحدد موضوع الدعوى، وبالتالي يتحدد موضوع النزاع بمطالب الـخصوم)1(.
وتـحديد الـمطالب بشكل صحيح لا يـمكن أن يتـم إلا من خلال تطبـيق منهجية حل النزاع القانونـي، فقد ذكرنا فـي معرض بحث هذه الـمنهجية أن القاعدة القانونـية تتألف من جزئين: فرضيات عامة وحكم يقـرر لهــذه الفــرضيات، وإن هذا الـحكم يجب أن يقـرر لكل حالة مخصوصة تتضمنها الفرضيات (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 11 والبند 117 وما يليه) وهذا يستتبع نتـيجة واحدة علـى صعيد الـمطالب التـي يجوز التقدم بها بصورة صحيحة، وهي تلك التـي يتضمنها الـحكم الـمقرر فـي القاعدة القانونية، بمعنى أن المطالب يجب أن تكون منطبقة على الحكم الذي تتضمنه القاعدة القانونية.
وقد يكون الـحكم الذي تتضمنه القاعدة القانونـية واحداً وعندها يكون الـمطلب الذي يصح التقدم به هو ما ينطبق علـى هذا الـحكم، مثلاً عند إعمال القاعدة الواردة فـي الـمادة/ 131/ م.ع. فإن الـحكم الذي تتضمنه تلك القاعدة، هو إلزام الـحارس بـالتعويض (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 120) ومن ثم فإن الـمطلب الذي يصح التقدم به هو إلزام الـحارس بالتعويض.
ولكن يـمكن أن يكون الـحكم الذي تتضمنه القاعدة القانونـية متعدد الأوجه بحيث يجوز أن تقرر جميع هذه الأوجه أو بعضها فقط حسب اختـيار الـمستفـيد من القاعدة، وعندها يصح لهذا الأخير أن ينوع مطالبه بما ينطبق على أوجه الحكم الذي تتضمنه القاعدة.
ونضرب فوراً المثال التالي:
الـمادة/ 241/ م.ع. التـي تعالـج شرط الإلغاء فـي العقود المتبادلة تنص في فقرتها الثانـية على أن «العقد لا يلغى حتـماً فـي هذه الـحالة. فإن الفريق الذي لـم تنفذ حقوقه يكون مخيراً بـين التنفـيذ الإجبـاري على وجه من الوجوه، وإلغاء العقد مع طلب التعويض».
فـالـحكم الذي تتضمنه القاعدة الـمتقدمة هو مزدوج وفـيه خيار للـمستفـيد منه: فله أن يطلب «التنفـيذ الإجبـاري علـى وجه من الوجوه» كما له أن يطلب «إلغاء العقد مع طلب التعويض». وبالتالي فـي معرض نزاع يطلب فيه أحد الخصوم تطبـيق القاعدة المتقدمة فإن الطلبات التي يصح له أن يتقدم بها هي تلك الـمنطبقة علـى أحد أوجه الحكم المقرر فيها.
8 ـ النتيجة ـ منهجية حل النزاع القانوني هي التي تحدد إطار النزاع: يتبـين من البحث الـمتقدم أن تـحديد إطار النزاع بشكل صحيح وسليم، يتـم بلوغه عن طريق تطبـيق منهجية حل النزاع القانونـي. فهذه الـمنهجية بـما تتضمنه من تحليل للقاعدة القانونـية بفرضياتها والـحكم الذي تقرره لهذه الفرضيات، ومن ثم تـحلـيـل هذه الفرضيات إلـى عناصرها الأولية ومقارنة هذه العناصر بعناصر النزاع الواقعية، هي التـي تـمكن الـمـحامي من تـحديد إطار النزاع أي تـحديد العناصر الواقعية المنتجة في حل هذا النزاع وكذلك تحديد الـخصوم والـمطالب فـي هذا النزاع.
وبعد أن يحدد المحامي إطار الـمعركة القانونـية، وفقاً للـمنهجية المتقدمة، يبدأ السير بهذه المعركة مستفـيداً فـي تـحديد خطة سيرها أيضاً من المنهجية ذاتها.
9 ـ مراحل سير المحاكمة في القضايا الحقوقية: تبدأ الـمعركة القانونية بين أطراف النزاع القضائي بوضع يد المحكمة علـى هذا النزاع عن طريق التقدم بالمطالبة القضائية أمامها عَبْرَ الاستـحضار الذي يتقدم به المدعي. فـيبدأ عندئذ سير النزاع حيث يبلّغ الاستحضار إلـى الـمدعى علـيه الذي يكون له أن يتقدّم بلائحة جوابـية أولـى تبلغ إلـى الـمدعي الذي يكون له أيضاً أن يتقدم بلائحة جوابـية مـماثلة تبلّغ إلـى الـمدعى عليه الذي يكون له التقدم بلائحة جوابية ثانية...
ويستعمل كل من أطراف النزاع، فـي لوائحه، الأسلـحة التـي توفرت لديه على ضوء تحديده لإطار النزاع أو إطار الـمعركة القانونـية التـي يخوضها، ولكن أيّاً من الـخصوم لا يبرز عادة كل الأسلـحة التـي بحوزته دفعة واحدة بل يبرزها تبـاعاً مـحاولاً أن يستكشف أولاً أسلـحة الخصم الآخر، وهكذا نجد المدعي يبرز بعض أسلـحته فـي الاستـحضار أولاً ثم فـي اللوائح الـجوابية ثانـياً، وكذلك يبرز الـمدعى علـيه بعض أسلحته في اللائحة الـجوابـية الأولـى ثم فـي اللوائح اللاحقة، إلـى أن يستكمل أطراف النزاع إبراز ما تبقـى لديهم من أسلـحة فـي الـمذكرات التي يقدمونها بعد ختام المحاكمة.
ويحكم عمل المحامي في تنظيـمه لسير الـمعركة وإبراز أسلـحته تباعاً منهجية حل النزاع القانونـي (راجع عن هذه الـمنهجية البند 112 وما يليه).
10 ـ المطالبة القضائية ـ استحضار الدعوى: يشرع الـمدعي بالمحاكمة بتقديم ادعاءاته ومطالبه أمام الـمـحكمة بـموجب مخطوطة تسمى الاستحضار)1(.
ويحدد قانون أصول المحاكمات المدنية المشتملات الـمفروض أنْ يتضمنها الاستحضار، وأهمها اسم المحكمة المرفوع أمامها النزاع وأسماء أطراف النزاع أو من ينوب عنهم قانوناً مع بـيان اللقب والـمهنة أو الوظيفة ومـحل الإقامة واسم الـمـحامي الوكيـل عند وجوده وتاريخ تقديـم الاستحضار وتوقيع مقدمه.
كما يجب أن يتضمن الاستـحضار العناصر الواقعية وأسبـابها والأدلة الـمؤيدة لها ومطالب الـمدعي التـي يجب إيرادها فـي فقرة المطالب التي يختتم بها الاستحضار)2(.
إن بعض مشتـملات الاستـحضار تعتبر من الشكلـيات التـي لا تدخل في وضع مقدمات القـياس الـمنطقـي فـي حين يدخـل البعض الآخر منها في وضع هذه المقدمات.
ومشتملات الاستحضار التي تدخـل فـي وضع مقدمات القـياس تتـمثل بـالعناصر الواقعية، والأسبـاب القانونـية عند الادلاء بها، والـمطالب التـي يختتـم بها الاستـحضار، والتـحديد السلـيـم لهذه المشتملات يجب أن ينطلق من منهجية حل النزاع القانوني.
فالعناصر الواقعية المحيطة بـالنزاع قد تكون طويـلة ومعقدة ومتشابكة، ومنهجية حل النزاع القانوني تفرض أن لا يعرض في الاستحضار إلا العناصر الواقعية المفيدة فـي حل النزاع أي العناصر التي يترتب عليها نتائج قانونية معينة، أما الظروف الواقعية المحيطة بالنزاع والتـي لن يتغير حل النزاع بتغيرها فلا فـائدة من ذكرها ضمن العناصر الواقعية إلا بـالقدر الكافـي لإيضاح العناصر الواقعية الـمفـيدة فـي حل النزاع.
وهذا يفرض على المحامي عندما يسرد العناصر الواقعية للنزاع أن يسأل نفسه دوماً ما هي النتـيجة القانونـية التي تترتب علـى ذكر هذه الواقعة أو تلك، فإذا وجد أنه لا تترتب أية نتـيجة علـى واقعة معينة أي أن هذه الواقعة، سواء عرضت أو لـم تعرض فإنها، لن تغير فـي حل النزاع؛ فـيجب علـيه عندئذ أن يحذفها من بـين العناصر الواقعية. أما إذا وجد العكس أي أن ذكر واقعة معينة تترتب علـيه نتـيجة قانونـية معينة فعليه عندئذ أن يذكر تلك الواقعة بين العناصر الواقعية.
وكثيراً ما يؤدي خلط العناصر الواقعية المفيدة بتلك غير الـمفـيدة، ومن ثم إيراد عناصر واقعية غير مفيدة بشكل مسهب ومطول، إلـى إضفـاء بعض الغموض علـى النزاع وصعوبة فـي تـحديد إطار النزاع الحقيقي، كما قد يؤدي أحياناً أخرى إلى الأضرار بـمصلـحة الـخصم ذاته إذ قد يجد الـخصم الآخر بـينها سببـاً لرد مطالب الـخصم الأول أو سبباً للتقدم بطلبات مقابلة. ومن ثم يجب أن يهتدي الـمـحامي فـي سرده للعناصر الواقعية بـمنهجية حل النزاع القانونـي، فهذه الـمنهجية تـملـي علـيه أن يسرد العناصر الضرورية والكافـية لتكوين الـمقدمة الصغرى فـي القـياس المنطقي القانوني (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 121 والبند 133 وما يليه).
أما الأسبـاب القانونـية التـي يوردها الـمدعي عادة فـي استـحضار الدعوى فـيجب أيضاً أن تنطلق دوماً من منهجية حل النزاع القانونـي، وهذا يفرض أن تكون القاعدة القانونـية التي ترتكز علـيها تلك الأسباب، من شأنها أن توصل فـي تـحلـيـلها إلـى التأكيد بأن العناصر الواقعية مشمولة بفرضيات القاعدة القانونـية الـمطلوب تطبـيقها (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 117 وما يليه والبند 133 وما يليه).
كذلك إنّ الـمطالب التـي يختتـم بها الاستـحضار يجب أن تكون منطبقة علـى الـحكم الذي تقرره القواعد القانونـية الـمطلوب تطبـيقها (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 136).
ولا شك أن النتائج الـمتقدمة يـمكن بلوغها عندما يكون منظّم الاستـحضار واعياً لعمله ومنطلقاً من منهجية صحيحة فـي هذا العمل هي منهجية حل النزاع القانونـي، وعندها قد يجد منظّم الاستحضار أن من مصلـحته أن لا يبرز كل الأسلـحة التـي بحوزته دفعة واحدة بل يبرز بعضاً منها فقط فـي الاستـحضار، وينتظر لائحة خصمه الـجوابـية ليستكشف من خلالها أسلحة هذا الأخير.
11 ـ لائحة المدعى عليه الجوابية الأولى: بعد أن يتبلّغ الـمدعى عليه الاستحضار، تكون له مهلة معينة يتقدم خلالها بلائحة جوابية أولى يرد فـيها علـى الدعوى ويرفق بها جميع الـمستندات الـمؤيدة لـجوابه؛ ويجب أن تشتـمل اللائحة علـى ذكر أسماء أطراف النزاع وفقاً لما صار بيانه بشأن مشتملات الاستحضار (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 139) وعلـى إيراد المطالب بصورة واضحة ومفصلة في فقرة المطالب)1(.
إن بيانات اللائحة الجوابية التي تدخـل ضمن القـياس الـمنطقـي هي أيضاً العناصر الواقعية والأسبـاب القانونـية والـمطالب، والتعيـين السلـيـم لهذه البـيانات يجب أن ينطلق هنا أيضاً من منهجية حل النزاع القانونـي، وهذه الـمنهجية قد تفرض علـى الـمدعى علـيه أن يكتفـي بـاتخاذ موقـف الدفاع طالباً رد مطالب الـخصم جزئياً أو كلـياً، كما قد تتيح له اتخاذ موقف الهجوم عن طريق التقدم بطلبات مقابلة أو التقدم بطلبات إدخال ضد أشخاص آخرين غير المدعي)2(.
وإذا كان منظّم اللائحة الـجوابـية قد انطلق من منهجية حل النزاع القانونـي فـي تـحديده لإطار النزاع (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البند 117 وما يليه و131 وما يليه) فـيسهل عليه عندئذ أن يعين العناصر الواقعية والأسبـاب القانونـية والـمطالب التـي يضمّنها لائحته، وكذلك الـموقـف الذي يتـخذه وما إذا كان يقتصر على موقف الدفاع أم يتعداه إلى موقف الهجوم.
فالبيانات التي يوردها المدعى عليه في لائحته الـجوابـية تتوقـف علـى نظرته للعناصر الواقعية والأسبـاب القانونية والمطالب التي أوردها خصمه في الاستحضار.
فإذا كان يقر بصحة العناصر الواقعية كما وردت في الاستـحضار ولا ينازع بالتالي بتلك العناصر، فإن موقفه قد يقتصر عندئذ علـى المنازعة بصحّة النتائج القانونية التي يرتبها الـخصم علـى تلك العناصر، وهذا يعني أنه ينازع: إمّا بصحة انطبـاق العناصر الواقعية على فرضيات القاعدة القانونية المطلوب تطبيقها، ومن ثم ينفـي إمكانـية تطبـيق تلك القاعدة على العناصر الواقعية، بمعني أن المنازعة تتناول صحة تطبيق القـياس عن طريق إثبات أن فرضيات المقدمة الكبرى ـ أي القاعدة القانونية ـ لا تشتـمل بـين ما تشمله الـمقدمة الصغرى ـ أي العناصر الواقعية للقضية المخصوصة في النزاع.
ـ وإمّا بصحة النتيجة التي يستخرجها الخصم الآخر من الربط بـين مقدمات القـياس أي بـين العناصر الواقعية ـ الـمقدمة الصغرى ـ والقاعدة القانونية ـ المقدمة الكبرى ـ، وهذا يعني أن المنازعة تتناول صحة المطالب عن طريق إثبات أن هذه المطالب لا تنطبق على الـحكم الذي تقرره القاعدة القانونية.
وإذا كان منظم اللائحة ينكر صحة العناصر الواقعية كما وردت في الاستحضار، أو مع إقراره ببعض تلك العناصر إنـما يعتقد أن هناك عناصر واقعية غيرها متوفرة عنده ولم يأت الخصم الآخر علـى ذكرها، عندها يعود لسرد عناصر النزاع الواقعية، كما يراها، وهنا لا بد له أن يقتصر على سرد العناصر الواقعية المنتجة في حل النزاع دون الظروف الواقعية التـي لن تفـيد شيئاً فـي ذلك، تـماماً كما هو الـحال بـالنسبة للعناصر الواقعية الواجب ذكرها فـي الاستـحضار (راجع كتاب المنهجية للمحاضر البندين 134 و140).
وهذا يعني أن المدعى عليه ينازع هنا أيضاً بصحة تطبيق القـياس ولكن عن طريق إثبات أن المقدمة الصغرى ـ أي عناصر النزاع الواقعية ـ غير صحيحة وبالتالي أن العناصر الواقعية الصحيحة لا تدخـل ضمن فرضيات القاعدة القانونـية، ومن ثم لا يـمكن تقرير الـحكم الذي تتضمنه تلك القاعدة للنزاع المطروح. وقد يذهب أبعد من ذلك عـن طريـق إثبات أن العناصر الواقعية الصحيحة تنطبق على فرضيات قاعدة قانونية تفرض تقرير الحكم الذي تتضمنه تلك القاعدة.
وفي الحالتين، أي سواء اقتصر الـمدعي علـيه علـى الـمنازعة بصحة النتائج القانونـية، أو نازع أيضاً بصحة العناصر الواقعية وتبعاً لذلك بصحة النتائج القانونـية، فإن الـمطالب التي يـمكن أن يطلبها فـي لائحته الجوابـية قد تقتصر على رد طلبـات الخصم جزئياً أو كلـياً، كما قد تتعدى ذلك لتشمل الـحكم بوجه الـمدعي بطلبـات مقابلة أو طلب إدخال أشخاص ثالثين في النزاع.
وهنا أيضاً يمكن للـمدعي علـيه أن يبلغ النتائج الـمتقدمة إذا كان واعياً لعمله من خلال تـحديده لإطار النزاع على ضوء منهجية حل النزاع القانونـي، وعندها قد يجد أن من مصلحته أن لا يبرز كل أسلـحته في اللائحة الجوابـية الأولـى، بل ينتظر لائحة خصمة الـجوابـية لـيستكشف من خلالها ما تبقـى لدى هذا الأخير من أسلـحة لـم يبرزها في الاستحضار.
12 ـ لوائح الخصوم الأخيرة: بعد أن يستكشف كل خصم ما بحوزة الآخر من أسلـحة، من خلال ما ورد فـي الاستـحضار وفـي اللوائح الجوابـية الأولـى يفرغ ما بقـي فـي جعبته من أسلـحة لإبادة أسلحة هذا الخصم.
فلوائح كل خصم توفر للخصم الآخر وخاصة لـمـحاميه الإحاطة بجميع عناصر النزاع، أي تلك الـمتوفرة لديه أصلاً، وتلك الـمتوفرة لدى خصمه وكان يجهلها أحياناً؛ وعندئذ يجهد فـي لوائحه لإثبـات صحة القـياس الذي ينطلق منه أو بـالعكس يجهد لإثبـات عدم صحة القياس الذي يتمسك به خصمه.
والـمنهج السلـيـم الذي يجب أتبـاعه هنا هو أولاً وقبل كل شيء تعيـين العناصر الواقعية الثابتة والمنتجة في حل النزاع وبالتالـي تعيـين عناصر المقدمة الصغرى في عملية القياس المنطقي، وثانياً إثبـات أن العناصر الواقعية ـ أي الـمقدمة الصغرى ـ تنطبق فعلاً علـى فرضيات القاعدة القانونـية ـ أي الـمقدمة الكبرى ـ التي يتـمسك بها كل خصم، ويطلب بالتالي حل النزاع علـى ضوئها وكذلك أن الـمطالب التـي يطلبها تنطبق على الحكم الذي تتضمنه تلك القاعدة.
وضمن المبارزة المتقدمة يبحث كل خصم عن خـلل فـي مقدمات القـياس التـي وضعها خصمه، ويجهد لإبراز هذا الـخـلل من أوجه ثلاث:
الوجه الأول: عدم انطباق المقدمة الصغرى ـ أي العناصر الواقعية ـ على فرضيات المقدمة الكبرى ـ أي القاعدة القانونية ـ أي يحاول أن يثبت أن القاعدة القانونـية لا تنطبق فعلاً علـى الـحالة الواقعية الـمخصوصة فـي النزاع، بـمعنى أن الـخصم يحاول أن يضرب هنا المقدمة الكبرى نفسها في القياس المنطقي.
الوجه الثانـي: عدم صحة النتـيجة التي يطلبها الخصم من الربط بـين الـمقدمتـين الصغرى والكبرى، أي مع تسلـيـمه بصحة العناصر الواقعية ـ الـمقدمة الصغرى ـ ومع تسليمه بأن هذه العناصر مشمولة بفرضيات القاعدة القانونية ـ أي المقدمة الكبرى ـ، إلا أنه ينازع بصحة النتـيجة التي يـمكن استـخراجها من الربط بين الـمقدمتـين، وذلك عن طريق إثبـات أن الـمطالب التـي تقدم بها الخصم الآخر لا تنطبق علـى الحكم الذي تقرره القاعدة القانونية، وبالتالي أن هذا الـحكم هو غير ما يطلبه الخصم الآخر.
وفي الوجهين الـمتقدمين يكون البحث منصبـاً علـى القاعدة القانونـية. فـي الوجه الأول يتناول تحليل فرضيات القاعدة القانونـية ليثبت أن هذه الفرضيات لا تشتمل بين ما تشمله الـحالة الـمخصوصة موضوع النزاع، وفـي الوجه الثانـي يتناول شرح وتحليل الـحكم الذي تتضمنه القاعدة القانونـية لـيثبت أن هذا الـحكم لا ينطبق علـى ما يطلبه الخصم الآخر.
الوجه الثالث: عدم صحة العناصر الواقعية -أي المقدمة الصغرى - بمعنى أن الخصم يحاول أن يثبت هنا أن العناصر الواقعية التي يستند إليها الخصم غير صحيحة أو غير ثابتة، مـحاولاً أن يضرب بذلك صحة العملية القياسية من خلال ضرب الـمقدمة الصغرى فيها، وإذا وفّق فـي ذلك أباد كل جهود خصمه والأسلحة التي حاول استعمالها.
وفي الواقع كثيراً ما يلاحظ هذا الخلل في عرض عناصر النزاع من الناحية العملية، وآية ذلك أن أحد الـخصوم يسرد عناصر واقعية معينة دون أن يثبتها علـى وجه نهائي فـينازع الـخصم الآخر بصحة تلك العناصر وبثبوتها، رغم ذلك نـجد الـخصم الأول أحياناً يتغاضى عن ذلك وينطلق للادلاء بقواعد قانونـية وبشروحات مسهبة لتلك القواعد جامعاً فـي لوائحه الآراء الفقهية والاجتهادية لتبرير التفسير الذي يعطيه للقاعدة القانونية.
ولكن ما فـائدة تلك الشروحات القانونـية إذا لـم تكن العناصر الواقعية ثابتة؟ وكيف يمكن حلّ النزاع وإعطاءه نتيجة معينة إذا لـم تتوفر عناصر واقعية صحيحة، وبعبارة مختصرة كيف يمكن استخراج نتـيجة قانونية من مقدمات القياس دون أن يوجد ضمن هذه الـمقدمات مقدمة صغرى ـ أي عناصر واقعية للنزاع ـ؟ من هنا نرى أنه لا فـائدة من البحث في المقدمة الكبرى ـ أي القاعدة القانونية ـ إلا بعد إثبـات وجود المقدمة الصغرى ـ أي العناصر الواقعية على وجه صحيح.
وهذا يستتبع التركيز فـي اللوائح علـى عناصر النزاع الواقعية المنتجة في حل النزاع ـ أي عناصر المقدمة الصغرى ـ بالقدر الكافي لإثبـات وجود هذه العناصر وصحتها، لأنه لا يـمكن بعد اختتام الـمـحاكمة الإدلاء بعناصر واقعية جديد ضمن الـمذكرات التـي يقدمها الخصوم.
13 ـ المذكرات بعد اختتام المحاكمة: يعني اختتام المحاكمة انتهاء المناقشات بين الـخصوم وانتهاء التحقـيق في النزاع، وهذا يعنـي أنه لا يجوز التقدم بأيّة طلبـات أو أدلة جديدة بعد اختتام الـمـحاكمة، وإنـما يبقـى للـخصوم التقدم، خلال مهلة قصيرة، بـمذكرات خطية لاستكمال بعض النقاط أو لتصحيحها أو لتوضيحها)1(.
من هنا إن الـمذكرة يجب أن تقتصر على إستكمال أو تصحيح أو توضيح الأمور الواردة فـي الـملف قبل اختتام الـمـحاكمة، ومن ثم لا يجوز أن تشتـمل الـمذكرة على عناصر واقعية أو أدلة أو طلبـات جديدة لـم تتم مناقشتها قبل اختتام المحاكمة. وإذا تضمنت الـمذكرة مثل تلك الأسبـاب والطلبـات فلا تأخذها المحكمة بعين الاعتبـار ما لم تجد فـائدة من طرحها للمناقشة فتقرر عندئذ فتح المحاكمة مجدداً.
وتبعاً لما تقدم يمكن أن تركّز المذكرة علـى صحة القـياس الذي يتـمسك به مقدّمها أو على عدم صحة القياس الذي يتـمسك به الـخصم الآخر، بمعنى أن المذكرة تقتصر على نوع من التحليل الذهني لعناصر النزاع كما طرحت علـى الـمـحكمة قبل اختتام الـمـحاكمة، ومن ثم مـحاولة ربط هذه العناصر ببعضها لتأكيد صحة العملـية القـياسية أو بـالعكس لنفـيها.
وضمن هذا العمل الذهنـي لا يجوز البحث فـي عناصر النزاع الواقعية ـ أي المقدمة الصغرى ـ إلاّ من خلال العناصر التي سبق وأُدْلِيَ بها وجرت مناقشتها فـي الاستـحضار واللوائح قبل اختتام الـمـحاكمة، ومن ثم يجوز ربط هذه العناصر ببعضها وتسلـيط الضوء علـى البعض منها أو تبيان عدم تَرَتُّب أية نتيجة قانونية على البعض الآخر منها.
كذلك لا يجوز أن تبحث الـمذكرة فـي الـمطالب، إلاّ ضمن ما طلب منـها فـي الاستـحضار واللوائح قبل اختتام الـمـحاكمة، ومن ثم يجوز أن تبحث الـمذكرة فـي تـحلـيـل القاعدة القانونـية بهدف التأكيد على انطباق المطالب على الحكم الذي تتضمنه القاعدة القانونية أو العكس.
أمّا بالنسبة لتحليل القاعدة القانونـية فـيجوز مبدئياً أن تتضمن الـمذكرة تفسيرات وشروحات لها لـم تَرِدْ فـي اللوائح السابقة، ما لـم تكن هذه التفسيرات والشروحات من شأنها أن تستبع إعادة الـمناقشة بعناصر النزاع الواقعية ذاتها احتراماً لمبدأ الوجاهية)1(.
وبكلمة موجزة يمكن القول أن المذكرة تتناول في النهاية تأكيد مقدّمها لصحة القـياس الذي يقـيـمه، أو لنفـي القـياس الذي يقـيـمه خصمه، إنطلاقاً من عناصر النزاع التي وفرتها المناقشات العلنية فـي اللوائح قبل إختام الـمـحاكمة. ولا شك أن صحة هذا القـياس أو نفـيه يتوقـف بالنتيجة على اقتناع المحكمة به، ومن ثم علـى النتـيجة التـي يتوصل إليها القاضي في عمله.
14 ـ مراحل سير المحاكمة في القضايا الجزائية: إذا كان خط سير المحاكمات المدنية هو ذاته مهما كان نوع النزاع وموضوعه والخصوم فيه، فان خط سير المحاكمات الجزائية يمكن ان يختلف باختلاف نوع الجرم والجهة التي حركت الدعوى العامة
وبالفعل إذا كان الجرم هو من نوع الجناية فان سير المحاكمة لا بد ان يمر بقاضي التحقيق ثم بالهيئة الاتهامية التي تحيل القضية والمتهم أمام محكمة الجنايات.
فبإمكان المتضرر أن يتقدم بشكوى مباشرة مقرونة باتخاذ صفة الادعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق يحرك بها الدعوى العامة، فيضع قاضي التحقيق يده على القضية ويباشر التحقيقات فيها.
كـذلك يمكن للنيابة العامة ان تتحرك تلقائياً او بناءً لإخبار أو شكوى وتُجْري تحقيقات أولية بــواسطة الضابطة العدلية وتنتهي بنتيجة تلك التحقيقات إلى الادعاء، على من تشتبه بهم، أمام قاضي التحقيق
وبعد ان ينتهي قاضي التحقيق من تحقيقاته واذا وجد الأدلة كافية بحق المدعى عليه، فعندها يصدر قراراً يعتبر فيه الفعل من نوع الجناية ويحيل الملف الى الهيئة الاتهامية
تدرس الهيئة الاتهامية الملف، واذا وجدت قرار قاضي التحقيق في محله، فعندها تصدر قراراً اتهامياً تحيل المتهم بموجبه مع الملف الى محكمة الجنايات لتجري المحاكمة العلنية والوجاهية أمامها.
أما إذا كان الفعل من نوع الجنحة فان خط سير المحاكمة يختلف باختلاف الخيار الذي يمكن ان يأخذه من حرَّك الدعوى العامة سواء كان المتضرر أو النيابة العامة ذاتها تلقائياً او بناء لطلب المتضرر
وبالفعل يمكن للمتضرر ان يتقدم بشكوى مباشرة مقرونة بصفة الادعـاء الشخصي أمام قاضي التحقيق، وبعد ان يتم قاضي التحقيق تحقيقاته واذا وجد الأدلة كافية بحق المدعى عليه فيصدر قراراً يظن فيه بالمدعى عليـه بانه ارتكب الجرم ويقرر ايجاب محاكمته أمام القاضي المنفرد الجزائي.
كما يمكن للنيابة العامة تلقائياً او بناءً لإخبار او شكوى ان تجري تحقيقات أولية تدّعي بنتيجتها إمّا مباشـرة أمام القاضي المنفرد الجزائي وإمّا أمام قاضي التحقيق، وعندها تجري التحقيقات ويصدر القرار عن قاضي التحقيق وفقاً لما ذكرناه أعلاه.
كذلك يمكن للمتضرر ان يختصر كل تلك المراحل ويتخذ صفة الادعاء الشخصي مباشرة أمام القاضي المنفرد الجزائي وفي كل الحالات المتقدمة يكون القاضي المنفرد الجزائي وضع يده أصولاً على القضية. وهنا لا بد من الإشارة الى انه يغلب على المحاكمة الجزائية، الطابع الشفاهي بحيث تتـضاءل اهميـة اللوائح الكتابية بعكس ما هو الوضع في المـحاكمات المدنية، من هنا تكون المرافعة اكثر أهمية في القضايا الجزائية.