الدكتور حلمي محمد الحجار14/03/1994 // مجلة العدل
دراسة منشورة في مجلة العدل لعام 1994 العدد الاول صفحة 97 من باب الدراسات
الطعن بالاحكام بطريق الاستئناف
او التمييز في الدعاوى القابلة للتقدير
1 – الطعن بالحكم القضائي بطريق الاستئناف او التمييز: الحكم القضائي كأي نتاج بشري، يمكن أن تعتريه بعض العيوب سواء لجهة الخطأ في تقدير العناصر الواقعية أو لجهة الخطأ في تفسير القانون او تطبيقه او لجهة الإجراءات التي بني عليها. واصلاح تلك العيوب لا يتم الا بسلوك طرق الطعن التي اجازها القانون ضد الحكم. ويعتبر الطعن بطريق الاستئناف والطعن بطريق التمييز او النقض اهم طريقين من طرق الطعن.
والاستئناف هو طريق طعن عادي يحيل بواسطته، من يتظلم من حكم صادر عن قضاة الدرجة الأولى، النزاع والحكم أمام قضاة الدرجة الثانية طالباً تقويم الحكم الذي يتظلم منه، وبالتالي إن الاستئناف هو «طعن يقدم إلى محكمة الدرجة الثانية بقصد إبطال أو تعديل حكم صادر عن محكمة الدرجة الأولى» (المادة /683/ أ.م.م. الحالي والمادة /542/ أ.م.م. الفرنسي).
في حين ان الطعن بطريق التمييز أو النقض هو طعن يقدم أمام محكمة عليا هي محكمة التمييز أو النقض( ) بهدف نقض القرارات القضائية بسبب مخالفتها للقواعد القانونية (المادة/703/أ.م.م.). ويخضع النقض بالحكم او القرار القضائي سواء بطريق الاستئناف او التمييز لشروط حددها القانون، وبين تلك الشروط ان تبلغ قيمة الدعوى القابلة للتقدير حدا معينا، فقد اعتبر المشترع انه عندما تقل قيمة النزاع عن هذا الحد فلا يكون له من الاهمية ما يبرر الفسح في المجال للطعن به بطريق الاستئناف او النقض وذلك حتى لا تنشغل محكمة الاستئناف او التمييز بمثل تلك القضايا القليلة الاهمية وبالتالي حتى توفر جهدها للقضايا الاهم.
ان الحد الذي يفسح في المجال للطعن بالحكم بطريق الاستئناف او التمييز كان دوما موضع تعديل نظرا للتضخم المطرد في قيمة النقد الوطني.
2 - الأحكام والقرارات القابلة للطعن مبدئيا بطريق الاستئناف او التمييز تبعا لقيمة النزاع ـــ التعديل المتلاحق للقيمة التعديل الأخير الصادر عام 1992: كان قانون أصول المحاكمات المدنية القديم، كما تعدّل بقانون التنظيم القضائي لعام 1961، يحدد نصاب الاستئناف في الدعاوى القابلة للتقدير بألف ل.ل، كذلك كان قانون التنظيم القضائي لعام 1961 يحدد نصاب التمييز بألفي ل.ل. إلاّ إذا كان الطعن يستند إلى بعض الأسباب المحددة حصراً في القانون.
صدر قانون أصول المحاكمات المدنية عام /1983/ بالمرسوم الاشتراعي رقم 90/83 ورفع نصاب الاستئناف إلى خمسة آلاف ل.ل ونصاب التمييز إلى عشرة آلاف ل.ل، ثم عُدِّلت القيمة عام 1985 بالمرسوم الاشتراعي رقم 20/85 ورُفِعَت إلى عشرة آلاف ل.ل بالنسبة للاستئناف وإلى عشرين ألف ل.ل بالنسبة للتمييز.
واخيرا صدر المرسوم رقم /2411/ تاريخ 7/5/1992 ورفع مجدداً نصاب الطعن في الدعاوى القابلة للتقدير، بطريق الاستئناف إلى ثمانماية ألف ل.ل. وبطريق النقض إلى مليون وستماية ألف ل.ل.
بالطبع إن تعديل قيمة المبالغ النقدية كان يتواكب دوماً مع التضخم المطرد في قيمة العملة الوطنية وبالتالي مع التدني الحاصل في قوتها الشرائية، وقد تنبه المشترع منذ عام 1983 إلى هذا الأمر عندما أصدر قانون أصول المحاكمات المدنية بالمرسوم الاشتراعي رقم 90/83 إذ لحظ في المادة /1026/ منه إمكانية تعديل المبالغ النقدية بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، وبالفعل نصت المادة المذكورة على ما يلي «جميع نصوص هذا القانون المتضمنة تحديداً لمبالغ نقدية يجوز تعديلها بالنسبة لهذه المبالغ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل».
واستناداً للنص المتقدم صدر المرسوم 2411/92 وقبله المرسوم 791/90 ورفع قيمة المبالغ النقدية الواردة في قانون أصول المحاكمات المدنية ومن بينها المبلغ الذي يعيّن قيمة الدعوى التي يجوز الطعن بها بطريق الاستئناف أو التمييز.
ولكن فات المشترع أنه يترتب على هذا التعديل مفاعيل وأبعاداً هامة لجهة القانون الواجب تطبيقه لسلوك طرق الطعن.
3 ـــ القانون الواجب تطبيقه لسلوك طرق الطعن:إن نسبة كبيرة جداً من الدعاوى، العالقة أمام المحاكم، قُدِّمَت في ظل قانون 1983 بصيغته الأصلية أي عندما كان نصاب الطعن بطريق الاستئناف خمسة آلاف ل.ل وبطريق النقض عشرة آلاف ل.ل أو بعد تعديله عام /1985/ برفع قيمة نصاب الطعن بطريق الاستئناف إلى عشرة آلاف ل.ل ونصاب الطعن بطريق التمييز إلى عشرين ألف ل.ل، مع وجود قسم آخر من الدعاوى مقدم قبل عام /1983/ عندما كان نصاب الطعن بطريق الاستئناف ألف ل.ل ونصاب الطعن بطريق التمييز ألفي ل.ل، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا لجهة القانون الواجب تطبيقه لسلوك طرق الطعن هو التالي: هل نأخذ بعين الاعتبار، لسلوك طرق الطعن، بالقيمة المحددة في القانون الذي كان سارياً بتاريخ تقديم الدعوى أو بالقيمة المحددة في القانون الذي أضحى سارياً عند صدور الحكم؟
للإجابة على السؤال المتقدم لا بد من الرجوع إلى مبدأ في أصول المحاكمات المدنية هو مبدأ التطبيق الفوري لقواعد أصول المحاكمات واستثناءات هذا المبدأ.
إن مبدأ التطبيق الفوري يفرض تطبيق القانون الحالي على كل الدعاوى التي ما زالت عالقة ولم يصدر حكم مُنْهي للخصومة فيها، وبالتالي فإن جميع الدعاوى التي كانت عالقة أمام المحاكم عام 1992، والمقدمة في ظل نصوص تعاقبت بتعديل قيمة الدعوى التي يجوز الطعن فيها بطريق الاستئناف أو التمييز، لا يجوز الطعن فيها، بعد سريان المرسوم 2411/92، بطريق الاستئناف إلا إذا تجاوزت قيمتها ثمانماية ألف ل.ل. ما لم يكن الطعن مسنداً لعدم الاختصاص الوظيفي أو النوعي أو لبطلان الحكم لعيب فيه أو لبطلان الإجراءات التي بني عليها الحكم، أو للتناقض في منطوق الحكم، أو لإغفال الفصل في أحد المطالب أو الحكم بما لم يدع به أو بأكثر مما ادعي به، كذلك لا يجوز الطعن فيها بطريق النقض إلا إذا تجاوزت قيمتها مليون وستماية ألف ل.ل، ما لم يكن الطعن مسنداً لمخالفة قواعد الاختصاص الوظيفي أو النوعي أو التناقض في الفقرة الحكمية للقرار الواحد أو إغفال الفصل في أحد المطالب أو الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه أو التناقض بين حكمين صادرين بالدرجة الأخيرة في ذات الدعوى عن محكمتين مختلفتين أو عن محكمة واحدة. (المادة 641 أ.م.م. بالنسبة للاستئناف والمادة 709 أ.م.م. بالنسبة للتمييز).
أما إذا كان الطعن مسنداً لمخالفة القانون أو لفقدان الأساس القانوني أو لتشويه المستندات، وهي الأسباب الأهم والأكثر وقوعاً في الأحكام والقرارات القضائية، فإن الطعن لا يقبل لمجرد أن القيمة هي دون الحدود المعينة في المرسوم 2411/92.
والنتيجة التي تترتب على السياق القانوني المتقدم هي أن الدعاوى التي كانت عالقة منذ ما قبل صدور المرسوم 2411/92 والتي لم يكن صدر حكم بشأنها قبل سريان هذا المرسوم، لا يمكن الطعن بها بطريق الاستئناف إلا إذا تجاوز قيمتها ثمانماية ألف ل.ل.وبطريق التمييز إلا إذا تجاوزت قيمتها مليون وستماية ألف ل.ل.( )، وكما ذكرنا في مطلع هذا البند أن نسبة كبيرة جداً من الدعاوى العالقة أمام المحاكم اليوم قدمت قبل عام /1992/ وفي أكثر الأحيان بقيمة رقمية بالليرات اللبنانية أقل من القيمة المحددة في المرسوم 2411/92 مع أن قيمتها الفعلية بتاريخ صدور الحكم تتجاوز أضعاف أضعاف القيمة الرقمية، فهل يعتد في هذه الحالة لتقدير القيمة ومن أجل ولوج طرق الطعن بالقيمة الموازية للمدعى به بالليرات اللبنانية بتاريخ تقديم الدعوى أم بتاريخ صدور الحكم؟
للاجابة على السؤال المتقدم لا بد من الرجوع الى مبدأ في اصول المحاكمات المدنية هو مبدأ التطبيق الفوري لقواعد اصول المحاكمات اواسثناءات هذا المبدا.
وبمقتضى المبدا المتقدم تسري قواعد اصول المحاكمة مبدئيا فورا، حتى ولو كانت الدعوى اقيمت قبل ذلك، بشرط ان تكون الدعوى ما زالت عالقة امام المحكمة ولم يصدر فيها قرار يتعلق بالاساس، وقد كرس قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني المبدا بنص صريح متبينا بذلك احدث ما توصل اليه العلم والاجتهاد في هذا المجال، وبالفعل نصت المادة /5/ منه على ما يلي : تسري قوانين اصول المحاكمات الجديدة فورا على ما لم يك قد فصل فيه من الدعاوى او تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها وبالتالي فان القواعد المتعلقة بالاصول – بالمعنى الضيق لكلمة اصول – تطبق فور صدورها، ولكن المبدا المتقدم يحتمل بعض الاسثناءات ، وقد بينت المادة /5/ تلك الاستثناءات صراحة اذ اضافت : وتستثنى من ذلك – اي من التطبيق الفوري:
1- القوانين المعدلة للاختصاص متى كان تاريخ العمل بها لاحقا لختام المحاكم في الدعوى او لصدور حكم فصل في مسالة متعلقة بالموضوع.
2- القوانين المعدلة للمهل متى كانت المهلة قد بدات قبل العمل بها.
3- القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الاحكام او القرارات التحكيمية قبل تاريخ العمل بها متى كانت هذه القوانين ملغية او منشئة من تلك الطرق.
4- القوانين المنظمة للتنفيذ الجبري بالنسبة لما صدر من الاحكام والقرارات قبل تاريخ العمل بها متى كانت هذه القوانين تجيز التنفيذ او تمنعه.
ويعنينا هنا فقط، ولغرض هذه الدراسة، المبدأ والاستثناء الثالث الموضوع عليه لانه من خلال المبدا وهذا الاستثناء، يتحدد القانون الواجب اعماله لسلوك طرق الطعن. ان مبدأ التطبيق الفوري يفرض تطبيق القانون الجديد على كل الدعاوى التي ما زالت عالقة ولم يصدر حكم منهي للخصومة فيها وبالتالي جميع الدعاوى التي ما زالت عالقة امام المحاكم والمقدمة في ظل نصوص تعاقبت بتعديل قيمة الدعاوى التي يجوز الطعن فيها بطريق الاستئناف او التمييز، ان جميع تلك الدعاوى لا يجوز الطعن فيها، بعد سريان المرسوم 2411/92 ، بطريق الاستئناف الا اذا تجاوزت قيمتها ثمانماية الف ل.ل. ما لم يكن الطعن مسندا لعدم الاختصاص الوظيفي او النوعي او لبطلان الحكم لعيب فيه او لبطلان الاجراءات التي بني عليها الحكم، او للتناقض في منطوق الحكم، او لاغفال الفصل في احد المطالب او الحكم بما لم يدع به او باكثر مما ادعي به، كذلك لا يجوز الطعن فيها بطريق النقض الا اذا تجاوزت قيمتها مليون وستماية الف ل.ل. ، ما لم يكن الطعن مسندا لمخالفة قواعد الاختصاص الوظيفي او النوعي او التناقض في الفقرة الحكمية للقرار الواحد او اغفال الفصل في احد المطالب او الحكم بما لم يطلبه الخصوم او باكثر مما طلبوه او التناقض بين حكمين صادرين بالدرجة الاخيرة في ذات الدعوى عم محكمتين مختلفتين او عن محكمة واحدة. (المادة 641 أ.م.م. بالنسبة للاستئناف والمادة 709 أ.م.م. بالنسبة للتمييز).
اما اذا كان الطعن مسندا لمخالفة القانون او لفقدان الاساس القانوني او لتشويه المستندات، وهي الاسباب الاهم والاكثر وقوعا في الاحكام والقرارات القضائية، فان الطعن لا يقبل لمجرد ان القيمة هي دون الحدود المعينة في المرسوم 2411/92.
ان الاستثناء لمبدأ التطبيق الفوري لقواعد اصول المحاكمة بالنسبة لطرق الطعن ينصب فقط على الاحكام والقرارات التي صدرت قبل سريان القانون الذي رفع القيمة، ومبرر هذا الاستثناء هو ان طرق الطعن تشكل خاصية حقيقية ملازمة للحكم نفسه، وهنا يجب الاخذ بعين الاعتبار تاريخ صدور الحكم وليس تاريخ تبليغه.
والنتيجة التي تترتب على السياق القانوني المتقدم هي ان الدعاوى التي كانت عالقة منذ ما قبل صدور المرسوم 2411/92 والتي لم يكن صدر حكم بشانها قبل سريان هذا المرسوم، لا يمكن الطعن بها بطريق الاستئناف الا اذا تجاوزت قيمتها مليون وستماية الف ل.ل. وبطريق التمييز الا اذا تجاوزت قيمتها مليون وستماية الف ل.ل. وكما ذكرنا في مطلع هذا البند ان نسبة كبيرة جدا من الدعاوى العالقة امام محاكم اليوم قدمت قبل عام /1992/ وفي اكثر الاحيان بقيمة رقمية بالليرات اللبنانية اقل من القيمة المحددة في المرسوم 2411/92 مع ان قيمتها الفعلية بتاريخ صدور الحكم تتجاوز اضعاف اضعاف القيمة الرقمية ، فهل يعتد في هذه الحالة لتقدير القيمة ومن اجل ولوج طرق الطعن بالقيمة الموازية للمدعى به بالليرات اللبنانية بتاريخ تقديم الدعوى ام بتاريخ صدور الحكم؟
4 ـــ التاريخ الواجب إعتماده لتقدير القيمة: لم يكن قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني الصادر عام 1933 يتضمن قواعد عامة بشان تقدير قيمة الدعوى بل كان يتضمن بعض القواعد من اجل تعيين الاختصاص ومدى قابلية الحكم للاستئناف، وكانت المادة /23/ منه تنص على انه عندما يجب تقدير قيمة الدعوى لاجل تعيين الصلاحية او مبلغ الاستئناف يجري التقدير غلى المنوال التالي:
".. اذا كان المراد من الدعوى الحكم بتسليم بضاعة عينا فبالنظر الى ثمن البضاعة بحسب اسعار السوق في يوم تقديم الطلب..".
اما قانون اصول المحاكمات المدنية الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 90/83 فقد خصص ضمن الباب الاول المتعلق بالدعوى فصلا مستقلا لتقدير قيمة النزاع (الفصل السادس المواد 69 الى 71) وتعتبر بالتالي تلك النصوص احكاما عامة بموضوع تقدير قيمة الدعوى.
وما يعنينا هنا، ولغرض هذه الدراسة، هي القواعد المتعلقة بالتاريخ الواجب اعتماده لتقدير القيمة، هل هو تاريخ تقديم الطلب، او تاريخ صدور الحكم؟
نصت المادة /69/أ.م.م.على ان العبرة في تقديم قيمة النزاع بالطلبات الواردة في الاستحضار واللوائح.
كذلك تضمنت المادة /70/ انه ينظر في تقدير قيمة النزاع الى:
- قيمة الطلب الاصلي دون الاعتداد مما يستحق بعد اقامة الدعوى من فوائد ونفقات وتعويضات وغيرها من الملحقات.
- قيمة السند المشترك سواء كان الشركاء فيه دائنين او مدينين.
- قيمة الحق المثبت في السند اذا اقيمت الدعوى بابطاله او الغائه او فسخه.
- قيمة البضاعة بحسب سعرها يوم الادعاء.
ويتبين من النصوص السابقة ان تقدير القيمة يجري بتاريخ تقديم الدعوى فاذا كان موضوع الدعوى يتعلق بسند او بابطال عقد او الغائه فالعبرة هي للقيمة الواردة في هذا العقد او السند، وهذا الحل الذي اخذ به القانون اللبناني يمكن تأييده لان من شانه ان يؤمن استقرار عناصر الدعوى التي يترتب عليها نتائج قانونية على صعيد القانون القضائي الخاص في المجالات التالية: الاختصاص، مدى قابلية الحكم للطعن، تحديد الرسم المتوجب.
فتقدير قيمة الدعوى بتاريخ تقديمها يجعل عنصر القيمة ثابتا غير متحرك ولا يتاثر بالتالي بالوقت الذي تستغرقه المحاكمة او بالتقلبات التي تطرا على سعر الحق موضوع الطلب. وتبعا لذلك اذا كان موضوع الدعوى يستند الى حق محددة قيمته بالعملة الاجنبية فيعتد بسعر صرف تلك العملة بتاريخ تقديم الدعوى. وقد صدر قرار حديث عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز، يكرس الوجهة المتقدمة، ورد فيه ما يلي:
"حيث ان العبرة على ضوء المادة /69/أ.م.م. لتقدير قيمة النزاع بالطلبات الواردة في الاستحضار واللوائح ومن الطبيعي ان تحدد قيمة المطلوب بتاريخ تقديم الطلب به دون الاتفات الى تدني سعر صرف العملة لاحقا بالنسبة لليرة اللبنانيى والا بقي الاختصاص متارجحا تبعا لتقلبات هذا السعر.
وحيث انه لا خلاف على ان قيمة المطلوب الوارد اصلا في الاستحضار كانت على اساس سعر الفرنك الفرنسي بذلك التاريخ.. فيعتد بهذه القيمة مهما كانت تقلبات سعر القطع لاحقا.
5 ـــ مفاعيل وأبعاد رفع القيمة على سلوك طرق الطعن قفل باب الطعن بطريق الاستئناف أو التمييز بالنسبة للقسم الأكبر من الدعاوى التي ما زالت عالقة أمام المحاكم: من أجل استجلاء مفاعيل وأبعاد رفع القيمة على سلوك طرق الطعن لا بد من التذكير بأنواع الدعاوى العالقة أمام المحاكم والتي تنعكس عليها رفع القيمة، والتي يمكن تصنيفها ضمن الفئات التالية:
1- هناك قسم من الدعاوى ينصب موضوعها على طلب الحكم بمبلغ محدد من النقود.
2- هناك قسم آخر من الدعاوى ينصب موضوعها على طلب تنفيذ التزام تعاقدي، مثلا بيع مال معين ـــ منقولا كان هذا المال او غير منقول ـــ كعقد بيع ايجار على عقار.
3- هناك قسم ثالث من الدعاوى ينصب موضوعها على طلب ابطال او الغاء او فسخ عقد واقع على مال معين.
4- هناك قسم رابع من الدعاوى ينصب موضوعها على طلب تمليك مال معين سندا لاحكام قانونية تقر ذلك، مثلا شفعة على عقار.
فما هي مفاعيل وابعاد رفع القيمة على كل من فئات الدعاوى الاربعة المذكورة؟
بالنسبة للفئة الأولى أي الدعاوي التي ينصب موضوعها على طلب الحكم بمبلغ محدد من النقود، فإن مفعول رفع القيمة يكون واضحاً إذ أن مدى قابلية الحكم للطعن بطريق الاستئناف أو التمييز تتوقف على المبلغ المطالب به، فإذا كان هذا المبلغ بتاريخ صدور الحكم يجيز الطعن فعندها يقبل الطعن والعكس بالعكس، مثلاً إذا كان موضوع الدعوى ينصب على المطالبة بمبلغ مليون ل.ل فإن الحكم الصادر بعد سريان المرسوم 2411/92 يقبل الطعن فقط بطريق الاستئناف ولا يقبل الطعن بطريق التمييز ما لم يكن الطعن مسنداً لعدم الاختصاص الوظيفي أو النوعي أو التناقض في الفقرة الحكمية أو إغفال الفصل في أحد المطالب، أو الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه أو التناقضبين حكمين صادرين بالدرجة الأخيرة في ذات الدعوى عن محكمتين مختلفتين أو عن محكمة واحدة. وفي الواقع إن هذا المفعول لا يتضمن أية أبعاد غير منطقية إذ أن الدعوى التي تكون ضمن حدود تلك القيمة لم يعد لها من الأهمية على ضوء التضخم الحاصل في قيمة النقد الوطني وانخفاض القيمة الشرائية له ما يبرر السماح بسلوك طريق الطعن بطريق التمييز. ولكن الواقع أن مثل تلك الدعاوى أي التي ينصب موضوعها على طلب الحكم بمبلغ محدد من النقود، وهي تشكل نسبة لا بأس بها من الدعاوى الموجودة في أقلام المحاكم والمقدمة خلال الثمانينات أو قبل ذلك، قد تركها أصحابها لتلاشي قيمة الحق بسبب التضخم وتدني قيمة النقد الوطني.
أما بالنسبة للفئات الأخرى من الدعاوى نظير الدعاوى التي ينصب موضوعها على طلب تنفيذ عقد واقع على مال معين أو إبطال أو فسخ أو إلغاء هذا العقد أو طلب شفعة العقار موضوع العقد، فإن مفعول رفع القيمة ينطوي على أبعاد خطيرة وغير منطقية وآية ذلك أن رفع القيمة يفضي إلى قفل باب الطعن بطريق الاستئناف في كل مرة تكون قيمة السند أو العقد محددة بالليرات اللبنانية في فترة كانت الليرة اللبنانية لا زالت محافظة على قوتها الشرائية، ونضرب هنا مثالاً عن عقد بيع على عقار جرى في بداية الثمانينات أو قبل ذلك حدد فيه ثمن العقار بستماية ألف ل.ل. أي ما يوازي في حينه مئتي ألف دولاراً أميركياً، وقدّمت دعوى في أوائل الثمانينات بموضوع تنفيذ العقد أو إلغائه أو إبطاله أو شفعة العقار موضوع العقد، فإذا كانت الدعوى لا زالت عالقة أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الاستئناف عند صدور المرسوم رقم 2411/92، فإن الحكم الذي سيصدر بعد ذلك لن يكون قابلاً للطعن بطريق الاستئناف، وبأولى درجة بطريق التمييز، إذا كان صادراً عن محكمة الدرجة الأولى كما لن يكون قابلاً للطعن بطريق التمييز إذا كان صادراً عن محكمة الاستئناف وبالتالي يضحى حكم محكمة الدرجة الأولى أو قرار محكمة الاستئناف مبرماً منذ صدوره ولا يمكن الطعن به إلا للأسباب المبينة في المادة /641/ أ.م.م. بالنسبة للاستئناف والمادة /709/ أ.م.م. بالنسبة للتمييز، رغم أن القيمة الفعلية للمال المتنازع عليه تفوق أضعاف أضعاف الحد المسموح ضمنه الطعن بطريق الاستئناف أو التمييز، في حين لو أن التعاقد على هذا المال حصل بتاريخ حديث وبعد حصول التضخم لكانت الدعوى تقبل الاستئناف أو التمييز، وقد صدر بتاريخ 26/1/1993 قرار عن الغرفة الثانية في محكمة التمييز اللبنانية( ) أخذ، بحق، بهذه الوجهة واستند في حيثياته إلى مبدأ التطبيق الفوري لقواعد أصول المحاكمات وشروط إعمال هذا المبدأ وقواعد تقدير قيمة الدعوى، ونظراً لكون هذا القرار يوضح أبعاد رفع القيمة على سلوك طرق الطعن نورد المقاطع التالية منه:
«وبما أنه يقتضى الآن معرفة ما إذا كان القرار الاستئنافي المطعون فيه الصادر بتاريخ 30/7/1990 أي بعد صدور قانون أصول المحاكمات المدنية بالمرسوم الاشتراعي رقم 90/83 والمعدل بالمرسوم الاشتراعي رقم 20/85 خاضعاً للأصول والمبادىء والقواعد المستمدة من قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد الذي صدر في ظله القرار الاستئنافي المطعون فيه، أم أنه خاضع لقانون أصول المحاكمات المدنية القديم رغم انتهاء مفعوله، على أساس أن عقد الاتفاق موضوع النزاع تنظم بين الفريقين بتاريخ 2/10/1972 وأن الدعوى الابتدائية قدمت بتاريخ 7 تشرين الثاني /1974/، أي بتاريخ كان قانون أصول المحاكمات المدنية السابق ساري المفعول.
وبما أن قانون أصول المحاكمات المدنية قد لحظ هذه الحالة في المادة /5/، إذ نص على أن قوانين الأصول الجديدة تسري فوراً على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى قبل تاريخ العمل بها على أنه استثنى حصراً من أحكام هذه القاعدة بعض القوانين ومن جملتها القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة فقط لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بهذه القوانين.
وبما أن القاعدة التي نصت عنها المادة /5/ أصول مدنية والمشار إليها جاءت متوافقة مع المبادىء التي ترعى تنازع القوانين في الزمان والتي تجمع على أن طرق الطعن وقابلية الحكم للطعن بتلك الطرق تعيّن وفقاً لأحكام القانون السائدة وقت صدوره، وأن العبرة بالنسبة لطرق الطعن هي في تاريخ صدور القرار وليس لتاريخ تقديم الدعوى أو تبليغ القرار (بهذا المعنى مثلاً المادة /101/ من قانون التنظيم القضائي الصادر في 10 أيار 1950 التي نصت على أن القرارات القضائية الصادرة بعد وضع هذا القانون موضع التنفيذ تخضع من حيث إعادة المحاكمة للتشريع الجديد الذي وضعته المادة /91/ من القانون المذكور).
وبما أنه تأسيساً على ما تقدم، يُقتضى القول إنه بعد أن انتهى مفعول قانون أصول المحاكمات المدنية القديم بموجب المادة /1030/ من القانون الحالي، ودخل القانون الحالي حيّز التطبيق ووضع أصولاً ومبادىء وقواعد جديدة لا سيما بالنسبة لقابلية القرارات الاستئنافية للطعن عن طريق التمييز، ومنها ما يتعلق بقيمة النزاع، فإن هذا القانون هو الواجب التطبيق فور وضعه موضع التنفيذ،على كل الدعاوى التي لم تصدر أحكامها بتاريخ سابق لتاريخ وقوعه نافذاً.
وبما أنه لا يرد بأن الدعاوى تخضع للقوانين التي في ظلها صار تقديمها بداعي أنه تكتمل آنذاك حالة قضائية معينة قائمة (Situation juridique établie) تولي المدعي حقاً مكتسباً، لا يرد بذلك، لأنه يقتضى التفريق بين القوانين المتعلقة بالموضوع (Lois de fond) وبين القوانين المتعلقة بالأصول (Lois de procédure) فليس من حق مكتسب في هذه الحالة الأخيرة، خارجاً عن الاستئناءات المعينة في المادة /5/ من قانون أصول المحاكمات المدنية.
وبما أن القرار الاستئنافي المطعون فيه قد صدر بتاريخ 20 تموز 1990 أي بتاريخ لم يعد فيه نافذاً قانون أصول المحاكمات المدنية القديم، فإن هذا القرار لا يكون قابلاً للطعن تمييزاً وفقاً للقواعد المرعية الإجراء، إلا الأسباب الثاني والثالث والرابع والخامس( ) من الأسباب المبينة في المادة /708/ أصول مدنية جديدة كما جاء في المادة /709/ التي تليها باعتبار أن قيمة المنازع به كما تحددت في عقد الاتفاق وفي الادعاء لا تتجاوز الحد المبين في المادة المذكورة».
وقد أشرنا في الطبعة الثالثة من هذا الكتاب إلى أبعاد التضخم وتدنى قيمة النقد الوطني على سلوك طرق الطعن، وبالأحض بالنسبة إلى الدعاوى التي يكون موضوعها الغاء أو فسخ أو تنفيذ عقد واقع على مال منقول أو غير منقول أو طلب شفعة عقار( ) وما شابه من الدعاوى التي لم تعد قابلة للطعن بطريق الاستئناف إلا إذا كانت القيمة المذكورة في العقد أو السند( ) تتجاوز الثمانماية ألف ل.ل وبطريق التمييز إلا إذا تجاوزت القيمة مليون وستماية ألف ل.ل ولو كان تاريخ العقد أو السند يعود لتاريخ كانت فيه الليرة اللبنانية محافظة على قوتها الشرائية ومن ثم ولو كانت قيمة المال المتنازع عليه بتاريخ صدور الحكم لا زالت تتجاوز بأضعاف النصاب المحدد للاستئناف أو التمييز وذلك على ضوء المرسوم رقم /2411/92 وعلى ضوء مبدأ التطبيق الفورى لقواعد أصول المحاكمات (راجع الطبعة الثالثة من هذا الكتاب ج2 ص 239 وما يليها).
وأكثر من ذلك، إن الدعاوى التي تتعلق بعقود يعود تاريخها إلى وقت كانت فيه الليرة اللبنانية محافظة على قوتها الشرائية هي في الواقع بحدود تقل عن عشرة ملايين ل.ل. وبالتالي فإنها إذا كانت لا زالت عالقة أمام محكمة الدرجة الأولى فسيصدر الحكم فيها عن القاضي المنفرد ويكون الحكم مبرماً منذ صدوره إلا إذا توفر سبب للطعن استئنافاً من الأسباب المحددة في المادة /641/ أ.م.م.