المحامي الدكتور حلمي الحجار06/11/2019
التكليف والتأليف بين الشرعية légitimité الشعبية والقانونية légalité الدستورية
1- القانونية تنطبق على الشرعية الشكلية السائدة في الدولة: يتولى السلطة في الدولة عادة أعضاء وأجهزة وفقاً للكيفية التي يحددها النظام السياسي والقانوني السائد في الدولة. فالدستور يحدد كيفية تولية السلطات في الدولة ويفرض على تلك السلطات التقيد بالنظام القانوني السائد عند ممارستها لوظائفها.
وانطلاقاً من هذا الوضع يضحي عمل أعضاء السلطة وأجهزتها شرعياً وقانونياً فـي نفس الـوقت، ويمنع علـى المحكومين التفلت من النظام القانوني السائد أو تغييره. فهنا تندغم الشرعية مع القانونية، على الأقل من الناحية الشكلية، لأن توليه الحكام تمت وفقاً للنظام الأساســي فـي الدولة المتمثل، في الدول العصرية، بالدستور. ذلك انه منذ اللحظة التي يصبح فيها الدستور مرعياً ومسلماً به، لا يعود من حق الأفراد السعي لتولي السلطة عن طريق القوة، بل إن ذلك لا يمكن أن يحصل بصورة شرعية إلا وفقاً للأصول المحددة في الدستور، ومن ثم فإن تغيير شخص الحاكم لا يمكن أن يحصل إلا وفقاً لأحكام الدستور، فالنظام السائد في الدولة هو الذي يضفي على أعمال الحاكم صفة الشرعية ومن ثم فن الحاكم يستمد سلطته مباشرة من القانون السائد في الدولة.
ولكن عندما تزول السلطة القائمة وفقاً للنظام السياسي والقانوني السائد في الدولة او على الاقل عندما تهتز تلك السلطة سواء بنتيجة ظروف خارجية معينة كأن يتم احتلال الدولة من قبل دولة أجنبية وتُحَل مؤسساتها الدستورية أو يعتقل أو يقتل أشخاص الحاكمين، أو سواء بنتيجة ثورة داخلية تقوض أركان النظام السياسي والقانوني السائد داخل الدولة فكيف تتم المطابقة بين الشرعية والقانونية؟
2 - الشرعية الواقعية والقانونية: بغياب السلطة الشرعية التي قامت وفقاً للنظام السياسي والقانوني السائد في الدولة، تتولى السلطة أحياناً مجالس أو هيئات ثورية تنبثق من الأمر الواقع، وهي تسمى في أغلب الأحيان بحكومة الأمر الواقع Gouvernément de fait ou de facto).
وتقوم تلك السلطة بتسيير أمور الدولة وتتخذ قرارات لا تكون متطابقة مع النظام الذي كان سائداً في الدولة، وبالتالي تعتبر تلك الأعمال غير قانونية من وجهة نظر ذلك النظام: ولكن متى استتب الوضع لسلطة الأمر الواقع فإنها تكون قد ولدت شرعية جديدة تكون هي المنطلق لتقدير القانونية.
وتختلف النظرة إلى شرعية تلك السلطة من الناحيتين الداخلية والخارجية. فمن الناحية الداخلية تكتسب تلك السلطة صفة الشرعية من خلال قدرتها على بسط سلطتها داخل الدولة وخضوع أكثرية المواطنين لها( M Duverger, Contrib. Aaccent l'étude de la légitimité des gouv. de fait, Rev. du dr. puplic, 1945, p.69.)
أما من الناحية الخارجية فلا تكتسب تلك السلطة صفة الشرعية إلا بعد الاعتراف Reconnaissance بها من قبل الدول الأخرىGeorges Burdeau, Droit const. et inst. politiques, p.43/44.)
3 ـــ موضع التكليف والتأليف بين القانونية والشرعية في ضوء الحراك الشعبي: رغم ان بعض الشعارات التي طرحت كان اسقاط النظام او كُلّن اي جميع السلطات القائمة في الدولة اي الوصول الى شرعية جديدة على غرار ما يحصل في الثورات والانقلابات، إلاّ ان مثل تلك الشعارات كان فيها كثير من المبالغة لان الحراك الحقيقي العاقل في الشارع كان يهدف الى تغيير حكومي ضمن الأطر الدستورية القائمة، وهذا ما ظهر على ارض الواقع فور استقالة رئيس مجلس الوزراء، من هنا يطرح السؤال التالي: ضمن اي حدود يجب ان تدور استشارات التكليف والتأليف بين القانونية الدستورية التي يفترض ان يتم التغيير من خلالها، وبين الشرعية الشعبية التي عبر عنها الحراك الشعبي في الشارع؟
(أ) استشارات التكليف يجب ان تبقى في اطار القانونية الدستورية: وهذا يعني ان عبارة كلن يعني كلن لا محل لها في هذه الاستشارات، ذلك ان الرئاسات الثلاثة الاولى في الدولة ستبقى في اطارها القانوني والدستوري، ومن المتفق عليه بين جميع القوى السياسية انه سبق تكوين السطة في تولية الرئاسات الثلاثة توازنات يجب ان تبقى على حالها الى ان يكون بالإمكان احداث تغيير في الرئاسات الثلاثة بعد انتخابات نيابية جديدة بحيث يحصل التغيير ضمن الاطار الدستوري، وهذا ناتج عن كون التعديل الدستوري الذي حصل بعد اتفاق الطائف احدث تعديلاً جوهرياً في التوازن والتعاون بين الرئاسات الثلاثة، ذلك انه قبل الطائف كانت الرئاسة الاولى وحدها هي التي تظهر بمظهر السلطة المستقرة التي لا يمكن تغييرها مدة ست سنوات في حين ان رئاسة مجلس النواب كانت تنتخب لسنة واحدة، كما انه لم يكن هناك كيان مستقل لرئاسة الحكومة بل ان رئيس الجمهورية كان يعين الوزراء ويسمي منهم رئيساً.
جاء التعديل الدستوري بعد الطائف وجعل مدة ولاية رئيس مجلس النواب هي ذات مدة ولاية المجلس اي اربع سنوات بعد تعديل المادة 44 من الدستور، كما جعل رئاسة مجلس الوزراء مؤسسة دستورية حدد صلاحيتها بشكل واضح في المادة 64 من الدستور.
من هنا يصح القول ان الاطار الدستوري الذي وافق الحراك في الشارع ان يبقى التغيير في ضمن حدوه يفرض ان تيقى استشارات التكليف ضمن هذا الاطار. ولكن ماذا عن استشارات التأليف
(ب) استشارات التأليف يجب ان تراعي الشرعية الشعبية التي ظهرت في الشارع: تجمع القوى والاحزاب الفاعلة على ارض الواقع كما تجمع السلطات الدستورية التي وافق الحراك الشعبي على ان يجري التغيير في اطارها على ان هذا التغيير يجب ان ينصب على طريقة اختيار الوزراء وتكوين الحكومة، وبالفعل ان فخامة رئيس الجمهورية قال في كلمته بمناسبة نصف الولاية انه يجب اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم، كما ان الامين العام لحزب اللله قال في كلمته في اليوم التالي لكلمة رئيس الجمهورية ان على الحكومة المقبلة الاستماع الى صوت الناس. ومننافل القول ان الاتيان بحكومة تستمع الى صوت الناس يفرض اولاً ان تدور استشارات التاليف في هذا الاطار بحيث يكون صوت النواب صدى لصوت الناس القائل بحكومة من الكفاءات بعيداً عن المحاصصة السياسية وغير محصنة باية حماية سياسية او طائفية في حال فاحت من اي من اعضائها رائحة بالفساد، ومثل هذه الحكومة لاتحتاج الى كثير من المشاورات، ذلك انه يكفي ان يُطلب من النواب اعطاء اسماء من اشخاص مشهود لهم؛ ولفخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس سعد الحريري تجربة في هذا المجال عند اختيار الرئيس سهيل عبود رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، والجميع يعلم كيف كان الصدى الايجابي لهذا الاختيار.
ومن ثم يمكن ان تدور استشارات التاليف في هذا الاطار، وإذا كان لي ان اعطي مثالاً على ذلك، فاقول في مجال اختصاصي كرجل قانون، لو تم اختيار البروفسور فايز الحاج شاهين كوزير للعدل فان صدى هذا الاختيار سيكون مماثلاً لاختيار الرئيس سهيل عبود، كذلك طرح البعض اختيار رئيس او مدير الصليب الاحمر اللبناني، وانا لا اعرف اي منهم شخصيا ولكن ارى افعالهم على الارض. ومن ثم اذا كان ما قاله المسؤولون عن سماعهم صوت الشارع صادقاً فلتدور استشارات التاليف في هذا الجو لتنبثق من تلك الاستشارات حكومة لا تدين بالولاء لاي من الساسة اوالاحزاب السياسية او الطائفية، فتظهر كحكومة متضامنة جاهزة للمحاسبة من مجلس النواب كما يفرضه النظام البرلماني المنصوص عنه في الدستور اللبناني، ودون ان تحظى بحماية اي حزب او اي رئيس في حال فاحت منها او من احدها رائحة الفساد.