الدكتور حلمي محمد الحجار01/01/2004
تمهيد
221 ـ تسمية الأسباب الخاصة ـ تعدادها: إذا كانت جميع قوانين أصول المحاكمات تعتبر أن مخالفة أيّة قاعدة قانونيّة أو الخطأ في تطبيقها أو تفسيرها، وفي أيّ قانون وردت، يمكن أن يشكّل سبباً للنقض إلاّ أن أكثر القوانين العصرية تضيف إلى جانب السبب العام المتمثّل بمخالفة القانون أسباباً أخرى للنقض مستمدّة إجمالاً من مخالفة قواعد قانونيّة واردة في قوانين أصول المحاكمات المدنيّة أو الجزائية.
وكان الفقه يشير دوماً إلى أسباب النقض المستمدّة من مخالفة قواعد أصولية ويصنّفها ضمن فئات، وبالفعل كان التصنيف التقليدي لأسباب النقض في فرنسا يضيف إلى سبب النقض المتمثّل بمخالفة القانون أسباب النقض المستمدّة من مخالفة قواعد أصولية وهي التالية:
عدم الإختصاص وتجاوز حدّ السلطة.
عدم مراعاة الشكليات.
التناقض بين الأحكام( ).
ولكن يؤخذ على التصنيف المتقدّم أنه لم يكن يشمل أسباباً أخرى للنقض كانت معتمدة تقليدياً من قبل محكمة النقض الفرنسية كسبب النقض المعروف بفقدان الأساس القانوني أو سبب النقض المتمثّل بالتشويه، وتبعاً لذلك ذهب الفقيه الفرنسي (Ernest Faye) إلى تصنيف أسباب النقض المستمدّة من مخالفة قواعد واردة في قوانين أصول المحاكمات إلى فئتين:
الفئة الأولى: كان يعتبرها تندرج ضمن مخالفة القانون ويصنّفها كفئة واحدة مع سبب النقض المتمثّل بمخالفة القانون، وهي تشمل:
عدم الإختصاص وتجاوز حدّ السلطة.
التناقض بين الأحكام.
الفئة الثانية: مخالفة قواعد الشكليات وهو يُدْرج ضمنها:
العيوب المتعلّقة بالتعليل.
فقدان الأساس القانوني.
إلاّ أن Faye إستبعد من التصنيف السبب المتعلّق بالتشويه( )، وذلك بسبب عدائه لنظرية التشويه وإدانته لها( ).
وقد ذكرنا أن قانون أصول المحاكمات المدنيّة الفرنسي الحالي لم يعمد إلى تعداد أسباب النقض بل إكتفى بتحديد دور محكمة النقض في الرقابة القانونيّة (راجع البند 19).
في حين أن أكثر قوانين أصول المحاكمات المدنيّة والجزائية في الدول العربيّة عمدت إجمالاً إلى تعداد أسباب النقض المستمدّة من مخالفة قواعد قانونيّة واردة في قوانين أصول المحاكمات المدنيّة أو الجزائية؛ وبالفعل ورد في قانون أصول المحاكمات المدنيّة اللبناني الحالي أن أسباب النقض في المواد المدنيّة، إلى جانب مخالفة القانون (راجع البند 20 وما يليه)، هي التالية:
مخالفة قواعد الإختصاص الوظيفي أو النوعي.
التناقض في الفقرة الحكميّة للقرار الواحد بحيث يستحيل تنفيذه.
إغفال الفصل في أحد المطالب.
الحكم بما لم يَطْلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طَلبوه.
فقدان الأساس القانوني للقرار المطعون فيه بحيث جاءت أسبابه الواقعيّة غير كافية أو غير واضحة لإسناد الحلّ القانوني المقرّر فيه.
تشويه مضمون المستندات بذكر وقائع خلافاً لما وردت عليه فيها أو بمناقضة المعنى الواضح والصريح لنصوصها.
التناقض بين حكمين صادرين بالدرجة الأخيرة في ذات الدعوى عن محكمتين مختلفتين أو عن محكمة واحدة.
كذلك أن أكثر التشريعات العربيّة توسّعت في تعداد أسباب النقض المرتبطة بقواعد مستمدّة من قوانين أصول المحاكمات (راجع البند 21 وما يليه)، ولكن رغم الإختلاف في تعداد تلك الأسباب إلاّ انها تبقى مشمولة بالتصنيف التقليدي لأسباب النقض، سواء وردت تلك الأسباب ضمن التعداد الوارد في القانون أم لم تَرِدْ، لأن كلّ الأسباب المستمدّة من مخالفة قواعد أصولية يمكن إعتبارها أسباباً خاصة، إلى جانب السبب العام المتمثّل بمخالفة القانون.
وقد إعتبرنا أن هذه الأسباب هي أسباب خاصة بالمقارنة مع السبب المتمثّل بمخالفة القانون الذي يشكّل سبباً عأما للنقض، وذلك لأن كلّ سببٍ من الأسباب المستمدّة من مخالفة قواعد أصول المحاكمات يشكّل سبباً مستقلاً وقائماً بذاته ويفترق عن غيره من الأسباب الخاصة ومن ثمّ يمكن تأسيس طلب النقض على أيّ من تلك الأسباب.
وكانت عبارة الأسباب الخاصة معروفة في فرنسا بالإستناد إلى المادّة /77/ من قانون /27/ فاندوز من السنة الثامنة للثورة التي كانت تنصّ على أن عدم الإختصاص وتجاوز حدّ السلطة هي أسباب خاصة للنقض( ) (راجع البند 223).
222 ـ تصنيف أسباب النقض المستمدّة من مخالفة قواعد أصولية ـ تقسيم: إن أسباب النقض الخاصة المستمدّة من مخالفة قواعد أصولية والوارد تعدادها في قوانين أصول المحاكمات المدنيّة والجزائية في لبنان وبقيّة البلدان العربيّة تبقى إجمالاً متوافقة مع التصنيف التقليدي لتلك الأسباب، وذلك بالرغم من الإختلاف في تعداد تلك الأسباب. بمعنى أن الإختلاف في تعداد أسباب النقض لا يستتبع بالضرورة إختلافاً في الحلول.
وبالفعل إذا عدنا إلى التعداد الوارد في قانوني أصول المحاكمات المدنيّة والجزائية في لبنان بالمقارنة مع التعداد الوارد في القوانين العربيّة ومع التقسيمات الفقهية المعتمدة في فرنسا، نجد أن أسباب النقض الخاصة المرتبطة بقواعد أصولية هي التالية:
عدم الإختصاص وتجاوز حدّ السلطة.
الأسباب المرتبطة بالتعليل.
الأسباب المرتبطة بشكليات المحاكمة والحكم.
فقدان الأساس القانوني.
التشويه.
الأسباب المرتبطة بمخالفة قواعد البتّ بالمطالب.
التناقض بين الأحكام.
وقد صنّف الفقه التقليدي، كما ذكرنا، تلك الأسباب من خلال معايير مختلفة إلاّ أنه يمكننا إعْتماد تصنيف تقني آخر ينطلق من الأجزاء التي يتألّف منها الحكم القضائي.
وبالفعل يتألّف الحكم القضائي من قسمين رئيسيين: الأوّل هو التعليل والثاني هو الفقرة الحكميّة أو منطوق الحكم، وقد حدّد القانون اللبناني القواعد التي يجب أن تلتزمها المحكمة على صعيدي التعليل والفقرة الحكميّة في المادّة 537/3 أ.م.م. (راجع البند 397 وما يليه).
ومن ثمّ فإن المخالفات التي يمكن أن تقع في الحكم القضائي قد ترد ضمن أسباب الحكم أو ضمن الفقرة الحكميّة.
وتشمل أسباب النقض التي يمكن أن تقع في الفقرة الحكميّة أو في منطوق الحكم مخالفة قواعد الإختصاص ومخالفة قواعد البتّ بالمطالب والتناقض في منطوق الأحكام.
أمّا أسباب النقض التي يمكن أن تقع في أسباب الحكم فتشمل عيوب التعليل وفقدان الأساس القانوني والتشويه ويلحق بها المخالفات المتعلّقة بالشكليات.
وسنعتمد هذا المعيار في تقسيم البحث المتعلّق بأسباب النقض الخاصة، مع تخصيص باب مستقلّ لبحث السبب المُسْند لمخالفة قواعد الإختصاص بالنظر للمشاكل الكثيرة التي يثيرها هذا السبب.
وتبعاً لذلك سنبحث في سبب النقض المتمثّل بمخالفة قواعد الإختصاص وتجاوز حدّ السلطة (الباب الأوّل) ثمّ في أسباب النقض التي يمكن أن تقع في الفقرة الحكميّة (الباب الثاني) وأخيراً في أسباب النقض التي يمكن أن تظهر في أسباب الحكم أو التعليل (الباب الثالث).