الدكتور حلمي محمد الحجار01/01/2004
السلطة في الدسـتور اللبنانـي
مـن
الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثالثة
المشاركة في السلطة
الشعب ـ الأرض ـ الطوائف ـ الإتحادية ـ الطائفية السياسية وإلغاؤها
ـ وثيقة الوفاق الوطني ـ إتحادية الطوائف ـ مجلس الشيوخ ـ
قانون الإنتخاب
تأليـــــــــف
المحامي حلمي محمد الحجار
دكتور في الحقوق
أستاذ في كليات الحقوق
قاضٍ سابق
جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف
بيــروت
الطبعة الأولى
1425هـ ـ 2004 م
ملخص فهرس الكتاب
الأعداد تشير إلى أرقام البنود ضمن الكتاب
مقدّمة.......................................................... 1
القسم الأوّل: المشاركة في السلطة............................... 15
تمهيد........................................................... 20
الباب الأوّل: العوامل الضاغطة في وضــع قواعد
المشاركة في تكوين السلطة وممارستها
الفصل الأول: الأرض.................................. 21
الفقرة الأولى: الأرض (Le Territoire)
كعنصر من عناصر الدولة...... 22
الفقرة الثانية: أرض الدولة اللبنانية............ 26
الفصل الثاني: الشعب ( La population)............ 29
الفقرة الأولى: وحدة الشعب اللبناني........... 33
الفقرة الثانية: إنتماء الشعب اللبناني
إلـى طوائف متعددة............ 46
الباب الثاني: طرق المشاركة في السلطة..................... 52
الفصل الأول: المشاركة في السلطة على أساس
جعل لبنـان دولـة إتحاديــة........ 54
الفقرة الأولى: طرح الإتحادية ومبرراتها..... 55
الفقرة الثانية: الإتحادية مشروع لتقسيم
لبنان إلى دويلات طائفية...... 60
الفصل الثاني:وحدانية الدولة وتأمين
المشاركة في السلطة.................. 71
الفقرة الأولى: تأمين مشاركة الطوائف في
في السلطة في الجمهوريتين
الأولى والثانيـة عن طريـق
صيغة الطائفية السياسية....... 72
الفقرة الثانية: المشاركة في السلطة في
الجمهورية الثالثة العتيدة
عن طريق وحدانية الدولة
وإتحاديــة الطــوائف..... 84
الفصل الثالث: الإنتخاب هو الوســـيلة
للمشاركة في تكوين السلطة
وممارستها ـ قانون الإنتخاب......... 99
الفقرة الأولى: قوانين الإنتخاب
المتعاقبة في لبنان............. 101
الفقرة الثانية: النظام المقترح للإنتخابات ـ
دائــرة فرديــة ضمـن
لبنــان دائـــرة واحدة... 113
تقديم الطبعة الأولى
لقد أبصرت النور قبيل إعلان الإستقلال ومن ثم عشت مع أبناء جيلي أحداثاً مؤلمة تلاحقت على امتداد فترات طويلة بدءاً من ثورة /1958/ وانتهاءً بالأحداث المؤلمة التي حصلت منذ مطلع السبعينيات واستمرت لغاية نهاية الثمانينيات من القرن الماضي حيث إنتهت عام /1989/ مع إقرار وثيقة الوفاق الوطني في الطائف )1(
ولكن بعد إتفاق الطائف الذي استبشر اللبنانيون به خيراً، لم يستقر الوضع الدستوري تماماً، خصوصاً بعد أن وصل الأمر في النصف الثاني من ولاية الرئيس إِميل لحود إلى حد صعوبة انعقاد مجلس الوزراء إلاّ بوساطة ورعاية من الشقيقة سوريا، وهذا ما يدفع المواطن اللبناني إلى التفكير عما سيكون عليه الوضع في حال لم يتدخل الراعي السوري لتأمين إنتظام عمل السلطات )2(
من هنا بدأت أفكر بتناول الدستور اللبناني بالبحث لمعرفة ما إذا كان هذا الدستور هو الأفضل على ضوء المبادئ المستقرة في القانون الدستوري وعلى ضوء طبيعة الشعب والأرض في لبنان، أم أن هذا الدستور يعتريه خلل لا بد من إصلاحه.
ومن ثم كان وضعي لهذا الكتاب من منطلق كوني مواطناً لبنانياً وأَحَد أفراد الشعب اللبناني وباحثاً عن مشروعٍ لبناء وطن، على أمل أن لا يعاني أولاد وأحفاد أبناء جيلي ما عاناه آباؤهم وأجدادهم على إمتداد سنوات حياتهم، وعلى أمل أن يتذكّر أصحاب السلطان الحكمة القائلة « لو دامت لغيرك ما وصلت إليك » وتالياً أن يفكروا بأولادهم وأحفادهم ويتذكّروا أن أكثر أولاد وأحفاد من سبقهم في السلطة عاد وعانى ما عاناه بقية أفراد الشعب اللبناني
وقد صدرت هذه الطبعة بعد أن كان مرّ حوالي خمسة عشر عاماً على وثيقة الوفاق الوطني وصدور القانون الدستوري رقم 18/90، ومن ثم كان لا بد لهذه الطبعة أن تأخذ بعين الإعتبار التعديلات الدستورية الصادرة بموجب القانون رقم 18/90، ومسار الحياة السياسية منذ هذا التعديل ولغاية صدور هذه الطبعة.
بيروت في 12/10/2004
المؤلف
مقدّمــة
1ـ تعريف الدستور ـ المفهوم القانوني والمفهوم السياسي للدستور: بمجرد أن يكون هناك تمييز بين السلطة وبين الأشخاص الذين يمارسونها يكون للدولة دستور، وآية ذلك أن الأشخاص الذين يمارسون السلطة لا يتحصّل لهم ذلك لصفات شخصية عالقة بهم بل لصفة وظيفية توفّرت لهم عن طريق توليتهم السلطة بموجب نظام محدد.
فالدستور بالمعنى المادي هو مجموعة الأحكام المتعلقة بتنظيم الدولة أي بتعيين الأشخاص الذين يمارسون السلطة وتحديد إختصاصاتهم وكيفية توليتهم والعلاقة بينهم.
أمّا بالمعنى الشكلي، فالدستور يعني مجموعة القواعد التي تكون أسمى من كل القواعد المرعية في الدولة بحيث لا تكون بحاجة لأن تُؤسس على أية قاعدة أخرى، في حين تشكّل أساساً لبقية القواعد القانونية )1(
ولكن إلى جانب هذا التعريف يوجد تعريف آخر للدستور له بعد أيديولوجي، وهذا التعريف يماثل الدستور بشكل من أشكال تنظيم السلطة السياسية، فهو الذي يضمن الحريات العامة بوضعه حدوداً لسلطة الحاكم إزاء المحكوم.
ومما لا شك فيه هو أن التعريف الأخير يتعلق بخيار سياسي أكثر مما يتعلق بتعريف موضوعي للدستور، ولكن تبقى مع ذلك لهذا التعريف فائدة تتمثل بإدخال النظام الدستوري ( régime constitutionnel)، ضمن مصطلحات القانون العام، تدليلاً على شكل معين من أشكال تقييد السلطة)1(
والدستور يمكن أن يتخذ شكل الدستور المكتوب، كما يمكن أن ينجم عن أعراف دستورية مرعية في الدولة؛ وينتمي الدستور اللبناني إلى فئة الدساتير المكتوبة.
2 ـ مضمون الدستور اللبناني: صدر الدستور اللبناني بتاريخ 23/5/1926، وقد أُدخلت عليه عدة تعديلات كان أهمها التعديل الذي جرى بتاريخ 17/10/1927 وهو يتعلق بإلغاء مجلس الشيوخ، ثم التعديل الذي تم بتاريخ 9/11/1943 وهو يتعلق بإلغاء أو تعديل النصوص التي لا تأتلف مع الإستقلال بعد زوال الإنتداب الفرنسي وبداية العهد الإستقلالي، وأخيراً التعديل الذي تم بتاريخ 21/9/1990 تنفيذاً لوثيقة الوفاق الوطني التي اقرّها النواب في الطائف في تشرين الأول من العام /1989/
ويتألف الدستور اللبناني من مئة ومادتين تتوزع على ستة أبواب:
الباب الأول: يتضمن أحكاماً أساسية وهو يقسم إلى فصلين، الأول يتعلق بالدولة وأراضيها ( المواد 1 إلى 5) والثاني يتعلق باللبنانيين وحقوقهم وواجباتهم ( المواد 6 إلى 15).
الباب الثاني: يتعلق بالسلطات وهو يقسم إلى أربعة فصول، الفصل الأول يتناول الأحكام العامة (المواد 16 إلى 21)، والثاني يتناول السلطة المشترعة ( المواد 22 إلى 25)، والثالث يتناول أحكاماً عامة في السلطة المشترعة ( المواد 26 إلى 48)، والرابع يتناول السلطة الإجرائية ( المواد 49 إلى 72).
الباب الثالث: يتعلق بإنتخاب رئيس الجمهورية ( المواد 73 إلى 75)، وتعديل الدستور( المواد 76 إلى 79).
الباب الرابع: وهو يتعلق بتأليف المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ( المادة 80) وبالمالية ( المواد 81 إلى 89).
الباب الخامس: كان يتعلق بالدولة المنتدبة وبعصبة الأمم (المواد 90 إلى 94 ) وقد ألغيت بتاريخ 9/11/1943 و 21/1/1947.
الباب السادس: وهو يتضمن أحكاماً نهائية ومؤقتة ( المواد 95 إلى 102).
3 ـ تقسيم العهود الجمهورية من الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثالثة: يمكن تقسيم العهود الجمهورية في لبنان من خلال التعديلات التي طرأت على الدستور اللبناني، بعد وضعه عام /1926/ ولغاية اليوم، وأحدثت تغييراً في بعض جوانب النظام السياسي والحياة السياسية فيه.
وعلى الأساس المتقدم، يمكن إعتبار العهد الجمهوري الأول بدأ مع إقرار الدستور اللبناني عام /1926/ وإستمر لغاية 9/11/1943 حيث أُلغيت المواد المتعلقة بالدولة المنتدبة وبعصبة الأمم ( المواد 90 إلى 94) ودخل بعدها لبنان في عهد جمهوري جديد هو عهد الإستقلال إبتداءً من 22/11/1943.
ومن ثم وبعد العهد الجمهوري المُحْكى عنه دخلنا في عهد الإستقلال الذي إستمر لغاية التعديل الدستوري الذي تم بموجب القانون الدستوري رقم /18/ تاريخ 21/9/1990 تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني التي أقرها النواب في الطائف في تشرين الأول من العام /1989/، حيث بدأ عهد جمهوري جديد.
ولكن التعديل الذي تم بموجب القانون رقم 18/90 لحظ فترة إنتقالية تُلْغى بعدها الطائفية السياسية ( المادّة 95 المعدلة) ويستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية ( المادّة 22 المعدلة)، ولا شك أنه عند تطبيق النص المتقدم سيبدأ عهد جمهوري جديد تختلف فيه الحياة السياسية والمشاركة فيها عن العهود السابقة.
وهذا يعني أن التسلسل التاريخي لتطور الحياة الدستورية في لبنان بلغ حتى الآن ثلاث مراحل هي التالية:
ـ المرحلة الأولى: بدأت مع وضع الدستور اللبناني عام /1926/ وإستمرت لغاية فجر الإستقلال عام /1943/.
ـ المرحلة الثانية: هي التي إمتدت منذ فجر الإستقلال ولغاية صدور التعديل الدستوري عام /1990/ على أثر إتفاق الطائف.
ـ المرحلة الثالثة: هي التي بدأت مع تطبيق التعديل الدستوري عام /1990/، وهي ما زالت مستمرة لغاية تاريخ وضع هذا الكتاب، ولكن هذه المرحلة هي مرحلة إنتقالية، يفترض أن تبدأ بعد إنتهائها مرحلة جديدة.
ـ المرحلة الرابعة: هي التي ستبدأ مع إلغاء الطائفية السياسية وإستحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية تطبيقاً للتعديل الدستوري الحاصل عام /1990/.
وهذا يعني أن الجمهورية التي برز نظامها بعد عام /1990/ يمكن إعتبارها الجمهورية الثالثة.
ولكن جرياً على ما إعتادت عليه الأحاديث بوصف الجمهورية ـ بعد الطائف ـ بأنها الجمهورية الثانية )1(، سنستعمل هذا التعبير، بحيث نعني بالجمهورية الأولى، الوضع الدستوري الذي إستمر منذ وضع الدستور اللبناني عام /1926/ ولغاية صدور القانون الدستوري رقم 18/90، وبالجمهورية الثانية الوضع الدستوري الذي نشأ بعد تعديل عام /1990/ وذلك طيلة الفترة الإنتقالية، وبالجمهورية الثالثة الوضع الدستوري الذي سينشأ بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية وإلغاء الطائفية السياسية.
4 ـ المشكلة الدستورية في عهد الجمهورية الأولى: شهدت الحياة الدستورية في لبنان، منذ عهد الإستقلال وخلال قيام الجمهورية الأولى، عدة أزمات كانت تنعكس سلباً على إنتظام عمل السلطات في الدولة، وأهم تلك الأزمات كانت عام /1958/ ثم عام /1969/ ثم الأزمة الأخيرة التي بدأت منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي واستمرت لغاية إتفاق الطائف الذي حصل عام /1989/ ومن بعده التعديل الدستوري الذي صدر تطبيقاً له عام /1990/.
والمشكلة الدستورية كانت تتمثل بإضطراب عمل السلطات السياسية في الدولة سواء على صعيد السلطة التنفيذية أو على صعيد السلطة التشريعية.
على صعيد السلطة التنفيذية، بثنائيتها المعروفة ضمن النظام البرلماني، رئيس الدولة والحكومة، كانت هذه السلطة تفقد التعاون بينها أحياناً نتيجة عدم التفاهم على بعض المواقف بين رئيس الجمهورية والحكومة ـ أو على الأقل بينه وبين رئيس الحكومة وقسم من الوزراء.
وكانت الحكومة تُقْدم أحياناً على الإستقالة دون أن يقبل رئيس الجمهورية الإستقالة وتستمر البلاد فترة من الزمن في ظل حكومة مستقيلة، وقد حصل ذلك خلال المراحل التالية:
ـ خلال أحداث عام /1969/ بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية وإستقالة الرئيس رشيد كرامي الذي بقي في وضع الإستقالة حوالي تسعة أشهر وبالتالي بقيت البلاد في ظل حكومة مستقيلة حوالي السنة.
ـ كما كانت الحكومة، أحياناً أخرى تقاطع رئيس الجمهورية فلا ينعقد مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية، وهذا ما حصل خلال عهد الرئيس أمين الجميل، حيث قاطعته الحكومة منذ بداية عام /1985/ ولغاية آخر عهده.
كذلك بعد 23/9/1988، عاشت البلاد أكثر من سنتين في ظل حكومتين لا تعترف الواحدة منهما بالأخرى .
نكتفي بهذين المثالين لأنهما يمثلان الوجه الحاد للأزمة.
وعلى صعيد السلطة التشريعية وعلاقتها بالسلطة التنفيذية، كان يحصل تناقض بين المجلس النيابي وبين السلطة التنفيذية، وقد تجاوز هذا التناقض في بعض الأحيان المجلس النيابي والحكومة ليصل إلى رأس السـلطة التنفيذية أي رئيس الجمهورية)1(، فيتمنّى المجلس النيابي على رئيس الجمهورية تقديم استقالته فلا يتجاوب، وهذا ما حصل في آخر عهد الرئيس فرنجية.
وقد وصل هذا التناقض إلى حد مقاطعة المجلس النيابي لرئيس الجمهورية، وهذا ما حصل عندما قاطع الرئيس حسين الحسيني ـ رئيس مجلس النواب ـ الرئيس أمين الجميل طيلة السنوات الثلاثة الأخيرة من عهده.
وقد طالت الأزمة المجلس النيابي ذاته إذ لم يستطع أن يلتئم لينتخب رئيساً جديداً للجمهورية بعد إنتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في 23/9/1988، حيث انتهت مدة ولاية الرئيس دون أن يتمكن المجلس النيابي من إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، كما انتهت في الوقت ذاته مدة ولاية رئيس المجلس النيابي دون أن يتمكن المجلس أن يلتئم لإنتخاب رئيس جديد له.
أكثر من ذلك أَقْدم الرئيس أمين الجميل في اليوم الأخير من ولايته على تعيين حكومة جديدة لتتولى شؤون البلاد مكان الحكومة السابقة وذلك إلى حين إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، فلم تعترف الحكومة السابقة بالحكومة الجديدة ومن ثم استمرت في ممارسة صلاحياتها
وعاشت البلاد بالتالي في ظل حكومتين)1( تمارس كل منهما صلاحيات السلطة الإجرائية ولو على قسم فقط من الأراضي اللبنانية وعلى قسم فقط من الموظفين والمواطنين.
5 ـ الأسباب الداخلية والأسباب الخارجية للأزمات الدستورية في عهد الجمهورية الأولى: تعدّدت الطروحات في أسباب الأزمات الدستورية في لبنان خلال عهد الجمهورية الأولى، إذ اعتبر البعض أن سبب الأزمة هو النظام السياسي في لبنان وضرورة إجراء إصلاحات دستورية على هذا النظام، في حين اعتبر فريق آخر أن أسباب الأزمة خارجية.
إن بحث أسباب الأزمة وإرتباطها بالأسباب الداخلية أو الخارجية يخرج عن موضوع هذا الكتاب، إنما لغرض البحث لا بد من تسجيل حقيقة لا يمكن لأي بحث موضوعي أن ينكرها: إن الأزمة في جانب منها داخلية لأن الأسباب الخارجية لا يمكن أن تفعل فعلها لو لم تكن هناك أرضية خصبة في النظام اللبناني تسمح للأسباب الخارجية أن تنفذ منها.
بمعنى أنه لو كان الوضع اللبناني مُحصّناً على الصعيد الداخلي لكان يصعب تصور حصول الأزمات الدستورية، فتداخل المصالح الدولية لا يقتصر على لبنان بل يمكن أن يتناول أية دولة أخرى، وتبعاً لذلك إن الأسباب الخارجية لا تحقق أهدافها إلا إذا استفادت من عوامل داخلية ضمن الدولة ذاتها. وتبعاً لذلك يمكن الجزم بأن هناك على الأقل جانباً داخلياً من المشكلة هو وحده موضوع الكتاب.
6 ـ تعدد المشاريع التي طرحت لإدخال إصلاحات على الوضع الدستوري في عهد الجمهورية الأولى: طرحت، عبر سنوات الأزمة اللبنانية خلال عهد الجمهورية الأولى، مشاريع حلول متعددة للإصلاح السياسي بهدف إنهاء الأزمة اللبنانية وتطوير النظام القائم نذكر منها:
برنامج القوى الوطنية والتقدمية في 19/8/1975 ثم الوثيقة الدستورية التي أذاعها الرئيس سليمان فرنجية بتاريخ 14/2/1976 ثم بيان « الجبهة اللبنانية » بعد خلوة دير سيدة البير بين 21 و 23/1/1977، وبيان الجبهة اللبنانية بعد اجتماعها في دير عوكر في 23/1/1980، ثم مبادئ الوفاق الأربعة عشر التي أذاعها مجلس الوزراء اللبناني في 5/3/1980.
وأتت في السياق ذاته مبادرة الرئيس سليمان فرنجية للوفاق الوطني التي أذاعها في 25/2/1981، ثم الوثيقة التي قدمها الرئيس إِلياس سركيس والرئيس شفيق الوزان إلى مؤتمر بيت الدين في تموز /1981/.
ثم الثوابت العشرة التي أعلنها اللقاء الإسلامي في 20/9/1983، ومذكرة الرئيس صائب سلام التي قدمها إلى هيئة الحوار الوطني في جنيف بتاريخ 31/10/1983، والوثيقة الصادرة عن مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك في ختام دورته السنوية بتاريخ 8/1/1983، وبيان أركان طائفة الروم الأرثوذكس بتاريخ 18/10/1983، ومقررات تجمع الطوائف الأرمنية في لبنان بتاريخ 7/10/1983، ومذكرة الهيئة العليا للطائفة الدرزية بمطالب الدروز الوطنية السياسية والأمنية التي رفعت إلى المراجع المختصة في آب من عام /1983، ومشاريع الإصلاح المرفوعه إلى هيئة الحوار الوطني التي انعقدت في لوزان عام/1984/ وهي:
المشروع الإصلاحي لكتلة نواب الأرمن، والمشروع المشترك لحزبي الوطنيين الأحرار والكتائب اللبنانية، وورقة عمل حركة أمل من أجل الوفاق الوطني، وورقة العمل المشتركة للإصلاح السياسي المقدمة من الرؤساء والأساتذة: عادل عسيران ـ صائب سلام ـ رشيد كرامي ـ وليد جنبلاط ـ نبيه بري، وورقة عمل الرئيس أمين الجميل، ووثيقة حزب الكتلة الوطنية.
وفي السياق ذاته وقّع اتفاق ثلاثي في دمشق بتاريخ 28/12/1985 بين السيد إيلي حبيقة رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية والأستاذان الوزيرين ـ آنذاك ـ نبيه بري رئيس حركة أمل ووليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي بحضور نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام.
وقد وصلت بعض المشاريع إلى حد طرح الشكل الإتحادي للدولة اللبنانية كحل للأزمة ( راجع البند 55 وما يليه).
إلاّ أن أياً من المشاريع المُحْكى عنها لم يحظَ بالإجماع الوطني، واستمرت الأزمة إلى حين إقرار النواب اتفاق الطائف عام /1989/ ومن بعده صدور القانون الدستوري رقم /18/ تاريخ 21/9/1990.
7 ـ وثيقة الوفاق الوطني في الطائف وصدور القانون الدستوري رقم /18/ تاريخ 21/9/1990: بين 30 أيلول و 22 تشرين الأول من العام /1989/ إلتقى النواب اللبنانيون في الطائف في المملكة العربية السعودية وتواصلت إجتماعاتهم، وانكبّت لجنة من ستة عشر نائباً، إلى جانب رئيس مجلس النواب آنذاك حسين الحسيني، تدرس وتناقش الطروحات المتعددة لحل الأزمة اللبنانية وإصلاح الوضع الدستوري فيه إلى إن انتهت إلى وضع مشروع وثيقة للوفاق الوطني، أقرها النواب المجتمعون بتاريخ 22/10/1989)1(.
ثم وافق على الوثيقة مجلس النواب اللبناني في جلسته المنعقدة في بلدة القليعات في لبنان بتاريخ 5/11/1989.
واستناداً إلى الوثيقة المُحْكى عنها صدر القانون الدستوري رقم /18/ تاريخ 21/9/1990، وأدخل تعديلات دستورية في غاية الأهمية على الوضع الدستوري الذي كان سارياً طيلة عهد الجمهورية الأولى، وأهم ما في هذه التعديلات من زاوية موضوع الكتاب هو نقل السلطة الإجرائية من رئيس الجمهورية الذي كان يتولاها بمعاونة الوزراء إلى مجلس الوزراء مجتمعاً.
ولكن خلال عهدين عاشهما لبنان من عمر الجمهورية الثانية الذي بدأ مع صدور القانون الدستوري رقم 18/90، يطرح السؤال: هل أن الوضع الدستوري في عهد الجمهورية الثانية بات مُرْضياً للجميع، أم ما زالت المطالبات قائمة لإدخال إصلاحات جديدة على هذا الوضع؟
8 ـ بروز المشكلات الدستورية من جديد في عهد الجمهورية الثانية: لم يمضِ من عهد الجمهورية الثانية لغاية وضع هذا الكتاب سوى عهدين رئاسيين هما عهد الرئيس إِلياس الهراوي الممدّد وعهد الرئيس إِميل لحود قبل التمديد.
وقد بدأت تظهر منذ مطلع عهد الرئيس الهراوي بوادر مشكلات دستورية، يمكن أن يكون الرئيس إِلياس الهراوي عبّر عنها في كتاب عودة الجمهورية من الدويلات إلى الدولة بمناسبة طرحه مشروع قانون الأحوال الشخصية الإختياري إذ ذكر الرئيس الهراوي أنه عُقِدت جلسة لمجلس الوزراء بتاريخ 8/3/1998 « في أجواء متشنجة » و « تميزت بصخبها».
وبعد إقرار المشروع في مجلس الوزراء رفض الرئيس رفيق الحريري ـ بصفته رئيساً لمجلس الوزراء ـ توقيع مرسوم إحالة المشروع إلى مجلس النواب )1(.
كما أن المشاكل بالموضوع الدستوري ظهرت بشكل أكبر خلال عهد الرئيس إِميل لحود، وكانت باكورة هذه المشاكل مسألة الإستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية من أجل تسمية رئيس الحكومة عملاً بالمادّة 53/2 من الدستور.
وبالفعل بعد إنتخاب الرئيس إِميل لحود رئيساً للجمهورية عام /1998/ أجرى الإستشارات النيابية لتسمية أول رئيس حكومة في عهده، وبعد الإنتهاء من الإستشارات إتصل القصر الجمهوري برئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري من أجل إطلاعه على نتيجة الإستشارات فحضر الرئيس بري إلى القصر الجمهوري وسلمه الرئيس لحود كتاباً رسمياً يظهر أن أكثرية النواب سمّوا الرئيس رفيق الحريري.
ورغم ذلك لم يؤلف الرئيس الحريري أول حكومة بسبب مشكلة دستورية تتعلق بمعرفة ما إذا كان يجوز للنائب أن يفوّض رئيس الجمهورية تسمية رئيس الحكومة؛ ففي حين رأى الرئيس الحريري أنه لا يجوز لأحد أن يفوض رئيس الجمهورية، كان رأي الرئيس لحود أن التفويض يعتبر جائزا ً)1(.
وقد إنتهت المشكلة بإعتذار الرئيس الحريري عن تأليف الحكومة وقيام الرئيس سليم الحص بتأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس لحود، إلاّ أن الرئيس الحريري عاد بعد الإنتخابات النيابية التي جرت عام /2000/ إلى تأليف حكومة العهد الثانية وإستمر رئيساً للحكومة لغاية نهاية العهد.
وقد برزت في هذه المرحلة مشاكل دستورية في غاية الأهمية خصوصاً بين رئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية تناولتها الصحف ووسائل الإعلام، أخصها يتعلق بوضع جدول أعمال مجلس الوزراء، وترؤس جلسات مجلس الوزراء، وقد أدى ذلك أحياناً إلى شلل إنعقاد مجلس الوزراء لبعض الوقت بحيث بات إنعقاد الجلسة في جو هادئ مطلباً بحد ذاته.
ونورد هنا بعض الأمثلة من عناوين الصحف والمقالات الصحفية.
ـ « الوساطات إنتعشت بعد إنكشاف السلطة أمام خرق أمني ـ جلسة اليوم تمر بسلام فماذا عن الجلسات اللاحقة » )2(.
ـ « التهدئة مستمرة ورغبة متبادلة في تحييد مجلس الوزراء عن خلافاتهم، لحود ـ الحريري:
تضارب صلاحيات أم تواطؤ »)1(.
ـ إستعادة تقليد فرنجية: مجلس وزراء برئاسة لحود ومجمع وزاري برئاسة الحريري ـ فك الإشتباك بين الرئيسين يضمن إستقرار السلطة التنفيذية)2(.
« تجنباً لأزمات عند غياب رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة ـ رئاسة مجلس الوزراء أصبحت مرتبطة بإتفاق رضائي »)3(.
ـ « عندما يصبح لقاء رئيس الجمهورية والحكومة حدثاً ـ لحود والحريري محكومان « بالمساكنة » حتى إشعار آخر» )4(.
ـ « خلاف الرئاستين ينسحب على اللجان النيابية، غيوم الموازنة تزداد تلبداً »)5(.
ـ « حرب باردة عشية الجلسة إنتهت إلى تدخل سوري متكرر» )6(.
ـ « وقال لحود « كفانا شطارة » فإستخدم الحريري صلاحياته لتأجيل الجلسة ـ بري عاكساً إمتغاض دمشق: الخلافات مستمرة حتى الإستحقاق الرئاسي ـ مجلس الوزراء اليوم بهمة سورية» )1(.
ـ « الوسطاء عملوا حتى ساعة متقدمة من ليل الأحد ـ أزمة جدول الأعمال إنتهت بإستبعاد /33/ بنداً »)2(.
ـ « أعنف هجوم للحود على سياسات الحريري »)3(.
ولم تقتصر الخلافات حول الصلاحيات وتوتر الأجواء، داخل السلطة الإجرائية بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، بل وقع الخلاف حول الصلاحيات أحياناً بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب.
ونكتفي هنا بذكر بعض ما ورد في كتاب « نبيه بري أسكن هذا الكتاب » لمؤلفه نبيل هيثم بمناسبة تشكيل الحكومة الثانية في عهد الرئيس لحود برئاسة الرئيس رفيق الحريري حيث عمدت هذه الحكومة فور تشكيلها إلى إسترداد مشروع الموازنة العامة التي كانت الحكومة السابقة برئاسة الرئيس سليم الحص أحالته إلى مجلس النواب. وفي إطار جلسات مناقشة الموازنة يورد الرئيس نبيه بري ما يلي:
« المهم إنعقدت الجلسة على مدى أيام 29/30/31 أيار، بحيث إنتهى اليوم الثالث من هذه الجلسة، ولم نتمكن من إقرار الموازنة ... ولذلك أعلنت رفع الجلسة إلى يوم الاثنين الذي يلي مبدئياً في حال صدور مرسوم فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب ... ».
ويضيف الرئيس بري:
« إستمرت « المصادر والأوساط» في الحملة علي، وحصل بعد هذه الجلسة الأمر الأكثر غرابة، إذ أخذوا علي تحديد موعد الجلسة قبل صدور فتح الدورة الإستثنائية، وإتهموني بأنني أتعرّض لصلاحيات رئيس الجمهورية، الخلاصة أنه كان هناك إصرار على إضرام النار في العلاقة مع الرئيس لحود وأتبعوا ذلك بتأخير إصدار مرسوم فتح الدورة الإستثنائية»)1(.
وبعد إجتماع الرئيس نبيه بري بالرئيس إِميل لحود في القصر الجمهوري في بعبدا، يروي الرئيس بري أنه قال للرئيس:
ـ أريد أن أسأل، من يحاول أن يمس صلاحياتك.
ـ فأجاب الرئيس لحود: بكل صراحة، أن تعيين جلسة مناقشة الموازنة يعتبر تعدياً على صلاحياتـي ... ثم قال « حتى صلاحية فتح دورة إستثنائية لمجلس النواب، لا تتركوني أمارسها»)2(.
بالطبع هذا غيض من فيض حول الخلاف على الصلاحيات داخل السلطة الإجرائية أو بين السلطة الإجرائية والسلطة التشريعية أحياناً، وتأثير هذا الخلاف على إنتظام عمل السلطات في الدولة، إذ هناك الكثير من الخلافات التي كانت وسائل الإعلام تتداولها بشكل دائم.
وهذا يطرح للتساؤل: هل هناك خلل في تطبيق دستور الجمهورية الثانية، وهي الجمهورية الإنتقالية إلى الجمهورية الثالثة حسب إتفاق الطائف والقانون الدستوري رقم 18/90 ؟
أم أن الخلل هو في نص الدستور ذاته بحيث يقتضى تعديله ؟
9 ـ طرح بعض القوى السياسية مسألة إجراءات تعديلات دستورية: إنطلاقاً من الأزمات التي كانت تظهر في الحياة السياسية في لبنان خلال عهد الجمهورية الثانية الإنتقالية ـ وعلى الرغم من السنوات القليلة من عمر هذه الجمهورية ـ إرتفعت أصوات بعض القوى السياسية المطالبة بإجراء تعديلات دستورية وإستبدال النظام الحالي بنظام آخر، وقد واكب رجال الإعلام هذه الطروحات.
وسنكتفي هنا ببعض الأمثلة مما جاء في بعض أعداد جريدة النهار من مقالات في موضوع المطالبة بإجراء التعديلات الدستورية.
وبالفعل بتاريخ 12/6/2000 كتب الصحافي إِميل خوري مقالة في الصفحة الثانية من جريدة النهار وردت بعنوان « لأن تنفيذ بنود في الدستور ربط بإتفاق بين الرئيسين لبنان بات بحاجة إلى نظام لجمهورية جديدة »، وقد عدد صاحب المقال المواد التي إشترط فيها « إتفاق رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء »)1(.
ثم عاد الصحافي إِميل خوري وكتب مقالة ثانية بعنوان « تشابك الصلاحيات مشكلة دائمة مع رئيسين قويين ـ النظام الرئاسي وإلغاء الطائفية يلغيان الحكم برأسين» )2( ثم أتبعها بتحليل إخباري ورد بعنوان « لا معالجة للتشابك المستمر إلاّ بتعديل نصوص دستورية ـ الطائف عقّد مشكلة الصلاحيات ولم يحلها »)1( ثم كتب مقالة ثالثة بعنوان « الحل قد يتطلب تعديلات دستورية وتغييراً في النظام ـ أي مرجع لفضّ الخلافات بعد المرجع السوري؟»)2(.
وفي السياق ذاته كتب الصحافي سمير منصور مقالة بعنوان « خلافات أهل الحكم حركت دعاة التعديلات الدستورية ـ كيف السبيل إلى تجنب الغموض وتعدد التفسيرات »)3(.
وجاءت مواقف رجال الإعلام مواكبة لمواقف بعض القوى السياسية التي طرحت فكرة تعديل الدستور واعتماد النظام الرئاسي بدلاً من النظام البرلماني، وقد عبر عن هذا الموقف الأستاذ وليد جنبلاط رئيس اللقاء الديموقراطي بالقول:
« إذا كان موضوع الصلاحيات جوهرياً، فهو لا يعالج بالطريقة التي عولج بها وإلاً أصيب لبنان بخلل بنيوي »، ويضيف الأستاذ وليد جنبلاط « نحن مع نظام رئاسي يكون فيه الرئيس مسيحياً ومنتخباً من الشعب بناءً على برنامج يحاسب عليه كل أربع سنوات » )4(.
كما أن الرئيس عمر كرامي أيّد اعتماد النظام الرئاسي بدلاً من النظام البرلماني بالقول إن النظام الأخير « يمكن أن يكون أصلح شيء للبنان، وأن يكون هناك رئيس واحد ينتخبه الشعب وإذ ذاك لا تعود الرئاسة محصورة بطائفة واحدة » )1(.
وقد طرحت في السنة السادسة من عهد الرئيس لحود مسألة إجراء « سلة تعديلات دستورية »، وفي هذا الإطار تساءل الرئيس رفيق الحريري « أي نظام نريد للبنان »، وبالفعل في مقالة للصحافي إِميل خوري وردت بعنوان « في إنتظار أن يُطْوى الكلام عن سلة تعديلات دستورية ـ الحريري يسأل: أي نظام نريد للبنان ؟ »، وقد ورد في المقالة ما يلي:
« في إنتظار معرفة مصير سلّة التعديلات الدستورية ومدى جديتها وهل هي مجرد إصلاحات لإزالة الخلل في الممارسة ولتحسين الأداء من دون أن يمس التوازن أم هي لإعادة النظر في توزيع الصلاحيات بين السلطات، يتساءل الرئيس الحريري أي نظام نريد للبنان؟ هل نريد نظاماً رئاسياً كما في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أم نظاماً برلمانياً كما في إيطاليا أم نظاماً كالذي وضعه دستور الطائف؟ .. »)2(.
وقد ذهب البعض إلى طرح العلمنة الشاملة وإلاّ الإتحادية كدواء شافي لمعظم مشكلات لبنان، كما ورد في مقالة الأستاذ سليم عازار بعنوان « هل لذلك من دلالة » والتـي جاءت تعليقاً وتأييداً لطرح العماد ميشال عون على « شاشة التلفزة الفضائية الحرة » بتاريخ 26/6/2004)1( لفكرة الإتحادية في لبنان كبديل عن العلمنة الكاملة.
من هذا العرض الموجز يتبين أن هناك مواقف تعتبر أنه لا بد من الإنتقال من الجمهورية الإنتقالية الثانية إلى الجمهورية الثالثة سواء بإلغاء الطائفية السياسية كما نصت عليه المادّة /95/ من الدستور بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية ( راجع البندين 74 و 84 وما يليه) أو باعتماد النظام الرئاسي بدلاً من النظام البرلماني أو بإعتماد الشكل الإتحادي في حال تعذر إلغاء الطائفية كلياً واعتماد العلمنة الشاملة ؟
من هنا نطرح المشكلة الواجب حلّها وهي تدور حول مدى ملاءمة الوضع الدستوري، الحالي أو المرتقب بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية وفق تعديل عام /1990/، لتأمين إنتظام عمل السلطات في الدولة، أم أن الحل يجب أن يتجاوز تعديل عام /1990/ وإستبدال النظام الذي أقره هذا التعديل بنظام آخر؟.
لا شك في أن هناك أموراً كانت خلافية منذ عهد الجمهورية الأولى، ولكن لا بد أيضاً من تسجيل نقطة هامة وهي أن هناك أموراً كانت دوماً موضع إتفاق بين اللبنانيين سواء في عهد الجمهورية الأولى أو في عهد الجمهورية الثانية أو حتى في الجمهورية الثالثة المرتقبة، والخيار المتفق عليه هو خيار النظام الديموقراطي ( راجع البند 42 )، وعلى ضوء الإتفاق على هذا الخيار يمكن حصر المسائل الخلافية من أجل محاولة البحث عن إيجاد الحلول المناسبة لها.
10 ـ حصر المشاكل الجديرة بالبحث ـ المشاركة في السلطة ـ تنظيم السلطة: إذا كانت الديموقراطية بأبسط تعريف لها هي حكم الشعب من قبل الشعب من أجل الشعب ( راجع البند 43)، فإن وسائل تحقيق آلية الحكم بواسطة الشعب تحتمل خيارات عديدة يحقق بعضها حكم الشعب مباشرة وذلك عن طريق ما يسمى الديموقراطية المباشرة ووسيلتها العودة مباشرة إلى الشعب لتقرير ما يراه مناسباً عن طريق ما يعرف بالإستفتاء الشعبي أو الـ Référundum، وهذه الطريقة يصعب إعتمادها في كل المسائل بالنظر لتطور المجتمعات في العصر الحديث.
من هنا وجدت وسائل أخرى لتحقيق حكم الشعب أهمها إنتخاب ممثلين عن الشعب. وقد إعتمد الدستور اللبناني منذ صدوره ولا يزال هذه الطريقة لتحقيق الديموقراطية السياسية، ولم يعتمد مبدأ الاستفتاء الشعبي في أية مسالة، وهذا يعني أن الشعب كمصدر للسلطة لا يمارسها مباشرة إنما بواسطة ممثلين عنه.
وهنا تبدأ المشكلة بالظهور في لبنان وهي تتلخص بكيفية مشاركة الشعب في تكوين السلطة وممارستها.
لقد إعتمد دستور الجمهورية الأولى والجمهورية الإنتقالية الثانية مبدأً مزدوجاً لتكوين السلطة.
ـ المبدأ الأول: الإنتخاب العام لممثلي الشعب من قبل الشعب اللبناني بمجموعه وكشعب واحد.
ـ المبدأ الثاني: توزيع مراكز السلطة على الطوائف، وهو ما عرف بالطائفية السياسية وقد كان كل من المبدأين موضع خلاف بين اللبنانيين، فتحقيق المبدأ الأول يتأثر بقانون الإنتخاب إذ إن الخيارات التي يمكن أن يعتمدها هذا القانون لجهة تقسيم الدوائر الإنتخابية والنظام الإنتخابي ذاته يمكن أن يجعل تمثيل الشعب حقيقياً أو وهمياً في بعض جوانبه.
كما أن تطبيق المبدأ الثاني جعل المواطنين من طوائف معينة يشعرون بعدم المساواة مع غيرهم من المواطنين من طوائف أخرى.
كذلك إن تنظيم عمل السلطات في الدولة والعلاقة القائمة بين أجهزة السلطة يمكن أن يحقق الديموقراطية بشكل كامل أو بشكل منقوص تبعاً للمبادئ التي يرتكز عليها هذا التنظيم.
11 ـ المنهج الذي كان معتمداً من قبل واضعي المشاريع الإصلاحية قبل الطائف والمنهج المعتمد من قبل واضعي إتفاق الطائف: كانت وضعت مشاريع عديدة لإصلاح النظام السياسي في لبنان ( راجع البند 6 ) إلى أن إنتهت هذه المشاريع ببلورة مشروع واحد هو وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّها النواب اللبنانيون في الطائف عام /1989/ والتي صدر على أساسها التعديل الدستوري عام /1990/ بموجب القانون رقم /18/ (راجع البنود 7 و 74 و84 ).
وإذا عدنا إلى جميع المشاريع المُحْكى عنها نجد أنها تنقسم إلى مجموعتين:
ـ المجموعة الأولى، هي التي كانت تطالب بإلغاء الطائفية السياسية أو تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء مجتمعاً، وفي نفس الوقت تقوية مركز رئاسة مجلس النواب.
ـ المجموعة الثانية، تعارض إلغاء الطائفية السياسية وفي نفس الوقت إبقاء المركز المتفوق لرئيس الجمهورية.
وهذا يعني أن المنهج المعتمد من قبل واضعي المشاريع الإصلاحية لم يكن منهجياً علمياً موضوعياً بل كان منهجاً محكوماً بفكرة مسبقة هي فكرة الغبن عند المسلمين الذين كانوا يطمحون لمشاركة أكبر في تكوين السلطة وممارستها، وفكرة الخوف عند المسيحيين الذين كانوا يتمسكون بالوضع المتفوق لرئيس الجمهورية في السلطة خشية أن يتقلص دورهم في الحياة السياسية في لبنان بسبب التفوق العددي للمسلمين.
ويظهر أن المنهج الذي كان معتمداً في الطائف لم يخرج كثيراً عن المنهج المُحْكى عنه ـ على الأقل بالنسبة لما تقرر للمرحلة الإنتقالية ـ إذ أبقى هذا الإتفاق ومن بعده التعديل الدستوري الذي صدر تطبيقاً له بموجب القانون رقم 18/90 على الطائفية السياسية في المرحلة الإنتقالية ( راجع البند 74) وفي نفس الوقت اعتمد نظاماً ديموقراطياً برلمانياً توافقياً بدليل ما ورد في عدة نصوص من ضرورة « توافق » رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في بعض المسائل )1(.
12 ـ نقد المنهج المتبع لغاية الآن في بحث المشاكل الدستورية في لبنان: إذا عدنا إلى المشاريع الإصلاحية التي وضعت قبل التوصل إلى إتفاق الطائف ومن بعده إلى ما تقرر في هذا الإتفاق لتبين أن المنهج المعتمد لم يكن منهجياً علمياً موضوعياً، بل كان منهجاً محكوماً بالأفكار المسبقة التي أشرنا إليها في البند السابق، ويكفي تدليلاً على ذلك أن نعطي الأمثلة التالية:
ـ المثال الأول: جعل مدة ولاية رئيس مجلس النواب مماثلة لمدة ولاية المجلس ( المادّة 44 من الدستور كما تعدلت بالقانون رقم 18/90)، فمما لا شك فيه أن تحديد المدة لم يأتِ لأن العمل البرلماني يكون أفضل متى حددت مدة ولاية الرئيس على الوجه المتقدم، بل جاء لزيادة حجم مشاركة الطائفة التي ينتمي إليها رئيس المجلس ـ الطائفة الشيعية ـ في ممارسة السلطة
ـ المثال الثاني: جعل الإستشارات النيابية مُلْزِمة لرئيس الجمهورية في تسمية رئيس مجلس الوزراء ( البند 2 من المادّة /53/ من الدستور كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90)، فهذا النص جعل رئيس مجلس الوزراء، وكأنه منتخب من قبل مجلس النواب بحيث يصبح في مركز مماثل لرئيس الجمهورية المنتخب بدوره من قبل مجلس النواب، وهذا يعني أن السلطة التنفيذية أصبحت وكأنها برأسين متساويين في الوضع الدستوري.
وبالطبع هذا يطرح للتساؤل عما إذا كان هذا الوضع الدستوري يحقق إنتظام عمل السلطة التنفيذية بشكل أفضل أم أنه يساعد على تفجير مشكلات داخل هذه السلطة )1( ؟
ـ المثال الثالث: وجوب الإتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء لتقرير بعض الأمور؛ فهل أن إنتظام عمل السـلطات يتحقق على وجه أفضل بالنص المتقدم ؟ وماذا لو لم يحصل مثل ذلك الإتفاق)2(.
إن الإتفاق بتعريفه القانوني هو «إلتئام بين مشيئة وأخرى لإنتاج مفاعيل قانونية» ( المادّة 165 من قانون الموجبات والعقود اللبناني).
وهل يمكن أن يعلق تقرير مسائل تتعلق بإنتظام عمل السلطات في الدولة على إلتئام مشيئة حاكمين قد تلتئم وقد لا تلتئم ؟
بالطبع إذا أردنا تبيّن أسباب النصوص المتقدمة نجد أنها لم تأتِ من منطلق كون إنتظام عمل السلطات يتحقق على وجه أفضل بالشكل المتقدم، بل كتسوية بين الطوائف حول مدى مشاركتها في ممارسة السلطة.
13 ـ المنهج الذي نعتمده في هذه الدراسة: إن المنهج السليم لحل أية مشكلة يفترض دراسة منهجية علمية موضوعية للمشكلة وتحديد العلم الذي تصنف ضمنه هذه المشكلة ومن ثم إعتماد منهج علمي في معالجتها. ومثل هذه الدراسة تفرض على الباحث أن يتجرد من غرضيته وميوله الشخصية وينطلق فقط من الدراسة العلمية والموضوعية للمشكلة
وإذا أردنا أن نطبق ذلك على دراسة المشكلة الدستورية في لبنان نبادر إلى القول إلى أنه يفترض بمن يرغب بدراسة المشكلة ووضع الحلول لها أن يتجرد من أية أفكار مسبقة تكون عالقة في ذهنه، عليه أن يتجرد من أية مصلحة خاصة وتالياً من إنتمائه الديني بحيث يبقى هذا الإنتماء مجرد علاقة بينه وبين الخالق دون أن يدفعه ذلك للتفكير بما هو أفضل للطائفة التي ينتمي إليها، بل يجب أن ينطلق من كونه مواطناً ينتمي إلى وطن يتساوى فيه جميع المواطنين، ومن ثم ينطلق إلى بحث المشكلة من زاوية ما هو الحل الأفضل لحل المشكلة التي يدرسها)1(
إن المشكلة الدستورية في لبنان تنتمي إلى علم قائم بذاته هو علم القانون؛ فالقانون الدستوري هو قانون، يصنف ضمن فئة القانون العام، كبقية القوانين بل هو أسمى القوانين لأنه يأتي في سلم الهرم ضمن تسلسل القواعد القانونية، ومن ثم فإن المنهج السليم لدراسة المشكلة يجب أن ينطلق من المنهج العلمي الواجب إعتماده في وضع أية قاعدة قانونية.
والقاعدة القانونية هي قاعدة سلوكية تنظّم نشاط الأفراد في المجتمع وترتَّب على مخالفتها مفاعيل قانونية، فالقاعدة القانونية ليست قاعدة إعلانية تكشف واقعاً أو تنبئ بما هو كائن، بل هي قاعدة موجهة للأفراد تبين لهم ما يجب أن يكون عليه سلوكهم في المجتمع، وذلك من خلال ما هو مقبول في المجتمع وما يؤمل فيه من تطوير لتحقيق أهداف معينة لمصلحة أفراد هذا المجتمع.
ومن ثم فإن القاعدة القانونية لا توضع عبثاً بل توضع إنطلاقاً من الحدث الإجتماعي المراد تنظيمه، فالحدث الإجتماعي ( Le fait social) كان دوماً أسبق بالظهور من القاعدة القانونية، إذ إن هذه القاعدة لم تظهر للوجود إلاّ عند البحث في تنظيم العلاقات ضمن المجتمع)1( .
من هنا يصح القول إن المنهج السليم لوضع القاعدة القانونية ـ أية قاعدة قانونية ـ هو الذي ينطلق من الحدث الإجتماعي الذي توضع القاعدة القانونية لتنظيمه، فعلم القانون يرتكز على المعطيات الطبيعية والتاريخية والجغرافية والعقلانية والمثالية، بحيث أن هذه المعطيات هي التي تهدي رجل القانون إلى القاعدة القانونية المفروض وضعها )1(.
وإذا أردنا أن نطبق المنهج المتقدم على بحث المشكلة الدستورية في لبنان وهي تنحصر بتكوين السلطة وممارستها ومشاركة الشعب بطوائفه المتعددة في ذلك، لتوجب علينا أن ننطلق من تحديد موضوع القاعدة والحدث الإجتماعي الذي تبنى عليه الدراسة.
إن موضوع القانون الدستوري هو تنظيم علاقة الحاكم بالمحكوم في ظل نظام ديموقراطي في لبنان يفرض إنبثاق السلطات العامة من الشعب بإعتباره مصدر السلطة وتالياً تنظيم عمل تلك السلطات.
والحدث الإجتماعي الذي تبنى عليه القاعدة الدستورية يتمثل بعوامل مادية ضاغطة وبعوامل مثالية، والعوامل المادية تتمثل:
أولاً بالأرض، بحيث إن طبيعة الأرض ومساحتها ومدى تعرضها لإعتداءات أو العكس يفرض أن يأتي تكوين السلطة بالشكل الذي يتناسب مع هذه الطبيعة.
وثانياً بالشعب، بحيث إن وحدة الشعب أو تعدديته يمكن أن تؤثر في كيفية مشاركته في السلطة، وهذا ما نلاحظه من إختلاف في تكوين السلطة بين الدول الإتحادية التي يتألف مواطنوها من شعوب متعددة وبين الدول البسيطة التي يتألف مواطنوها من شعب واحد.
أما العوامل المثالية فتتمثل بالقيم الدينية والأخلاقية والإجتماعية والأيديولوجية التي يؤمن بها الشعب، ومن خلال تلك العوامل يمكن للمعطيات العقلانية أن تستخلص القواعد القانونية الأسلم لتقرير كيفية إنبثاق السلطة من الشعب وكيفية تنظيم عمل السلطة.
بالطبع إن مثل البحث المتقدم لا بد أن يراعي المبادئ المستقرة في علم القانون الدستوري.
وتبعاً لذلك سنحاول أن نناقش كل الطروحات المقترحة بما في ذلك طرح إستبدال النظام البرلماني بنظام رئاسي، أو طرح الإتحادية الذي ما زال البعض يطرحه بعد تفاق الطائف كبديل عن العلمنة الكاملة )1(.
14 ـ تقسيم الكتاب: إذا كان هناك إتفاق بين جميع أفراد الشعب والطوائف والقوى السياسية في لبنان على خيار النظام الديموقراطي ومن ثم على إعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة عن طريق مشاركته في تكوين السلطة وممارستها، فإن الخلاف بقي قائماً ولا يزال حول كيفية تحقيق تلك المشاركة.
كما أنه، بعد اتفاق الطائف والتعديل الدستوري الذي حصل بالإستناد إليه عام /1990/ طرحت مسألة مدى ملاءمة النظام البرلماني لبلد مثل لبنان ومن ثم طرحت مسألة إعتماد النظام الرئاسي بدلاً منه، كما طرحت مسألة أخرى تتعلق بمدى ضمان الحريات العامة ومكافحة وإجتثاث الفساد، وكذلك ضرورة تأمين إستقلالية القضاء بشكل أفضل، وهذه المسائل تتعلق بتنظيم السلطة ذاتها.
وتبعاً لذلك سنبحث في الطريقة الفضلى للمشاركة في السلطة ( القسم الأول) ثم في تنظيم السلطة ( القسم الثاني).
القسم الأوّل
المشـاركة فـي الســلطة
تمهيد
15 ـ تعريف السلطة ـ السيادة: تعني السلطة لغوياً القدرة الفعلية على فرض الإرادة على الغير، أما من ناحية السلطة في الدولة فهي تعني سلطان الدولة على وجه التعميم، وهي بذلك ليست مجرد تنظيم للخدمات العامة في الدولة ولكنها عبارة عن كيان يعلو الأفراد ويحوز على حق السيادة عليهم )1(.
فوجود الدولة يفترض وجود سلطة ضمن هذه الدولة، وجوهر السلطة يفترض أن تكون سيدة وغير محدودة لأنه كما يقول روسو إمّا أن تكون السلطة قادرة على كل شيء وإما أن تكون غيـر قادرة على الإطـلاق)2(. ولا تكون السـلطة قادرة إلاّ عندما تستطيع أن تمارس وحدها وبشكل حصري سلطة سياسية على مجتمع يعيش ضمن حيز جغرافي محدد.
وتترادف السلطة بذلك مع السيادة، وجوهر السيادة يتنافى مع أية تبعية لسلطة أخرى كما يتنافى مع وجود أي عائق ينتصب أمامها حال ممارسة إختصاصاتها بإستثناء العوائق التي إرتضتها هي نفسها. من هنا كان إتصال السيادة بسلطة الدولة.
ويمكن أن ينظر إلى السيادة من زاويتين: الأولى خارجية من خلال علاقة الدولة بغيرها من الدول وبالتالي من زاوية القانون الدولي العام، والثانية داخلية من خلال علاقة الدولة بالمجتمع السياسي الذي تحكمه وبالتالي من زاوية القانون داخل الدولة ذاتها.
من الزاوية الخارجية: وهي تعني سيادة الدولة ( la souveraineté de l’Etat) إزاء الدول الأخرى، وتبعاً لذلك فإنها تترادف مع الإستقلال وتتنافى مع أي شكل من أشكال التبعية لأية سلطة أخرى.
من الزاوية الداخلية: وهي تعني السيادة ضمن الدولة ذاتها ( la souveraineté dans l’Etat) وتحديد الجهة التي تملكها وهي السلطة الحاكمة، فلا بد لتلك السلطة من أن تتمتع ببعض المزايا والحقوق حتى تستطيع تنظيم الحياة داخل المجتمع، وأهم تلك المزايا والحقوق:
إمتلاك السلطة التشريعية والتنظيمية، إمتلاك القوة من جيش وقوى أمن داخلي، توزيع العدالة عبر المحاكم، سك النقود، تبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول الأخرى إلى ما هنالك من مظاهر أصبحت معروفة في الدول المعاصرة، فتبدو الدولة من هذه الزاوية كملتزم لتنظيم الحياة في المجتمع)1(.
ومفهوم السيادة من الزاوية الداخلية يسلط الضوء قوياً على إمكانية ممارستها من قبل أجهزة متعددة رغم كون السيادة تبقى موحدة وغير قابلة للتجزئة تماماً كجسم الإنسان الذي يبقى واحداً رغم تعدد أعضائه.
16 ـ القبول بالسلطة ـ التناقض بين السلطة والحرية: تنبثق السلطة، بعبارة الدكتور إدمون رباط )2(، من مصدرين لا ثالث لهما: الشعب أو القوة.
ولكن من الثوابت التاريخية أن إستمرار السلطة يبقى مرهوناً بقبول المحكومين بها( راجع البند اللاحق). فالسلطة لا يمكن أن تكون غريبة عن المجتمع الذي وجدت لتحكمه، ومن ثم لا يجوز النظر إلى السلطة كقوة أتت من الغيب لتحكم المجتمع بل يجب النظر إليها كقوة تجسد المجتمع الذي تحكمه وتختصر طموحاته.
وتبعاً لذلك يفترض أن يدرك أفراد المجتمع حقيقة العلاقة القائمة بينهم وبين السلطة لأن هذا الإدراك هو الذي يحملهم على الرضوخ للسلطة والقبول بها.
ولا شك في أن القبول بالسلطة هو الشرط الجوهري لقيام الدولة وإستمرار السلطة فيها وآية ذلك أنه متى إنعدمت ثقة الأفراد بالسلطة وتحول رضوخهم لها كإذعان للقوة التي تمتلكها فإن كل قصور في القوة العسكرية سيؤدي حتماً إلى زوال السلطة وأحياناً إلى تفكك الجسم الذي حكمته تلك السلطة بقدر ما تكون وحدة ذلك الجسم محفوظة فقط بالقوة العسكرية
وليس أدل على ذلك من تفسخ وإنحلال الإمبراطوريات الكبيرة التي قامت في التاريخ على أساس القوة العسكرية وحدها وكذلك إنقراض بعض الأنظمة التي كانت تستمد وجودها ودعمها من الأجهزة الأمنية والبوليسية وحدها بمعزل عن رضى المحكومين)1(.
ومسألة القبول بالسلطة نجمت عن تفاوت إرداتين تنتميين إلى طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية، فهناك إرادة تحكم وإرادة تطيع، من هنا كان قيام الإرادة الأولى وإستمرارها رهناً بقبول الثانية لها.
وقد واجهت الأيديولوجيات الليبرالية مسألة تتعلق بالتوفيق بين السلطة والحرية لأن تلك الأيديولوجيات تعتبر أن هناك تناقضاً أساسياً بين السلطة والحرية، ووجه التناقض يكمن في أن السلطة هي قدرة وسيادة هدفها تنظيم حياة الأفراد داخل المجتمع، ولكن كل تقدم بإتجاه تحقيق هذا الهدف لا بد أن ينتقص بالضرورة من الحرية الطبيعية التي فطر الإنسان عليها، فالحرية الطبيعية تعني بالنهاية سيادة الأفراد في تدبير شؤونهم ومن ثم لا بد أن يقع تصادم بين تلك السيادة والسلطة التي إستحدثها المجتمع لتنظيم شؤونه.
وتبعاً للتناقض بين السلطة والحرية كان لا بد من إبتداع وسائل تزيل التناقض بين السلطة وبين الحرية بوجهها المزدوج، الحرية السياسية والحريات العامة.
17 ـ المشاركة في تكوين السلطة وممارستها: إذا كان إستمرار السلطة يبقى رهناً بقبول المحكومين بها( راجع البند السابق)، فإن هذا القبول يتوقف على مدى مشاركتهم في تكوين تلك السلطة ومدى مساهمتهم في ممارستها. فبقدر ما تكون المشاركة حقيقية بقدر ما يكون القبول حتمياً والعكس بالعكس.
وتتحقق مشاركة المحكومين بالسلطة، سواء على صعيد تكوينها أو على صعيد ممارستها، ضمن الدولة بمعزل عن شكلها أي سواء إتخذت الشكل الإتحادي أو الشكل الوحدي؛ إلا أن طرق تحقيق المشاركة تختلف في الدولة الإتحادية عمّا هي عليه في الدولة الموحدة، كما أن ميدان الممارسة يتسع في الأولى ويضيق في الثانية، وهذا يظهر من خلال تقسيم السلطة إلى سلطة مركزية وسلطة محلية سواء إتخذت الدولة شكل الدولة البسيطة أو شكل الدولة المركبة، وبالأخص الشكل الإتحادي وهو وحده الذي يعنينا في هذه الدراسة من بين الدول المركبة ( راجع البند 60 وما يليه)
18 ـ إختلاف طرق المشاركة في السلطة بين الدول الإتحادية وبين الدول الموحدة البسيطة: إن تقسيم الدول إلى دول إتحادية ودول موحدة بسيطة يتعلق بشكل الدولة، ويمكن أن يفهم شكل الدولة من خلال منظارين مختلفين الأول سياسي والثاني قانوني)1(.
من المنظار السياسي يعني شكل الدولة الفكرة القانونية التي تمثلها السلطة وتعمل لتحقيقها، فكل سلطة تجسّد بالنهاية فكرة قانونية معينة تعبّر إلى حد بعيد عن أفكار الأشخاص الذين وضعوا النظام السياسي للدولة، وتنطلق هذه الأفكار من خيارات فلسفية وإجتماعية معينة. وتصنف الدول من خلال هذا المنظار ضمن دول تحررية أو دول إشتراكية إلى آخر التصنيفات.
وقد ذكرنا أن خيار اللبنانيين كان مُجْمعاً على خيار النظام الديموقراطي الليبرالي ( راجع البندين 10 و 42).
أما من المنظار القانوني فيختلف معنى شكل الدولة كلياً إذ أنه يرتبط بالبنية الداخلية للسلطة. وتصنف الدول من خلال هذا المنظار ضمن دول موحدة بسيطة وضمن دول مركبة ( راجع البند 60).
إن تصنيف الدول من المنظار القانوني إلى دول بسيطة ودول مركبة يرتبط بالبنية الداخلية للسلطة حسبما تكون منبثقة ومرتبطة بجهة واحدة أو بجهات متعددة. ففي الدول البسيطة تنبثق السلطة وترتبط بجهة واحدة وتخضع لنظام قانوني واحد يتدرج من أسمى القواعد القانونية المتمثلة بالدستور إلى أدنى القواعد تسلسلاً، بمعنى أن الدولة البسيطة يسودها دستور واحد ونظام قانوني واحد يبقى متوافقاً مع أحكام الدستور، وتمارس السلطة المركزية فيها كل خصائص السيادة الداخلية أو الخارجية.
أما في الدول الإتحادية ـ وهـي وحدها التي تعنينا من بيـن الدول المـركبة )1( ـ فتتعدد الجهات التي تنبثق عنها السلطة وترتبط بها كما تخضع الحياة فيها إلى أكثر من نظام قانوني. بمعنى أن الدول الإتحادية يسودها أكثر من دستور، وتقوم فيها بالتالي أنظمة قانونية متعددة تتوافق مع أحكام الدستور، إذ تتعدد الدساتير بتعدد الدول الأعضاء بالإضافة إلى دستور تخضع له الدولة الإتحادية برمتها، وتتوزع ممارسة خصائص السيادة ضمن الدولة الإتحادية ـ على الأقل من الناحية الداخلية ـ بين جهات متعددة هي السلطة المركزية في الدولة الإتحادية والسلطات المحلية في الدول الأعضاء.
ويتحقّق مبدأ المشاركة في الدول الموحدة بشكل بسيط إنطلاقاً من المساواة التامة المفروضة بين المواطنين في التمتع بالحقوق وتحمل الواجبات ضمن حدود القانون الذي يتصف بالعمومية.
أما في الدول الإتحادية فإن مبدأ المشاركة يتخذ بعداً آخراً ينجم عن الطبيعة المزدوجة للدولة الإتحادية، فالدولة الإتحادية تظهر من جهة كدولة واحدة ومن جهة ثانية كدولة مركبة من عدة دول يجمعها الإتحاد القائم بينها ( راجع البند 60). من هنا تبرز ضرورة مشاركة جميع الوحدات والمجموعات التي تتكون منها الدولة الإتحادية في السلطة المركزية.
وبالطبع إن طبيعة الارض والشعب هي التي تتحكّم في وضع قواعد دستورية سليمة للمشاركة في السلطة على أساس الشكل الإتحادي أو الشكل البسيط الموحد للدولة
19 ـ أن وضع قواعد قانونية دستورية سليمة للمشاركة في السلطة في لبنان يجب أن يرتكز على الحدث الإجتماعي ـ العوامل الضاغطة ـ تقسيم: ذكرنا أن المنهج العلمي في وضع أية قاعدة قانونية سواء تعلقت بالقانون العام أو بالقانون الخاص، يفرض الإنطلاق من الحدث الإجتماعي الذي يفترض أن تنبت القاعدة منه
ويتمثل الحدث الإجتماعي في مجال وضع القواعد المتعلقة بالقانون الدستوري بمعطيات مادية تتمثل بالأرض والشعب وبمعطيات أيديولوجية ومثالية تتمثل بالقيم الدينية والأخلاقية والإجتماعية والأيديولوجية التي يؤمن بها هذا الشعب.
وتبعاً لذلك يصح القول إن العوامل المُحْكى عنها هي التي يجب أن تَحْكم وضع القواعد الدستورية السليمة، ومن ثم سنبحث في العوامل الضاغطة في تكوين السلطة في لبنان ( الباب الأول) لأن هذه العوامل هي التي يفترض أن تبنى عليها القواعد الفضلى لتحديد كيفية مشاركة جميع المواطنين في السلطة ( الباب الثاني).
الباب الأوّل
العوامل الضاغطة في وضع
قواعد المشاركة في تكوين السلطة وممارستها
20 ـ العوامل الضاغطة تنطلق من العناصر الأساسية التي يفترض أن تتوافر لقيام دولة: تُعبّر الدولة في العصر الحديث عن مجتمع سياسي قائم في العالم، ولا بد لأي مجتمع حتى يرتقي إلى مرتبة الدولة أن يستجمع عناصر أساسية تتمثل بثلاثة وهي: الشعب وهو يؤلف البُنية الاجتماعية التي تنبثق عنها الدولة ـ الأرض وهي التي تمثل المدى الجغرافي للدولة ـ السلطة التي تمارسها الدولة داخل حدودها.
ولا بد من توافر العناصر الثلاثة المتقدمة في أية دولة وسواء إتخذت شكل الدولة البسيطة أو الموحدة أو شكل الدولة المركبة، إلا أن ما يميز الدولة البسيطة عن الدولة الإتحادية هو وحدة عناصر الأولى وثنائية الثانية. فالدولة البسيطة تتألف من أرض واحدة وشعب واحد وتمارس مظاهر السيادة فيها سلطة واحدة.
أما الدولة الإتحادية فرغم إحتوائها على العناصر الأساسية للدولة إلا أن تلك العناصر تتصف بالثنائية، فعلى صعيد الأرض هناك أراضي الدولة الإتحادية بكاملها وهي تمثل عنصر الأرض للدولة الإتحادية، ولكن في نفس الوقت هناك أراضي كل دولة من الدول الأعضاء، كما أنه على صعيد الشعب هناك شعب الدولة الإتحادية بكامله وهو يمثل عنصر الشعب في الدولة الإتحادية ولكن في نفس الوقت هناك شعب يلتصق بأرض كل دولة من الدول الأعضاء.
ولا شك أن عنصري الأرض والشعب هما اللذان يشكلان الحدث الاجتماعي الذي تبنى عليه قواعد تكوين السلطة والمشاركة فيها.
وتبعاً لذلك سنبحث في عنصر الأرض ( الفصل الأول) ثم في عنصر الشعب ( الفصل الثاني) .
الفصل الأوّل
الأرض
21 ـ طبيعة أرض الدولة عامل مؤثّر في تحديد شكل الدولة وطرق المشاركة في السلطة: لا شك في أن طبيعة الأرض كعنصر من عناصر الدولة تفرض شكلاً معيناً للدولة وطرقاً معينة للمشاركة في تكوين السلطة وممارستها، وعلى هذا الأساس يمكن البحث في طبيعة أرض الدولة اللبنانية وما تفرضه تلك الطبيعة من قواعد للمشاركة في تكوين السلطة وممارستها.
وتبعاً لذلك سنبحث في الأرض كعنصر من عناصر الدولة ( الفقرة الأولى) ثم في أرض الدولة اللبنانية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الأرض (Le Territoire)
كعنصر من عناصر الدولة
22 ـ تعريف: تعتبر الأرض شرطاً ضرورياً لقيام الدولة، فلا توجد دولة دون أرض تقوم عليها)1(. وعنصر الأرض ليـس ضرورياً لتكوين الدولة فقط بل حتى تتمكن السلطة داخل الدولة من ممارسة صلاحياتها على تلك الأرض.
ولا تقتصر أرض الدولة على الأرض بمعناها الضيق بل هي تشمل بالإضافة إلى ذلك المدى الجوي والمدى البحري، من هنا أن حدود الدولة لا تقتصر على الحدود الأرضية بل تشمل أيضاً الحدود الجوية والحدود البحرية )1( .
وعنصر الأرض يظهر الدولة والمجموعات التي تعيش فيها كرابطة إقليمية بين جماعة من الناس يعيشون ضمن الإقليم ذاته. فالتجمع السياسي الذي يعيش ضمن إقليم واحد أي ضمن حدود دولة واحدة يشعر بذاتيته المتميزة كشعب واحد بالمقارنة مع التجمعات السياسية التي تعيش في أقاليم أخرى.
23 ـ دور الأرض كعنصر من عناصر الدولة: تلعب الأرض أدواراً ثلاثة في حياة الدولة:
ـ الدور الأول: تساهم الأرض في خلق فكرة الأمة أو الشعب، فالشعب الذي يعيش ضمن حدود إقليم واحد يشعر بالتقارب والتجانس نسبة لبقية الشعوب التي تعيش في الأقاليم الأخرى، ويساهم ذلك في خلق الشعور الوطني لدى الشعب.
ـ الدور الثاني: تلعب الأرض دوراً بل تعتبر شرطاً لتحقيق إستقلال الدولة، فالمرء لا يكون سيد نفسه إلا داخل مستقره، وخير وسيلة لتحقيق تلك الإستقلالية هي في تحديد نطاق مجالها.
ويمكن ترجمة الفكرة السابقة على الصعيد القانوني بالقول إن أرض الدولة تُحَدّد مجال إختصاصها، فكل الذين يعيشون على أرض الدولة يخضعون لنظامها القانوني. بالطبع إن تحديد إختصاص الدولة داخل حدودها يكون أكثر سهولة عندما يتناول فقط من يرتبطون بها برابطة التابعية نتيجة إرتباطهم بأرض الدولة، ولكن إقامة مواطنين أجانب يرتبطون بأقاليم أخرى يمكن أن يخلق مشاكل أكثر تعقيداً.
فأرض الدولة تؤلف المجال الطبيعي لممارسة الدولة لوظائفها، وينجم عن ذلك أن الدولة لا تستطيع ممارسة إمتيازاتها كدولة خارج حدود أرضها )1(.
وإذا كانت سيادة الدولة داخل حدودها تخولها إخضاع جميع من يقيمون على أرضها إلى قراراتها، فإن هذا المبدأ يستتبع لازمة حتمية تتلخص بوجوب إحترام كل دولة ـ حتى داخل حدودها ـ حقوق الدول الأخرى، بالنسبة للمقيمين من مواطني تلك الدول على أراضيها.
ـ الدور الثالث: إن دور الأرض لا يقتصر فقط على الوجه السلبي السابق والمتمثل بتحديد مجال إختصاص الدولة نسبة للدول الأخرى، بل له أيضاً وجه إيجابي يوفر للدولة مجال العمل داخل حدودها، فمن جهة إن الدولة التي تعمل لتأمين الإستقرار داخل حدودها بإمكانها أن توجّه بصورة أفضل نشاط الأفراد والمجموعات التي تعيش داخل تلك الحدود، ومن جهة ثانية إن من يمسك بزمام الأرض يمسك أيضاً بزمام من يقيمون عليها)1(.
24 ـ وجه الإختلاف ووجه الإتفاق بين الدول الموحدة والدول الإتحادية بالنسبة لعنصر الأرض ـ الإلتصاق بين الشعب والأرض: طالما أن عنصر الأرض يعتبر شرطاً ضرورياً من شروط قيام الدولة ( راجع البند 22)، فلا بد لهذا العنصر أن يتحقق في أية دولة سواء إتخذت شكل الدولة الموحدة أو شكل الدولة الإتحادية، فكلا الشكلين من أشكال الدول يتضمن عنصر الأرض بالإضافة إلى بقية العناصر الضرورية لقيام الدولة، من هنا يمكن القول إن الدولة الموحدة والدولة الإتحادية تتفقان في أن كلاً منهما تحتوي على عنصر الأرض كعنصر ضروري لقيام الدولة.
ولكن ما يميز أرض الدولة الإتحادية عن أرض الدولة الموحدة هو وحدة الأخيرة وثنائية الثانية.
ففي الدول الإتحادية يتصف عنصر الأرض بالثنائية نتيجة إتصاف عناصر الدولة فيها بالثنائية ( راجع البندين 61 و 85 ). فهناك أرض كل دولة من الدول الأعضاء ضمن حدودها المعترف بها من الدولة الإتحادية، ثم هناك أراضي الدولة الإتحادية التي تتكون من مجموع أراضي الدول الأعضاء، وهذا يعني أن أراضي الدولة الإتحادية منقسمة أصلاً إلى عدة أقاليم يشكل كل منها أراضي دولة قائمة بذاتها.
أمّا في الدول الموحدة فيتصف عنصر الأرض بالوحدوية نتيجة إتصاف عناصر الدولة فيها بالوحدوية (راجع البند61) فهناك أرض واحدة
لا تفصل بينها أية حدود)1(.
ولا شك في أن وحدة الأرض في الدول الموحدة وثنائيتها في الدول الإتحادية لم يكن وليد المصادفة، بل كان نتيجة لوحدة أو تعددية التجمعات السياسية التي تعيش على الأرض.
فالتجمع السياسي المتجانس كان عاملاً مساهماً في النظرة إلى وحدة الأرض، في حين أن تعددية التجمعات السياسية وتمايزها كان عاملاً مساهماً في النظرة إلى تعددية الأرض. من هنا كان الإلتصاق دوماً بين الشعب والأرض.
وهذا يعني أن التجمع السياسي الذي يؤلف وحدة متجانسة نسبة لبقية التجمعات السياسية الأخرى كان يعيش أصلاً ضمن إقليم واحد إزاء غيره من التجمعات التي كانت تعيش بدورها ضمن أقاليم أخرى.
ولعل واقع الدول الموحدة والإتحادية يثبت تلك الحقيقة، لأنه إذا كانت الإتحادية ظهرت في الأساس كرابطة بين تجمعات سياسية لتصل في النهاية بتلك التجمعات إلى مجموعة متماسكة، فإن كل تجمع من تلك التجمعات السياسية كان يعيش أصلاً ضمن إقليم واحد نسبة لبقية التجمعات السياسية الأخرى في الدولة الإتحادية.
وإن إلقاء نظرة على الدول التي تتألف منها الولايات المتحدة الأمريكية أو الإتحاد السوفياتي السابق أو الكانتونات التي يتألف منها الإتحاد السويسري ـ كدول إتحادية ـ تكفي دليلاً لتأكيد ذلك ودون حاجة لتكرار الأمثلة.
وتؤكد الحقيقة السابقة أن المشكلة التي إبتكرت الإتحادية لحلها كانت مشكلة أقاليم إزاء بعضها البعض ولم تكن يوماً مشكلة تجمعات سياسية داخل الإقليم ذاته.
وإذا كانت الأرض تعتبر عنصراً مساهماً في الشكل الإتحادي أو الوحدي للدولة، فإن هناك عوامل ضاغطة أخرى كانت تساهم بدورها بذلك، وهي ناجمة عن طبيعة ومساحة الأرض والحدود والموقع.
25 ـ العوامل المستمدة من الأرض والمؤثرة في إضفاء الشكل الإتحادي أو الموحد للدولة ـ طبيعة الأرض ـ المساحة ـ الموقع: إن الترابط بين طبيعة الأرض ومساحتها وموقعها وبين شكل الدولة الوحدي أو المركب كان دوماً حقيقة راسخة منذ أقدم العصور. فالإمبراطوريات الواسعة في التاريخ أخذت شكل الدولة المركبة في حين أن الدول المعروفة بصغر مساحتها أخذت شكل الدولة البسيطة.
وإذا كان ذلك يبدو نتيجة منطقية بالنسبة لعنصر الأرض وحده، فإنه يتأكد أكثر نظراً لإحتمال التجانس والإختلاف بين المجموعات التي تعيش على الأرض تبعاً لمساحة الأرض، إذ بقدر ما تكون مساحة الأرض صغيرة بقدر ما يكون إحتمال التجانس أكثر والعكس بالعكس.
من هنا نرى أن مساحة الأرض تنعكس أحياناً على شكل الدولة، فالشكل الإتحادي للدولة جاء أحياناً تلبية لحاجة مادية ناجمة عن مساحة الأرض الشاسعة ـ بإستثناء سويسرا التي ساهمت عوامل أخرى في جعلها دولة إتحادية ـ بينما نرى أن أكثر الدول ذات المساحة الصغيرة هي دول بسيطة موحدة.
وبالفعل عندما تكون مساحة الأرض صغيرة يسهل إتصال المواطن بالسلطة المركزية ولا يرى ضرورة لوجود سلطة محلية يتصل بها لتأمين حاجاته بدلاً من السلطة المركزية، في حين عندما تكون مساحة الأرض شاسعة يتعذر على المواطن أحياناً الوصول إلى السلطة المركزية في الوقت المناسب من هنا تحتم الضرورة وجود سلطة محلية تكون قريبة من المواطن.
كذلك إن موقع الأرض يُلْقي أحياناً بظلاله على شكل الدولة، فالدول التي لا تحميها حدود طبيعية وتكون معرضة لإعتداءات وهجمات من الدول المجاورة تكون مضطرة لإعتماد نظام مركزي قوي يحفظ وحدة البلاد ويذود عنها تجاه إعتداءات وهجمات الدول المجاورة ويمنع اقتطاع أجزاء منها.
ولا شك في أن شكل الدولة الموحدة يحقق الغرض المتقدم بشكل أفضل لأنه يجعل السلطة المركزية في وضع أقوى مما هي عليه في الدول الإتحادية.
وعلى سبيل المثال فإن الأزمات الدولية خلال تاريخ فرنسا والتهديدات من الدول المجاورة كانت عاملاً مساهماً في إضفاء وإستمرار الشكل الموحد للدولة.
في حين نرى أن موقع الأرض، الذي يجعل الدولة بمنأى عن التهديدات الخارجية من الدول المجاورة ـ كالولايات المتحدة الأمريكية ـ، كان عاملاً مساهماً في إعتماد الشكل الإتحادي للدولة.
الفقرة الثانية: أرض الدولة اللبنانية
26 ـ تحديد أرض الدولة اللبنانية: تقع أرض الدولة اللبنانية في المنطقة المعتدلة الشمالية من الكرة الأرضية في الطرف الغربي من قارة آسيا على الساحل الشرقي من البحر المتوسط، وتحدها الجمهورية العربية السورية من الشمال والشرق وفلسطين المحتلة من الجنوب والبحر المتوسط من الغرب.
وقد أورد الدستور اللبناني تحديد الأرض اللبنانية بشكل واضح في المادّة الأولى منه كما تعدلت بتاريخ 9/11/1943 وعينت حدوده على الشكل التالي:
شمالاً ـ من مصب النهر الكبير على خط يرافق مجرى النهر إلى نقطة إجتماعه بوادي خالد الصاب فيه على علو جسر القمر.
شرقاً ـ خط القمة الفاصل بين وادي خالد ووادي نهر العاصي ( أورنت) ماراً بقرى معيصرة ـ حربعاته ـ هيت ـ ابش ـ فيصان على علو قريتي برينا ومطربا، وهذا الخط تابع حدود قضاء بعلبك الشمالية من الجهة الشمالية الشرقية والجهة الجنوبية الشرقية ثم حدود أقضية بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا الشرقية.
جنوباً ـ حدود قضائي صور ومرجعيون الجنوبية الحالية
غرباً ـ البحر المتوسط.
وتفصيل الحدود بالشكل المتقدم لم يكن وارداً بالنص الأصلي للدستور إذ كانت المادّة الأولى تنص فقط على ما يلي: « لبنان الكبير دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ. أما حدوده فهي المعترف بها رسمياً من قبل حكومة الجمهورية الفرنسوية ومن لدن جمعية الأمم وهي التي تحده حالياً».
وفي جلسة مجلس النواب اللبناني المنعقدة بتاريخ 9/11/1943 تقدمت الحكومة من المجلس بمشروع قانون دستوري يقضي بتعديل مواد الدستور التي تنتقص من سيادة البلاد وتفتئت على صلاحية الهيئات الدستورية.
وجاء في فذلكة مشروع التعديل بالنسبة للمادّة الأولى: أنه « حذفت من هذه المادّة الفقرة التالية وهي: المعترف بها من قبل الجمهورية الفرنسوية المنتدبة ومن لدن جمعية الأمم. وأضيف إليها تحديد شامل لحدود لبنان الحاضرة كما وردت في القرار رقم /318/ الصادر بتاريخ 31/8/1920 »)1(.
وفي الواقع إن حدود أرض الدولة اللبنانية إرتسمت بشكلها الحالي منذ عام /1920/ إذ بتاريخ 3/8/1920 أصدر الجنرال غورو القرار رقم /299/، وهو يقضي بفصل الأقضية الأربعة عن ولاية دمشق لضمها إلى منطقة جبل لبنان، والأقضية الأربعة هي: حاصبيا وراشيا والبقاع ( المعلقة) وبعلبك.
ثم بتاريخ 31/8/1920 أصدر الجنرال غورو القرار رقم /318/ وجاء فيه:
« حيث يقتضى ... أن تُعاد إلى لبنان حدوده الطبيعية كما حددها ممثلوه وطالبت به رغبات أهليه الإجماعية ».
وحيث أن لبنان الكبير، باستقراره وبحدوده الطبيعية هذه، سيستطيع بوصفه دولة مستقلة، ولخير مصالحه السياسية والإقتصادية، وبمعاونة فرنسا، تحقيق البرنامج الذي خططه لنفسه.
لهذه الأسباب « يشكل إقليم الدولة الناشئة المقاطعات التالية:
أولاً: منطقة لبنان، أي متصرفية جبل لبنان السابقة.
ثانياً: وتنفيذاً للقرار /299/، أقضية بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا.
ثالثاً: ما تبقى من ولاية بيروت السابقة وسنجق صيدا وسنجق طرابلس بعد فصل ما كان ملحقاً بها من الأراضي في الجنوب ( أي عكا) لضمه إلى فلسطين وفي الشمال ( اللاذقية) لضمه إلى منطقة العلويين المستحدثة )1( .
وجاءت حدود لبنان، كما أقرها الجنرال غورو عام /1920/، تطبيقاً لخريطة وضعتها هيئة الأركان في فرنسا عام /1861/)2( .
27 ـ وحدة أرض الدولة اللبنانية ـ عيش أبناء الطوائف ضمن الوحدة الجغرافية ذاتها: كانت أرض الدولة اللبنانية دوماً أرضاً واحدة، فإذا كان تعدد الطوائف هو أحد خصائص المجتمع اللبناني ( راجع البند 46 وما يليه ) إلا أن الخاصية المتقدمة تواكبت دوماً مع خاصية أخرى، لا تقل عنها أهمية، تتمثل بعيش أبناء الطوائف المتعددة ضمن الوحدة الجغرافية ذاتها بنسب متوازية أو متفاوتة أحياناً.
وهذا يعني أنه إذا كان يصح تصنيف المجتمع اللبناني ضمن طوائف متعدّدة إلا أن هذا التصنيف لا ينعكس على الصعيد الجغرافي إذ يتوزع أبناء الطوائف المختلفة على كامل الأراضي اللبنانية.
وإكتفى هنا بمثال من قضاء الشوف الذي إنتمى إليه حيث يتوزع السكان، طبقاً للوائح الشطب لعام 1972، إلى 52 % من أبناء الطوائف الإسلامية مقابل 48 % من أبناء الطوائف المسيحية.
ويتداخل عيش أبناء الطوائف ضمن المدينة والبلدة والقرية والحي ذاته بنسب متقاربة أو متفاوتة، ويمكن تكرار الأمثلة سواء على صعيد المحافظات أو الأقضية وسواء على صعيد المدن أو القرى.
إن الواقع المتقدم يثبت وحدة أرض الدولة اللبنانية، لأنه إذا ظهرت في فترات معينة مشاكل بين فئات المجتمع اللبناني إلاّ أن تلك المشاكل لم تكن يوماً مشاكل بين أجزاء أو مناطق من الأرض اللبنانية.
والنتيجة المنطقية التي يمكن إستخلاصها من الواقع المتقدم أن أرض الدولة اللبنانية تَظْهر كأرض واحدة على غرار الدول الموحدة وهي تنتمي بالتالي إلى فئة الدول البسيطة.
28 ـ طبيعة أرض الدولة اللبنانية من ناحية المساحة والموقع: غني عن البيان أن مساحة الأرض اللبنانية هي مساحة صغيرة جداً نسبة لبقية دول العالم إذ أنها تبلغ عشرة آلاف وأربعماية وإثنين وخمسين كلم2. ومن الطبيعي القول إن شكل الدولة الذي يصلح لتلك المساحة الصغيرة هو شكل الدولة الموحدة لأن صغر المساحة هـو من العوامل التـي تساعد على إعتماد الشكل الموحد للدولة )1( ( راجع البند 24).
كذلك إن موقع أرض الدولة اللبنانية يفرض حكماً مركزياً قوياً يتوفر في الشكل الوحدي للدولة أكثر مما يتوفر في الشكل الإتحادي، وآية ذلك أن حدود لبنان الجنوبية مفتوحة أمام تهديدات وأطماع دولة عدوّة عرفت دوماً باعتداءاتها المتكررة على الأرض اللبنانية والتهديد لا يزال مستمراً، كما أن لتلك الدولة أطماعاً في أرض لبنان ومياهه. وهذا الواقع يحتم قيام سلطة مركزية قوية تستطيع أن تجمع أجزاء الوطن وحماية حدوده ودرء الإعتداءات المحتملة.
إضافة إلى ما تقدم إن الموارد الطبيعية في لبنان ضئيلة نسبة لمتطلبات الحياة فيه، ويعتبر قطاع الخدمات من أهم القطاعات الاقتصادية فيه، وهذا القطاع يتطلب من أجل إستمراره وإزدهاره توفير الأمن وضمان الحريات السياسية والحريات العامة، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود سلطة مركزية قوية تستطيع توفير الأمن وضمان الحريات، وتلك السلطة يوفرها الشكل الوحدي أكثر من الشكل الإتحادي.
الفصل الثاني
الشعب ( La population)
29ـ الشعب عنصر من عناصر الدولة ـ تعريف: يطبق نظام الدولة على عدد من الأفراد، يقل أو يكثر، طبقاً لحجم الدولة. فقيام الدولة يفترض حتماً وجود شعب ضمنها.
وإذا كان وجود الشعب يشكل حدثاً طبيعياً مجرداً فإن هذا الحدث غير كافٍ بذاته لقيام سلطة واحدة تجسّدها الدولة، إذ أن ما يُوحّد مجموع الأشخاص الذين يعيشون على أرض واحدة ليرتقوا إلى مرتبة التجمع السياسي الواحد هو العلاقات التي تربط بينهم، الآمال المشتركة عندهم، شعورهم حيال القيادة التي تتولى شؤونهم.
فالعوامل المتقدمة هي التي تساهم في صهر مجموع الأفراد ضمن شعب واحد يرغب بالعيش المشترك في ظل سلطة واحدة.
وهناك عوامل تساهم في الرغبة بالعيش المشترك وأهمها: العرق ـ اللغة ـ الدين ـ التاريخ المشترك ـ العادات والتقاليد الواحدة، وإن كان أي من العوامل المتقدمة غير كافٍ بذاته لجعل مجموعة من الأفراد تشكل شعباً واحداً.
وهذا يعني أن الحدث الطبيعي بذاته ـ أي وجود مجموعة من الأفراد على أرض معينة ـ يمكن أن يتطور ليصل بتلك المجموعة إلى نوع من التجانس والرغبة بالعيش المشترك في ظل سلطة واحدة إذا ما إقترن ذلك الحدث الطبيعي بعوامل أخرى تساهم في بلوغ تلك المجموعة مرتبة التجمع السياسي المتجانس والمتميز في نفس الوقت عن غيره من المجتمعات السياسية.
ويمكن أن ينظر إلى الشعب من زاويتين، الأولى قانونية والثانية إجتماعية.
ـ من الزاوية القانونية: يُنْظر إلى الشعب من خلال إرتباط أفراده بالدولة، وتتجلّى تلك الرابطة بالجنسية أو التابعية وبذلك يتميز شعب كل دولة عن غيره من شعوب الدول الأخرى. وهذه الرابطة القانونية بين الفرد والدولة تُبْرز من جهة صلة الفرد بدولته ومن جهة ثانية تعطيه صفة المواطن مع ما يترتب عليها من حقوق وواجبات في المساهمة بحياة الدولة.
ـ من الزاوية الاجتماعية: يُنظر إلى الشعب من زاوية الجماعات المختلفة التي يتكون منها الشعب طبقاً لدرجة تطورها وقوة ترابطها وتصنيفها ضمن فئات أو طبقات وفقاً لمعايير مختلفة كفئة العمال وفئة أرباب العمل أو كسكان المدن وسكان القرى، ويمكن أن يدخل ضمن تلك المعايير المعيار الديني فيصنف أفراد الشعب تبعاً للطائفة التي ينتمون إليها.
بالطبع هناك نظريات مختلفة حول نوعية التركيب الإجتماعي وشروط إرتقائه إلى مرتبة الأمة أو القومية وأسبقية ظهور الأمة على الدولة أو العكس بالعكس، ونرى أن لا ضرورة للاستفاضة في هذا الموضوع بل نحيل إلى المراجع بهذا الشأن)1(.
30 ـ العوامل المستمدة من تكوين الشعب والمؤثرة في إضفاء الشكل الإتحادي أو الموحد للدولة: إذا كانت مساحة الأرض يمكن أن تلعب دوراً في خلق التجانس أو إبقاء التمايز بين أفراد الشعب بحيث أن إحتمال التجانس يكون أكبر في الدول ذات المساحة الصغيرة والعكس بالعكس ( راجع البند 24)، فإن درجة التجانس أو التمايز بين أفراد الشعب تُعْتبر من العوامل الضاغطة بإتجاه الشكل الموحد أو المركب للدولة.
ولا شك في أن العوامل المؤثرة في خلق التجانس بين أفراد الشعب وتالياً في تحويل مجموع الأشخاص الذين يعيشون على أرضٍ واحدة إلى مرتبة الشعب الواحد ( راجع البند 24)، تتمثل بالعلاقات التي تربط بينهم، الآمال المشتركة عندهم، شعورهم حيال القيادة التي تتولى شؤونهم. وأهم العوامل المؤثرة في ذلك: العرق ـ الدين ـ اللغة ـ العادات والتقاليد ـ التاريخ المشترك( راجع البند 29).
ولعل العامل التاريخي يلعب هنا دوراً هاماً في صهر العوامل السابقة لإعطاء مسار حياة الشعب إتجاهاً نحو التجانس أو التمايز.
بالطبع لا يمكن بحث العوامل التاريخية من زاوية العلاقة السببية بينها وبين خلق التجانس أو إبقاء التمايز بين أفراد الشعب لأن تطبيق نظرية السببية هنا تعترضه صعوبات جمة، وآية ذلك أن النتيجة لا ترتبط هنا بحدث أو سبب واحد بل بأحداث وأسباب لا حصر لها، وتلك الأحداث أو الأسباب يمكن أن يلغي بعضها بعضاً أو بالعكس يمكن أن يضاف بعضها إلى البعض الآخر فيصحح أو يبطل مفعول سبب من تلك الأسباب.
ولكن يبقى بالإمكان إعتماد منهجية سليمة لتلمس مثل هذا التأثير، وتلك المنهجية تفرض الإحاطة بالعوامل التاريخية التي لا بد أن تلقي بظلالها على خلق التجانس أو إبقاء التمايز بين أفراد الشعب. وهذا ما سنحاول إستجلاءه عند البحث في تأثير العوامل التاريخية في خلق التجانس أو التمايز بين أفراد الشعب اللبناني ( راجع البند 35 وما يليه). 31 ـ وجه الإختلاف ووجه الإتفاق بين الدول الموحدة والدول الإتحادية بالنسبة لعنصر الشعب: يعتبر وجود الشعب عنصراً أساسياً من عناصر الدولة التي لا يمكن أن تكتمل إلا باكتمال عناصرها الثلاث ( راجع البند 20)، وتبعاً لذلك لا بد لهذا العنصر أن يتحقق في أية دولة سواء إتخذت شكل الدولة الموحدة أو شكل الدولة الإتحادية، من هنا يمكن القول إن الدولة الموحدة والدولة الإتحادية تتفقان في أنه يوجد في كل منهما شعب يتميز عن شعوب بقية الدول.
ولكن ما يميز شعب الدولة الموحدة عن شعب الدولة الإتحادية هو في وحدة عنصر الشعب في الأولى وتعدّديته في الثانية.
ففي الدولة الموحدة يتصف الشعب بالوحدوية نتيجة اتصاف عناصر الدولة بالوحدة ( راجع البند 29) فهناك شعب واحد يشكل نوعاً من التجمع السياسي المتجانس رغم تصنيفه ضمن فئات مختلفة طبقاً لمعايير مختلفة يمكن إعتمادها لتصنيف أي شعب.
أمّا في الدول الإتحادية فيتصف عنصر الشعب بالثنائية نتيجة اتصاف عناصر الدولة فيها بالثنائية ( راجع البندين 29 و61) فهناك أولاً شعب الدولة الإتحادية بكاملها وهو يخضع إلى قوانين الدولة الإتحادية ذاتها فيظهر المواطنون فيها ومن زاوية علاقتهم بها كمواطنين في دولة واحدة هي الدولة الإتحادية.
ولكن إلى جانب هذا الطابع الوحدي لشعب الدولة الإتحادية يبرز طابع آخر ينقسم الشعب بنتيجته إلى شعوب تتعدد بتعدد الدول الأعضاء فيها، وهذا يعني أن شعب الدولة الإتحادية منقسم أصلاً إلى تجمعات سياسية متعددة يؤلف كل منها شعب دولة من الدول أعضاء الدولة الإتحادية، ومجموع تلك الشعوب يؤلف شعب الدولة الإتحادية.
بالطبع إن زخم التجانس أو التمايز بين شعب الدولة الإتحادية يتوقف على الروابط التي كانت قائمة بين أفراده قبل اتخاذ الشكل الإتحادي للدولة، فإذا كان هذا الشعب ينقسم أصلاً إلى شعوب تعيش ضمن دول مستقلة عن بعضها وأتت الإتحادية لتقرب بين تلك الدول فإن زخم التجانس يكون أقل.
أما إذا كان هذا الشعب شعباً واحداً في الأصل، وقامت الإتحادية نتيجة مساحة الأرض الشاسعة للدولة فيبقى زخم التجانس فيه أكبر من زخم التمايز.
أما في الدول الموحدة فإن التجانس يبقى هو الطابع الغالب على أفراد الشعب. وبالطبع هناك عوامل ضاغطة كثيرة يمكن أن تساهم في تكوين الشعب وتجانسه أو تمايزه.
32 ـ العوامل المؤثرة في تكوين الشعب اللبناني: هناك عومل متعددة تظهر الشعب اللبناني كشعب واحد على غرار بقية الشعوب في الدول الموحدة البسيطة، إلاّ أن تعدد الطوائف في لبنان ومشاركتها كطوائف في بعض مظاهر السلطة وفي الحياة السياسية بوجه عام يضفي على هذا الشعب طابعاً مزدوجاً.
وتبعاً لذلك سنبحث في العوامل الموحدة للشعب ( الفقرة الأولى) ثم في الطابع المزدوج لتكوين هذا الشعب ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وحدة الشعب اللبناني
33 ـ الشعب اللبناني من الوجهة القانونية: يظهر الشعب اللبناني من الوجهة القانونية كشعب واحد من خلال الرابطة التي تربط أفراده بالدولة. فعلاقة أفراد الشعب بالدولة من الوجهة القانونية تبرز من خلال الجنسية أو التابعية التي تعطيها الدولة لمواطنيها. وتلك الرابطة تحدد صلة الفرد بدولته وفي نفس الوقت تعطيه صفة المواطن مع ما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات في المساهمة بحياة الدولة ( راجع البند 77).
وقد برز الشعب اللبناني إلى الوجود من الوجهة القانونية ـ أي من خلال إرتباط المواطن بالدولة عن طريق الجنسية ـ على أثر تفكك الإمبراطورية العثمانية، إذ قبل هذا التاريخ لم تكن هناك جنسية لبنانية، بل كانت الجنسية العثمانية هي المعتمدة في كل أرجاء السلطنة العثمانية.
ولكن بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وتجزئة السلطنة العثمانية عقدت معاهدة في لوزان بين تركيا وفرنسا وإنكلترا بتاريخ 24/7/1923 لتنظيم جنسية العثمانيين التابعين أو المقيمين على الأراضي التي إنفصلت عن الدولة العثمانية.
وإستناداً إلى تلك المعاهدة أصدر المفوض السامي الفرنسي بتاريخ 30/8/1924 القرار رقم /2825/ لتنظيم جنسية الأشخاص العثمانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية، فنصت المادّة الأولى من القرار المذكور على ما يلي:
« كل من كان من التابعية التركية مقيماً في أراضي لبنان الكبير)1( بتاريخ 30/8/1924 أُثْبت حكماً في التابعية اللبنانية وعُدّ من الآن وصاعداً فاقداً التابعية التركية ».
وحفظ القرار للأشخاص الذين « يختلفون أصلاً عن أكثرية أهالي لبنان» حق إختيار تابعية إحدى الدول التي إنتقلت إليها أراضي مفصولة عن تركيا، إذ نصت المادّة الثالثة منه على ما يلي:
« إن الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم ثماني عشرة سنة ممن فقدوا التابعية التركية بمقتضى المادّة الأولى وهم يختلفون أصلاً عن أكثرية أهالي لبنان الكبير، يجوز لهم خلال مدة سنتين تبتدئ من 30/8/1924 أن يختاروا تابعية إحدى الدول التي إنتقلت إليها أرض مفصولة عن تركيا بموجب معاهدة الصلح المعقودة في 24/7/1923، إذا كانت أكثرية الأهالي في هذه الدولة من أصل الشخص الذي يحق له هذا الاختيار فإذا منحت تلك الدولة تابعيتها للشخص الذي إستعمل حق الإختيار المذكور فإن إختياره لها يؤدي إلى فقد التابعية اللبنانية ».
كما حفظ القرار حق من لم يكن مقيماً بتاريخ 30/8/1924 على الأرض اللبنانية، فنصت المادّة الخامسة منه على ما يلي:
« إن أبناء التبعة التركية الذين يتجاوز عمرهم ثماني عشرة سنة والذين أصلهم من أراضي لبنان الكبير وقد وجدوا في 30/8/1924 مقيمين خارج الأراضي المذكورة أو خارج أراضي تركيا يحق لهم أن يختاروا التابعية السورية إذا كان أصلهم يتصل بأصل أكثرية أهالي لبنان الكبير. ويحق لهم أن يستعملوا حق الاختيار هذا في مدة سنتين تبتدئ من تاريخ 30/8/1924 ... » )1(.
وأخيراً نصت المادّة السادسة على أنه « تتبع النساء المتزوجات أحوال أزواجهن. كما يتبع الأولاد الذين ينقص عمرهم عن ثماني عشرة سنة أحوال آبائهم ».
وبعد ذلك صدر قرار المفوض السامي رقم /15/ تاريخ 19/1/ 1925وهو يشكل القانون الأساسي للجنسية في لبنان.
وعند صدور الدستور اللبناني عام /1926/ تضمنت المادّة السادسة منه « إن الجنسية اللبنانية وطريقة إكتسابها وحفظها وفقدانها تحدد بمقتضى القانون» )1(.
بالطبع إن النصوص التشريعية، التي أنشأت الجنسية اللبنانية وبالتالي أوجدت الشعب اللبناني، يقتصر مداها على إبراز الشعب من الوجهة القانونية وتبقى فائدتها محدودة على صعيد إبراز التجانس أو التمايز بين أفراد الشعب من الوجهة الاجتماعية.
ولكن لا بد هنا من تسليط الضوء قوياً على النصوص التشريعية التي لحظت التجانس بين أفراد الشعب كسبب مبرّر لإختيار الفرد تابعية الدولة التي يتصل أصله بأكثرية أهاليها، وهذا يوحي بأن النصوص التشريعية إرتكزت على معطيات إجتماعية عند تنظيم جنسية الدول التي نشأت بنتيجة تفكك الإمبراطورية العثمانية، ومن هذه الدول الدولة اللبنانية التي إحتفظ أبناؤها بالجنسية اللبنانية ولم يختاروا جنسية أخرى.
34 ـ الشعب اللبناني من الوجهة التاريخية ـ إرادة العيش المشترك: لم تتبلور ذاتية الشعب اللبناني بصيغة لبنان الحالية إلا بعد إنشاء لبنان الكبير عام /1920/ ( راجع البندين 26 و33 )، وبالتالي لا بد من الإحاطة بالأدوار التاريخية التي عاشها الشعب اللبناني منذ عام /1920/ ومدى مساهمتها في خلق التجانس ومن ثم توحيد رغبته بالعيش المشترك.
ويمكن قسمة تلك الأدوار إلى إثنين: الدور الأول ويمتد من عام /1920/ إلى أواخر عهد الانتداب، الدور الثاني ويمتد من مطلع عهد الإستقلال عام /1943/ إلى الوقت الحالي.
35 ـ الدور التاريخي الأول ـ الشعب اللبناني من الوجهة التاريخية خلال عهد الإنتداب الفرنسي: في هذا الدور كان هناك تمايز في تفكير الشعب اللبناني حول الكيان اللبناني والرغبة بالعيش ضمن حدود هذا الكيان، ومن ثم برز إتجاهان في هذا المجال:
الإتجاه الأول: تمثل برغبة فريق من اللبنانيين بالعيش المشترك بين جميع أفراد الشعب اللبناني ضمن حدود لبنان الحالية إنطلاقاً من وحدة الشعب، مع الرغبة بعلاقة مميزة بين لبنان وفرنسا، وهذا كان إتجاه الطوائف المسيحية وبالأخص الطائفة المارونية.
الإتجاه الثاني: تمثل بتحفظ فريق من اللبنانيين على العيش المشترك أو على الأقل على الإنسلاخ والإستقلال عن محيطه العربي وبالأخص عن سوريا، وهذا التحفظ أتى خصوصاً من أبناء الأقضية الأربعة التي ضُمّت إلى لبنان عام /1920/ وهم بأكثريتهم من الطوائف الإسلامية، ثم أتى من أبناء الطوائف الإسلامية عموماً خلال عهد الإنتداب، وكانت رغبة هذا الفريق بإتجاه الوحدة العربية أو على الأقل بإتجاه الوحدة مع سوريا )1(.
والمواقف والوثائق التي تفصح عن الإتجاهين المتقدمين كانت كثيرة ويمكن الرجوع إليها في المراجع المختلفة بهذا الموضوع وبعضها مذكور ضمن هذا الكتاب، وإنما نكتفي هنا بالإستشهاد بالبعض منها على الشكل التالي:
36 ـ المواقف المطالبة بالعيش المشترك ضمن حدود لبنان الحالية: إن أهم المواقف التي عبّرت عن الرغبة بالعيش المشترك ضمن حدود لبنان الحالية أتت إجمالاً من أبناء الطوائف المسيحية وبالأخص الطائفة المارونية التي طالبت، على أثر إنتهاء الحرب العالمية الأولى وبمناسبة إنعقاد مؤتمر الصلح عام /1919/ في باريس، بإستعادة لبنان حدوده الطبيعية التاريخية وذلك بإرجاع الأقاليم التي سلختها تركيا عنه.
وكان البطريرك الماروني إِلياس الحويك هو الذي أفصح صراحة عن تلك الرغبة، بمناسبة ترؤسه وفداً لبنانياً لعرض الموضوع على مؤتمر الصلح آنذاك بناءً لقرار أصدره مجلس الإدارة في بعبدا بتاريخ 16/6/1919. وبالفعل وصل الوفد إلى باريس بتاريخ 22/8/1919، وفي اليوم التالي نشرت جريدة « لماتان » الباريسية تصريحاً للبطريرك الحويك جاء فيه:
« أن لسفري إلى باريس ثلاثة أهداف وهي قبل كل شيء المطالبة للبنان بإستقلاله المطلق ... ومن ثم المطالبة بإستعادة لبنان حدوده الطبيعية التاريخية على الشكل الذي رسمته هيئة الأركان الفرنسية في الخريطة التي وضعتها عام 1861)1( وأخيـراً نريد توطيد ومواصلة علاقاتنا مع فرنسا لجعلها موثوقة على الوجه الأكمل ».
ثم رفع الوفد بتاريخ 25/10/1919 مذكرة إلى المؤتمر بتوقيع البطريرك الحويك جاء فيها:
« إن البطريرك الماروني، رئيس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح والعامل بإسم حكومة لبنان ومجلس إدارته، الذي أوكله بذلك، وبإسم أهالي المدن والأرياف اللبنانية الذين يطالبون على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم بإلحاقهم بالوطن اللبناني ... يلتمس من سامي عدل أصحاب السعادة الممثلين المفوضين للدول الحليفة والشريفة، أعضاء المجلس الأعلى في مؤتمر الصلح:
أولاً: الاعتراف بإستقلال لبنان، المعلن من حكومة وشعب لبنان في 20/5/1919 )1(
ثانياً: إعادة لبنان إلى حدوده التاريخية والطبيعية وذلك بإرجاع الأقاليم التي سلختها تركيا عنه
ثالثاً: .................
رابعاً: ... إعطاء الإنتداب، وذلك بدون أن يمس حقوق لبنان بالسيادة، إلى حكومة الجمهورية الفرنسية » )2(
كذلك بتاريخ 13/11/1936 وقع لبنان وفرنسا معاهدة تتضمن الإعتراف بكيان لبنان وسيادته على أن يصبح الإستقلال ناجزاً بعد سنوات، وجاءت المعاهـدة بعد توقيع معاهدة مماثلة بين فرنسا وسوريا بتاريـخ 9 /9/ 1936)1(.
وقد عبّر البطريرك المارونـي مار بطرس عريضة آنذاك عن موقف الطائفة المارونية في مؤتمر من مطارنة الطائفة وأساقفتها إنعقد في مقر البطريركية بتاريخ 6/2/1936 صدر بنتيجته مذكرة موجهة إلى المفوض السامي تضمنت المطالبة:
ـ بصـيانة الكيان اللبناني بحدوده الحالية بدون أي تعديل أو تغيير ...
ـ بإستقلال لبنان وسيادته الكاملة، على أن يوطّد لبنان صلات الأخوة مع الشقيقة سوريا، ولا سيما في ميدان التعاون الإقتصادي والإجتماعي .
ـ بوضع دستور جديد على أساس إستقلال لبنان الفعلي ...
ـ عقد معاهدة مع فرنسا...
37 ـ المواقف التي تحفظت على إنفصال لبنان عن محيطه العربي: وبمقابل موقف الطوائف المسيحية وبالأخص المارونية كانت مواقف الطوائف الإسلامية على الشكل التالي:
ـ بمناسبة البحث في المعاهدة الفرنسية السورية والفرنسية اللبنانية وبعد موقف مؤتمر مطارنة الطائفة المارونية برئاسة البطريرك مار بطرس عريضة بتاريخ 6/2/1936، عقد « المجلس الوطني الإسلامي في لبنان » في دار السيد عمر بيهم في بيروت في خلال تشرين الأول من عام /1936/ إجتماعاً دُعي فيما بعد « مؤتمر الساحل » ضم بعض الشخصيات الإسلامية البارزة وإنتهى إلى إصدار بيان جاء فيه:
أولاً ـ أن المسلمين إنما يطالبون بالسيادة القومية على أساس الوحدة مع سوريا، كمرحلة أولى نحو الوحدة العربية.
ثانياً ـ وإذ إن الوحدة السورية متعذرة التحقيق في الظروف الراهنة فإنهم يقبلون بمبدأ المفاوضات في سبيل الوصول إلى معاهدة فرنسية لبنانية على أن تتضمن المعاهدة أوسع الأسس لتحقيق الوحدة مع سوريا ... »)1(.
والنتيجة التي تستخلص من المواقف والوثائق المذكورة في هذا الدور التاريخي من حياة الشعب اللبناني أن أبناء الطائفة المارونية كان يفصحون عن رغبة بالعيش المشترك مع بقية أبناء الطوائف اللبنانية ضمن حدود لبنان الحالية وعلى أساس وحدة الشعب والأرض.
أمّا أبناء الطوائف الإسلامية، وبالأخص سكان الأقضية الأربعة، التي أُلحقت بجبل لبنان عام /1920/، كانوا يتوقون إلى العيش في مدى أرحب من حدود الكيان اللبناني هو الوطن العربي بأكمله أو على الأقل مع سوريا على أساس الوحدة العربية أو الوحدة مع سوريا كخطوة نحو الوحدة العربية الشاملة.
38 ـ الدور التاريخي الثاني ـ الشعب اللبناني خلال عهد الإستقلال: ويمكن قسمة هذا الدور إلى مرحلتين، المرحلة الأولى هي التي إمتدت من نهاية عهد الإنتداب الفرنسي إلى أواخر الستينات من القرن الماضي، والمرحلة الثانية هي التي إمتدت بعد ذلك لغاية الآن.
39 ـ الشعب اللبناني منذ مطلع عهد الإستقلال لغاية أواخر الستينات من القرن الماضي: بدأ الشعب اللبناني منذ مطلع عهد الإستقلال يشعر بذاتيته المتميّزة وبنوع من التجانس يدفعه إلى التعبير عن الرغبة بالعيش المشترك ضمن حدود لبنان الحالية وفي دولة مستقلة.
وقد عبّر عن هذا الموقف خير تعبير المؤرخ يوسف إبراهيم يزبك بعد أن عرض للإجتماعات التي عقدت بين الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح والتـي أسـفرت عـن الإتفاق على الميثاق الوطني عـام 1943 )1(.
قال الأستاذ يزبك: إن إتفاق الرئيسين أطلع عليه أكثـر الذيـن يعملون مع الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح في السياسة بلبنان. وقد وافقوا على بنوده حرفاً حرفاً، وأقرّوا هذه البنود كلها. وكانت طرابلس، بلسان نائبها وممثلها، عبد الحميد كرامي، أول مدينة إنتقلت من السلبية إلى الإيجابية، وتبعتها صيدا، وصار مفهوم الجميع أنه:
« لن يحق للمسيحيين، بعد إعلان الإستقلال، أن يتراموا في أحضان الغرب ( لا سيما فرنسا أم الدنيا) كلما دقّ الكوز بالجرة، ولا أن يطلبوا حمايته، كما لا يجوز للمسلمين أن يتراموا في أحضان دولة عربية ويطلبوا الإلتحاق بها ».
ولعل في بعض المواقف والوثائق ما يثبت تحوّل الشعب اللبناني بجميع طوائفه إلى الرغبة في العيش المشترك ضمن حدود لبنان الحالية منذ مطلع عهد الإستقلال، ويمكن على سبيل المثال إبراز المواقف التالية:
ـ الموقف الأول للرئيس صائب سلام بمناسبة مناقشة مشروع التعديل الدستوري الذي تناول المواد التي « تنتقص من سيادة البلاد » في جلسة مجلس النواب اللبناني بتاريخ 8/11/1943، قال الرئيس سلام في تلك الجلسة:
« سألني الكثيرون بالأمس، هل ستتكلم في جلسة الغد؟ قلت ربما. قال قائل منهم. وبإسم أي حزب ستنطق؟ قلت بإسم حزب الأمة جمعاء، فالأمة في هذا اليـوم حزب واحد متحد هدفها الإستقلال وغايتها تحقيقه ...» )1(.
ـ الموقف الثاني هو الذي عبّر عنه البيان الوزاري لحكومة الرئيس رياض الصلح بتاريخ 7/10/1943 وهي كانت أول حكومة في عهد الإستقلال، جاء في هذا البيان:
« ولا يستقيم الوطن كياناً وإستقلالاً ما لم ينبض له قلوب بنيه جميعاً. فالقلوب الوطنية هي خير سياج للوطن وهي أًلْزَم لحفظه وصيانته من سلاح المادّة مهما يكن قوياً. فرائدنا الأول في تنظيم هذا الإستقلال سيكون إذاً تأليف قلوب جميع اللبنانيين على حب وطنهم ... »
إن الكلام والمواقف السابقة لم يكن مجرد كلام ومواقف تعلن في مثل تلك المناسبات، بل كان يعبّر عن حقيقة تحوّل الشعب اللبناني نحو الشعور بذاتيته المتميزة وبتجانس أفراده لأية طائفة أو حزب إنتموا.
وبالفعل إن ردة فعل الشعب اللبناني بجميع طوائفه وفئاته على إعتقال رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبعض الوزراء من قبل السلطات الفرنسية بعد إقرار التعديل الدستوري، الذي ألغى بعض المواد التي تتعارض مع الإستقلال، تثبت وحدة الشعب اللبناني آنذاك ورغبته بالعيش المشترك ضمن حدود لبنان الحالية.
لقد عرض الدكتور بيار زيادة لتلك المرحلة وللقرارات والمواقف الرسمية التي إتُّخِذت كما عرض لرد الفعل الشعبي، ونكتفي هنا بذكر ما أورده بشأن رد الفعل الشعبي نظراً لإرتباطه بموضوع البند المبحوث، قال الدكتور زيادة:
« أما الشعب اللبناني فقد عاش في /11/ تشرين الثاني أطول يوم من تاريخ الإنتفاضة الشعبية. منذ الصباح الباكر أقفلت المدينة إقفالاً تاماً وخرجت الجماهير إلى الساحات العامة تتظاهر مطالبة بالإفراج عن الرئيسين وعن رفاقهم مرددة: بدنا بشارة ... بدنا رياض.
وقعت في بعض أنحاء المدينة إصطدامات دامية بين الجنود والمتظاهرين. أطلقت دورية عسكرية النار على القصر الجمهوري، فوقع بعض الجرحى ونُقِلوا إلى داخل القصر حيث أُجْرِيت لهم الإسعافات الأولية. أُضْرِمت النار هنا وهناك ... ومُنِعت السيارات من التجول. تضامنت الصحافة مع الحركة الشعبية فأعلنت الإضراب إلى أجل غير مسمى وظهرت صحيفة سرية تنطق بلسان الثورة إسـمها « علامة إستفهام» ؟
إستمرت المظاهرات والإصطدامات والحوادث حتى الساعة السادسة عندما أُعْلِن منع التجول في المدينة.
« ولا بد من الإشارة أنه منذ الدقيقة الأولى إلتقى الشباب اللبناني من أية طائفة وإلى أي حزب إنتمـوا، ووقفوا وقفــة واحدة، مستنكرين
الإعتداء على حرياتهم. فقطعوا الطريق على كل محاولة كانت تعتمد الطائفية لقمع الحركة الوطنية وإفسادها» )1(.
وخلال مرحلة الإستقلال عاش الشعب اللبناني كشعب واحد يشعر فعلاً برغبة في العيش المشترك وتربطه أماني مشتركة، إلى أن وقعت الأحداث الأليمة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
40 ـ الشعب اللبناني بعد أوائل السبعينيات من القرن الماضي: بدأت هذه المرحلة مع الأحداث المؤلمة التي شهدها لبنان منذ مطلع السبعينيات لغاية أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وقد برزت خلال الأحداث بعض الإتجاهات المشككة بوحدة الشـعب اللبنانـي لتتخذ من ذلك منطلقاً لطرح الإتحادية للدولة اللبنانية )2(.
إلاّ أن الأحداث الأليمة إنتهت بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرها النواب اللبنانيون في الطائف في تشرين الأول من عام /1989/، وقد صدر على أثرها القانون الدستوري رقم /18/ تاريخ 21/9/1990، وأضاف مقدمة إلى الدستور الموضوع عام /1926/ ورد في البند « أ » منها « أن لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحداً أرضاً وشعباً ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف به دولياً ». كما ورد في البند « ي » من المقدمة ذاتها أن « لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك ».
وتبعاً لذلك يعتبر أن ما ورد في المقدمة هنا هو تكريس لإرادة العيش المشترك بين جميع أفراد الشعب اللبناني
ولكن بعد مرور عقد ونصف من الزمن على صدور القانون الدستوري رقم 18/90، ما زالت هناك أيادٍ شريرة تتربص بلبنان وتحاول ضرب إرادة العيش المشترك عند أبنائه، وقد بانت تلك الأيادي صبيحة يوم الجمعة الواقع فيه 1/10/2004 خلال محاولة إجرامية لإغتيال النائب والوزير السابق مروان حمادة عن طريق تفجير سيارة مفخخة إستهدفته
وبالفعل إذا كان الأستاذ مروان حمادة ينتمي إلى خط سياسي معين، إلاّ أن ذلك لم يحجب عنه يوماً وطنيته الصادقة وظهوره بمظهر رجل الحوار المنفتح على الجميع، حتى بدا كأنه يختصر في شخصه المواقف الوطنية الجامعة لمختلف التيارات والقوى السياسية الأخرى التي تعمل جاهدة على ترسيخ الوحدة الوطنية وتدعيم الوفاق الوطني ( راجع البند 120) من خلال حوار وطني ديموقراطي حقيقي؛ في حين بدا من خطط للعملية الإجرامية وكأنه يستهدف ضرب إرادة بالعيش المشترك عند اللبنانيين
ولكن قد تكون هذه المحاولة وما تبعها من مواقف وردود فعل مستنكرة وشاجبة معبّرة عن وحدة موقف الشعب اللبناني ورغبته بالعيش المشترك ضمن حدود لبنان الحالية، وبالفعل لم يضاهِ شجب المحاولة وإستنكارها سوى إرتياح الجميع لفشل المحاولة وخروج الأستاذ مروان حمادة سالماً، وقد عبر الأستاذ غسان تويني عن ذلك بالقول:
»وإذا كان لمحاولة إغتيال مروان حمادة من نتيجة حسنة، بل نيّرة، فإثباتها قوة اللحمة التي صارت ( سواء كانت تاريخياً أو لم تكن، ما همّ) تشدّ اللبنانيين بعضهم إلى البعض من دون تمييز. وهذا ما دلّ عليه الإجماع على إستنكار المحاولة، من رئيس الجمهوريـة وصولاً إلى أبسط
المواطنين مروراً بالرؤساء الروحيين كلهم « )1(.
41 ـ مدى تأثير العامل التاريخي على صعيد المشاركة في تكوين السلطة وممارستها: إن بحث مدى تأثير العوامل التاريخية على النظام السياسي وطرق مشاركة المحكومين في تكوين السلطة وممارستها يعني بحث العلاقة السببية بين العوامل التاريخية والنظام السياسي.
وإذا كان تطبيق نظرية السببية في العملية السياسية تعترضه صعوبات جمّة ( راجع البند 34) إلاّ أنه يبقى مع ذلك بالإمكان إعتماد منهجية سليمة لتلمّس مثل هذا التأثير.
فمن الناحية المنهجية يفترض الإحاطة بالعوامل التاريخية التي لا بد أن تلقي بظلالها على النظام السياسي وطرق مشاركة المحكومين في تكوين السلطة وممارستها.
وإذا نظرنا إلى العوامل التاريخية في لبنان منذ قيام الإستقلال ـ ودون أن نذهب في التاريخ إلى أبعد من ذلك ـ لتجلّت لنا الحقائق التالية:
ـ إن فريقاً من اللبنانيين هو الفريق الإسلامي إرتضى العيش ضمن حدود لبنان الدولية وتخلّى بالتالي عن مدى أرحب هو الوطن العربي بأكمله، ولكن مع إصراره على الهوية الطبيعية للبنان وهي الهوية العربية.
ـ إن فريقاً من اللبنانيين هو الفريق المسيحي تخلّى عن المطالبة بالحماية الغربية وإرتضى لبنان وطناً مستقلاً عن أية حماية أجنبية.
ـ كون الفريق المسيحي يشعر بأنه أقلية ضمن الوطن العربي تمّ التوافق على توزيع المراكز العليا في الدولة بما يوفر الطمأنينة لدى هذا الفريق ويزيل أي شعور بالخوف من ضياعه في المحيط العربي الذي يتألف بأكثريته من المسلمين.
وبالفعل إن الدستور اللبناني، كما وضع عام /1926/، أوجب تمثيل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وفي تشكيل الوزارة، مع إعتبار هذا النص مؤقتاً ( المادّة 95) ( راجع البند 72) وعلى أمل القضاء على الطائفية نهائياً والعبور بالبلاد من مرحلة التوزيع الطائفي إلى مرحلة التوزيع الوطني الشامل للمناصب والوظائف كما جاء في بيان أول حكومة في عهد الإستقلال.
ولكن بدلاً من بلوغ هذه المرحلة فإن عوامل جديدة إسْتُجِدت في عهد الإستقلال وخصوصاً بنتيجة الأحداث الأخيرة التي عاشها لبنان منذ مطلع السبعينيات في القرن الماضي.
فالأحداث المُحْكى عنها رسخت ولا شك شعور الخوف عند الفريق المسيحي ولكنها خلقت بالمقابل شعوراً بالخوف عند الفريق المسلم الذي كان يشكو من عقدة الغبن، فبات الخوف مشتركاً عند جميع اللبنانيين.
كما أن هذه الأحداث باعدت بين اللبنانيين خصوصاً عند جيل الحرب، فكثيراً من أبناء هذا الجيل عاش ضمن منطقة معينة دون أن يتسنى له الإختلاط والعيش مع أبناء الطوائف الأخرى، فإذا كان جيل ما قبل الحرب تيسَّر له العيش مع أبناء الطوائف الأخرى في المدارس والجامعات والمؤسسات والمدن والقرى، فإن كثيراً من أبناء جيل الحرب لم يتيسر له ذلك وقد ساعدت عوامل عديدة في هذا التباعد أهمها قسمة المؤسسات والجامعات والفرز السكاني والتهجير في بعض المناطق اللبنانية.
وقد جاء القانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني يضع حداً للأحداث ويُدْخل إصلاحات دستورية على أمل أن تشعر جميع الطوائف بنوع من الإطمئنان حول حقوقها في المشاركة في تكوين السلطة وممارستها.
ولكن بعد التعديل الدستوري وإجراء ثلاث إنتخابات نيابية على أساس قوانين إنتخابات وضعت بعد التعديل الدستوري الحاصل عام /1990/ ( راجع البند 104 وما يليه)، بدأت تظهر شكوى من الطوائف المسيحية من الغبن اللاحق بها، سواء لجهة تمثيلها في المجلس النيابي أو لجهة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية كون المركز ما زال مخصصاً في المرحلة الإنتقالية للطوائف المسيحية وتحديداً للطائفة المارونية)1(.
42ـ وحدة الموقف عند الشعب اللبناني على صعيد الأيديولوجية السياسية: إذا كان الشعب اللبناني يعرف تنوعاً في الأيديولوجية الدينية، وإذا كانت تلك الأيديولوجية لعبت دوراً في تكوين المجتمع اللبناني وفي تاريخه السياسي نظراً لتعدد طوائفه والدور الذي لعبته في حياة أبنائها وفي تاريخ لبنان ( راجع البند 46 وما يليه)، إلا أن تعدد الأيدلوجيات الدينية لم يتواكب مع تعدد الأيديولوجيات السياسية التي يؤمن بها هذا الشعب بل أن موقف الشعب اللبناني بقي موحداً لجهة الأيديولوجية السياسية التي يرغب أن يصطبغ النظام السياسي في لبنان بها.
وتتناول الأيديولوجية السياسية النظرة إلى مصدر السلطة والغاية التي قامت السلطة لتحقيقها، ومن المعلوم أن التيارات تتوزع بالنسبة لمصدر السلطة بين المصدر الإلهي (Systéme Théocratique)، وبين إرادة الحاكم ( Systéme Autocratique)، وبين الشعب وحده كمصدر للسلطة كما هو الحال في الأنظمة الديموقراطية على إختلاف أشكالها من فئة الديموقراطيات التحررية الغربية التي تؤمن بتعدد القوى السياسية وتسمح بالتالي بتعدد الأحزاب وقيام المعارضة، إلى فئة الديموقراطيات الشعبية التي تؤمن بوجود حزب واحد وتمنع قيام معارضة علنية للنظام القائم.
والأيديولوجية السياسية التي يصطبغ بها النظام السياسي في أي بلد تأتي نتيجة نظرة فلسفية آمن بها واضعوا هذا النظام السياسي بالنسبة لمصدر السلطة والغاية من قيامها.
وبالطبع متى كان واضعوا النظام ممن يؤمنون بأن الشعب هو المصدر الأساسي للسلطة فإن خيارهم هذا يكون أكثر تعبيراًَ عن الإرادة الشعبية في بلدهم.
ومن هذا المنطلق وإذا عدنا إلى الوثائق والمواقف المعلنة للأفرقاء اللبنانيين لتبيّن لنا وحدة الموقف على صعيد الأيديولوجية السياسية التي ينطلقون منها لإصلاح النظام السياسي القائم وإحلال نظام آخر محله.
وبالفعل إن الخلاف في المشاريع الإصلاحية التي كانت تطرح قبل إتفاق الطائف، كان ينحصر بمدى حقوق الطوائف في المشاركة بالسلطة، إلاّ أن الموقف بقي موحداً لجهة إختيار النظام الديموقراطي التحرري الذي يؤمن بأن الشعب مصدر السلطة وفي نفس الوقت يسمح بتعدد الأحزاب والقوى السياسية ويضمن الحريات السياسية والحريات العامة على السواء.
43 ـ إتفاق اللبنانيين حول خيار النظام الديموقراطي: تعني الديموقراطية بأبسط تعريف لها وحسبما عرفها الرئيس الأميركي إبراهام لنكولن حكم الشعب بواسطة الشعب من أجل الشعب )1(.
ويفصح هذا التعريف عن أن الدولة تكون ديموقراطية عندما يكون الشعب داخل الدولة مالكاً لسيادته، بحيث تكون السلطة منبثقة عن إرادة الشعب الحرة طبقاً لمبدأ المساواة بين أفراد الشعب والحقوق الأساسية الملتصقة بشخص الإنسان.
وقد أخذ دستور الجمهورية الخامسة في فرنسا بهذا المفهوم للديموقراطية عندما قرر في الشطر الأخير من المادّة /2/ منه أن النظام في الجمهورية الخامسة يقوم على حكم الشعب بواسـطة الشعب لمصلحة الشعب)1(.
والواقع أنه رغم الخلافات العديدة بين اللبنانيين حول بعض المسائل المتعلقة بالتعديلات الدستورية المطلوبة، إلاّ أن أياً من الأفرقاء اللبنانيين والقوى السياسية لم يفصح يوماً عن تفضيله خياراً آخر غير خيار النظام الديموقراطي.
وبالفعل إذا عدنا إلى جميع المشاريع الإصلاحية وأوراق العمل المتعدّدة التي طُرِحت قبل إتفاق الطائف، نجد أنها جميعها كانت تؤكّد على خيار النظام الديموقراطي، وسنورد هنا بعض الأمثلة من تلك المشاريع وأوراق العمل.
تضمن برنامج القوى الوطنية والتقدمية تاريخ 19/8/1975 ما يلي:
« ينطلق الإصلاح المطلوب من إعتبار الديموقراطية نظام شورى يقوم على ... لذا فإن إقتراحات الأحزاب والقوى الوطنية تتوخى في هذا المجال جملة مبادئ: تكريس الهيئة التمثيلية للشعب مصدراً لكل السلطات » ويضيف البيان تحت البند سادساً وبعنوان « تعزيز الحقوق والحريات ».
ـ تطوير مفهوم الحقوق والحريات الديموقراطية والعامة... ـ وضع قانون ديموقراطي يطلق حرية تشكيل الأحزاب.
وفي مطلع الوثيقة الدستورية التي أذاعها الرئيس سليمان فرنجية بتاريخ 14/2/1976 ورد ما يلي: « إنه لمن حقكم أيها اللبنانيون ونحن في نظام ديموقراطي حر ...
ثم تنتهي الوثيقة بتعداد الإصلاحات الموعودة وكلها تأتلف مع طبيعة النظام الديموقراطي التحرري.
وفي بيان الرئيس إِلياس سركيس تاريخ 28/4/1976 حول ترشيحه لرئاسة الجمهورية ورد: إن لبنان الذي يطمح إليه هو « لبنان الحرية والديموقراطية».
وفي بيان الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية تاريخ 11/5/1976 حول فكرة الحل السياسي الشامل ورد « المحافظة على الحريات الديموقراطية وتعزيزها وعدم السماح بالمساس بها تحت كل الظروف».
وفي ورقة عمل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى برئاسة الإمام موسى الصدر تاريخ 11/5/1977، والتي أعاد طرحها الشيخ محمد مهدي شمس الدين بتاريخ 3/10/1983، ورد ضمن بند هوية لبنان ونظامه أن لبنان « جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة ...».
وفي الوثيقة التي أقرها مجلس النواب اللبناني في جلسته المنعقدة بتاريخ 27/4/1978 ورد ما يلي: « لذلك نعلن إتباع سياسة إنمائية في إطار النظام الديموقراطي الحر ... ».
وفي مذكرة الشيخ حسن خالد، مفتي الجمهورية اللبنانية، حول تسوية الأزمة اللبنانية والموجهة بتاريخ 10/12/1978 إلى المبعوث البابوي الكاردينال برتولي، ورد في البند الثالث منها ضرورة « توحيد اللبنانيين توحيداً متكاملاً في ظل ديموقراطية وطنية عصرية متقدمة ومتطورة يتساوى فيها جميع اللبنانيين...».
وفي مبادئ الوفاق الأربعة عشر التي أذاعها مجلس الوزراء اللبناني بتاريخ 2/3/1980 ورد ما يلي « التمسك بالنظام الديموقراطي الحر ».
وفي رسالة الرئيس إِلياس سركيس إلى اللبنانيين تاريخ 5/3/1980 حول مسلّمات الوفاق الوطني ورد « التمسك بالنظام الديموقراطي البرلماني الحر، وبتعزيزه وتطويره...».
وفي مذكرة نقابة المحررين اللبنانيين إلى الرئيس إِلياس سركيس حول الوفاق الوطني بتاريخ 27/3/1980 ورد أن « لبنان بلد الديموقراطية والحريات العامة ».
وفي الثوابت العشرة للقاء الإسلامي بتاريخ 20/9/1980 ورد ما يلي: « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة وضمانها .... ».
وفي بيان الجبهة اللبنانية بعد إجتماعها في دير عوكر بتاريخ 23/12/1980 » ورد أن « نظام لبنان الذي نريد أن نبني نظام جمهوري ديموقراطي ... »
وفي مشروع الرئيس سليمان فرنجية لحل الأزمة اللبنانية الصادر في زغرتا بتاريخ 24/2/1981 ورد ضرورة « حفاظ لبنان على نظامه الديموقراطي البرلماني الحر ( مع بعض التعديلات) ».
وفي مذكرة الحركة الوطنية اللبنانية بتاريخ 22/6/1981 إلى لجنة المتابعة العربية ورد ضمن البند خامساً « إستئناف التطوّر الديموقراطي ...، وذلك يتطلب إلتزام الديموقراطية إطاراً لحل مشكلات لبنان ... » وفي هذا الإطار تضمنت المذكرة طلب « إصلاح ديموقراطي للتمثيل الشعبي» وذلك من «أجل إصلاح ديموقراطي للنظام السياسي ».
وفي البيان الصادر عن اللقاء الإسلامي الوطني بتاريخ 6/9/1982، والذي أعلن فيه تصوره لمواجهة المرحلة التي صدر فيها ورد التركيز على « ضمان الحريات الديموقراطية والنظام البرلماني».
وفي البيان الصادر عن اللقاء الإسلامي حول « ثوابت الموقف الإسلامي »، والصادر بتاريخ 21/9/1983، ورد مـن ضمـن الثوابت « لبنان جمهورية ديموقراطية ».
وفي خطاب الرئيس أمين الجميل بتاريخ 23/9/1982، إثر إنتخابه رئيساً للجمهورية، ورد إن « ديموقراطيتنا في عمق الكيان » وإن لبنان « يصر على البقاء في عداد الدول المتمسكة بالحرية في العالم التي تعتمد الحوار والديموقراطية ... ».
وفي بيان أركان الطائفة الأرثوذكسية الصادر بتاريخ 7/10/1983 حول أسس إعادة توحيد لبنان ورد « التمسك بالنظام الجمهوري الديموقراطي ».
وفي ورقة عمل « الجبهة اللبنانية » إلى مؤتمر الحوار الوطني في جنيف والتي تلاها الرئيس كميل شمعون بتاريخ 1/11/1983 ورد: « التأكيد على النظام الديموقراطي البرلماني الحر...».
وفي مذكرة حزب الكتائب اللبنانية، التي أعدها إلى مؤتمر الحوار الوطني في جنيف بتاريخ 4/11/1983، ورد ضمن البند سابعاً أنه « بالنسبة إلى نوع النظام السياسي فإن الدستور والعرف يكرسان نظاماً جمهورياً ديموقراطياً فلا رجوع عن ذلك نظراً لإرتباط هذا النظام بأصول لبنان ...».
وفي المذكرة التي رفعها المجلس العالمي الإستثنائي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم إلى مؤتمر الحوار الوطني في جنيف بتاريخ 4/11/1983 ورد: « إلتزام الديموقراطية مفهوماً وممارسة ونظاماً سياسياً».
وفي وثيقة « تطلعات لبنانية » التي وضعها مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك في ختام دورته السنوية بتاريخ 8/12/1983 ورد تحت بند « المجتمع السياسي» إن « المجتمع السياسي الأمثل هو المجتمع الديموقراطي الحر ...».
كما أن الوثائق التي قُدّمت إلى هيئة الحوار الوطني التي إنعقدت في لوزان عام /1984/ تضمنت نفس المواقف، فالمشروع الإصلاحي المرفوع من كتلة نواب الأرمن تضمن « الحفاظ على النظام الديموقراطي ...».
كذلك ورد في ورقة عمل حركة أمل ما يلي: « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة » وفي ورقة العمل المشتركة للإصلاح السياسي المقدمة من الرؤساء والأساتذة عادل عسيران ـ صائب سلام ـ رشيد كرامي ـ نبيه بري ـ وليد جنبلاط ورد ما يلي: « تحقيقاً للوفاق الوطني ... ومن خلال نظام جمهوري ديموقراطي برلماني...».
وفي وثيقة حزب الكتلة الوطنية تاريخ 15/1/1984 ورد ما يلي: « ويؤكّد الحزب تمسّكه بالنظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني لأنه الأفضل ولأنه الأكثر ملاءمة لطباع اللبنانيين وتقاليدهم وطموحاتهم »
وفي نص مشروع البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني في لوزان الذي قدمه رئيس الجمهورية آنذاك الشيخ أمين الجميل بتاريخ 19/3/1984 ورد ما يلي: تعزيز النظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني.
وبعد مؤتمر لوزان إستمر أيضاً طرح المشاريع الإصلاحية وكلها تتفق حول خيار النظام الديموقراطي التحرري. ففي البيان التأسيسي « للجبهة الوطنية الديموقراطية » والذي أذاعه الأستاذ وليد جنبلاط بتاريخ 9/10/1984 ورد ما يلي: « النضال من أجل إصلاح ديموقراطي في بنية النظام السياسي... يطلق الحريات الديموقراطية للجماهير الشعبية بتنظيماتها السياسية... ».
وفي بيان المؤتمر المسيحي في بكركي بتاريخ 9/4/1985 ورد ما يلي: « اليقين بأن الحرية في لبنان هي من مقوماته الأساسية التي تعزز العيش المشترك بين جميع أبنائه ».
وفي المشروع الذي قدمه الشيخ محمد مهدي شمس الدين، بتاريخ 19/7/1985، لإقامة نظام جديد في لبنان ورد ما يلي: « لقد عرف لبنان الحرية السياسية بمعناها الواسع وهي إحدى خصائص الشعب اللبناني ومقومات وجوده ».
وفي نص مشروع « وثيقة الخلاص الوطني » الذي أذاعه الرئيس سليمان فرنجية بتاريخ 5/9/1985 ورد ما يلي: « لبنان جمهورية ذات نظام ديموقراطي برلماني يقوم على إحترام جميع حقوق الإنسان ولا سيما منها الحريات العامة وضمانها وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وإقامة الشعائر الدينية ».
وفي مشروع « المجلس السياسي الوطني » لمدينة صيدا لحل الأزمة اللبنانية والذي أذاعه الدكتور نزيه البزري بتاريخ 5/9/1985 ورد ما يلي: « الإعتراف بأن الحكم في لبنان ديموقراطي ... ».
وفي مشروع الرئيس سليم الحص لحل الأزمة اللبنانية والذي أذاعه بتاريخ 7/9/1985 ورد ما يلي: « فالتيار الوطني اللبناني لا يتطلع، في نهاية التحليل، إلى أكثر من تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وممارسة الحرية المسؤولة في ظل نظام ديموقراطي ... ».
وفي ورقة الحوار التي أقرها المجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك بتاريخ 24/9/1985 ورد ما يلي: « الحرية: هذا المبدأ لا يشكل فقط أساساً للوجود بل هو شرط جوهري للحياة ... ( ثم) لبنان ذو نظام جمهوري ديموقراطـي ... (ثم) لبنان دولـة تضمن حريات الفرد الأساسية ... ».
وفي الإتفاق الثلاثي الذي تم توقيعه في دمشق بتاريخ 28/12/1985 بين السيد إيلي حبيقه رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية ـ آنذاك ـ والأستاذين نبيه بري ووليد جنبلاط ورد ما يلي: « لبنان جمهورية ديوقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد ».
وفي مشروع إتفاق أوّلي لحل وطني في لبنان ، أعدته لجنة تمثل « قوى مستقلة ومناهضة للإتفاق الثلاثي » ورد ما يلي: « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة وفي طليعتها الحريات الشخصية وخصوصاً حرية الرأي والمعتقد ... ( ثم) الشعب مصدر السلطات ».
وفي« مشروع المبادرة المسيحية للسلام » الذي وضعته القيادات المسيحية في المناطق الشرقية ورد ما يلي: « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة وبخاصة حرية الرأي والمعتقد ».
وفي مشروع الميثاق الوطني، الذي قدمه الرئيس سليم الحص إلى هيئة الحوار الحكومية، بتاريخ 15/9/1986 ورد ما يلي: « لبنان جمهورية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة، وبخاصة حرية الرأي والمعتقد ».
وفي مشروع الميثاق الوطني الذي قدمه الوزير جوزف الهاشم بتاريخ 16/9/1986 ورد ما يلي : « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة، وبخاصة حرية الرأي والمعتقد ».
وفي البيان الذي ألقاه رئيس حزب الكتائب الدكتور جورج سعاده في المؤتمر الثامن عشر للحزب بتاريخ 20/11/1986 ورد: تحت عنوان عناصر المشروع الكتائبي للحل إن « لبنان دولة توافق وتعايش، في ظل نظام سياسي ديموقراطي برلماني ... إنه نقيض الأنظمة الديكتاتورية والأيديولوجية الواحدة أو التوتاليتارية. لبنان لا يستند إلى عقيدة كلية ».
وفي ورقة « العمل للإصلاح الدستوري » التي وضعها الرئيس أمين الجميل وقدمها إلى الرئيس حافظ الأسد بتاريخ 13/12/1986 ورد ما يلي: « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات والحقوق والواجبات العامة وضمانها وفي طليعتها حرية التعليم والرأي والمعتقد ... والشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة ».
وفي الورقة التي طرحها فريق العمل اللبناني في الجولة العاشرة من المحادثات اللبنانية السورية بتاريخ 26/3/1987 ورد ما يلي: « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد ...».)1(.
وأخيراً جاءت « وثيقة الوفاق الوطني » التي أقرها الإجتماع النيابي في الطائف بتاريخ 22/10/1989 تكرّس كل ما ورد في المشاريع السابقة فتضمنت أن « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد ... ».
وقد أُدْخِل هذا النص ضمن الفقرة « ج » من مقدمة الدستور، التي أضيفت بموجب القانون الدستوري رقم /18/ تاريخ 21/9/1990 الذي صدر تنفيذاً لوثيقة الوفاق الوطني، ومؤدّاها أن « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل» وأضافت الفقرة « د» من ذات المقدمة أن « الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية».
وإذا كان في السرد المتقدم بعض الإطالة مع أن ذلك يجافي أسلوب واضع هذا الكتاب، فإنه كان ضرورياً لإظهار وحدة موقف الشعب اللبناني حيال الأيديولوجية التي يرغب بأن يقوم نظامه السياسي عليها.
وبالفعل يتبين من العرض المتقدم أن هناك إتفاقاً حول هذه المسألة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إتفاقاً بين جميع الطوائف، إتفاقاً بين جميع المناطق، إتفاقاً بين جميع الأحزاب بما في ذلك الأحزاب الماركسية إذ إن تلك الأحزاب كانت بين المشاركين في برنامج القوى الوطنية والتقدمية بتاريخ 19/8/1975)1(.
ولعل وحدة الموقف حول خيار النظام الديموقراطي التحرري يعبّر عن طباع الشعب اللبناني كما جاء في وثيقة حزب الكتلة الوطنية بتاريخ 15/1/1984 إذ ورد بين المبرّرات لإختيار هذا النظام « أنه الأكثر ملاءمة لطباع اللبنانيين وتقاليدهم وطموحاتهم ».
وبالفعل إن هناك خصائص واحدة في طباع اللبنانيين وتصرفاتهم.
44 ـ العوامل المؤثرة في تماثل أو إختلاف خصائص الشعب: هناك روابط أصلية تجمع بين أفراد الشعب اللبناني بمختلف طوائفه وطبقاته، وتتمثل تلك الروابط بالأرض الواحدة التي يعيش عليها ( راجع البند 27)، وباللغة الواحدة وهي اللغة العربية، وبتاريخ واحد يتمثل بوحدة الذكريات وبالأخص الذكـريات المـرّة في بعض المراحل)2(، وبوضع إقتصـادي واحد يقسم فئات الشعب بمختلف طوائفه إلى طبقات متفاوتة ويلقى بظلاله على حياة الشـعب اللبناني سـواء في حالة الإزدهار أو في
حالة التردّي)1(، وأخيــراً بالرغبة الجامعة بالعيـش المشترك ضمن حدود لبنان الحالية وهي الرغبة التي عبّر عنها اللبنانيون جميعاً بصورة عفوية عشية إستقلال لبنان (راجع البند 39 ).
بالطبع مع توفر العناصر المتقدمة يصح التساؤل عما إذا كانت هناك خصائص واحدة للشعب اللبناني بالمقارنة مع بقية الشعوب، أم أن هذا الشعب لا يزال يفتقر إلى مثل تلك الخصائص ومن ثم لا يزال يتألف من مجموعات متميزة لكل منها خصائصها المميزة حيال المجموعات الأخرى؟
إن ذاتية وروحية شعب معين تترجم عملياً بسلسلة من التصرفات التي تظهر في سلوكه اليومي، في طريقة تفكيره، في إنتاجه الأدبي والفني، وجميعها تظهر كإنعكاسات لا إرادية، ومجموع تلك الانعكاسات يعطى نموذجاً أو مثالاً «Pattern » يأخذه الباحث في علم أصل الجنس البشري وتطوره في الإختبارات التي يجريها لكشف شخصية الفرد عند شعب معين، كما يأخذه الباحث في علم النفس في تحقيقاته وأبحاثه من أجل إستجلاء سماته المميزة. وكل ذلك بهدف تحديد، ما يسمى في علم النفس بالنموذج الإتني ( L’ethnothype) .
وهذا التحديد يستند إلى البنية التحتية لنموذج متوسط من التصرفات هو الذي يسمح بالتحدث مثلاً عن الشعب الفرنسي أو الشعب الصيني أو أي شعب من الشعوب. والحال أن وجود L’ethnothype يرتبط بوجود ( Ethine) تكونت بنتيجة العوامل الوراثية والعرقية واللغوية والدينية والتاريخية، وهنا يطرح السؤال هل يوجد في لبنان إثنية واحدة وبالتالي ethnothype واحد أو إثنيات متعددة وبالتالي عدة ethnothypes ؟
وبالتالي هل يصدق وصف الوحدة أو التعددية على أفراد الشعب اللبناني ؟
45 ـ تماثل خصائص الشعب اللبناني على صعيد الطباع وعلى صعيد العمل والنشاط الفردي وتعويض اللبناني عمّا يفتقده: في دراسة أجراها الأستاذ منير شمعون في هذا الموضــوع خلص إلــى وجود نموذج واحد للشعب اللبناني بمختلف طوائفه وطبقاته يتصف بخصائص واحدة )1(، وقد أثبت ذلك بشـواهد حسية من حياة الشعب، ونورد فيما يلي بعض تلك الخصائص بعد الإستئذان من صاحب المقال، ونضيف إلى الشواهد التي ساقها شواهد أخرى من تصرفات الشعب اللبناني وردات فعله العفوية على بعض الأحداث.
يعتبر الأستاذ شمعون أن الشعب اللبناني يتصف بإنفعالية حادة وآنية وقصيرة المدى، من هنا التقلب المفاجئ في المزاج من الفرح إلى الحزن، من الثقة إلى الريبة والحذر، من الغضب إلى الإسترخاء، وهذا يجعل من اللبناني مثال الشخص الذي يعيش في اللحظة التي هو فيها مما يجعل المدى النفسي عنده قصيراً.
ويشهد على ذلك تجنب اللبناني للنشاطات والأعمال التي تتطلب جهداً طويلاً في البحث والتحليل، وفي سهولة المواقف الإرتجالية التي تعبر عن سرعة في ردة فعله التي قلما تستند إلى روية في التفكير، وهذا يقود إلى وهم معروف عند اللبنانيين هو « الشطارة » التي هي ثمرة الإرتجالية والتي تتنافى مع كل فكر منتظم وتشكل عائقاً أمام كل تخطيط سواء على مستوى الحياة الخاصة أو العامة.
وعلى صعيد العمل الفكري: يتعلق اللبنانـي بالصـورة أكثـر مما يركّز على المفهوم ( le Concept) من هنا صعوبة الربط بين الصور والجزئيات ووضع تأليف (Synthèse) جامع بينها، بمعنى أن المعرفة الجزئية تبقى أقرب إلى الفهم من المعرفة الكلية، وهذا أمر طبيعي لأن التركيز على المفهوم والوصول إلى المعرفة الكلية يفترضان روح المثابرة والمدى الطويل في الزمن، وهذا من شأنه أن يؤثر على صفاء العلاقة بين الأفراد لأن القصور عن المعرفة الكلية يؤدي إلى عدم التبصر في جميع النتائج التي تترتب على العمل، من هنا الإخلال بالإلتزام وعدم الوفاء بالوعد.
كما ينجم عن التقلب المفاجئ في المزاج غياب في الموضوعية وصعوبة في تماسك التحليل الفكري وتقيده بمنهجية منظمة.
وعلى صعيد العمل والنشاط الفردي: يعتقد اللبناني أنه يستطيع القيام بأي عمل ولا يستحيل عليه شيء، ويتحمس بسرعة لعمل معين أو لفكرة معينة ولكن تلك الرغبة وذلك الحماس يبقى آنياً ومرتبطاً بمصلحة آنية قريبة المنال.
ويشهد على ذلك نزعة اللبناني الطبيعية نحو النشاط الذي يقوم على تبادل السلع لأن ذلك يؤمن له تعويضاً آنياً عن عمله ويوفر عليه عناء الإنتظار، ولعل إزدهار قطاع الخدمات في لبنان وإزدهار الأعمال التي ترتبط بنتيجة سريعة نظير البورصة والهجرة وراء الكسب المادي السريع هو خير دليل على ذلك.
إن اللبناني هو من الطراز الذي يحاول إثبات ذاته بأشياء خارجية، فهو يتجه كلياً إلى خارج ذاته نتيجة تعلقه بالصور وبما هو محسوس. فهو يتجه دوماً نحو الآخرين ولا يكتشف نفسه إلا من خلال حديثه مع الآخرين، ولأنه يصعب عليه مواجهة ذاته فإن كل نقد من قبل الآخرين يحمل محمل التجريح والتشهير.
وإتجاه اللبناني خارج ذاته يجعله إجتماعياً بطبعه ويتصف بحسن الإستقبال والضيافة والكرم وهي صفات تظهر عند أبناء القرى أكثر مما تظهر عند أبناء المدن.
ولكن الطابع الإجتماعي عند اللبناني وحبه للعلاقات الإجتماعية يدفعه إلى حب التحدث مع الآخرين وإن كان لا يرتبط جدياً بكلامه، لأن الكلام الشفهي أسهل عليه من الكتابة والمراسلة التي تتطلب تركيزاً في التفكير والتحليل، والنزعة نحو العلاقة مع الآخرين تترادف دوماً مع الرغبة الآنية بنيل إعجابهم حتى ولو كان ذلك على حساب الإنسجام مع الذات وحتى لو أدى ذلك إلى تحريف الحقيقة.
وعلى صعيد تعويض اللبناني عما يفتقده: يحاول اللبناني أن يعوّض ما يفتقر إليه بتصرفات بديلة، فإذا كان غير خلاّق فإنه يعوض ذلك باللحّاق بالآخرين وتقليدهم. فهو يسبغ سلوكه ضمن قالب خارجي يفرض بإعتقاده هيبته على الآخرين، وإذا كانت ذاته لا تلفت الأنظار فيعوض ذلك عن طريق إمتلاك أشياء تلفت الأنظار حتـى ولو تجاوز ذلك إمكانياتـه المادية)1(، من هنا نرى أحياناً الرغبة بإمتلاك السيارات الفخمة والمجوهرات الثمينة والأثاث الفاخر في المنازل.
إن النتائج التي توصل إليها الأستاذ شمعون في دراسته تعبر إلى حد بعيد عن طباع الفرد بمعزل عن طائفته وإنتمائه، ويمكن أن نضيف إلى الشواهد التي وردت في الدراسة شواهد أخرى من ملاحظة سلوك اللبنانيين وردّات فعلهم خلال الأحداث التي حصلت في لبنان إبتداءً من عام /1975/، وفي هذا الإطار نكتفي بتسجيل ثلاث ملاحظات:
ـ الملاحظة الأولى: بالنسبة لطباع اللبناني وإنفعاليته الحادة والتقلب المفاجئ في المزاج، يكفي أن نتذكر الليالي السوداء التي كان يقضيها اللبنانيون في فترات كثيرة من الحرب والمآسي الكبيرة الناجمة عن القتل والتدمير وما كانت تتركه من أسى وحزن عند اللبنانيين وكيف كان ذلك يتبدل بسرعة خلال الحفلات والولائم وسوى ذلك من المناسبات !
ـ الملاحظة الثانية: بالنسبة لتعلق اللبناني بالصور والجزئيات بدل التركيز على المفهوم وربط الجزئيات ببعضها للوصول إلى المعرفة الكلية، يكفي أن نتذكر مراحل الأزمة اللبنانية والشعارات التي كانت تتبدّل بين فترة وأخرى دون أن يحاول أحد ربط التبدل المفاجئ في الشعارات بعضها ببعض لإستخلاص تأليف جامع يلقي الضوء على مسار الأزمة والتحكم بمصيرها.
كذلك يمكن ملاحظة عدم قدرة اللبنانيين على وضع تصور واحد لأسباب الأزمة والنتائج التي يمكن أن تنجم عنها، بل كان الطابع الغالب هو البقاء في نطاق الصورة والفعل وردة الفعل دون التنبه للنتائج المدمرة لردة الفعل، ليس فقط بالنسبة إلى الوطن بل أيضاً بالنسبة لصاحبها.
ـ الملاحظة الثالثة: بالنسبة لنزعة اللبناني نحو النشاط الإقتصادي الذي يوفر له ربحاً سريعاً، يكفي أن نذكر إقبال اللبنانيين على الدخول في المضاربة على الليرة اللبنانية وإزدهار مكاتب الصرافة خلال فترة تدهور قيمة الليرة اللبنانية إزاء العملات الأجنبية في الثمانينيات من القرن الماضي.
الفقرة الثانية: إنتماء الشعب اللبناني إلى طوائف متعددة
46ـ الشعب اللبناني من الوجهة الدينية ـ مسألة الطائفية: يتميز الشعب اللبناني من الوجهة الدينية بتعدد طوائفه، ويمكن تصنيفه من هذه الوجهة ضمن مجموعتين رئيسيتين من الطوائف:
الأولى تضم مجموعة الطوائف الإسلامية والثانية مجموعة الطوائف المسيحية.
وتتوزع تلك الطوائف، طبقاً لما جاء في الملحق عدد /1/ من القرار رقم /60/ الصادر بتاريخ 13/3/1936 بعنوان « إقرار نظام الطوائف الدينية »، كالآتي:
الطوائف الإسلامية وتضم:
ـ الطائفة السنية
ـ الطائفة الشيعية ( الجعفرية)
ـ الطائفة الدرزية
ـ الطائفة العلوية
ـ الطائفة الإسماعيلية.
الطوائف المسيحية وتضم:
ـ البطريركية المارونية
ـ بطريركية الروم الأرثوذكس
ـ البطريركية الكاثوليكية الملكية
ـ البطريركية الأرمنية الغريغورية ( الأرثوذكسية)
ـ البطريركية الأرمنية الكاثوليكية
ـ البطريركية السريانية الأرثوذكسية
ـ البطريركية السريانية أو السريانية الكاثوليكية
ـ الطائفة الشرقية النسطورية)1(
ـ البطريركية الكلدانية
ـ الكنيسة اللاتينية
وبالإضافة إلى مجموع الطوائف الإسلامية والمسيحية هناك أقلية من « الطوائف الإسرائلية » كما جاء في الملحق رقم /1/ ذاته، وهي تنقسم بين كنيس حلب وكنيس دمشق وكنيس بيروت.
ولا يوجد إحصاء رسمي يبين عدد أفراد كل طائفة نسبة لمجموع الشـعب اللبنانـي.
ولكن يبقى القول إن الطوائف الإسلامية والطوائف المسيحية كانت في فترات من تاريخ لبنان متقاربة في العدد وأن الطائفة المارونية هي أكبر الطوائف المسيحية وتأتي بعدها الطائفة الأرثوذكسية ثم الطائفة الكاثوليكية في حين أن الطائفتين السنية والشيعية هما أكبر الطوائف الإسلامية)1(.
47 ـ إخضاع مسائل الحقوق العائلية لسلطة الطوائف ـ تأثير ذلك على تكوين الشعب اللبناني: كان يفترض بالأيديولوجية الدينية أن لا تُلْقي بظلالها على تكوين الشعب اللبناني إلاّ من زاوية واحدة تتعلق بحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لمختلف الطوائف.
وهذه الزاوية كان يمكن أن تكون عديمة الأثر في وحدة وتجانس الشعب اللبناني لو إقتصرت على مسألة العبادات، ذلك أن الأيديولوجية الدينية في لبنان طالت قسماً من المعاملات ـ إلى جانب العبادات ـ هي تلك المتعلقة بمسائل الحقوق العائلية المعروفة تقليدياً لدى الطوائف بمسائل الأحوال الشخصية)2(. فهذه المسـائل كانت ولا تزال تدخل ضمن إختصاص السـلطات المعترف بها للطوائف سواء لجهة القانون المطبق أو لجهة المحكمة المختصة (راجع البند 88).
بالطبع إن إخضاع مسائل الحقوق العائلية وبالأخص مسائل الزواج والإرث إلى قوانين متعددة كانت عائقاً أمام إكتمال إنصهار الشعب اللبناني ( راجع البند 90 )، كما أن إعطاء الطوائف حق ممارسة جزء من سلطة وضع القوانين الخاصة بها وتشكيل محاكمها أحياناً في مسائل الحقوق العائلية جعلت تلك الطوائف تبدو كمجموعات متميزة عن بعضها أحياناً كما أفسح في المجال أمامها لأن تلعب دوراً في الحياة السياسية فيه.
وهذا الدور للطوائف يرتبط بأسباب تاريخية بعيدة لا مجال هنا لإستعراضها، بل يكفي أن نستعرض أهم النتائج التي خلفها بالنسبة لتكوين الشعب اللبناني وهو وحده موضوع البحث.
إن دور الطوائف في تكوين الشعب اللبناني ظهر من خلال الخلية الصغرى في المجتمع المتمثلة بالأسرة ومن خلال الثقافة ومن خلال الحياة السياسية.
فعلى صعيد الأسرة تجلّى دور الطائفة من خلال إرتباط تكوين الأسرة بالأحكام الدينية المرعية عند الطائفة التي تنتمي إليها الأسرة، وذلك نتيجة إخضاع الزواج وما يتفرع منه إلى القوانين والمحاكم الخاصة بكل طائفة.
وعلى صعيد الثقافة تجلّى دور الطائفة من خلال الإرساليات الأجنبية والتي كانت في أساسها مرتبطة بطوائف معينة ومن ثم بالمدارس والمعاهد الخاصة التي أنشأتها.
وعلى صعيد الحياة السياسية فإن دور الطائفة كان يظهر من خلال مشاركتها في الحياة السياسية في لبنان، إذ كان أفراد الشعب اللبناني يتكتلون أحياناً حول طوائفهم كما تشهد بذلك العوامل التاريخية ( راجع البند اللاحق)
48 ـ مشاركة الطوائف كطوائف في الحياة السياسية في لبنان وتأثير ذلك على تكوين الشعب اللبناني: لم يقتصر دور الطوائف كطوائف على إقتطاع جزء من السلطة وممارسة هذا الجزء من السلطة بالإستقلال عن الدولة فيما يتعلق بمسائل الحقوق العائلية ( راجع البند السابق)، بل تجاوز الأمر ذلك إلى مشاركة الطوائف كطوائف في الحياة السياسية في لبنان بهدف الدفاع عن حقوق الطائفة في تكوين السلطة السياسية وممارستها.
وبالفعل لقد ظهر دور الطوائف في المشاركة في الحياة السياسية كطوائف منذ إنشاء لبنان الكبير ولغاية اليوم، وتدليلاً على هذه المشاركة يكفي أن نذكّر ببعض الوقائع:
ـ بمناسبة إنعقاد مؤتمر الصلح في باريس عام /1919/ ترأس وفد لبنان إلـى مؤتمر الصلح البطريرك إِلياس الحويك (راجع البند 36 وما يليه ).
ـ موقف أبناء الطوائف المسيحية والإٍسلامية قبيل عقد المعاهدة اللبنانية الفرنسية بتاريخ 13/11/1936، إذْ كان للطائفة المارونية موقف إتخذته في مؤتمر عقده مطارنة الطائفة وأساقفتها في مقر البطريركية برئاسة البطريرك مار بطرس عريضة بتاريخ 6/2/1936 صدر بنتيجتها مذكرة وجَّهت إلى المفوض السامي.
وبموازاة موقف الطائفة المارونية صدر موقف عن المجلس الوطني الإسلامي في تشرين الأول من عام /1936/ بنتيجة إجتماع « مؤتمر الــساحل » الذي عٌقِد في دار السيد عمر بيهم فـي بيـــروت ( راجع البند 37).
ـ خلال الأحداث التي حصلت في لبنان منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي وإنتهت بإتفاق الطائف عام /1989/ طُرِحت مشاريع كثيرة لإصلاح النظام السياسي في لبنان، وقد قُدَّم عدد من هذه المشاريع من الطوائف كطوائف إلى جانب مشاريع أخرى قُدَّمت من أحزاب وقوى سياسية تمثل فئات مختلفة من الشعب اللبناني كشعب واحد، ونذكّر هنا ببعض المشاريع التي قدّمت بإسم الطوائف وهي التالية ( راجع البند 6):
ـ الثوابت العشرة للقاء الإسلامي بتاريخ 20/9/1980.
ـ الوثيقة الصادرة عن مجلس البطاركة الموارنة الكاثوليك بتاريخ 8/12/1983.
ـ مذكرة الهيئة العليا للطائفة الدرزية حول مطالب الدروز الوطنية والسياسية والأمنية تاريخ 9/5/1983.
ـ بيان المؤتمر المسيحي بتاريخ 9/4/1985.
ـ المشروع الذي قدمه نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين بتاريخ 19/7/1985 لإقامة نظام جديد في لبنان.
ـ ورقة الحوار التي أقرّها المجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك بتاريخ 24/9/1985.
ـ مشروع المبادرة المسيحية للسلام الذي وضعته القيادات المسيحية في المناطق الشرقية ونشرته جريدة السفير بتاريخ 28/5/1986.
نكتفي بهذا القـدر من المشـاريع والوثائق التي قُدّمت بإسم الطوائف كطوائف)1( حول نظرة كل طائفة إلى الإصلاح السياسي والمطالب المتعلقة بالطائفة حول المشاركة في تكوين السلطة وممارستها.
ولا نزال لغاية اليوم نلاحظ مشاركة الطوائف كطوائف في الحياة السياسية في لبنان، ويكفي تصفح الصحف يومياً حتى نلاحظ إستمرار الطوائف كطوائف في المشاركة بالحياة السياسية والطروحات المتعلقة بها، ونذكر البعض منها على سبيل المثال:
ـ أوردت جريدة النهار بتاريخ 20/8/2004 أن البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير رأى أن لبنان هو « نتيجة كفاح البطاركة والموارنة ... »، كما أوردت نفس الجريدة بتاريخ 13/8/2004 إن البطريرك صفير قال «إن الدولة لجميع الطوائف وليس في إمكان أي طائفة أن تؤلف دولة لوحدها ».
ـ كما أوردت الجريدة ذاتها بتاريخ 7/8/2004، وفي صفحة المحليات السياسية العنوان التالي « خطباء الجمعة تطرقوا إلى الإٍستحقاق ـ فضل الله: شاخ لبنان من غياب الخطط ـ أحمد قبلان: حاسبوا الفاسدين بدل تغطيتهم ».
ـ وبمناسبة إعلان البعض ترشيح أنفسهم لرئاسة الجمهورية في ربيع وصيف العام /2004/ قام المرشحون بجولات على القوى والفعاليات السياسية ورؤساء الطوائف، ونكتفي هنا بمثال وحيد عن زيارة المرشح للرئاسة النائب مخايل الضاهر لسماحة مفتي الجمهورية الشــيخ محمد رشيد قباني)1(.
ـ وبمناسبة طرح تعديل المادّة /49/ من الدستور من أجل تمديد ولاية الرئيس إِميل لحود لمدة ثلاث سنوات، صدر بتاريخ 1/9/2004 بيان عن مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك صفير إعتبرتـه جريدة النهار أنـه الأعلى سقفاً )2(.
وكانت الجريدة ذاتها ذكّرت في اليوم السابق أي في عددها الصادر بتاريخ 1/9/2004 بالبيان الذي أصدره مجلس المطارنة الموارنة بتاريخ 20/9/2000 والذي إعتبرته الجريدة أنه « لا يزال حتى الساعة حدثاً تاريخياً في حياة الكنيسة المارونية والواقع السياسي في لبنان».
وبالطبع إن مطالب الطوائف حول حقوقها في المشاركة في تكوين السلطة وممارستها ومشاركتها في الحياة السياسية في لبنان لم تولد من العدم بل كانت نتيجة التوزيع الطائفي لمراكز السلطة، منذ مطلع عهد الإستقلال، ولغاية إتفاق الطائف عام /1989/.
وإذا كان الوضع هو كذلك قبل إتفاق الطائف فإن الوضع لم يتغيّر بعد هذا الإتفاق والتعديل الدستوري الذي صدر تطبيقاً له بموجب القانون رقم 18/90 لأن هذا التعديل أبقى على التوزيع الطائفي لمراكز السلطة السياسية في المرحلة الإنتقالية ( راجع البند 74).
وقد أشار الرئيس إِميل لحود في الكلمة التي وجهها إلى اللبنانيين بتاريخ 1/8/2004 بمناسبة عيد الجيش إلى إستمرار نظام الحصص الطائفية في السلطة واعداً ببناء « الدولة العصرية المتقدمة، وزوال نظام الحصص الطائفية والسياسية ».)1(
ولكن مهما قيل في تقويم الواقع المتقدم إلاّ أنه لا بد من الإقرار بهذا الواقع وما تركه من أثر في إزدواجية نلاحظها في الشعب اللبناني.
49 ـ الطابع المزدوج في تكوين الشعب اللبناني: إن الشعب اللبناني يبدو كشعب واحد من خلال وحدة الخصائص التي يتصف بها ومن خلال وحدة الأرض، ومن خلال آماله بالعيش المشترك ضمن دولة واحدة، ومن خلال تاريخ مشترك تجلّى أكثر ما تجلّى في النكبات والويلات التي عاناها الشعب بمجموعه ( راجع البند 33 وما يليه).
ولكن تعدد الطوائف في لبنان والدور الذي لعبته تلك الطوائف ولا تزال في حياة أبنائها وكذلك الدور الذي لعبته في تاريخ لبنان وتوزيع مراكز السلطة على أساس طائفي (راجع البند 46 وما يليه)، بالإضافة إلى ممارسة الطوائف قسماً من السلطة في بعض المسائل وهي المتعلقة بالحقوق العائلية ( راجع البند 88) إنعكس على تكوين الشعب ذاته فإتصف بثنائية قلّما عرفتها الدول الموحدة، فمن جهة ظهر هذا الشعب كشعب واحد ( طابع موحد) ولكنه من جهة أخرى بدا كمجموعات ترتبط كل منها بطائفة معينة.
وقد تنبهت أول حكومة في عهد الإستقلال إلى مشكلة الازدواجية بين الولاء للوطن وبين الإنتماء للطائفة والآثار السلبية التي تنجم عنها في وحدة الشعب، فوعدت بالعمل من أجل القضاء عليها، وبالفعل جاء في البيان الوزاري لحكومة الرئيس رياض الصلح بتاريخ 7/10/1943 ما حرفيته:
« من أسس الاصلاح التي تقتضيها مصلحة لبنان العليا معالجة الطائفية والقضاء على مساوئها فإن هذه القاعدة تقيد التقدم الوطني من جهة وتشوه سمعة لبنان من جهة أخرى، فضلاً عن أنها تسمم روح العلاقات بين الجماعات الروحية التي يتألف منها الشعب اللبناني ..... ونحن واثقون أنه متى غمر الشعب الشعور الوطني الذي يترعرع في ظل الإستقلال ونظام الحكم الشعبي يقبل بطمأنينة على إلغاء النظام الطائفي المضعف للوطن ... إن الساعة التي يمكن فيها إلغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة مباركة في تاريخ لبنان ».
وبالفعل، وبكل أسف، بدلاً من بلوغ مرحلة « اليقظة الوطنية الشاملة» كما وعدت أول حكومة في عهد الإستقلال فإن طريقة ممارسة الحكم أحياناً والأزمات التي نشبت بين وقت وآخر أبقت أفراد الشعب في حالة تمزق بين الولاء الوطني والإنتماء الطائفي، وأتت الأحداث الأخيرة منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي لتزيد المشكلة حدة.
والواقع إن الثنائية في تكوين الشعب اللبناني كانت تَخْفُت في مراحل الاستقرار السياسي، إلاّ انها كانت تعود لتظهر في زمن الأزمات.
وتشهد على ذلك روحية مشاريع الحلول التي طرحت منذ عام /1975/ والمواقف التي أعلنت في مراحل كثيرة من الأحداث، وكذلك المناقشات التي دارت لوضع مشاريع حلول للأزمة في بعض المراحل، قبل التوصل إلى إتفاق الطائف عام 1989، ونكتفي هنا بموقفين الأول للرئيس سليمان فرنجية والثاني للرئيس صائب سلام.
ـ موقف الرئيس سليمان فرنجية، في الجلسة التاسعة من مؤتمر الحوار الوطني في لوزان المنعقدة بتاريخ 19/3/1984، وتعليقاً على ورقة العمل التي كانت مطروحة للمناقشة، قال الرئيس فرنجية حرفياً:
« رئيس الوزراء أصبح رئيس الدولة المباشر وهذا مرفوض مئة بالمئة، مرفوض أن نعطي حقوقاً لطائفة من حقوق الطائفة الثانية » وأضاف « يشكو الرئيس كرامي من النقص في المشاركة ومن الإحتكار. المشاركة في هذه الورقة محصورة في فئة واحدة. الوثيقة تعطي إحتكاراً لفئة. وأنا منّي مستعد أتنازل عن درهم من حقوق طائفتي، مني مستعد أبداً. تجي تستسلم اليوم وتعطي كل شيء مقابل شو؟ وأي ضمان؟ أنا لا أحكي في الطائفية ولكن أجد نفسي مضطراً إلى ذلك ».
ـ وهذا الموقف للرئيس فرنجية كان مغايراً لموقف الجبهة التي كان ينتمي إليها آنذاك، وبالفعل إن الرئيس سليمان فرنجية كان من أركان جبهة الخلاص الوطني التي أعلن عن ولادتها بتاريخ 23/7/1983 وهي تضم الأحزاب والمنظمات التالية: التقدمي الإشتراكي ـ الشيوعي اللبناني ـ العمل الشيوعي ـ المردة ـ السوري القومي الإجتماعي ـ البعث العربي الإشتراكي ـ العربي الديموقراطي ـ الإتحاد الإشتراكي العربي، وكانت قيادة الجبهة للرئيسين فرنجية وكرامي والأستاذ وليد جنبلاط.
ـ موقف الرئيس صائب سلام، في مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس رشيد كرامي بتاريخ 31/5/1984. جاء في كلمة الرئيس سلام ما حرفيته:
« كلمة لا بد منها من موقع المسؤولية في ذلك التيار الإسلامي العريض، العميق الجذور، الكبير الأثر في تاريخ هذا الوطن ... هذا التيار الإسلامي الضخم الذي نعتز به ونفاخر ... كنا دائماً، كما أعلنا ذلك في « الثوابت الإسلامية » داعين إلى التفاهم مع إخواننا المسيحيين، فاتحين قلوبنا، مادين أيدينا بصدق وإخلاص، مؤمنين أن لبنان الحر المستقل إنما قام عام /1943/ على التوافق بين فريقيه المسلم والمسيحي على أساس المحبة وفي ظل العدالة والمساواة ».
ولا شك في أن كلام الرئيس سلام في تلك الجلسة يستحضر للذهن كلامه في جلسة تعديل الدستور عام /1943/ عندما أعلن أنه يتكلم « بإسم حزب الأمة جمعاء، فالأمة في هذا اليوم هي حزب واحد متحد هدفها الإستقلال وغايتها تحقيقه» ( راجع البند 39).
إن موقف الرئيسين فرنجية وسلام يعبّران أفضل تعبير عن الثنائية في تكوين الشعب اللبناني، فمن جهة يظهر الشعب كشعب واحد عندما لا تكون حقوق الطوائف موضوع نزاع، وهذا ظهر من خلال موقع الرئيس فرنجية بين أركان جبهة الخلاص الوطني كما تجلّى في كلمة الرئيس سلام عام /1943/.
ومن جهة ثانية يظهر الطابع المزدوج في تكوين الشعب اللبناني بسبب تعدد الطوائف فيه وبقدر ما يوجد من عوامل تشد المواطن إلى الإرتباط بالطائفة، وهذا تجلّى بموقف الرئيس فرنجية في جلسة الحوار في لوزان وفي خطاب الرئيس سلام في جلسة 31/5/1984.
وإذا كان يمكن أن يقال إن الأمثلة المساقة هنا حصلت قبل إتفاق الطائف عام /1989/ والتعديل الدستوري الذي تبعه بموجب القانون رقم 18/90، إلاّ أن الوضع لم يتغير بعد الطائف، ويمكن أن نسوق مثالاً يعتبر نموذجاً لهذه الازدواجية في تكوين الشعب اللبناني، والمثال هنا يتعلق بما أثير حول صلاحيات محافظ مدينة بيروت وإناطة السلطة التنفيذية به في بلدية بيروت.
وبالفعل إن المادة /67/ من قانون البلديات الصادر بالمرسوم الإشتراعي رقم 118/77 تنيط السلطة التنفيذية في كل بلديات لبنان برئيس المجلس البلدي بإستثناء بلدية بيروت حيث يتولى المحافظ رئاسة السلطة التنفيذية بدلاً من رئيس المجلس البلدي.
ومن المعلوم أنه طرحت في الفترة الأخيرة مسألة تعديل نص المادة /67/ من قانون البلديات بهدف إناطة السلطة التنفيذية في بلدية بيروت برئيس المجلس البلدي على غرار بقية البلديات في لبنان، إلاّ أن بعض أبناء الطائفة التي ينتمي إليها المحافظ، وفي مراكز المسؤولية، إعترضوا على ذلك معتبرين أن ذلك يشكل إنتقاصاً من حقوق الطائفة. ويمكن هنا إبداء الملاحظات التالية على الوضع المتقدم:
الملاحظة الأولى: يمكن أن يفهم المرء، وبالأخص رجل القانون، أن يقال إن وضع قانون معين أو تعديل هذا القانون تقتضيه المصلحة العامة، ومن ثم في قضية السلطة التنفيذية في بلدية بيروت نفهم أن يقال إن التعديل أو إبقاء الوضع على حاله هو أفضل لمقتضيات العمل البلدي، أمّا أن يقال إن الهدف من إبقاء الوضع على حاله أو تعديله هو تأمين حقوق الطائفة فإن هذا القول لا يمكن أن يكون مقبولاً من فكر مواطن عادي.
الملاحظ الثانية: إن المادة /95/ من الدستور كما عدلت بموجب القانون الدستوري رقم 18/90 ألغت في البند « ب » منها « قاعدة التمثيل الطائفي » في الوظائف العامة والقضاء والمؤسات... بإستثناء وظائف الفئة الأولى وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين « دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة » مع التقيد بمبدأي « الإختصاص والكفاءة »
وتعليقاً على النص المتقدم بالمقارنة مع ما أُثير حول رئاسة السلطة التنفيذية في بلدية بيروت نقول إنه كان يمكن أن تطرح مسألة رئاسة البلدية من زاوية عدم تخصيص أي مركز لأية طائفة، وتالياً إعطاء الطائفة مركزاً آخر في أهمية مركز محافظ بيروت.
من هنا يتضح أن وحدة الشعب كانت تتوقف عند موضوع حقوق الطائفة التي ينتمي إليها المواطن.
بالطبع تلك أمثلة تعيش في ذاكرة اللبنانيين ويمكن تكرار الأمثلة إلى ما لا نهاية.
50 ـ الآثار الإيجابية للطابع المزدوج للشعب اللبناني على الصعيد الحضاري والثقافي: بالطبع إن التعرض لموضوع الحضارة والثقافة يطرح المشكلة من زاوية سياسية لن ندخل في تفصيلاتها وتتلخص بطرح التعددية الحضارية والثقافية في لبنان)1(.
ولكن على رغم التباين في النظرة إلى تلك المشكلة فيبقى القول إن تعدد الطوائف في لبنان وتالياً الطابع المزدوج في تكوين الشعب اللبناني أكسب هذا الشعب ميزة تمثّلت في تعرّف بنيه على تراث متعدد الجوانب، التراث الإسلامي من جهة والتراث المسيحي من جهة أخرى فظهر كمنتدى للحوار بين الديانتين)1(.
وعلى الصعيد الثقافي كان لإنفتاح بعض الطوائف، وبالأخص المسيحية ومن بينها الطائفة المارونية بالذات، على الثقافة الغربية بصورة مبكرة بسبب الدور الذي لعبته الإرساليات الأجنبية والمدارس التبشيرية )2(، أثر في طبع الحضارة والثقافة في لبنان بطابع مزدوج جعلته على صلة حميمة بالحضارة الإنسانية العالمية الواحدة من دون أن يقطع جذوره مع الحضارة والثقافة المتأصلة في الشرق)3(.
أو كما جاء في بيان أركان الطائفة الأرثوذكسية بتاريخ 17/10/1983« إن حقيقة إنتماء لبنان إلى العالم العربي والمشرق هي حقيقة دائمة، وأن له رسالة رائدة لا يتنازل عنها، رسالة متجذّرة في تراثه المتأصل في الشرق ومتصلة بحضارة الغرب ».
ومن ثم ظهر لبنان كبلد « منفتح على كل الحضارات » وفقاً لما ورد في ورقة الحوار التي أقرها المجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك بتاريخ 24/9/1985.
وكان من نتيجة ذلك أن إنطلقت من لبنان نهضة رائدة في حقول العلم والإجتماع والسياسة، وأصبحت بيروت عاصمة لمفكري العالم العربي وملتقى مفكري الشرق الأوسط وفنانيه وروائييه. وإنتشر تألق أفكارهم في العالم كله عبر صحافة حرة ودور نشر نشيطة لا تزال حتى اليوم، وعلى الرغم من مآسي الحرب، تعتبر أبرز مثيلاتها في بلدان الشرق الأوسط. وإستقطبت الجامعات الخمس الكبرى في لبنان عدداً كبيراً من الطلاب العرب والشرقيين كما وفد إليها أساتذة أجانب من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ومصر للتدريس في كلياتها. وبلغت حيوية المدرسة، العامة والخاصة، شأواً لا مثيل له في بلدان المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك ظهر لبنان بوضع متميز على الصعيد العالمي من خلال علاقاته بالمؤتمرات والمنظمات الدولية، وكان له حضور دائم في العالم العربي وفي دول الغرب، كما كان له حضور دائم في المنظمات والمؤتمرات في العالم الإسلامي والمسيحي على السواء وفي تلك التي إرتدت طابعاً ثقافياً أو حضارياً محضاً )1(.
51 ـ خلاصة الباب الأول ـ طبيعة الدولة اللبنانية ـ إتحادية طوائف ضمن دولة بسيطة: من خلال العرض السابق يتبين أن الشعب اللبناني يبدو في آخر تحليل له كشعب واحد ضمن إتحاد يضم طوائفه)2(. من هنا كان اللبناني يشعر أحياناً، وبالأخص في زمن الأزمات وتنازع
الطوائف حول حقوقها، بإزدواجية في تكوين مجتمعه فيتنازعه تياران، التيار الموحد والذي يشده نحو الولاء الوطني، والتيار الإتحادي الذي يشده نحو إنتمائه الطائفي.
من هنا يمكن القول إن تكوين المجتمع اللبناني يمكن أن يقترب من تكوين المجتمعات في الدولة الإتحادية بثنائيتها المعروفة الوحدوية والإتحادية )1(.
ولكن بالمقابل يتبين أن الشعب اللبناني، رغم إتحادية طوائفه، بقي يعيش على أرض موحدة إذ لم تتواكب ظاهرة تعدد الطوائف بظاهرة تعدد الأقاليم المعروفة في الدول الإتحادية.
ومن ثم يصح القول إنه لا يجوز لأي مشترع دستوري أن لا يأخذ بعين الإعتبار تلك العوامل الضاغطة عند وضع قواعد تكوين السلطة والمشاركة في توليها وممارستها في لبنان.
الباب الثاني
طرق المشاركة في السلطة
52 ـ الطابع المزدوج للسلطة في لبنان ـ الطابع الوحدي والطابع الإتحادي: يتميز تركيب السلطة في الدولة اللبنانية بخصائص فريدة لا نجد لها مثيلاً في الدول العصرية، فالسلطة بما تتضمنه من معاني السيادة ( راجع البند 86 وما يليه) تبدو كسلطة واحدة موحدة على غرار السلطة في الدول الموحدة.
وبالفعل إن وحدة السلطة تتجلّى على صعيد وحدة الوضع الدستوري الذي يحكم تنظيم السلطة والدولة بشكل عام، وعلى صعيد أجهزة السلطة المركزية والمحلية والعلاقة بينهما إذ يحكم لبنان دستور واحد وتنبثق أجهزة السلطة وفقاً لأحكامه، من هنا وحدة المؤسسات الدستورية في الدولة وتفرغ أجهزتها إلى أجهزة مركزية وأجهزة محلية.
ومن ثم فإن الطابع الوحدي للسلطة يتجلّى بوجود سلطة واحدة تمارس مظاهر السيادة في الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتستمد وجودها من مشاركة جميع أفراد الشعب اللبناني، وتبسط سلطتها على كامل أراضي الدولة اللبنانية، وهذا الطابع جاء متوافقاً مع طبيعة العناصر المادية الأساسية التي تقوم عليها الدولة ـ عنصر الشعب وعنصر الأرض ( راجع البند 26 وما يليه).
ولكن إلى جانب الطابع الوحدي المُحْكى عنه فقد رأينا أن تكوين المجتمع اللبناني يتصف بطبيعة مزدوجة، فإلى جانب وحدة الشعب هناك طوائف متعدّدة لعبت ولا تزال تلعب دوراً في تاريخ لبنان والحياة السياسية فيه، بالإضافة إلى ممارستها سلطة مستقلّة عن سلطة الدولة على أبناء الطائفة في مسائل الحقوق العائلية ( راجع البند 88 ).
ونتيجة لذلك فإن الدولة اللبنانية لم تظهر فقط كرابطة تجمع بين أفراد الشعب اللبناني الواحد وتبسط سلطتها على أرض واحدة، بل ظهرت كذلك كرابطة تجمع بين الطوائف المتعددة التي يتكون منها المجتمع اللبناني بما تحتفظ به تلك الطوائف من إستقلالية في الشؤون الخاصة بها وبعض الشؤون المتعلقة بأبنائها وبما ترغب به من تحقيق مشاركة متوازنة في السلطة إزاء بعضها البعض.
من هنا كانت صعوبة التوفيق في تكوين السلطة داخل الدولة اللبنانية بين الدولة الموحدة بدستورها ومؤسساتها ومظاهر سلطانها إنطلاقاً من وحدة الشعب والأرض وبين الطوائف التي يتكون منها المجتمع اللبناني.
وقد تم حل تلك الصعوبة عبر مبدأين: مبدأ المشاركة ( La loi de participation) أي مشاركة الطوائف في تكوين السلطة وممارستها، ومبدأ الإستقلال الذاتي ( La loi d’autonomie) أي الإستقلال الذاتي للطوائف في تسيير شؤونها الخاصة وشؤون أبنائها في بعض المسائل.
وهذا الطابع لتكوين السلطة في الدولة اللبنانية يقربها من المبادئ التي تحكم تكوين السـلطة في الدول الإتحادية )1( ولكن مع فارق جوهري هو أن المشاركة والإستقلال الذاتي في الدول الإتحادية يؤمن حقوق دول يعيش ضمنها تجمعات سياسية في إقليم واحد، بينما المشاركة والإستقلال الذاتي للطوائف في لبنان يتعلقان بطوائف وليس بمناطق جغرافية محددة من أرض الدولة الواحدة.
وتبعاً لذلك إعْتُمِدت بعد الإستقلال صيغة معينة لتأمين المشاركة في السلطة تأخذ الواقع المتقدم بعين الإعتبار، كما طرحت صيغ بديلة أخرى من قبل البعض لتأمين المشاركة في السلطة.
53 ـ تعدد الطروحات حول المشاركة في السلطة: إن تعدّد الطوائف في لبنان ودورالطائفة في حياة المنتمين إليها بسبب إخضاع مسائل الحقوق العائلية للسلطات الدينية، كان يطرح دوماً مشكلة حول مدى حقوق كل طائفة من الطوائف في المشاركة في السلطة إزاء الطوائف الأخرى.
وكان الوضع السياسي والدستوري اللبناني منذ مطلع الإستقلال يؤمن حقوق الطوائف عبر نوع من الإتحادية بين تلك الطوائف في تكوين السلطة وممارستها وذلك بتخصيص بعض مراكز السلطة لطوائف معينة.
وقد أبقى التعديل الدستوري الذي حصل عام /1990/ بموجب القانون رقم 18/90 على هذه الصيغة للمشاركة في السلطة خلال المرحلة الإنتقالية، وعلى أمل إنتهاء المرحلة الإنتقالية وإلغاء الطائفية السياسية ليقوم بعدها نظام يعتمد من مبادئ الإتحادية مبدأ إتحادية الطوائف ضمن مجلس يمثل الطوائف كطوائف للمحافظة على حقوقها، إلى جانب مجلس نواب منتخب على أساس وطني لا علاقة له بالإنتماء الطائفي، ولكن ضمن دولة واحدة موحدة.
إلاّ أنه، خلال فترة الأحداث التي حصلت إبتداءً من السبعينيات من القرن الماضي، طُرِحت بعض المشاريع التي وصلت إلى حد المطالبة بإعتماد الشكل الإتحادي الكامل للدولة كمنطلق لتحقيق المشاركة في تكوين السلطة وممارستها، وقد عاد البعض ليكرر الطرح ذاته بعد إتفاق الطائف كبديل عن العلمانية الكاملة في الدولة.
ولكن مهما كان الشكل أو الطرق المعتمدة لتأمين المشاركة في السلطة، فإن تحقيق المشاركة بشكل حقيقي وفعّال يبقى متوقفاً على وجود قانون إنتخاب يؤمن تمثيلاً صادقاً وحقيقياً لمختلف فئات المجتمع اللبناني.
وتبعاً لذلك سنبحث في طرح تكوين السلطة والمشاركة فيها على أساس الإتحادية الكاملة (المبحث الأول) ثم على أساس إتحادية الطوائف ووحدانية الدولة ( الفصل الثاني) وأخيراّ في قانون الإنتخاب الذي يمكن أن يؤمن مشاركة حقيقية في السلطة ( الفصل الثالث).
الفصل الأوّل
المشاركة في السلطة على أساس
جعل لبنان دولـــة إتحاديـــة
54 ـ طروحات الإتحادية ومبرراتها ـ مناقشة الطروحات: إن طروحات الإتحادية كمخرج لمشاركة الطوائف في تكوين السلطة وممارستها ليست جديدة في لبنان بل كانت مطروحة منذ بداية إنشاء لبنان الكبير عام /1920/، ويعطي أصحاب الطرح الإتحادي مبررات عديدة لطرحهم، ( الفقرة الأولى) ولكن تقويم ومناقشة هذه الطروحات توضح أن طرح الإتحادية في لبنان هو مشروع لتقسيم لبنان إلى دويلات طائفية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: طرح الإتحادية ومبرراتها
55 ـ بذور فكرة الإتحادية عند إنشاء لبنان الكبير عام /1920/ وفي عهد الانتداب الفرنسي: فور إعلان لبنان الكبير عام /1920/، بضم الأقضية الأربعة إلى جبل لبنان ( راجع البند 26) عارض سكان تلك الأقضية تلك العملية وأعلنوا في عدة مناسبات رغبتهم بعدم الإنفصال عن سوريا ومن ثم تطلعهم إلى الوحدة العربية أو على الأقل الوحدة مع سوريا ( راجع البندين 35 و37 )
وإذ إن الدولة المنتدبة لم تستجب لتلك الرغبة وكانت حريصة على الإبقاء على الكيان اللبناني بحدوده المعلنة عام /1920/، فإن سكان تلك الأقضية عموماً وأكثريتهم من الطوائف الإسلامية وكذلك معظم أبناء الطوائف الإسلامية في لبنان طرحوا فكرة الإتحادية بحيث يقسم لبنان إلى منطقتين فدراليتين: الجبل أي المتصرفية سابقاً والأقضية التي ضمت إليه على أن يكون لكل منهما إستقلال ذاتي في إطار الوحدة اللبنانية، إلاّ أنّ هذا الحل لم يحظَ بقبول الدولة المنتدبة )1(.
ولكن رغم ذلك فقد أُعيد طرح الفكرة في عدة مناسبات ومواقف، سواء بشكل دعوة إلى نوع من اللامركزية تحقق إستقلالاً ذاتياً أو بشكل فدرالية بين مناطق لبنان وسوريا، ويمكن هنا الإستشهاد بالوثائق والمواقف التالية:
ـ مضبطة وقعها زعماء جبل عامل عام /1926/ قُدَّمت إلى المفوض السامي الفرنسي وتضمنت « نحن زعماء جبل عامل، منذ إلحاقنا بلبنان الكبير، ما زلنا نرى الغرم علينا والغنم لسوانا، لذلك نطلب من عميد الدولة المنتدبة المسيو دي جو فنيل تحقيق آمالنا الراسخة في نفوسنا وهي: فصلنا عن لبنان بإنشاء إدارة مستقلة تحت إشراف الدولة المنتدبة».
وقد وُقِّعت المضبطة من النائبين نجيب عسيران وفضل الفضل بالإضافة إلى زعماء العائلات الجنوبية: عسيران ـ الدرويش ـ مروة ـ العبد الله ـ الخليل ـ جابر ـ الأمين ـ الصباغ )2(.
ـ الموقف الثاني كان لنواب الأقضية الأربعـة عند مناقشـة المـادّة الأولـى مـن الدسـتور اللبناني وهي التي تعين حدود لبنان الحالية ( راجع البند 26)، وهذا الموقف يطرح بصورة واضحة فكرة الإتحادية بين جبل لبنان وتلك القضية على أن تشمل الدولة الإتحادية سوريا أيضاً.
وبالفعل في أول جلسة عقدها مجلس النواب لمناقشة مشروع الدستور اللبناني وكانت بتاريخ 19/5/1926 « تلا عمر بك الداعوق في بدء الجلسة بياناً موقعاً منه ومن النواب السادة صبحي حيدر (عن البقاع ومن الطائفة الشيعية) عمر بيهم (عن بيروت ومن الطائفة السنية) وخير الدين عدرا (عن طرابلس ومن الطائفة السنية) وخالد شهاب ( عن محافظة لبنان الجنوبي ومن الطائفة السنية) وهم « يحتجون على إلحاق البلاد التي يمثلونها بلبنان دون إستفتاء أهلها، ويطلبون أن تجعل حكومة مستقلة لها إتحاد مع لبنان القديم وسوريا ».
وأُلحِق نص البيان بمحضر الجلسة، وبعد مناقشة المادّة الأولى من الدستور وطرحها على التصويت تمت الموافقة عليها بالأكثرية إذ خالف النواب السادة الداعوق، بيهم ـ حيدر ـ شهاب وعدرا )1(.
وإذا كانت فكرة الإتحادية في تلك الفترة وليدة تحفظ فريق من اللبنانيين على العيش ضمن حدود الكيان اللبناني وحده نتيجة تطلعهم إلى الوحدة مع سوريا والوحدة العربية بشكل عام، إلاّ أن تطوّر الأحداث في المرحلة الأخيرة من عهد الانتداب وفي مطلع عهد الإستقلال جاء ليلغي ذلك التحفظ ويدفع بالفريق المتحفظ طيلة عهد الإستقلال إلى التمسك بالشكل الموحد للدولة.
ومن ثم خمدت فكرة الإتحادية بعد إعلان الإستقلال إلى أن نشبت الأحداث إبتداءً من السبعينيات من القرن الماضي، فعادت فكرة الإتحادية لتظهر من جديد ولكن هذه المرة ليس عند الفريق الذي أطلقها خلال العشرينيات بل عند قسم من الفريق الذي كان يتمسك آنذاك بالشكل الموحد للدولة اللبنانية.
56 ـ بروز فكرة الإتحادية من جديد بعد عام /1975/: غني عن البيان أن لبنان عاش أحداثاً مؤلمة منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، كانت تخفت أحياناً ثم تعود لتأخذ طابع الحدة، وإستمرت تلك الأحداث لغاية أواخر الثمانينيات إذ إنتهت بإتفاق الطائف عام /1989/. وإذا كانت تشابكت عوامل خارجية وعوامل داخلية في تلك الأحداث، فإن الأخيرة وحدها هي التي تعنينا ضمن هذا البحث.
لقد تمحور الجانب الداخلي من الأزمة حول حقوق الطوائف إزاء بعضها البعض ومن ثم حول كيفية تحقيق مشاركتها في الحكم بشكل متوازن وبشكل يؤمن المساواة بين المواطنين، وطرحت على إمتداد سنوات الأزمة مشاريع حلول وُثّقت في مجلدات وأكثرها يتعلق بإصلاح النظام السـياسي عبر تعديـل الدسـتور القائــم أو بوضع دســتور جديـد ( راجع البند 6)، وضمن التصور للحل طرح بعض الأفرقاء فكرة الإتحادية بدل الشكل الموحد للدولة.
ورغم أن إتفاق الطائف طوى تلك المشاريع وأقر الشكل الموحد البسيط للدولة، إلاّ أن هناك بعض الطروحات التي ما زالت ترى في الإتحادية أحد الحلول البديلة عن العلمنة الكاملة )1(.
وتبعاً لذلك يقتضى عرض المشاريع التي وجدت في الشكل الإتحادي للدولة الحل لمشكة مشاركة الطوائف في تكوين السلطة وممارستها ومن ثم المبررات المُعْلنة لهذا الطرح والخلفيات الكامنة وراءه.
57 ـ المواقف والمشاريع المؤيدة لفكرة الإتحادية: عادت فكرة الإتحادية لتبرز من جديد بعد عام /1975/، وضمن التصورات المطروحة لحل الأزمة اللبنانية قبل التوصل إلى إتفاق الطائف؛ ولكن يلاحظ هنا أن فكرة الإتحادية جاءت في هذه المرحلة من الفريق الذي كان أساساً من دعاة الشكل الموحد للدولة بعد إعلان « لبنان الكبير » عام /1920/ وطيلة عهد الإنتداب.
فمن المعلوم أن الطوائف المسيحية هي التي كانت آنذاك وطيلة عهد الانتداب تدافع عن الشكل الموحد للدولة اللبنانية بمواجهة سكان مناطق الأقضية الأربعة والطوائف الإسلامية عموماً ( راجع البند 55).
إلا أنه بعد عام /1975/ إنقلبت المواقف، فطرح بعض القوى من أبناء الطوائف المسيحية فكرة الإتحادية كحل للأزمة اللبنانية والمشاركة في تكوين السلطة وممارستها ولكن دون أن يستجمع هذا الطرح موافقة جميع القوى السياسية عند الطوائف المسيحية.
وجاء طرح الإتحادية أولاً بشكل مواقف مؤيّدة لها دون أن تصل تلك المواقف إلى وضع تصور كامل لها، ثم تطوّر الأمر إلى حد وضع مشاريع متكاملة للنظام الإتحادي.
والمشاريع التي طرحت بشكل صيغة متكاملة أتت من الرهبانيات الكاثوليكية عام /1976/ ومن الرئيس كميل شمعون في حديث له مع وكالة رويتر بتاريخ 16/12/1976، ثم في مشروع نشرته مجلة العمل الشهري في عددها السابع عام /1977/، ثم في مشروع للأستاذ موسى برنس وهو يمزج بين الفدرالية والكونفدرالية وضعه عام /1976/، ثم في مشروع وضعه الدكتور أنطوان فتال في ذات العام، ثم في موقف للرهبانيات اللبنانية أوردته القضية اللبنانية، رقم /20/ تاريخ 7/2/1977)1(، ثم في نص ورقة العمل المشـتركة لحزبي الكتائب والأحرار التي قدمها الرئيس كميل شمعون في مؤتمر الحوار الوطني في لوزان بتاريخ 13/3/1984 وهو بعنوان « لبنان جمهورية إتحادية ».
أما المواقف التي إقتصرت على تأييد فكرة الإتحادية أو على الأقل البحث في إمكانية تطبيقها في لبنان فجاءت في بيان الجبهة اللبنانية بعد خلوة سيدة البير بتاريخ 23/1/1977 حيث تضمن البيان الدعوة إلى « إعتماد تعددية المجتمع اللبناني، بتراثاتها وحضاراتها الأصلية، أساساً في البنيان السياسي الجديد للبنان الموحد... بحيث ترعى كل مجموعة حضارية فيه جميع شؤونها، وبخاصة ما تعلق منها بالحرية وبالشؤون الثقافية والتربوية والمالية والأمنية والعدالة الاجتماعية وعلاقاتها الثقافية والروحية مع الخارج وفقاً لخياراتها الخاصة ».
وقد وقع البيان الرئيس كميل شمعون والرئيس سليمان فرنجية والشيخ بيار الجميل والآباتي شربل قسيس؛ ثم عادت الجبهة اللبنانية، على أثر إجتماعها في دير عوكر بتاريخ 23/12/1980، وأذاعت بياناً إقتصرت فيه على التلميح بإمكانية تطبيق الإتحادية في لبنان وجاء البيان بعنوان « لبنان الذي نريد ».
وقد تجدد هذا الطرح في مطلع عام /1990/ من قبل القوات اللبنانية وعلى لسان قائدها الدكتور سمير جعجع وعبر وسائل الإعلام المختلفة، فطرح الفكرة أولاً مدافعاً عنها دون أن يوضح معالمها خلال مؤتمره الصحفي بتاريخ 11/1/1990 وقد بثته فـي حينــه المؤسسـة
اللبنانية للإرسال وأوردت وقائعه الصحف في اليـوم التالي)1(، إلا أن قائد القوات اللبنانية عاد وأوضح بعض معالم الإتحادية في حديث خاص نشرته مجلة الماكزين)2(.
ثم بعد توقيع إتفاق الطائف وإجراء التعديل الدستوري بالإستناد إليه بموجب القانون رقم 18/90 عاد العماد ميشال عون ليجدد طرح الفدرالية)3( كبديل عن العلمنة الكاملة.
58 ـ المبررات لفكرة الإتحادية والفوائد العملية لها من منظار مؤيديها: تضمنت المشاريع التي طرحت الشكل الإتحادي للدولة اللبنانية كأساس للمشاركة في السلطة نوعاً من الأسباب الموجبة تركزت حول المبررات التي تحتم الأخذ بهذا الحل وفي نفس الوقت الفوائد التي تنجم عن إعتماده.
ويظهر أن ورقة العمل المشتركة لحزبي الكتائب والأحرار بعنوان لبنان « جمهورية إتحادية » والتي قدمها الرئيس كميل شمعون إلى مؤتمر الحوار الوطني في لوزان عام /1984/ قد إستوحت وجمعت الأسباب الموجبة الواردة في المشاريع السابقة، وتبعاً لذلك سنعرض الأسباب الواردة في تلك الورقة نظراً لأنها تختصر الأسباب الموجبة لفكرة الإتحادية بعد عام /1975/ من وجهة نظر أصحابها. ورد في الوثيقة ما يلي:
« في محاولة للوقوف على أسباب الخلل في مؤسسات الحكم والدولة، ولجعل هذه المؤسسات أكثر انطباقاً على حقيقة لبنان وأكثر أهلية في معالجة المسائل الناجمة عن الحرب والنزاعات الدموية التي تتتالى على أرضه منذ سنوات، نتقدم من الحلقة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني المنعقدة في مدينة لوزان بالأفكار والمقترحات التالية.
1 ـ يتألف لبنان من مجموعات دينية وحضارية عدة، ولكل مجموعة منها شخصيتها وخصائصها وتاريخها أيضاً. لكنها متفقة على أن تتعايش في وطن واحد، في مقابل الحرية والعدل والمساواة. وهي لا تزال تفتّش عن الدولة الفضلى التي تحقق ذلك وتضمنه، ويجب أن نعترف بأن دولة الأربعينات لم توفّق في ذلك إلا بصورة جزئية وإلى أجل محدود، إنتهى بإنفجار هذه الدولة وتداعي مؤسساتها السياسية والعسكرية.
2 ـ إن ما أدى إلى هذا الإنفجار هو أن هذه الدولة هي دولة وحدوية تصلح لمجتمع متجانس، فيما المجتمع اللبناني مجتمع مركب متنوع وتعددي، الأمر الذي زاد من حدة الصراع على السلطة بدلاً من أن يخففه أو يقلل من الإحتكاك والنزاعات المسلحة.
3 ـ إن قاعدة التمثيل الطائفي، التي إعتمدت بموجب المادّة /95/ من الدستور، بنيت على أساس أن الطوائف اللبنانية مجموعات مؤقتة يجب أن تنصهر وتذوب في مجموعة وطنية واحدة، إنسجاماً مع منطق الدولة الوحدوية، فكان أن ظل لبنان حائراً بين إلغاء هذه القاعدة وعدم إلغائها. الصحيح أن لا الإلغاء كان حتى الساعة ممكناً، ولا تطبيق القاعدة تطبيقاً كاملاً وسليماً كان ممكناً هو أيضاً نتيجة تعارضه مع منطق الدولة الوحدوية وأصولها. فضلاً عن أن الطوائف ظلت تتمسك بخصائصها وشخصياتها، وهذا حق من حقوقها. وقد برهنت ظروف الحرب التي توالت على لبنان منذ ما يقارب عشر سنين كم هي حريصة، هذه الطوائف، على شخصياتها وخصائصها، متمسكة أيضاً بأنظمتها الخاصة فيما يتعلق خصوصاً بنظام الأحوال الشخصية وما إليه.
4 ـ لقد تربّى اللبنانيون على أساس أنهم أمة واحدة أو مجتمع واحد موحد وعلى أساس أن توزعهم طوائف عيب يجب أن يزال. والحقيقة أنه كان ينبغي أن تكون التربية على العكس من ذلك فتتركز على ضرورة الإعتراف المتبادل بين الطوائف، توصلاً إلى الإحترام المتبادل والتعايش المبني على الثقة. فيفهم المسيحيون أن المسلمين ليسوا نسخة طبق الأصل عنهم والعكس بالعكس. فوجب أن يحترم هذا الإختلاف لا أن يحتقر.
5 ـ إن التعايش بين مجموعات دينية مختلفة، كما هي الطوائف اللبنانية، أمر تحتمه الحياة وتركيبة الوطن اللبناني نفسه، لكن هذا التعايش، منطقاً، يجب أن يؤخذ به كاملاً وأن يعمل به كاملاً، فتكون التربية الوطنية مبنية على هذا الأساس، وكذلك الدولة ومؤسساتها.
تبعاً لذلك ينبغي الإتفاق على الأمور التالية:
ـ التمسك بلبنان كما هو في حدوده الحاضرة.
ـ الإعتـراف بـه كما هـــو في تركيبته
السوسيولوجية
ـ تطوير مؤسساته في إتجاه النظام الإتحادي،
الذي يلائم هـذه التركيبة ويحترمها ويتلاءم
أكثــر مع مــا أحدثته ظروف الحرب
من متغيرات.
6 ـ ليس صحيحاً أن النظام الإتحادي هو نظام تقسيمي أو هو يمهد له أو يعرض لبنان لمثل ذلك، بل العكس هو الصحيح. فهو يقرب أكثر مما يفرق، إضافة إلى كونه الدرع الواقية من كل أخطار التجزئة والتفكك والتقسيم. وقد أثبتت التجارب أن على يده قامت الدول القوية والقادرة والمتوازنة، وكان أنجح من الأنظمة الوحدوية في توفير الإستقرار للدول التي أخذت به. وليس في التاريخ ما يدل على أن دولة إتحادية إنفجرت وإنقسمت على نفسها، فيما الأمثلة لا تحصى عن الدول التي إنفجرت وتفككت من جراء النظام الوحدي وقساوته.
7 ـ وإذا قيل إن الدولة الوحدوية محكوم عليها بأن تظل كذلك فالشواهد تنفي هذا القول، وهي ماثلة في بلدان عدة نذكر منها: الاتحاد السوفياتي، يوغوسلافيا، ألمانيا الإتحادية، النمسا، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك فنزويلا وغيرها.
ونشير في المناسبة إلى أن أعظم الدول وأغناها هي التي تعيش في نظام إتحادي، مثل ألمانيا الإتحادية واستراليا والنمسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا إضافة إلى ذلك، أن كل دول العالم تتجه إلى التقليل من صلاحيات الحكم المركزي، في مقابل تعزيز صلاحيات الحكم المحلي في المناطق والولايات »)1(.
59 ـ المواقف والمشاريع التي تتمسك بالشكل الموحد للدولة وترفض الشكل الإتحادي: في مواجهة طرح الشكل الإتحادي للدولة الذي برز على أثر الأحداث التي بدأت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي قامت مواقف مناهضة لهذا الطرح ومتمسكة بالشكل الموحد للدولة.
والملاحظ أن المواقف والمشاريع هنا لم تتخذ طابعاً طائفياً، لأنها جاءت من قوى سياسية وروحية من مختلف الطوائف اللبنانية؛ أكثر من ذلك جاءت بعض تلك المواقف من أفرقاء كانوا تبنوا في بعض المناسبات الطرح الإتحادي كالرئيس كميل شمعون والرئيس سيلمان فرنجية والشيخ بيار الجميل.
وأهم المواقف والوثائق المعبّرة عن هذا الإتجاه كانت التالية:
ـ بيان رؤوساء الطوائف الروحية بعد إجتماعهم في بكركي ودار الفتوى في تشرين الأول من عام /1975/، إذ ورد في البيان أن المجتمعين يعلنون « إيمانهم بأن أبرز ما في لبنان ... هو وجود التعايش الفريد في العالم على أرضه ... ( وهم) يرفضون كل ما يؤدي إلى تصديعه وخاصة يرفضون التقسيم بجميع معانيه ».
ـ « عهد » جبهة الحرية والإنسان الذي أذاعه الآباتي شربل قسيس رئيس المؤتمر الدائم للرهبانيات اللبنانية بتاريخ 14/2/1976 وقد ورد فيه: « التأكيد على وحدة لبنان تراباً وأمة ». وقد وقع الوثيقة ومع حفظ الألقاب: الآباتي قسيس ـ كميل شمعون ـ بيار الجميل ـ فؤاد الشمالي ـ سعيد عقل ـ شاكر أبو سليمان ـ شارل مالك.
ـ ورقة عمل « التجمع الإسلامي » تاريخ 5/8/1976 وقد ورد فيها ضرورة « الحفاظ على لبنان في حدوده القائمة، وحدة أرض ووحدة شعب ووحدة سلطة ».
ـ ورقة عمل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى برئاسة الإمام موسى الصدر بتاريخ 11/5/1977، وقد أعاد طرحها سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين بتاريخ 3/10/1983، وقد ورد فيها: « تجدّد الطائفة الشيعية إيمانها بلبنان الواحد الموحد ... وما لم يمكن القبول به: تقسيم لبنان، إن الطائفة ترفض رفضاً باتاً أي صورة من صور التقسيم تحت ستار لا مركزية سياسية أياً كانت هيكليتها ».
ـ بيان المجلس السياسي المركزي للأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية حول المشروع السياسي من أجل تسوية متوازنة بتاريخ 7/7/1977، وقد ورد فيه التأكيد على ضرورة « إستعادة وحدة لبنان السياسية والإدارية ».
ـ الإتفاق النيابي)1( الإجماعي بتاريخ 23/4/1978، الذي تضمن: « بما أن وحدة لبنان( هي من المسلمات التي) يجمع عليها اللبنانيون على إختلاف فئاتهم وآرائهم »
ـ مذكرة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، بشأن تسوية الأزمة اللبنانية، إلى المبعوث البابوي الكاردينال باولو برتولي، بتاريخ 10/12/1978 وقد ورد فيها وضمن الأهداف الوطنية العامة للبنان الجديد « صون وحدة لبنان أرضاً وكياناً ».
ـ مشروع الرئيس سليمان فرنجية لحل الأزمة اللبنانية الذي أعلنه من زغرتا بتاريخ 24/12/1981، وقد ورد فيه الحفاظ على لبنان وحدة لا تتجزأ كياناً وشعباً وأرضاً بمساحته وحدوده المعترف بها دولياً ... (و) نظام سياسي مركزي موحد يستند إلى سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية موحدة ».
ـ بيان خلوة نيسان لمجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي بتاريخ 28/2/1979وقد ورد فيه أن « لا حل سياسي لا يضمن وحدة لبنان ».
ـ مذكرة نقابة المحررين اللبنانيين إلى الرئيس إِلياس سركيس بتاريخ 27/3/1980 وقد ورد فيها « من هنا قناعتنا بلبنان الواحد، ومن هنا عدم موافقتنا على كل ما يمكن أن يمس هذه الوحدة اللبنانية ... ثم لبنان وطن واحد ودولة واحدة ».
ـ الميثاق السياسي التنظيمي للعمل الجبهوي في الحركة الوطنية اللبنانية بتاريخ 3/4/1981 وقد ورد فيه « تجديد التزام البرنامج المرحلي سبيلاً لبناء لبنان .... الموحد على قاعدة المساواة والإندماج الاجتماعي ».
ـ ورقة عمل الرئيس صائب سلام حول برنامج من أربع مراحل بتاريخ 3/5/1981 وهو بعنوان « لبنان واحد لا لبنانان ».
ـ مذكرة الحركة الوطنية إلى لجنة المتابعة العربية في سبيل وفاق حقيقي وإصلاح ديموقراطي للنظام السياسي في لبنان بتاريخ 22/6/1981، وقد ورد فيها « إستعادة وحدة لبنان السياسية والإدارية وذلك يتطلب:
1ـ إلغاء كل أشكال السلطة التقسيمية القائمة فعلياً في بعض المناطق اللبنانية وإزالة كل أدواتها السياسية والأمنية والإدارية ...
2 ـ التصدي لدعوات اللامركزية السياسية والتعددية الكيانية ولأي شكل من أشكال التقسيم المعلن لا المقنع وإعتبارها ماسة بكيان البلاد ووحدتها وبأمن الشعب والوطن ».
ـ ورقة العمل اللبنانية المقدمة إلى إجتماع لجنة المتابعة العربية الذي عقد في جدة بتاريخ 23/6/1981 وقد ورد فيها « إيماناً بلبنان الموحد، وإنطلاقاً من إرادة بنيه في إستمرار العيش المشترك وتكريساً لهذه الإرادة الوطنية بالحفاظ على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات».
ـ البيان الصادر عن « اللقاء الإسلامي الوطني » بتاريخ 6/9/1982 وقد ورد فيه « التأكيد على وحدة لبنان وسلامة أراضيه في حدوده المعترف بها دولياً ».
ـ البيان الصادر عن اللقاء الإسلامي حول « ثوابت الموقف الإسلامي » بتاريخ 22/9/1983 وقد ورد فيه « رفض أي شكل من أشكال اللامركزية السياسية سواء طرحت في صيغة الكونفدرالية أو الفدرالية أو الإتحاد بين الولايات أو كانتونات ».
ـ المذكرة التي رفعها المجلس الإستثنائي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم إلى مؤتمر الحوار الوطني في جنيف بتاريخ 4/11/1983، وقد ورد فيها « إلتزام وحدة الأرض والشعب والمؤسسات ».
ـ وثيقة تطلعات لبنانية التي وضعها « مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك في ختام دورته السنوية بتاريخ 8/12/1983، وقد ورد فيها « لبنان بلد موحد أرضاً وشعباً ومؤسسات ».
ـ بيان أركان الطائفة الأرثوذكسية بتاريخ 17/10/1983 حول أسسس إعادة توحيد لبنان وقد ورد فيه « التأكيد على أن لبنان هو الوطن النهائي لجميع أبنائه والتصدي لأي محاولة تهدف إلى تقسيم لبنان أو تجزئته ... والاصـرار على بقاء لبنان ... موحداً أرضاً وشعباً ومؤسسات ».
ـ أوراق العمل التي قدمت إلى هيئة الحوار الوطني التي إنعقدت في لوزان عام /1984 ـ بإستثناء ورقة العمل المشـتركة لحزبي الكتائب والأحـرار)1( ـ وأهمها:
ـ ورقة عمل حركة أمل وقد ورد فيها أنه « يجب أن يلتزم اللبنانيون رفض التقسيم رفضاً باتاً وقاطعاً تحت أية صورة أو عرض أو فرض، من لامركزية سياسية أية كانت هيكليتها، فيدرالية أو كونفدرالية أو كانتونات أو خلاف ذلك ... »
ـ ورقة العمل المشتركة للرؤساء والأساتذة عادل عسيران، صائب سلام، رشيد كرامي، نبيه بري، وليد جنبلاط، وقد ورد في مستهلها « تحقيقاً للوفاق الوطني وتأكيداً للإرادة الوطنية في العيش المشترك، وفي التلاقي على إرساء الدولة الموحدة على أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبناء الشعب الواحد ».
ـ ورقة عمل رئيس الجمهورية آنذاك الشيخ أمين الجميل وقد ورد فيها أن تطوير النظام يصير باتجاهين: الأول « مركزية سياسية تضمن وحدة الأرض والشعب والمؤسسات ...» .
ـ وثيقة حزب الكتلة الوطنية وقد أكد الحزب فيها « تمسكه بوحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات وبوجوب العمل على إستعادة الوحدة سياسياً وإدارياً وأمنياً، ويؤكد رفضه كل أشكال التجزئة والتقسيم ».
ـ البيان التأسيسي الصادر عن « الجبهة الوطنية الديموقراطية » الذي أذاعه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الأستاذ وليد جنبلاط بتاريخ 9/10/1984 وقد ورد فيه التأكيد على « النضال من أجل إستعادة وحدة لبنان وصون إستقلاله الوطني، والتصدي لكل أشكال التقسيم ومشاريع الفدرالية والكانتونات ».
ـ المشروع الذي قدمه الشيخ محمد مهدي شمس الدين بتاريخ 19/7/1985 لإقامة نظام جديد في لبنان وقد ورد فيه « لبنان دولة مستقلة واحدة موحدة في الأرض والشعب والمؤسسات، والسلطة غير قابلة للتجزئة ... وعلى هذا فكل تقسيم للبنان على أي أساس مفترض وتحت أي شعار مفترض هو مرفوض ومدان، ويدخل في ذلك جميع أشكال اللامركزية السياسية وكذلك اللامركزية الأمنية ( قوى الأمن الداخلي ) والمالية والإنماء ».
ـ البرنامج السياسي كما أقره المؤتمر التأسيسي لـ ...« جبهة الإتحاد الوطني » المنعقد في شتورة بتاريخ 6/8/1985 وقد ورد فيه « التمسك بوحدة لبنان وتثبيتها ورفض الطروحات حول التعددية والمجتمعات الدينية أو العرقية أو الثقافية أو الحضارية ... ووحدة لبنان تتنافى مع كل مشاريع التمايز والتقسيم وطروحات اللامركزية السياسية من فدرالية وكونفدرالية وكانتونات ولا مركزية إنمائية أو أمنية ».
ـ « وثيقة الخلاص الوطني » للرئيس سليمان فرنجية بتاريخ 5/9/1985 وقد ورد فيها « لبنان بلد سيد حر مستقل ذو وحدة لا تتجزأ كياناً وأرضاً وشعباً ومؤسسات ... ورفض كل أشكال اللامركزية السياسية كالفدرالية والكونفدرالية والإتحاد بين الولايات والكانتونات أو غيرها من أشكال الكيانات الذاتية ورفض اللامركزية الأمنية ».
ـ مشروع « المجلس السياسي الوطني » لمدينة صيدا لحل الأزمة اللبنانية الذي أذاعه نائب صيدا الدكتور نزيه البزري بتاريخ 5/9/1985وقد ورد فيه « الإعتراف بعروبة لبنان بلداً حراً موحداً لا كانتونات تقسمه ولا تعددية غير طبيعية تباعد بين بنيه، بل وحدة أرض وشعب ».
ـ البيان الصادر عن إجتماع « سمار جبيل » الثاني بين الرؤساء كميل شمعون ـ شارل حلو ـ سليمان فرنجية بتاريخ 8/9/1985 وقد ورد فيه « إننا نؤكد إيماننا بلبنان الواحد الموحد السيد الحر المستقل ».
ـ مقررات المؤتمر التاسع للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم الذي عقد في ساو باولو بتاريخ 23/10/1985 وقد ورد ضمن تلك المقررات « التمسك بلبنان وطناً واحداً موحداً، أرضاً وشعباً ومؤسسات ».
ـ الإتفاق الثلاثي الذي تم توقيعه في دمشق بتاريخ 28/12/1985 بين رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية الأستاذ إيلي حبيقه والوزير نبيه بري رئيس حركة أمل والأستاذ وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، وقد ورد فيه « التمسك المطلق بوحدة لبنان ورفض مشاريع التقسيم وكل أشكال التمايز وطروحات اللامركزية السياسية كالفدرالية والكانتونات واللامركزية الإنمائية والأمنية وهذا الموقف يحتم رفض الأمن الذاتي ».
ـ البيان الصادر عن المؤتمر الماروني الذي عقد في بكركي برئاسة المدبر الرسولي للبطريركية المارونية والمطران إبراهيم الحلو بتاريخ 25/1/1986 وقد ورد فيه أن المجتمعين يؤكدون « إيمانهم المطلق بوحدة الشعب والأرض والمؤسسات، في إطار سيادة الدولة وشرعيتها».
ـ مشــروع إتفاق أوّلي لحل وطنـي في لبنان أعدته لجنة تمثل « القوى المناهضة للإتفاق الثلاثي » ونشرته السفير بتاريخ 20/3/1986، وقد ورد فيه « التمسك المطلق بوحدة لبنان ورفض مشاريع التقسيم والفدرالية والكونفدرالية والكانتونات والأمن الذاتي ».
ـ مشروع الميثاق الوطني الذي قدمه وزير التربية والعمل الرئيس سليم الحص إلى هيئة الحوار الوطني بتاريخ 15/9/1986، وقد ورد فيه « الإيمان بوحدة لبنان مرادف للتمسك المطلق بوحدة أرضه وشعبه ومؤسسـاته، وهذا يعني رفض مشاريع التقسيم وكل أشكال التمايز بما في
ذلك اللامركزية السياسية أو الإنمائية وبالتالي رفض أي طرح يقوم على فكرة الفدرالية أو الكانتونات أو أي صيغة للأمن الذاتي ».
ـ ورقة عمل للإصلاح الدستوري وضعها الرئيس أمين الجميل وقدمها إلـــى الرئيس حافظ الأسد بتاريخ 13/12/1986 وقد ورد فيها « لبنان وطن نهائي حر ومستقل وواحد أرضاً وشعباً ومؤسسات». وكذلك مبادئ للميثاق الوطني طرحت في الجولة الثامنة من المحادثات اللبنانية السورية بتاريخ 17/3/1987 وقد ورد ضمنها « لبنان بلد سيد حر مستقل موحد أرضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده المنصوص عليها في الدستور والمعترف بها دولياً».
ـ البيان التأسيسي الصادر عن « جبهة التوحيد والتحرير » المعلن من فندق الكارلتون بتاريخ 22/7/1987، وقد ورد فيه « وحدة لبنان: النضال من أجل إستعادة وحدة لبنان وصون إستقلاله الوطني والتصدي لكل أشــكال التقسيم ومشاريع الفدرالية والكانتونات والأمن الذاتي بكل أشكاله ».
وأخيراً جاءت وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها البرلمانيون اللبنانيون في الطائف بتاريخ 2/10/1989 تؤكد الشكل الموحد للدولة، وبالفعل ورد في مستهل الوثيقة أن « لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحداً أرضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في الدستور اللبناني والمعترف بها دولياً » وقد أُدْرج هذا النص في البند «أ» من مقدمة الدستور التي أَضيفت بموجب القانون رقم 18/90.
ـ وعلى أثر طرح قائد القوات اللبنانية في مطلع عام /1990/ لموضوع الإتحادية أُعْلنت مواقف معارضة كان أهمها موقف للرئيس سليم الحص أعتبر فيه أن الفدرالية هي صنو التقسيم ومواقف مماثلة للرئيس عمر كرامي والرئيس نبيه بري والنواب الـسادة مخايل الضاهر ـ عبـد
اللطيف الزين ـ هاشم الحسيني والدكتور حسين القوتلي)1(.
تلك كانت المواقف المعارضة لطرح الإتحادية، فكيف يمكن تقويم طرح الإتحادية في لبنان على ضوء طبيعة الدول الإتحادية والمبادئ التي تحكم تكوين السلطة فيها؟
الفقــرة الثانيـــة: الإتحادية مشروع لتقسيم
لبنان إلى دويلات طائفية
60 ـ تعريف الإتحادية ـ مبرراتها ـ التقريب بين المجتمعات السياسية المتباينة: تظهر الإتحادية كرابطة بين مجموعة دول أو دويلات تخضع في قسم من شؤونها إلى سلطة واحدة هي سلطة الدولة الإتحادية بينما تحتفظ كل دولة داخل الدولة الإتحادية بسلطة مستقلة بها في بعض الشؤون)2(. وهذا بخلاف ما هو عليه الوضع في الدول الموحدة حيث يتولى السـلطة فيها شخص معنوي واحد يتمثل بالدولة الواحدة.
ولا شك في أن تنظيم السلطة في المجتمع هو من صنع الإنسان الذي يصبو دوماً إلى تحقيق آماله وآمال المجتمع السياسي الذي يعيش ضمنه بشكل أفضل.
وإذا كانت رؤيا الإنسان وآماله وقفت في الماضي عند حدود الوطن الذي ينتمي إليه إلاّ أن تحسين الأساليب المقترحة لتنظيم حياة المجتمعات السياسية تجاوز، في العصر الحديث، حدود الوطن إلى آفاق أوسع. فالحياة السياسية في العصر الحديث أصبحت محكومة بآفاق وأبعاد تتجاوز تلك الحدود سواء لجهة المشاكل الداخلية ضمن حدود الوطن أو لجهة المشاكل الخارجية مع الدول القائمة خارج تلك الحدود.
من هنا نشأت فكرة الإتحادية كرابطة بين مجتمعات سياسية متباينة لتصل بتلك المجتمعات إلى مجموعة سياسية متماسكة، بعد أن كانت سابقاً منفصلة عن بعضها ومنطوية على ذاتها، وكل ذلك بهدف التعاون لحل مشاكلها الداخلية والمشاكل التي كانت قائمة سابقاً بينها.
وقد أثبتت التجارب أنه يمكن أن تقوم سلطة سياسية واحدة وتفرض نفسها على مجتمعات سياسية عاشت سابقاً مستقلة عن بعضها، وإذا كان قيام تلك السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي سويسرا بقي محكوماً بظروف خاصة سهّلت قيام الإتحادية بينها إلاّ أن عوامل أخرى، مستمدة من التاريخ والجغرافيا وعلم الإجتماع، تتضافر في العصر الحديث لتسهيل التقارب بين المجتمعات السياسية المختلفة.
وهذا يعني أن التوق لمستقبل أفضل هو الذي يدفع المجتمعات السياسية المتباينة إلى إقامة الإتحادية بينها، علماً أن ظروف اليوم تساعد في قيام الإتحادية أكثر من ظروف الماضي. من هنا يمكن فهم فكـرة الإتحادية في العالم المعاصر وإنعكاساتها الإيجابية في حياة المجتمعات السياسية، إذ بدت الإتحادية وكأنها الترياق لحل المشاكل الإقتصادية والنزاعات الإقليمية)1(.
61 ـ الطبيعة المزدوجة للدولة الإتحادية ـ الإتحادية والوحدة تنافي طبيعة الدولة اللبنانية: تظهر الدولة الإتحادية إذاً بطبيعة مزدوجة، من جهة دولة إتحادية ومن جهة دولة واحدة، ويتجلّى الطابع المزدوج من خلال العناصر الأساسية الثلاثة التي يجب توفرها في الدولة، الأرض والشعب والسلطة.
ـ بالنسبة للأرض: يظهر طابع الوحدة من خلال وحدة أراضي الدولة الإتحادية بإعتبار أن أرض تلك الدولة تشمل كامل أراضي الدول الأعضاء فيها، ومن ثم تبسط الدولة الإتحادية وفي النطاق المخصص لها سلطتها على كامل تلك الأراضي.
أما الطابع الإتحادي فيظهر من خلال إنقسام أرض الدولة الإتحادية إلى أقاليم أو مقاطعات يشكل كل منها أرض دولة معينة من الدول أعضاء الإتحاد، فتبرز الإتحادية كرابطة تجمع بين أراضي دول متعددة ( راجع البند 24)
وقد رأينا أن أرض الدولة اللبنانية هي أرض واحدة موحدة ( راجع البند 27) تتماثل مع أراضي الدول البسيطة الموحدة ومن ثم فهي تختلف بطبيعتها عن أراضي الدول الإتحادية.
ـ بالنسبة للشعب: يظهر طابع الوحدة في الدول الإتحادية من خلال تطبيق قوانين الدولة الإتحادية على جميع المواطنين فيها بصرف النظر عن الدولة العضو التي ينتمي إليها المواطنون، فيظهر هؤلاء ومن زاوية علاقتهم بالسلطة المركزية في الدولة الإتحادية كشعب واحد في دولة واحدة هي الدولة الإتحادية، ومن ثم يحملون جنسية واحدة هي جنسية الدولة الإتحادية.
أما الطابع الإتحادي فيظهر من خلال إرتباط المواطنين في كل دولة عضو بتلك الدولة وبرابطة متميزة عن العلاقة التي تربط المواطن في دولة أخرى بدولته، وذلك بنتيجة انقسام شعب الدولة الإتحادية إلى شعوب مختلفة يعيش كل منها في حيز جغرافي واحد هو إقليم الدولة العضــو، فيظهر الشـعب عندئذ كإتحاديـة قائمة بين شــعوب متعددة ( راجع البند 31)
ولا شك في أن الطابع المزدوج للدولة الإتحادية بالنسبة للأرض والشعب يترابط إرتباطاً وثيقاً لا ينفصم عراه، بمعنى أن الشعب في كل دولة عضو يلتصق بأراضي تلك الدولة، من هنا تقوم الإتحادية بين أقاليم يعيش ضمن كل منها تجمع سياسي متميز عن غيره، وتبعاً لذلك يصح القول إنه لا يمكن قيام الإتحادية بين تجمع يعيش ضمن الوحدة الجغرافية ذاتها ( راجع البند 24 ).
وقد رأينا أن شعب الدولة اللبنانية هو شعب واحد نتيجة عوامل عديدة جعلت منه شعباً واحداً، ( راجع البند 33 وما يليه)، كما أن أبناء الطوائف المتعددة يعيشون في الحيز الجغرافي ذاته دون أن تستقل أية طائفة بمنطقة واحدة من المناطق اللبنانية
كذلك إن الشعب اللبناني كان يخضع دوماً لسلطة واحدة هي سلطة الدولة اللبنانية، ومن ثم فإن اللبناني لم يشعر يوماً بإرتباطه بدولة أخرى غير الدولة اللبنانية.
ـ بالنسبة للسلطة: يظهر طابع الوحدة في الدول الإتحادية من خلال قيام سلطة واحدة تنبثق من الدولة الإتحادية بكاملها وتبسط سلطتها على كامل أراضي الدولة.
أما الطابع الإتحادي فيتجلى بمظهرين:
المظهر الأول: قيام سلطتين، سلطة داخلية ضمن كل دولة عضو وتشمل إختصاصاتها وضمن النطاق المحدد لها أرض تلك الدولة العضو فقط؛ وسلطة مركزية تتمثل بالدولة الإتحادية وتشمل إختصاصاتها وضمن النطاق المحدد لها كامل أراضي الدولة الإتحادية.
المظهر الثاني: مشاركة الدول الأعضاء، وبصفتها كدول، في تكوين أجهزة السلطة المركزية الإتحادية ( راجع البند 18).
وإذا كان هناك طابع مزدوج للشعب اللبناني في تكوينه، إذ من جهة يظهر كشعب واحد ومن جهة أخرى ينتمي الى طوائف متعددة تمارس كل طائفة منها سلطة مستقلة عن سلطة الدولة على المنتمين إليها في مسائل الحقوق العائلية ( راجع البندين 47 و 88)، إلاّ أن هذا الواقع يترافق مع حقيقتين:
ـ الحقيقة الأولى: إن سلطة الدولة الواحدة الموحدة كانت وحدها، وخارج المسائل المتعلقة بالحقوق العائلية، تمارس على عموم أفراد الشعب اللبناني بمختلف طوائفه، ومن ثم فإن سلطة واحدة هي التي كانت تمارس السيادة بإسم الشعب اللبناني.
ـ الحقيقة الثانية: وهي أهم، إن تعدد الطوائف لا يترافق أبداً مع تعدد الأقاليم والمناطق التي يعيش فيها أبناء تلك الطوائف، بمعنى أن أفراد الشعب الواحد ومن مختلف الطوائف يعيشون في المنطقة الجغرافية ذاتها.
وهذا يعني أن طرح الإتحادية الكاملة على أساس التقسيم الطائفي يقود إلى نتيجة واحدة هي الفرز السكاني والتهجير لتجميع أبناء كل طائفة ضمن منطقة واحدة، وبكل الأحوال إن مثل هذا التقسيم للمناطق سيكون تقسيماً مصطنعاً لطبيعة أرض الدولة اللبنانية الواحدة الموحدة.
من هنا يصح القول إن طرح الإتحادية الكاملة هو مشروع فرز سكاني طائفي للشعب الواحد وتقسيم جغرافي مصطنع للأرض الواحدة بهدف قيام دويلات طائفية.
62 ـ السلطة المركزية والسلطة المحلية ـ تعريف: إذا كان موضوع السلطة هو تنظيم الحياة في المجتمع، فإن المصالح المرتبطة بحياة المجتمع تتدرج من مصالح وطنية عامة، تعني فئات المجتمع بأكملها كالدفاع عن الوطن وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول الأخرى وتنظيم شؤون الجنسية وسك النقود ...، إلى مصالح أقل عمومية تعني فئات معينة من المجتمع أو مناطق محددة من الدولة دون بقية فئات المجتمع والمناطق.
ويتحدد ميدان عمل السلطة المركزية بالفئة الأولى من المصالح، في حين ينحصر ميدان عمل السلطة المحلية بالفئة الثانية منها. وتشترك الدول الإتحادية والدول الموحدة في التمييز بين ميدان عمل كل من السلطتين المركزية والإتحادية، إلاّ أن ما يفرق بينهما هو في تحديد معنى كل من فئتي المصالح إذ إن معنى المصالح الوطنية العامة يضيق في الدول الإتحادية لمصلحة المصالح المحلية والعكس بالعكس، كما وأنه ضمن الدول الإتحادية يمكن أن يضيق أو يتسع معنى كل من فئتي المصالح تبعاً لزخم العلاقة الإتحادية.
كما أن دور السلطة المركزية في إدارة المصالح المحلية يختلف في الدول الإتحادية عنها في الدول الموحدة، إذ إنه ينعدم في الأولى في حين يبقى قائماً في الثانية.
كذلك تختلف طرق ومدى مشاركة المواطنين في تكوين السلطة المركزية وتولي مناصبها بإختلاف الشكل المعتمد للدولة، إذ إنها تقوم على مبدأ المساواة التامة بين المواطنين في الدول الموحدة في حين أن مبدأ المساواة يجد مكملاً له في المحافظة على حقوق الدول الأعضاء في الدول الإتحادية.
بالطبع إن مدى إختصاص السلطة المحلية ودرجة علاقتها بالسلطة المركزية ـ تبعية أو إستقلالية ـ يتوقف على المبررات التي حتمت قيام السلطة المحلية إلى جانب السلطة المركزية.
ويمكن أن تتدرج تلك المبررات من حد أدنى يتعلق بتوزيع العمل الإداري داخل الدولة الموحدة إلى حد أقصى يتعلق بتوزيع السلطة السياسية في الدولة الإتحادية فترتدي السلطة المحلية طابع اللامركزية الإدارية في الحالة الأولى وطابع اللامركزية السياسة في الحالة الثانية، وبين هذين الحدين يمكن أن تلعب العوامل الاجتماعية دورها في ترجيح أحدهما على الآخر.
بالطبع إن قيام سلطة محلية إلى جانب السلطة المركزية في الدولة لم يولد من العدم، بل كان وليد جذور بعيدة في تاريخ المجتمعات البشرية ومتأصلة في نفوس أبنائها، وبالتالي إن النظم القانونية المختلفة في توزيع السلطة بين المركزية والمحلية جاء تكريساً لتلك الجذور التاريخية المتأصلة في الشعوب عبر الأجيال، وقد أضحى في الدولة العصرية حاجة وضرورة في آن:
حاجة لأن الدولة الحديثة تقوم على التنظيم، والتنظيم يفترض توزيع العمل، وضرورة لأنه يؤمن حداً أدنى من الحريات وينمّي الشعور بالمسؤولية ويذكي روح المشاركة وروح التضامن بين مختلف فئات المجتمع، كما أنه يؤمن التفاعل الحي والمستمر بين طبقة الحكام وطبقة المحكومين )1(
63 ـ إختصاصات السلطة المركزية ـ الإختصاص الحصري للسلطة المركزية في مجال العلاقات الخارجية وشؤون الدفاع: يتناول إختصاص أجهزة السلطة المركزية في الدول المصالح الوطنية العامة المشتركة بين جميع المواطنين ( راجع البند 61) وتلك الإختصاصات تمارسها السلطة المركزية في جميع الدول المعاصرة سواء ظهرت بمظهر الدولة الإتحادية أو الدولة الموحدة.
إلا أن تحديد المصالح الوطنية المشتركة يتسع في الدول الموحدة ويضيق في الدول الإتحادية، كما أنه في الدول الإتحادية ذاتها يمكن أن يضيق أو يتسع تبعاً لزخم العلاقة الإتحادية. وتبعاً لذلك فإن مدى إختصاصات السلطة المركزية يختلف في الدول الموحدة عنه في الدول الإتحادية بسبب الطابع البسيط للأولى والطابع المزدوج للثانية.
ففي الدول الموحدة ترتبط السلطة والسيادة على الصعيدين الداخلي والخارجي بالدولة الموحدة وبالتالي بأجهزة السلطة المركزية وحدها، وتبعاً لذلك لا تطرح أية مشكلة على الصعيد الدستوري فيما يتعلق بتوزيع الإختصاصات بين السلطة المركزية والسلطة المحلية، فجميع الإختصاصات تعود دستورياً للسلطة المركزية وإن كان بعض تلك الإختصاصات يمكن أن يمارس بواســطة أجهزة محليـــة للســلطة ( راجع البند 18).
أما في الدول الإتحادية فتطرح مشكلة تحديد إختصاصات السلطة المركزية بشكل قوي نتيجة الطابع الإتحادي للدولة، إذ إن العلاقة في الدولة الإتحادية ليست محكومة بدستور واحد بل بدساتير متعددة تشمل دستور الدولة الإتحادية ودساتير كل من الدول الأعضاء، من هنا كان لا بد من توزيع الإختصاصات بين الدولة الإتحادية والدول الأعضاء.
وتبعاً لذلك درجت الدساتير الإتحادية على تحديد إختصاصات السلطة المركزية الإتحادية وإختصاصات كل من الدول الأعضاء في المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وتخصّ دساتير الدول الإتحادية إجمالاً السلطة المركزية في الدولة الإتحادية بالصلاحيات العائدة للمصالح الكبرى المشتركة بين الدول أعضاء الاتحاد وأهمها: ـ العلاقات الخارجية بمختلف أشكالها من علاقات دبلوماسية وإقتصادية وتجارية وثقافية ـ النظام والأمن داخل أراضي الدولة الإتحادية ـ شؤون الدفاع ـ الشؤون المتعلقة بالجنسية ـ الشؤون المتعلقة بالنقد ( راجع البندين 18 و62 ).
وتوزيع الإختصاصات داخل الدولة الإتحادية يعني أن هناك تركيباً مزدوجاً للسلطة فيها، فإلى جانب أجهزة السلطة المركزية الإتحادية تقوم ضمن الدول الأعضاء أجهزة للسلطة المحلية.
ويبرز إختصاص السـلطة المركزيـة في الدول الإتحادية في مجال العلاقات الخارجية وشؤون الدفاع كأبرز الإختصاصات لتلك السلطة، فالتوزيع المعتمد لتوزيع الإختصاصات بين الدولة المركزية الإتحادية وبين الدول الأعضاء يعطي دوماً السلطة المركزية في الدولة الإتحادية إختصاص إدارة الشؤون الخارجية وشؤون الدفاع، بل إن هذا التوزيع يعطي السلطة المركزية الإتحادية إختصاصاً حصرياً في هذا المجال إذ يجعل العلاقات الخارجية والدفاع عن الدولة الإتحادية حكراً على السلطة المركزية الإتحادية وحدها.
وهذا يعني أن الدول الأعضاء توافقت على أن يكون للدولة الإتحادية سياسة واحدة في الشؤون الخارجية والدفاع وأن السلطة المركزية الإتحادية هي التي تضع تلك السياسة، ومن ثم يتوجب على جميع الدول الأعضاء والمجتمعات السياسية فيها أن تنصاع إلى ما تقرره السلطة المركزية في تلك الشؤون.
وإذا عدنا إلى المبررات لطرح الإتحادية في لبنان نلاحظ ان أحد المبررات هو الخلاف أحياناً على السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية في لبنان، ومن ثم فإن طرح الإتحادية لا يحل هذه المشكلة لأن السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية لا بد أن تبقى من إختصاص السلطة المركزية في لبنان حتى ولو إعتمد جدلاً الشكل الإتحادي للدولة، وفي حال إعتماد أية وجهة معاكسة نكون قد ذهبنا إلى أبعد من الإتحادية وبلغنا مرحلة التقسيم!
64 ـ أجهزة السلطة المركزية: تُمَارس الإختصاصات العائدة للسلطة المركزية في الدولة بواسطة أجهزة للسلطة تقوم على صعيد الدولة بكاملها، وهي تشمل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وتقوم الأجهزة المركزية في الدول العصرية بصرف النظر عن الشكل الوحدي أو الإتحادي للدولة، بمعنى أنه في كل من الشكلين تقوم تلك الأجهزة المركزية للسلطة وتبسط سلطانها على الدولة بكاملها.
إلا أن أجهزة السلطة المركزية تختلف في الدول الموحدة عنها في الدول الإتحادية بسب الطابع البسيط للأولى والطابع المركب للثانية.
ففي الدول الموحدة تقوم أجهزة السلطة المركزية بتسيير شؤون الدولة بكاملها وتفرض سلطتها على كامل أراضي الدولة وجميع المقيمين عليها، وتنبثق تلك الأجهزة عن شعب الدولة بكامله وعلى أساس المساواة التامة بين المواطنين، بمعنى أن أجهزة السلطة المركزية في الدولة الموحدة تنبثق على أساس معيار وطني واحد يشمل المواطنين بجميع فئاتهم وبصرف النظر عن الاعتبارات الخاصة بالمناطق أو الطوائف أو الطبقات في المجتمع، وتشمل أجهزة السلطة المركزية المجال التشريعي والتنفيذي والقضائي.
أما في الدول الإتحادية ورغم أن أجهزة السلطة المركزية تمارس إختصاصها على كامل أراضي الدولة الإتحادية أسوة بأجهزة السلطة المركزية في الدول الموحدة، إلاّ أن تركيب أجهزة السلطة المركزية في الدول الإتحادية يختلف عنه في الدول الموحدة وذلك نتيجة الطابـع المزدوج للدولــة الإتحاديــة ـ الطابـع الوحـدي والطابـع الإتـحادي ( راجع البندين 18 و61).
فهذا الطابع فرض قيام فئتين من أجهزة السلطة: الفئة الأولى إنبثقت من الطابع الوحدي وهي تتشابه تبعاً لذلك مع أجهزة السلطة المركزية في الدول الموحدة، والفئة الثانية إنبثقت من الطابع الإتحادي للدولة بنتيجة قيام الإتحادية بين شعوب متعددة يعيش كل منها ضمن منطقة جغرافية واحدة، وتبعاً لذلك فإن هذه الفئة هي التي تميز الدول الإتحادية عن الدول الموحدة ( راجع البندين 24 و 30).
وفي لبنان تمارس أجهزة السلطة المركزية التابعة للدولة سلطتها على كل الأراضي اللبنانية، أما الطوائف فإنها تمارس نوعاً من السلطة المركزية في مسائل الحقوق العائلية فقط في المجالين التشريعي والقضائي، ولكن ممارسة الطوائف لتلك السلطة لا يرتبط بمنطقة جغرافية معينة بل يشمل كل المنتمين إلى الطائفة بصرف النظر عن مركز تواجدهم الجغرافي.
وهذا التقسيم الفريد للسلطة المركزية في لبنان لا نجد له مثيلاً لا في الدولة الإتحادية ولا في الدول الموحدة البسيطة، الأمر الذي يفرض إبتكار طرق جديدة للمشاركة في تكوين السلطة وممارستها تأخذ هذا الواقع بعين الإعتبار.
وهذا يعني أن السلطة المركزية ليست سلطة واحدة بخلاف ما هو عليه الوضع في الدول الموحدة البسيطة أو في الدول الإتحادية.
وآية ذلك أن السلطة المركزية في لبنان موزعة بين جهتين:
الأولى: هي السلطة المركزية التابعة للدولة اللبنانية بأجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتمارس هذه السلطة على جميع أراضي الدولة اللبنانية وعلى جميع أفراد الشعب اللبناني في جميع المجالات بإستثناء المسائل المتعلقة بالحقوق العائلية.
الثانية: هي السلطة المركزية أو بالأحرى السلطات المركزية المتعددة التابعة للطوائف، والمستقلة عن سلطة الدولة في المجالين التشريعي والقضائي بالنسبة للمسائل المتعلقة بالحقوق العائلية، ومن ثم فإن الطوائف تمارس سلطة مركزية على كامل الأراضي اللبنانية وليس على منطقة أو إقليم معين، ولكن فقط بالنسبة لمسائل الحقوق العائلية وبالنسبة لأبناء الطائفة التابعين لها.
65ـ أجهزة السلطة المحلية ـ مدى إرتباطها بالسلطة المركزية: تُمَارس الإختصاصات العائدة للسلطة المحلية بواسطة أجهزة للسلطة تقوم أو تتواجد على أساس محلي، أي ضمن حيز جغرافي معين من أرض الدولة، وتقوم تلك الأجهزة في الدول العصرية بصرف النظر عن الشكل الوحدي أو الإتحادي للدولة، بمعنى أنه في كل من الشكلين توجد أجهزة محلية للسلطة تمارس السلطة ضمن حيز جغرافي معين من أرض الدولة.
إلا أن أجهزة السلطة المحلية تختلف في الدول الموحدة عنها في الدول الإتحادية بسبب الطابع الوحدي البسيط للأولى والطابع المزدوج للثانية.
ففي الدول الموحدة، وبسبب طابعها الوحدي، تبقى أجهزة السلطة المحلية مرتبطة بأجهزة السلطة المركزية وبالتالي فإنها لا تمثل سلطة مستقلة ومنفصلة عن أجهزة السلطة المركزية وهذا ناجم عن وحدة السلطة والسيادة في الدولة الموحدة في حين أنه في الدول الإتحادية، وبسبب طابعها المركب، تكون أجهزة السلطة المحلية مستقلة بممارسة سلطاتها عن أجهزة السلطة المركزية ( راجع البند 18 و61 وما يليه).
ويمكن دوماً تغيير المدى الجغرافي لأجهزة السلطة المحلية في الدول الموحدة، لأن هذا المدى محكوم بالتنظيم الإداري في الدولة الذي يعتبر من المواضيع التشريعية وبالتالي غير مقيد بالدستور.
وفي لبنان يختلف الوضع بعض الشيء، بالنسبة لقيام السلطة المحلية، عن الدول الموحدة البسيطة وعن الدول الإتحادية.
66 ـ خصوصية أجهزة السلطة المحلية للطوائف في لبنان نسبة للسلطة المحلية في في الدول الإتحادية والموحدة ـ المدى الجغرافي للسلطة: يحفظ الدستور الإتحادي إجمالاً للدول الأعضاء حقها بتنظيم الشؤون الخاصة بها ـ وغير الداخلة ضمن إختصاص السلطة المركزية الإتحادية ـ وتبعاً لذلك تقوم داخل كل دولة سلطة محلية ينظمها دستور خاص بها صادر عن الدولة ذاتها، وبالإستناد إلى هذا الدستور تنبثق سلطة محلية في المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويكون بالتالي لكل دولة قوانينها الداخلية الخاصة بها والمتميزة عن قوانين الدولة الإتحادية وعن قوانين بقية الدول الأعضاء ( راجع البند 18).
وتستقل السلطات المحلية بممارسة إختصاصها ولا تخضع بأي شكل من الأشكال للسلطة المركزية الإتحادية. وهذا بعكس ما هو عليه الوضع في الدول الموحدة إذ تبقى السلطة المحلية، حتى ولو إتخذت شكل اللامركزية، خاضعة لوصاية السلطة المركزية.
كذلك إن المدى الجغرافي للسلطة المحلية في الدول الإتحادية محدد بنص الدستور الإتحادي من هنا أنه لا يجوز تعديل هذا المدى من قبل السلطة المركزية، وهذا بخلاف ما هو عليه الوضع في الدول الموحدة حيث يجوز دوماً تعديل المدى الجغرافي للسلطة المحلية من قبل السلطة المركزية.
والنتيجة التي يمكن إستخلاصها هنا هي أن أجهزة السلطة المحلية في الدول الإتحادية وإستقلاليتها إنما جاءت تلبية لحاجة نجمت عن وجود تجمعات سياسية تعيش ضمن أقاليم محددة يشكل كل منها أرض دولة واحدة، بينما السلطة المحلية في الدول الموحدة لا ترتبط إطلاقاً بمثل تلك التجمعات والأقاليم وإنما قامت تسهيلاً للخدمة العامة وتقريب مركزها من محل إقامة المواطن، وتبعاً لذلك يجوز دوماً تعديل المدى الجغرافي للسلطة المحلية في الدول الموحدة.
وبالفعل إن السلطة المحلية في الدول الموحدة لا تتضمن سلطة تشريعية أو سلطة تنفيذية أو سلطة قضائية مستقلة، بمعنى أنه لا يوجد ضمن السلطة المحلية مجلس تشريعي أو حكومة أو محاكم خاصة بها، بل أن تلك السلطات تبقى حكراً على السلطة المركزية وإن كانت تمارسها على الصعيد المحلي بواسطة عمال تابعين لها مباشرة ومعينين من قبلها.
ومن ثم فإن السلطة المحلية في الدول الموحدة تظهر فقط كسلطة مرتبطة بالسلطة المركزية، وهذا أمر طبيعي لأن الدولة الموحدة يحكمها دستور واحد، ولذلك من الأصح القول أجهزة السلطة في المناطق أو أجهزة السلطة المحلية بدل السلطة المحلية لأنها لا تمارس سلطة بما تتضمنه من معاني السيادة بالإستقلال عن السلطة المركزية والتي منها تستمد وجودها وميدان إختصاصها.
إلاّ أن إرتباط أجهزة السلطة المحلية بالسلطة المركزية في الدول الموحدة يتوقف على مدى الإستقلالية التي ترغب السلطة المركزية بمنحها لأجهزة السلطة المحلية، وفي هذا المجال هناك وجهان من أوجه الإرتباط الأول يعرف باللاحصرية ( La déconcentration) والثاني باللامركزية ( La décentralisation) .
الوجه الأول: اللاحصرية، وهي تعتبر نوعاً من توزيع سلطة القرار بين الحكومة المركزية وممثليها في المناطق ( كالمحافظ أو القائمقام)، فبدلاً من حصر سلطة القرار بالحكومة المركزية تهدف اللاحصرية إلى إعطاء ممثلي الحكومة في المناطق حق إتخاذ القرار في بعض الأمور المحلية، بالطبع إن اللاحصرية لا تُضْعف السلطة المركزية بل بالعكس تساهم في تقويتها لأن أجهزة السلطة المحلية اللاحصرية تمثل السلطة المركزية، وهي في الغالب معينة من قبل هذه الأخيرة وخاضعة لرقابتها.
الوجه الثاني: اللامركزية، وهي تعتبر نوعاً من توزيع سلطة القرار بين الحكومة المركزية ـ مباشرة أو عبر موظفيها اللاحصريين ـ وبين السلطة المحلية المنبثقة محلياً من أبناء المنطقة ( البلديات مثلاً)، وهي تتمتع ببعض الإستقلالية في المجالين الإداري والمالي، إلا أن تلك الإستقلالية ليست كاملة إذ تبقى أجهزة السلطة المحلية اللامركزية خاضعة لرقابة السلطة المركزية عبر ما يعرف بسلطة الوصاية)1(.
وفي لبنان نلاحظ أن أجهزة السلطة المحلية تنقسم بين أجهزة السلطة المحلية التابعة لسلطة الدولة المركزية فيما يتعلق بجميع المجالات بإستثناء المجالات المتعلقة بالحقوق العائلية، وبين أجهزة السلطة المحلية التابعة للطوائف في المسائل التي تدخل ضمن سلطة الطوائف وأخصها المسائل المتعلقة بالحقوق العائلية.
وكلا السلطتين المحليتين تقوم على كامل الأرض اللبنانية ولا تنحصر بمنطقة جغرافية معينة كما هو الحال في الدول الإتحادية، بل هي تتشابه مع أجهزة السلطة المحلية في الدول الموحدة مع فارق وحيد هنا يتمثل بكون السلطة المحلية التابعة للطوائف ينحصر إختصاصها بمسائل الحقوق العائلية فقط.
من هنا يصح القول إنه لا توجد في لبنان سلطة محلية للطوائف مشابهة للسلطة المحلية في الدول الإتحادية، ومن ثم إن قيام مثل تلك السلطة المحلية لا يمكن أن يتمّ إلا بنتيجة الفرز السكاني وتقسيم الدولة إلى دويلات طائفية.
67 ـ إختصاصات السلطة المحلية: يتناول إختصاص السلطة المحلية الشؤون المحلية في المنطقة التي تقوم فيها تلك السلطة داخل الدولة ( راجع البند 62).
ولكن معيار التفريق بين الشؤون المحلية والمصالح الوطنية العامة يبقى في الدول الموحدة من إختصاص السلطة المركزية وحدها إذ هي التي تحدد ميدان إختصاص السلطة المحلية ولا يمكن لهذه الأخيرة أن تنازعها في هذا التحديد.
أما في الدول الإتحادية فإن مدى إختصاص السلطة المحلية يحدده الدستور الإتحادي، ومن ثم فإنه لا يجوز للسلطة المركزية أن تعدل في إختصاصات السلطة المحلية )1( لأن مثل هذا التعديل لا يمكن أن يتم إلا بتعديل الدستور الإتحادي ذاته، ولأن تحديد إختصاصات السلطة المحلية في الدول الأعضاء أتى تطبيقاً لأحد المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها تنظيم السلطة في الدولة الإتحادية وهو مبدأ المشاركة ( راجع البند 18).
وفي لبنان أن الطوائف لا تمارس أية سلطة محلية على أية بقعة من الأرض اللبنانية، بل هي تمارس فقط سلطة مركزية في المسائل المتعلقة بالحقوق العائلية على كامل الأراضي اللبنانية وتتبعها أجهزة محلية فقط في مجال ممارسة السلطة بالنسبة لتلك المسائل فقط.
وهذا يعني أن إختصاص السلطات المحلية التابعة للطوائف ينحصر فقط في مجال وحيد هو المتعلق بالحقوق العائلية، وهذا نتيجة إخضاع هذه المسائل لسلطة مركزية مستقلة عن السلطة المركزية في الدولة ( راجع البندين 47 و 89). وهذه السلطات المحلية التابعة للطوائف موزعة على كامل الأراضي اللبنانية وليست محصورة بمنطقة جغرافية معينة.
ومن ثم أن توسيع إختصاص السلطة المحلية التابعة للسلطة المركزية للطوائف لتشمل مسائل أخرى غير المتعلقة بالحقوق العائلية لا يمكن أن يتم دون الفرز السكاني وتقسيم الدولة اللبنانية إلى كيانات طائفية.
68 ـ طرح الإتحادية في لبنان يخالف مسار الإتحادية في العالم كون الإتحادية هي خطوة نحو توحيد السلطة بين دول كانت مستقلة سابقاً عن بعضها: يشهد تاريخ الدول الإتحادية أن فكرة الإتحادية جاءت لتقرّب بين شعوب ودول كانت مستقلة سابقا، ثم توجهت بإتجاه توطيد العلاقة بينها للوصول بها إلى مجموعة متماسكة تعيش في ظل سلطة واحدة.
فتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السويسري والإتحاد الأوروبي يشهد على هذا التدرج في توطيد العلاقة بين الدول التي تتألف منها الدولة الإتحادية، فعلى صعيد العلاقة بين الدول تدرجت من الإستقلالية التامة إلى التحالف ( La confédération) فالإتحاد ( la fédération).
وآية ذلك أن الولايات المتحدة تدرجت من وضع الدول المستقلة إلى وضع الدول المتحالفة ثم إلى وضع الدول المتحدة، وبالفعل بتاريخ 4/7/1776)1( أعلن مؤتمر المستعمرات الثلاث عشـرة المنعقد في فيلادلفيا من أعمال مقاطعة بنسلفانيا إستقلال تلك المستعمرات إستقلالاً تاماً ناجزاً عن بريطانيا، فبرزت إلى الوجود ثلاث عشرة دولة مستقلة بعضها عن بعض.
إلا أن التطوّر بإتجاه التقارب بين تلك الدول تحقق إبتداءً من عام /1781/ وذلك بتصديق تلك الدول على نظام جديد للتقارب بينها إتخذ شكل التحالف، وقد إستمر هذا الوضع إلى عام /1787/ حيث إستبدل نظام التحالف بالنظام الإتحادي الذي لا يزال معمولاً به لغاية اليوم )2(.
كما يشهد تاريخ سويسرا أنها تطورت من وضع الدول المستقلة إلى تحالف بين بعض المقاطعات إلى تحالف بين جميع المقاطعات إبتداءً من عام /1815/ إلى أن وصلت إلى مرحلة الإتحادية إبتداءً من عام /1848/ بإعلان الدستور الإتحادي والذي إستبدل عام /1874/ ثم عام /1999/ بالدستور الذي لا يزال قائماً لغاية اليوم)1(.
كذلك يشهد تاريخ أوروبا على أنها تطورت من وضع الدول المستقلة تمام الإستقلال عن بعضها والتي شهدت حروباً طاحنة بينها، إلى وضع الدول السائرة على درب الإتحاد الكامل بينها )2(.
ومن ثم إذا أردنا تقويم طرح الإتحادية في لبنان نجد أن هذا الطرح يأتي معاكساً للتطور الطبيعي في مسار الدول الإتحادية، وآية ذلك أن الإتحادية وجدت كوسيلة للتقريب بين شعوب مختلفة، بينما نلاحظ أن طرح الإتحادية في لبنان يُفْضي إلى التباعد بين أفراد شعب واحد، عن طريق نوع من الفرز السكاني على أساس طائفي وتقسيم الدولة الواحدة إلى دويلات تقوم على أساس طائفي!
أكثر من ذلك نقول إنه إذا كانت فكرة الإتحادية جاءت في الأصل لإقامة روابط بين دول وشعوب كانت تعيش قبلاً مستقلة عن بعضها، إلاّ أن الدول الإتحادية ذاتها تطورت في العصر الحديث بإتجاه توطيد السلطة المركزية في الدولة الإتحادية على حساب الدول الأعضاء.
69 ـ إن طرح الإتحادية في لبنان يهدف لإضعاف السلطة المركزية على خلاف تطوّر الدول الإتحادية التي تتجه أكثر نحو توطيد السلطة المركزية: يشهد تطوّر الدول الإتحادية في العصر الحديث، كما أثبت ذلك العلامة الفرنسي ( Georges Burdeau) إنها تتجه أكثر فأكثر نحو توطيد سلطة الدولة الإتحادية على حساب سلطة الدول الأعضاء)1(.
ففي الدول التي إعتمدت حديثاً الشكل الإتحادي للدولة ظهرت الإتحادية كشكل من أشكال اللامركزية المتطورة. أمّا الدول العريقة في الإتحادية نظير الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا فإنها تطورت بإتجاه توطيد السلطة المركزية على حساب السلطة المحلية في الدول الأعضاء.
وتجلّى ذلك على صعيد إضعاف مبدأ الإستقلالية للدول الأعضاء دون مبدأ المشاركة )2(.
وآية ذلك أن الإختصاصات العائدة للدول الأعضاء كانت تتضاءل بإضطراد رغم إحتفاظ الدول الأعضاء بحقها بالتشريع ضمن حدودها، إذ إن ممارسة هذا الحق بقي محكوماً بوجوب إنطباقه وعدم تعارضه مع القواعد القانونية الموضوعة من السلطة المركزية في الدولة الإتحادية.
وإذا كانت عدة عوامل تجمعت لتدفع بالدول الإتحادية نحو توطيد السلطة المركزية في الدولة الإتحادية، إلا أن هناك عاملين جوهريين برزا من بين تلك العوامل الأول إقتصادي والثاني سياسي.
العامل الإقتصادي: لم يعد بإمكان الدول الأعضاء بمفردها مواجهة المشاكل الإقتصادية التي تواجه الحكومة المحلية، فتوزيع الطاقة والبث الإذاعي والتلفزيوني وتوظيف وإنتقال رؤوس الأموال وتحديد أجر اليد العاملة كلها مسائل أصبحت تطال الدولة الإتحادية بكاملها.
وتبعاً لذلك لم يعد من المقبول إقامة الحواجز أمامها بسبب إختلاف التشريعات المحلية تطبيقاً لمبدأ الإستقلال الذاتي. فالمبررات التي دفعت بالمجموعات السياسية والدول التي كانت أصلاً مستقلة عن بعضها لأن تتّحد فيما بينها، بشرط مراعاة الإستقلال الذاتي لكل منها، تطورت لتدفع بتلك المجموعات والدول لأن تتنازل عن مبدأ الإستقلال الذاتي في كثير من الأمور.
العامل السياسي: برز هذا العامل بفعل سياسة التدخل المضطردة للدولة بناء لطلب المواطنين، فظهرت في هذا الإطار المراكز الكبرى للخدمات الإجتماعية والصحية، كما تم في الإطار ذاته تسهيل عمل الأجراء، وبالطبع إن تلك الخدمات تتجاوز القدرات المتاحة للدول الأعضاء منفردة.
من هنا كان توجه الناخبين نحو السلطة المركزية في الدولة الإتحادية بغية إقامة مؤسسات للضمان تحقق الديموقراطية بوجهها الإجتماعي.
وتبعاً لذلك كان على السلطة المركزية إما أن تقوم هي نفسها بتأمين تلك الخدمات مع ما يستتبع ذلك من إنعكاس على مبدأ الإستقلال الذاتي للدول الأعضاء، وإما أن تضغط على الدول الأعضاء بهدف إصدار التشريعات وفقاً للمبادئ التي تضعها الدولة الإتحادية، ولم يكن أمام الدول الأعضاء إلاّ أن تستجيب لضغوطات الدولة الإتحادية خصوصاً عندما تكون وسائل الضغط من الناحية المالية.
ومن ثم كانت الدول الأعضاء تصدر التشريعات بما يتوافق مع رغبة السلطة المركزية في الدولة الإتحادية مع ما في ذلك من إنتهاك لمبدأ الإستقلال الذاتي.
وإذا أمعنا النظر في التطوّر الذي طرأ في الولايات المتحدة الأمريكية منذ وضع برنامج الإصلاح الإجتماعي والإقتصادي الذي وضعه الرئيس روزفلت عام /1933/ لعلاج الأزمة الإقتصادية التي بدأت عام/1929/ والذي عرف بقانون الإصلاح الجديد ( New Deal) وفي التطوّر الذي طرأ على سويسرا منذ التعديل الدستوري عام /1947/ وهو التعديل الذي تناول بعض المواد المتعلقة بالشأنين الإقتصادي والإجتماعي، لتبين لنا أن هناك صلة وثيقة بين أفول نجم مبدأ الإستقلال الذاتي وحلول الرفاه في الدول والمقاطعات التي تتكون منها الدولة الأمريكية والإتحاد السويسري)1(.
ولكن في سياق التطوّر ذاته بقي مبدأ المشاركة بمنأى عن أي إنتهاك بل أكثر من ذلك أن المبدأ الأخير تأصّل أكثر، وآية ذلك أن الشعوب في الدول الأعضاء وجدت أن توجهها نحو الدولة الإتحادية يؤتي ثماره أكثر من التوجه نحو السلطات المحلية في الدول الأعضاء.
من هنا تزايد دور مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية بإعتباره جهازاً مركزياً ضمن الدولة الإتحادية يمثل الدول الأعضاء ذاتها ومن ثم يعبر بصورة أفضل عن الذاتيات المحلية والإتجاهات السياسية المتنوعة التي تحتملها جغرافية الدول الأمريكية بمساحاتها الشاسعة.
وإذا كان التطوّر في الدول الإتحادية بإتجاه المزيد من مركزية السلطة في الدولة الإتحادية، فإن السير بدولة موحدة صغيرة كلبنان بإتجاه الإتحادية يعني إضعاف السلطة المركزية كما يعني مزيداً من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي لا يمكن تجاوزها إلا بمزيد من تقوية السلطة المركزية.
ولا شك في أن طبيعة الأرض اللبنانية بمساحتها الصغيرة ووجود عدو متربص على الحدود الجنوبية وله أطماع في الأرض والمياه اللبنانية يستدعي السير بإتجاه تقوية سلطة الدولة المركزية وليس العكس، في حين أن طرح الإتحادية يفضى بالنهاية إلى إضعاف السلطة المركزية وهذا الأمر لا يخدم إلاّ العدو الإسرائيلي.
70 ـ خلاصة الفصل: يتبين مما تقدم أنه إذا كانت الطوائف تشارك السلطة المركزية في الدولة اللبنانية بممارسة بعض مظاهر السلطة بالنسبة للمسائل المتعلقة بالحقوق العائلية، إلاّ أن ممارستها لتلك السلطة لا ينحصر بمنطقة جغرافية واحدة بل يمتد ليشمل كامل الأراضي اللبنانية.
وقد ذكرنا أن الإتحادية قامت أصلاً لتجمع شعوباً كانت متباعدة أصلاً فيما بينها ويعيش كل شعب منها في إقليم واحد ضمن الدولة الإتحادية، وهذا يوضح أن قيام الإتحادية بدلاً من الدولة الموحدة في بلد صغير كلبنان يعني بالنهاية التفريق والتباعد بين أفراد شعب واحد تجمع بينهم عوامل كثيرة ورغبة واحدة في العيش المشترك.
بالإضافة إلى أن قيام الإتحادية الكاملة كحل لمشكلة مشاركة الطوائف في السلطة لا يمكن أن يتم دون فرز سكاني على أساس طائفي ومن ثم قيام كيانات طائفية بدل الدولة الموحدة في لبنان، وهذا يعني أن طرح مشاريع الإتحادية بحجة تأمين مشاركة أفضل للطوائف في تكوين السلطة وممارستها يقود بالنهاية إلى تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية هزيلة لا يمكن أن يخدم بالنهاية إلاّ مصلحة العدو الإسرائيلي الذي يرغب بتفتيت المنطقة العربية إلى كيانات طائفية هزيلة، في حين أن هناك طرقاً سليمة للمشاركة في السلطة تضمن حقوق جميع الطوائف ولكن في دولة واحدة موحَّدة.
الفصل الثاني
وحدانية الدولة وتأمين المشاركة في السلطة
71 ـ إختلاف الصيغ الهادفة لتأمين المشاركة في السلطة في دولة واحدة: إن المشاركة في السلطة في لبنان، على ضوء طبيعة الأرض والشعب (راجع البند 26 وما يليه) يفترض أن تؤمن مشاركة الشعب اللبناني كشعب واحد وفي نفس الوقت مشاركة الطوائف كطوائف في تكوين السلطة وممارستها.
وكانت الصيغة المعتمدة منذ مطلع عهد الإستقلال ولغاية إتفاق الطائف تخصيص بعض المراكز العليا في السلطة لبعض الطوائف الكبرى في لبنان، وفي نفس الوقت مراعاة حقوق الطوائف في بقية المراكز السياسية والوظائف العامة، وقد عرفت هذه الصيغة بالطائفية السياسية.
وقد أبقى التعديل الدستوري الذي صدر بموجب القانون رقم 18/90 تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني على هذه الصيغة في المرحلة الإنتقالية، إلاّ أنه خفف من حدّتها بإلغائها في حقل الوظيفة العامة.
إلاّ أن إتفاق الطائف ومن بعده القانون الدستوري رقم 18/90 ذهب أبعد من ذلك بالنص على إلغاء الطائفية السياسية كلياً بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية؛ ولكن مع وضع ضمان لحقوق الطوائف إزاء بعضها البعض بالنص على إنشاء مجلس للشيوخ، إلى جانب مجلس النواب، يمثل الطوائف على غرار المجالس الإتحادية التي تمثل الدول الأعضاء في الدولة الإتحاية، وهذه الصيغة تتوافق مع طبيعة عناصر الدولة اللبنانية وهي الصيغة التي يمكن أن تنطبق على وصف يمكن تلخيصه بوحدانية الدولة وإتحادية الطوائف.
وتبعاً لذلك سنبحث في الطائفية السياسية كصيغة لتأمين مشاركة الشعب الواحد والطوائف المتعددة في تكوين السلطة وممارستها وهي الصيغة التي إعتمدت في الجمهورية الأولى وفي الجمهورية الثانية الإنتقالية ( الفقرة الأولى) لنبحث بعد ذلك في الصيغة التي أقرها الطائف للجمهورية الثالثة العتيدة بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية وهي صيغة وحدانية الدولة وإتحادية الطوائف ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تأمين مشاركة الطوائف في الجمهوريتين الأولى
والثانية عــن طريق صيغة الطائفية السياسية
72 ـ جذور الطائفية السياسية في الدستور اللبناني كما وضع عام /1926/: كانت المادّة /95/ من الدستور اللبناني كما وضع بصيغته الأصلية عام /1926/ تتضمن ما يلي: « بصورة مؤقتة وإلتماساً للعدل والوفاق تُمثّل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة».
وعند مناقشة نص المادّة/95/ من الدستور في الجلسة التي عقدها مجلس النواب اللبناني بتاريخ 22/5/1926 رفض بعض النواب تكريس مبدأ « التوظيف الطائفي» في حين أيده البعض الآخر.
وبالفعل قال النائب المنذر« فلنحاذر أن نكرّس في دستورنا مبدأ لم تتبنّه أمة من الأمم»، وعلق النائب طراد على ذلك بالقول إنه « لا وطنية إلاّ إذا حذفت الطائفية» وأضاف « ما لا يكون اليوم يكون في الغد. وقد وضعت المادّة لتأمين اللبنانيين كلهم ومنعاً للخلاف. والأمل أن الإتفاق العتيد يتم بين الطوائف ».
في حين قال النائب داموس أن « الطائفية التي يهرب منها بعض الزملاء كما يهرب السليم من الأجرب لا تبعدني عن الطائفية قيد شعرة » وأضاف « بلدنا ليس كبلاد الله ».
وقد أقر النائب زوين بوجود الروح الطائفية آنذاك مشيراً إلى مساوئها بالقول: « نعم إن الروح الطائفية موجودة. إنها العلة التي نشكو منها والتي تقتلنا إنها العقبة التي تحول دون وحدتنا، الروح الطائفية هي السبب بوجود الإنتداب نحن متمدنون ولكن بسبب الطوائف وضعنا تحت الإنتداب ...».
وأضاف « لماذا نحفر الخنادق ونضع فيها البنادق والمترليوزات. يجب أن لا نأخذ بعين الإعتبار إلاّ الكفاية فقط ».
وأشار النائب عدرا إلى« أن الروح الطائفية هي حالة نفسية لها جذور فينا». وتساءل النائب المنذر تعقيباً على كلام النائب عدرا بالقول هل هي « حالة أم مرض» )1(.
ولكن المناقشات إنتهت إلى إقرار المادّة /95/ بالأغلبية النيابية إذ عارض النواب منذر، وأميل تابت، وشهاب، وحيدر، وزوين، وجورج تابت.
بالطبع إن المناقشات التي دارت بين النواب عام /1926/ حول المادّة /95/ تظهر أن قاعدة التوزيع الطوائفي كانت ترتكز على جذور تنطلق من نظرة معينة للطوائف بالنسبة لحقوقها في المشاركة في السلطة، وإذا كان بعض النواب أقر بوجود هذا الواقع إلاّ أن البعض الآخر بين مساوئ « التوظيف الطائفي » وأثره السلبي على « الروح الوطنية ».
ولكن يلاحظ أن /95/ لم تتعرض لأي توزيع للرئاسات على الطوائف بل إقتصرت على التعرض « للوظائف العامة والوزارة»، إلاّ أن نظرة إلى تعاقب رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات في لبنان خلال عهد الإنتداب تظهر الحقائق التالية:
ـ الحقيقة الأولى: إن رئاسة الجمهورية كانت تعطى للطوائف المسيحية دون حصرها بالطائفة المارونية على خلاف ما إستقر الوضع عليه بعد الإستقلال. وبالفعل نلاحظ أن بعض أبناء الطائفة الأرثوذكسية تولى الرئاسة الأولى كالرئيس شارل دباس والرئيس بترو طراد، كما تولاها أحد أبناء الطائفة الإنجيلية كالرئيس أيوب تابت بالإضافة إلى رؤساء من أبناء الطائفة المارونية كالرئيس حبيب باشا السعد والرئيس إِميل إدّه والرئيس ألفرد نقاش)1(.
ـ الحقيقة الثانية: إن رئاسة الحكومة لم تخصص لأية طائفة خلال عهد الإنتداب، ولكن يلاحظ أن الطوائف المسيحية هي التي تولت رئاسة الحكومة في الفترة الأولى من عهد الإنتداب حيث توالى عليها ومع حفظ الألقاب كل من: أوغست باشا أديب ـ بشارة الخوري ـ حبيب باشا السعد ثم مجدداً بشارة الخوري ـ ثم إِميل إدّه ـ ثم مجدداً أوغست باشا أديب ـ ثم شارل دباس ...
ولكن إبتداءً من عام /1937/ تناوب على رئاسة الحكومة أبناء الطائفة السنية وبعض أبناء الطوائف المسيحية وهم: خير الدين الأحدب ثم خالد شهاب ثم عبد الله اليافي ثم الفرد نقاش ثم أحمد الداعوق ثم سامي الصلح ثم أيوب تابت ثم رياض الصلح إبتداءً من 25/9/1943 الذي أنجزت حكومته الإستقلال وإستمرت لغاية 3/7/1944)1(.
73 ـ ترسيخ الطائفية السياسية بعد الإستقلال: بعد إعلان الإستقلال عام /1943/ بقي نص المادّة /95/ من الدســتور سارياً لجهة وجوب تمثيل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة، إلاّ أن جديداً طرأ على الموضوع ذاته وعبر ما عرف بالميثاق الوطني)2( الذي أشار إليه رياض الصلح في الكلمة التي إرتجلها في حفلة النجادة بتاريخ 1/1/1947 حيث قال:
« عندما دعيت لتولي الحكم وضعت مع زملائي صيغة البيان الذي أشار إليه زميلي الأستاذ فرنجية. ولقد خطبت وتكلمت كثيراً عندئذٍ على الرغم من السيوف المسلطة والمدافع الموجهة إلى الصدور. وإني، بعد أن تم الجلاء، أعيد ما قلته بالأمس.
قلت لفريق من اللبنانيين: أنت تريد إستقلال لبنان بحدوده الحاضرة، فليكن ما تريد.
وأنت لا تريد معاهدة مع الأجنبي فليكن أيضاً. وقلت للفريق الآخر: وأنت تريد أن يكون التعاون مع البلاد العربية بأقصى حدوده على شرط بقاء لبنان بحدوده الحاضرة، فليكن ما تريد.
ذلك كان شعارنا وسيبقى، ولكنهم يتهموننا بأننا ننتظر الجلاء لنقول كلمة أخرى غير التي قلناها حتى الآن.
إن هذا غير صحيح، والعهد الذي قطعناه على أنفسنا سيبقى إلى الأبد.
إن في هذا البلد فئة تؤمن بالجامعة العربية. وقد دخلناها كما تعلمون وكنت أول من وقع على الميثاق على أساس التعاون الأكمل مع البلاد العربية. ودخلناها وبيدنا صك كامل بأن لبنان مستقل وسيبقى مستقلاً. فأرجو أن لا تقلق أية فئة. فالوطن هو هو في نظرنا.
إن الإتحاد والتضامن والوئام خير من إمبراطورية. هذا ما قلته حين كنت معارضاً، وهذا ما أقوله الآن وأنا رئيس حكومة، وهذا ما نريده نحن جميعاً وما يريده لنا إخواننا العرب في سوريا والعراق ومصر. وهذه هي مصلحتنا، علينا أن نتقيد بها كل التقيد »)1(.
ويظهر أن الميثاق الذي إنصب على قبول المسيحيين والمسلمين بلبنان الكبير كوطن أسفر عن « لبننة المسلمين وعربنة المسيحيين» كما يقول العلامة إدمون رباط الذي يضيف أنه ورد ضمن بنود الميثاق الذي حصل في إجتماع بين رياض الصلح وبشارة الخوري بنداً يقضي بتوزيع
« المناصب في الدولة على جميع الطوائف وإذا كانت الوظيفة تكتيكية روعيت فيها الكفاءة »)1(.
ومن ثم سار التقليد بعد الإستقلال على توزيع مراكز السلطة في الدولة اللبنانية على الطوائف على الشكل التالي:
ـ تنفرد الطائفة المارونية وحدها، من بين الطوائف المسيحية، برئاسة الجمهورية، وهذا بخلاف ما كان عليه الوضع في عهد الإنتداب حيث تولى رئاسة الجمهورية رؤساء من الطوائف المسيحية الأخرى غير الطائفة المارونية.
ـ تنفرد الطائفة الشيعية برئاسة مجلس النواب.
ـ تنفرد الطائفة السنية برئاسة الحكومة.
وقد طال التوزيع الطائفي أيضاً مجلس النواب حيث درجت قوانين الإنتخاب قبل إتفاق الطائف على توزيع المقاعد النيابية بين الطوائف المسيحية والإسلامية بنسبة ستة للأولى وخمسة للثانية وهو ما عرف بخمسة وخمسة مكرر.
وبالطبع يضاف إلى هذا التوزيع مراعاة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة والوزارة عملاً بنص المادّة /95/ من الدستور.
ولا شك في أن توزيع مراكز السلطة بالشكل المتقدم، وعلى أساس الطائفية السياسية، خلق مشكلة بدأت منذ عهد الإستقلال وقد أشار إليها البيان الوزاري لحكومة الرئيس رياض الصلح بتاريخ 7/10/1943 ( راجع البند 4).
وقد إستمرت المشكلة بعد ذلك بشكل تصاعدي وبالأخص خلال الأحداث التي عاشها لبنان منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وكانت الأوراق والمشاريع الإصلاحية المقدمة من الطوائف الإسلامية والقوى السياسية التي تنتمي إلى تلك الطوائف تنصب على المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية، وقد إنتهت تلك المشاريع كما ذكرنا بإتفاق الطائف والتعديل الدستوري الذي صدر تطبيقاً له بموجب القانون الدستوري رقم 18/90 ( راجع البند 7).
74 ـ إتفاق الطائف أبقى على الطائفية السياسية كمرحلة إنتقالية ـ أي في الجمهورية الثانية ـ ولكنه خفف من حدتها بعض الشيء: جاء إتفاق الطائف عام /1989/، ومن بعده التعديل الدستوري الذي حصل بموجب القانون رقم 18/90، يَعِدُ اللبنانيين بالعمل على إلغاء الطائفية السياسية. وبالفعل إن المقدمة التي أضيفت إلى الدستور بموجب القانون رقم 18/90 نصت في البند « ج» على أن « إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضى العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية» وتبعاً لذلك تضمنّت المادّة /95/ من الدستور بصيغتها الجديدة ما يلي:
« على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين إتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية وإجتماعية.
مهمة الهيئة دراسة وإقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية».
إلاّ أن الفقرات الأخيرة من المادّة ذاتها كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 نصت على المرحلة الإنتقالية التي تسبق إلغاء الطائفية السياسية، وهذا يعني أن الطائفية السياسية تبقى قائمة في المرحلة الإنتقالية إنما مع تخفيف حدّتها من خلال القواعد التالية التي وردت في تعديل عام /1990/.
ـ بقيت الطائفية السياسية سارية في توزيع المقاعد النيابية، ولكن مع توزيع المقاعد بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين ونسبياً بين طوائف كل من الفئتين ( المادّة 24 من الدستور كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90)، وهذا يعني أن قاعدة خمسة وخمسة مكرر التي كانت قائمة قبل ذلك ( راجع البند 73) قد أُلْغيت.
ـ تمثّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة ( البند أ من المادّة 95).
ـ يبقى توزيع وظائف الفئة الأولى وما يعادلها خاضعاً لقاعدة التمثيل الطائفي مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وقد تم تخفيف حدة القاعدة بالنص على أن القاعدة تطبق « دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الكفاءة والإختصاص » ( الشطر الأخير من البند ب من المادّة 95).
ـ ألغيت قاعدة التمثيل الطائفي في بقية الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني ( الشطر الأول من البند ب من المادّة 95).
ولكن يلاحظ أن قاعدة عدم تخصيص أية وظيفة في مراكز الفئة الأولى وما يعادلها في المؤسسات الأمنية والعسكرية، لم تطبق بعد عام /1990/ إلاّ في نطاق محدود جداً إذ إن أكثر وظائف الفئة الأولى لا يزال يشغلها أبناء الطائفة ذاتها، وعند شغور المركز يأتي شخص من نفس الطائفة في أكثر الأحيان.
أكثر من ذلك عندما طرح تعديل قانون البلديات من أجل إناطة السلطة التنفيذية في بلدية بيروت برئيس البلدية، على غرار بقية البلديات، أثيرت مسألة حقوق الطائفة التي ينتمي إليها محافظ مدينة بيروت بدلاً من أن تثار مسألة تطبيق ما نص عليه البند « ب » من المادّة /95/ بعدم تخصيص أي مركز لأية طائفة
ومن ثم كنا ننتظر مثلاً أن يصار إلى إثارة المسألة من زاوية إعطاء الطائفة التي ينتمي إليها المحافظ في حينه مركزاً آخر يوازي في أهميته مركز المحافظ والسلطة التنفيذية في بلدية بيروت تطبيقاً للنص الدستوري القائل بعدم تخصيص أي مركز لأية طائفة ( راجع البند 49)، ولكن بكل أسف لم نسمع أحداً من المسؤولين يطالب بشكل موضوعي بتطبيق ما ورد في النص الدستوري
75ـ الآثار الإيجابية للطائفية السياسية ـ الحفاظ على الديموقراطية وضمان الحريات العامة: غني عن البيان أن الدستور اللبناني صدر عام/1926/ وهو مستقى إجمالاً من دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا. وهو يعتمد النظام الديمقراطي البرلماني ويضمن الحريات العامة، وإن كان إعتماد النظام البرلماني لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية )1(.
بالطبع إذا كان الدستور اللبناني إستوحي من دستور الجمهورية الثالثة فإن ذلك كان أمراً طبيعياً نظراً لأن لبنان كان لا يزال يخضع للإنتداب الفرنسي، والدستور الفرنسي الذي كان مرعياً آنذاك هو دستور الجمهورية الثالثة.
وإعتماد لبنان دستور مستوحى من دستور الدولة المنتدبة جاء متوافقاً مع الحركة الدستورية في الدول التي كانت خاضعة للإستعمار أو للانتداب، إذ إن تلك الدول إعتمدت إجمالاً، بعد إستقلالها، دساتير البلدان المُسْتعمِرة أو المُنْتَدَبَة.
من هنا برزت مشكلة في تلك الدول الحديثة تتعلق بممارسة الديموقراطية السياسية وضمان الحريات العامة، فالدول المُسْتعمِِرة أو المُنْتَدَبَة كانت عريقة في ممارستها للديموقراطية ودفاعها عن الحريات العامة ولذلك فإن أوضاعها الدستورية كانت تتلاءم مع واقعها.
أمّا الدول التي إستقلت حديثاً فإن النظام الديموقراطي أُعْطِي لها رغم أن واقع بعض تلك الدول لم يكن مهيأً لممارسة الديموقراطية، من هنا تحولت بعض تلك الدول عن النظام الديموقراطي البرلماني نحو النظام الرئاسي أو حتى نحو الديكتاتورية متجاهلة الأحكام الدستورية ومن ثم لم تقم وزناً للديموقراطية السياسية وللحريات العامة.
ولا شك في أن تحوّل تلك الأنظمة عن مسار الحياة الديموقراطية أتى نتيجة أسباب أيديولوجية وإقتصادية وأحياناً بسبب عدم تقبلها فكرة الازدواجية في السلطة وتعلقها بشخص الحاكم بدل تعلقها بالمؤسسة الحاكمة)1(.
من هنا تبرز ميزة في الحياة الدستورية اللبنانية وهي الحفاظ على الديموقراطية السياسية وضمان الحريات العامة، إذ إنه رغم الشوائب التي شابت الممارسة الديموقراطية، بقي الطابع الديموقراطي هو الغالب والحريات العامة مصونة نسبياً.
ونعتقد أنه إذا كان للطائفية السياسية سلبيات عديدة ( راجع البند 77 وما يليه) الاّ أنه يبقى لها إيجابية هامة تتمثل بالحفاظ على الديموقراطية ومنع تمركز السلطة حول شخص واحد مع ما في ذلك من تهديد للديموقراطية ذاتها وتهديد للحريات العامة.
وآية ذلك أنه إذا كان يسهل على الحاكم أحياناً أن يؤمن الولاء لشخصه في المؤسسات الدستورية فكان يتعذر عليه أن يؤمن ولاء الطوائف، من هنا كانت الطوائف تنتصب أحياناً عائقاً أمام الحاكم لمنع تمركز السلطة حول شخصه، ولنا في ذلك شواهد خلال مرحلة الإستقرار السياسي بين مطلع عهد الإستقلال ولغاية أواخر الستينيات، ثم أتت الأحداث التي بدأت عام /1975/ لتعزر تلك الشواهد:
ـ خلال مرحلة الإستقرار السياسي كان الحاكم يطمح أحياناً للتجديد أو لإختيار معاونيه على أسـاس الروابط الشخصية الأمر الذي يسهل تمركز السلطة حول شخصه، ولكـن الطوائف كانت تنتصب في وجهه إنطلاقاً من حقوقها في المشاركة بالسلطة )1(.
ـ خلال الأحداث التي بدأت عام /1975/ وتغييب سلطة الدولة لصالح سلطة قوى الأمر الواقع، فإن تلك السلطة تمركزت حول شخص المسؤول في الطائفة بحيث حلّ ضمن كل طائفة رئيس أمر واقع مطلق الصلاحية، محل سلطة الدولة لأنه لم يكن بإمكان الطوائف الأخرى أن تمنع ذلك.
ـ إن الحالة التي عاشتها المناطق الشرقية بعد توقيع إتفاق الطائف عام /1989/ جاءت تؤكد الحقيقة ذاتها، وليس أدل على ذلك من التعرّض لحرية الرأي والنشر في النصف الثاني من كانون الثاني من عام /1990/ وذلك عبر تقييد حرية وسائل الإعلام من قبل الحاكم هناك، حيث لم تتجرّأ وسائل الإعلام في المنطقة الشرقية وأصحابها من المنتمين لطائفة الحاكم هناك على قول كلمتها بحرية حول تقييد حرية الإعلام
في حين إنبرى أصحاب وسائل الإعلام في المناطق الأخرى ومن غير طوائف ووقفوا بحزم ضد تقييد حرية الإعلام، ويشهد على ذلك المؤتمر الصحفي الذي عقده نقيب الصحافة محمد البعلبكي بتاريخ 19/1/1990 في مركز نقابة الصحافة في بيروت وإعلانه يوم 20/1/1990 يوماً للدفاع عن الحريات)1(.
وبالفعل متى كانت السلطة محصورة بالطائفة فيسهل قيام ديكتاتور ضمن تلك الطائفة في حين يصعب بل يتعذر ذلك متى كان القبول بالسلطة متوقّفاً على الطوائف الأخرى، لأنه إذا تعذر على أبناء الطائفة الوقوف بوجه الحاكم ضمن الطائفة ذاتها فإن مواقف أبناء الطوائف الأخرى يبقى كفيلاً بالحد من جنوحه نحو تمركز السلطة حول شخصه.
أكثر من ذلك إذا قارنا الحياة السياسية في لبنان مع محيطه العربي نجد أن لبنان هو الوحيد الذي بقي خارج دائرة الإنقلابات العسكرية وخارج دائرة توريث رئاسة الدولة، وبالطبع لم يكن ذلك بنتيجة عدم وجود عسكر في لبنان أو بنتيجة عدم الرغبة في توريث السلطة، بل كان نتيجة تعدد الطوائف وحرص تلك الطوائف على المشاركة في الحياة السياسية بشكل يمنع تمركز السلطة وإستمرارها من خلال شخص واحد.
76 ـ الآثار الإيجابية للطائفية السياسية ـ على صعيد الإنصهار الوطني ـ إبراز الكفاءات والقدرات الفردية: ترك الطابع الموحد لتركيب السلطة في لبنان آثاراً إيجابية على صعيد الإنصهار الوطني وعلى صعيد إبراز الكفاءات والقدرات الفردية في مختلف المجالات.
فالطابع الموحد لتركيب السلطة وفّر الإحتكاك اليومي بين أبناء الطوائف المتعدّدة مع ما يستتبع هذا الإحتكاك من قيام علاقات شخصية ونقاش في المواضيع العامة والخاصة، وقد تحقق ذلك على جميع المستويات العامة في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب وفي القضاء وفي الإدارات العامة كما تحقق في المؤسسات التعليمية من أعلى مستوياتها في الجامعة اللبنانية إلى أدناها في المدارس الإبتدائية.
ولا شك في أن تواجد أبناء الطوائف ضمن المؤسسة الواحدة، سواء على صعيد ممارسة السلطة أو الوظيفة العامة وسواء على صعيد المؤسسة التعليمية، من شأنه أن يقرب كثيراً بين أبناء الطوائف ويساهم في عملية الإنصهار الوطني ، وباستقراء بسيط لتفكير جيل ما قبل الحرب)1(، سواء على صعيد القيادات السياسية أو على صعيد الأفراد يظهر مدى تأثير الإحتكاك اليومي بين أبناء الطوائف في المؤسسة الواحدة)2(.
ونعتقد أنه إذا كان لبنان قد إستطاع أن يحافظ على وحدته رغم الأحداث المؤلمة التي ألمت به فإن ذلك بفضل ما رسخ في ذهن الجيل الذي تيسر له إدراك معاني وحدة الوطن ومؤسساته.
كما أن إشتراك مختلف أبناء الطوائف في تكوين أجهزة السلطة والوظائف العامة ترك وجهاً إيجابياً لجهة إغناء تلك الأجهزة بكفاءات وقدرات من أبناء جميع الطوائف كما فسح المجال لابرازات القدرات والكفاءات الفردية عند مختلف أبناء الطوائف، وآية ذلك أن إشتراك جميع أبناء الطوائف في تكوين أجهزة السلطة وفّر للإدارة إختيار الكفاءات من عموم أفراد الشعب اللبناني.
وهذا ما فسح للكفاءات والقدرات الفردية مجالاً أكبر للظهور، وآية ذلك أنه لم يكن يضير المسؤول أن تبرز كفاءات وقدرات من أبناء الطوائف الأخرى طالما أن أصحابها لا ينافسونه ولا ينافسون محازبيه على المركز. وهكذا توفرت لأجهزة السلطة في لبنان منذ عهد الإستقلال ولغاية بداية السبعينيات من القرن الماضي كفاءات وقدرات تضاهي مثيلاتها في الدول المتطورة. ولعل مقارنة بسيطة بين واقع ما قبل الأحداث وواقع ما بعدها خير معبر عن الحقيقة المُحْكى عنها.
وإذا كان الوضع هو كذلك على الصعيد العام فكان لا بد لهذا الوضع أن ينعكس أيضاً على صعيد القطاع الخاص، وآية ذلك أن هذا القطاع عرف أيضاً تشاركاً في المصالح بين أبناء الشعب اللبناني من مختلف الطوائف سواء على صعيد الإنتاج أو الإستهلاك.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الإيجابيات المُحْكى عنها هنا ستبقى متحققة أيضاً بعد إلغاء الطائفية السياسية وذلك بعد تقارب المستوى العلمي والثقافي عند أبناء الطوائف المتعددة في لبنان.
ولكن إذا كانت التركيبة المزدوجة للسلطة قد تركت تلك الآثار الإيجابية إلاّ أنها في نفس الوقت تركت آثاراً سلبية تفوقها أهمية.
77 ـ الآثـار السـلبية للطائفية السياسية )1( لجهة الإخلال بالمساواة بين المواطنين: تُعْتبر النظرية القانونية للحقوق الشخصية والحريات العامة جزءاً جوهرياً من القانون العام وتتصل بمبادئها الأساسية بالقانون الدستوري.
وتستوحي تلك الحقوق كامل قوتها من مبدءٍ يبدو كامناً في أصل النظرية وفلسفتها وهو مبدأ المساواة بين البشر على إختلاف عناصرهم وألوانهم وطبقاتهم ومذاهبهم، لأنه إذا تمعّنا بأي حق من الحقوق الشخصية لتبين لنا أن القاعدة التي تسوده والمنبع الذي يستوحي روحه منه يكمنان في فكرة المساواة والإحساس بها.
وإذا كان مبدأ المساواة يجد تطبيقه الأول على الصعيد الإجتماعي إلاّ أنه يتضمن المساواة أيضاً أمام القانون بالمعنى الواسع، بحيث يشمل المساواة في الحقوق السياسية والحقوق المدنية على السواء وإن كانت المساواة تقتصر على المساواة بالأهلية القانونية دون المساواة بالإمكانية التي قد تختلف بين شخص وآخر.
وقد تكرس مبدأ المساواة، منذ إعلان شرعة الإستقلال في الولايات المتحدة الأمير كية، وعلى الأخص بعد الثورة الفرنسية عام /1789/، في أكثر الدساتير العصرية وفي الشرعة العالمية لإعلان حقوق الإنسان، ولا نرى ضرورة لتعداد تلك الدساتير والشرع وإستعادة نصوصها )1(.
وإنسجاماً مع الإتجاه المتقدم تضمن الدستور اللبناني منذ صدوره عام /1926/ نصاً صريحاً بهذا المعنى في المادّة /7/ منه ومؤداها: « كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم ».
وقد أكدّت المقدمة التي أضيفت إلى الدستور بموجب القانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني، على مبدأ المساواة في البند « ج » منها حيث نصت على أن « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل ».
ومقتضى مبدأ المساواة يفرض أن يتمتع جميع المواطنين بالأهلية القانونية لتولي مراكز السلطة العليا والوظائف العامة في الدولة.
من هنا كان الأثر السلبي الأول للتركيب الطائفي للسلطة، وآية ذلك أن هذا التركيب جعل بعض مراكز السلطة حكراً على طائفة معينة وعطّل المبدأ الذي نص عليه البند « ج » من مقدمة الدستور والمادّة /7/ منه، وأفرغ هذا المبدأ من محتواه بالنسبة للمسألة موضوع البحث.
ولعل أبلغ تصوير لتلك النتيجة هو ما كرره الرئيس سليم الحص في أكثر من مناسبة عندما قال: « ففي بلد الحريات الغزيرة سبع عشرة طائفة، واحدة منها فقط تؤهل أبناءها للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى، وثلاث منها فقط تؤهل أبناءها للوصول إلى أي من الرئاسـات الثلاث الأولـى، وسبع منها فقط تؤهل أبناءها للوصـول إلى مقعد وزاري في أكبر الحكومات حجماً ... »)1(.
78 ـ الآثار السلبية للطائفية السياسية لجهة القبول بالسلطة: بالطبع إن توزيع مراكز السلطة على أساس طائفي لا بد أن يترك آثاراً سلبية على علاقة المواطن بالدولة وخصوصاً على مدى قبوله بالسلطة الحاكمة.
فإذا كان القبول بالسلطة هو شرط من شروط إستمرارها، وهي لا تستمر بدونه إلاّ بالقوة العسكرية وحدها حتى إذا ما اضمحلت تلك القوة تعرضت السلطة ذاتها للإضمحلال ( راجع البند 17)، فإن الحقيقة المتقدمة كانت تتجلّى دوماً في لبنان إذ إن هناك فريقاً من اللبنانيين كان يرفض ضمناً تركيبة السلطة بقدر ما تخلّ بمبدأ المساواة، في حين كان فريق آخر يدافع عن تلك السلطة لأنها تعطيه كامل حقوقه وأكثر.
من هنا نلاحظ أنه في كل مرة تضعف فيها القوة العسكرية للدولة اللبنانية كان الشعور الضمني بالرفض يطفو على الوجه ويهدد السلطة حتى بالقوة المسلحة.
وإذا أردنا أن نكون أكثر دقة وصراحة نقول إن الشعور الضمني بعدم القبول بالسلطة كان كامناً عند الطوائف الإسلامية وليس عند الطوائف المسيحية خصوصاً قبل إتفاق الطائف وليس أدل على ذلك من أحداث عام /1958/ ومن بعدها الأحداث التي شهدها لبنان أوائل السبعينيات ولغاية أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.
كذلك إن مسار الحياة السياسية في لبنان بعد التعديل الدستوري الذي حصل عام /1990/ يشهد بأن الشعور الضمني بعدم القبول بالسلطة إنتقل من الطوائف الإسلامية إلى الطوائف المسيحية وبالأخص الطائفة المارونية، خصوصاً بسبب قانون الإنتخاب ( راجع البند 107 وما يليه) وليس أدل على ذلك من البيان الذي صدر عن الإجتماع الذي عقده مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير بتاريخ 1/9/2004)1(، وفي البيانات العديدة التي صدرت قبله.
وإذا عدنا إلى التاريخ نلاحظ أن اللبناني بطبعه كان معادياً للسلطة لأنه كان يشعر منذ أيام السلطنة العثمانية وأيام الإنتداب الفرنسي أن هذه السلطة لا تمثله وهي سلطة مفروضة عليه بالإكراه وليس برضاه)2(.
ويظهر أن السلطة التي قامت بعد عهد الإستقلال وتلك التي قامت بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني عام /1989/، لم تتمكّن من إقناع جميع أفراد المجتمع اللبناني بأن السلطة منبثقة من الشعب وتعمل لخدمته، من هنا يفترض بالسلطة القائمة حالياً أن تدرك هذه الحقيقة لتقنع اللبناني بأنها منبثقة من الشعب اللبناني وحده.
79 ـ الآثار السلبية للطائفية السياسية لجهة الحدّ من الطموح الشخصي عند المواطن وبالأخص عند أصحاب القامات الكبيرة في الوطن: لا شك في أن جعل بعض مراكز السلطة حكراً على طائفة أو طوائف معينة من شأنه أن يحد من الطموح الشخصي عند أبناء الطوائف الأخرى وبالأخص عند أصحاب القامات التي لا يمكن أن تخلو منها أية طائفة.
وفي هذا السياق يمكن أن نذكر ما قاله رجل من أصحاب القامات الوطنية الكبيرة في لبنان في حقلي الإعلام والثقافة وهو الأستاذ غسان تويني مساء الخميس في 2/9/2004 على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال في برنامج كلام الناس الذي يقدمه الإعلامي الشهير الأستاذ مارسيل غانم، إذ قال ما مضمونه: أنا ما عندي طموح، أنا وصلت إلى ما يمكن أن أصل إليه ( ويعني تولي الوزارة) منذ فترة طويلة.
وتبعاً لذلك أتساءل لو أن شخصاً مثل الأستاذ غسان تويني تولى أي رئاسة من الرئاسات الثلاث الاولى ـ وهو من غير أبناء الطوائف الثلاث الكبرى في لبنان ـ فهل كان المواطن سيشعر بقدر أكبر أو أقل من القبول بالسلطة؟
وإذا كان لنا أن نضيف شيئاً لما ورد في مذكرة الرئيس سليم الحص إلى السادة الملوك والرؤساء العرب بتاريخ 12/1/1989 ( راجع البند 77) والى كلام الأستاذ غسان التويني، فنذهب أبعد من الرئاسات الثلاث والمقاعد الوزارية إلى المقاعد النيابية والوظائف العامة ونقول:
كيف يمكن أن يُحدّ من طموح مواطن في منطقة معينة من الترشّح إلى الانتخابات النيابية لمجرد أنه لم يُلحظ مقعد نيابي لطائفته ضمن الدائرة الانتخابية، مهما كانت كفاءاته وحتى لو كان يتمتع بتأييد شعبي كامل!
كذلك على صعيد الوظائف العامة كانت هناك مراكز في الإدارة والقضاء مخصصة لطوائف معينة، وكان يمتنع على الموظفين والقضاة من الطوائف الأخرى أن يطمحوا الى تولي تلك المراكز مهما كانت درجة كفاءتهم ومسلكيتهم، وكم من مرؤوس أصبح رئيساً لرئيسه السابق نتيجة لهذا الوضع!
وأكتفي هنا بمثال من السلطة القضائية فأقول: إن المراكز العليا الثلاثة في القضاء العدلي وهي رئاسة مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة التمييزية ورئاسة التفتيش القضائي كانت محصورة لغاية تاريخه بالطائفتين السنية والمارونية بحيث أن أي قاضٍ من الطوائف الأخرى، مهما بلغ علمه وخبرته ونزاهته، لا يمكن أن يتجاوز طموحه أكثر من تولّي مركز رئيس غرفة في محكمة التمييز!
أكثر من ذلك لو سُئِل طلاب الجامعات عن طموحاتهم المستقبلية، فإن المهتمين منهم بالمجالات العلمية أو الفنية أو الأدبية سيكون طموحهم غير محدود، أمّا المهتمون منهم بالمجالات السياسية فإن طموحهم يبقى محدوداً بالمراكز المخصصة لطوائفهم في السلطة!
هذه أمثلة ويمكن تكرار غيرها إلى ما لا نهاية
وإذا كان التعديل الدستوري الذي حصل بموجب القانون رقم 18/90 تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني في الطائف أقر مبدأ عدم تخصيص أية وظيفة لأية طائفة ( راجع البند 74)، إلاّ أن الواقع العملي بعد الطائف يشهد بأن تمسك الطوائف بمراكز معينة لا يزال على أشدّه، حيث أن بعض مراكز الفئة الأولى لا يزال يشغلها أبناء الطائفة ذاتها منذ صدور القانون الدستوري رقم 18/90 ولغاية تاريخ صدور هذا الكتاب، وكأن النص الدستوري المعدل أوجب إحتفاظ بعض الطوائف بمراكز معينة !!! ( راجع البندين 49 و 74 ).
80 ـ الآثار السلبية للطائفية السياسية لجهة حرمان الوطن من الإستفادة من رجال تاريخيين وطاقات بعض أبنائه المتفوقين: تمر في تاريخ الشعوب شخصيات تاريخية متفوقة وشخصيات تملك طاقات ذاتية فريدة في مجال السياسة أو العلم أو الفن يمكن أن توظف في خدمة أبناء الشعب بمجموعه.
وإذا كان لنا أن نذكر هنا بعض الشخصيات السياسية في العالم فيكفي أن نذكر الجنرال ديغول)1( الذي لمع إسمه في فرنسا والعالم وأسّس الجمهورية الخامسة وتولىّ رئاستها، وبرز إسمه بين أهم القامات السياسية الكبيرة في القرن العشرين.
أسرد هذا المثال لأطرح فرضية وأخلص بنتيجتها إلى إبراز مساوئ الطائفية السياسية في لبنان.
أمّا الفرضية فهي التالية: فلو كان النظام السياسي في فرنسا قائماً على أٍساس الطائفية السياسية وكان الجنرال ديغول من طائفة لا يجوز لأبنائها تولي رئاسة الجمهورية، فهل كانت فرنسا إستفادت من شخصية الجنرال ديغول الفذة أم كانت حرمت من ذلك؟ وهل كان المواطن الفرنسي خسر أم كسب بنتيجة ذلك؟
ونفس الفرضية يمكن طرحها في لبنان من خلال رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب ورئيس مجلس الوزراء الحالي رفيق الحريري. أن الرئيس فؤاد شهاب شرع في بناء الدولة من خلال المؤسسات التي أدخلت إصلاحات حقيقية على جميع الأصعدة وبالأخص الإدارية والمالية والتشـريعات الإجتماعية )1(.
وبالفعل لقد تـم فـي عهـد الرئيـس فؤاد شهاب الذي إسـتمر من عام /1958/ إلى عام /1964/ إنشاء مصرف لبنان ( القانون المنفذ بموجب المرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1963) وديوان المحاسبة ( مرسوم إشتراعي رقم 118 تاريخ 12/6/1959))2( ومجلس الخدمة المدنية ( مرسوم إشتراعي رقم 114 تاريخ 12/6/1959) والتفتيش المركزي ( مرسوم إشتراعي رقم 115 تاريخ 12/6/1959).
كما صدر في نفس الفترة قانون المحاسبة العمومية ( القانون المنفذ بالمرسوم رقم 14969 تاريخ 30/12/1963).
أمّا رئيس مجلس الوزراء الحالي الرئيس رفيق الحريري، فقد تولّى رئاسة مجلس الوزراء في لبنان لفترة طويلة بعد عام /1992/ في وقت كانت الأحداث المؤلمة التي عصفت بلبنان خلال العقدين السابقين قد دمرت كل البنى التحتيه فيه.
فجاء الرئيس الحريري يوظّف علاقاته الشخصية على الصعيد الدولي ويوظّف طاقاته الذاتية للنهوض بالبلد وإعادة إعماره، وقد نجح في ذلك بشهادة الأمم المتحدة التي إستحق جائزتها « الخاصة لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية » التي سلمت له في حفل أقيم في برشلونة يوم الاثنين بتاريخ 13/9/2004، كما جاء في كلمة ممثلة الامين العام للأمم المتحدة السيدة آنا تيباياجوكا التي ورد فيها:
« وممن مارس في شكل مثالي مهمة الأمم المتحدة في العالم التي تدعو إلى السلام والإزدهار، أخص بالذكر رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الحائز الجائزة الخاصة لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وأهنئه على قيادته البارزة ورؤيته السديدة لإعادة إعمار لبنان بعد الحرب وأهنئ الشعب اللبناني الذي لولاه لما كان تحقق هذا النجاح؟
كانت الحرب الأهلية اللبنانية التي أدت إلى خسائر بشرية وإقتصادية هائلة أحد أطول النزاعات في النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد أعوام من الدمار المادي والبشري كانت عملية إعادة بناء البلاد وإعادة تأهيلها في حاجة إلى زعيم بارز يتمتع برؤية إستثنائية، نعم زعيم يشعر بالحب والإلتزام لرفاهية كل شعبه ومصمم على القيام بالتضحيات اللازمة لإعادة توحيد مجتمع ممزق وتعزيز ثقافة السلام والإزدهار وهي رسالة الأمم المتحدة نفسها. أن لبنان مثل يُحتذى وآمل أن تتعلم مجتمعات أخرى تعيش حالة نزاع من تجربة لبنان الفضلى »)1(.
والفرضية التي أطرحها هنا هي التالية: لو لم يكن كل من الرئيسين شهاب والحريري من إحدى الطوائف التي يحق لأبنائها تولّي الرئاستين الأولى والثالثة، فهل كان استفاد لبنان من إنجارات الرجلين)1(؟؟
أما النتيجة فهي تبيان الآثار السلبية للطائفية السياسية في لبنان، وآية ذلك أنه مر في لبنان وسيمر مستقبلاً رجالات ذوو شخصيات فذة متفوّقة يملكون رؤيا صائبة لمستقبل الوطن وشعبه، وكانت الطائفية السياسية تمنعهم من إفادة الوطن من طاقاتهم وقدراتهم ورؤيتهم، في حين أثبتت التجربة في العالم أن الإستفادة من مثل هؤلاء الأشخاص لا بد أن تنعكس إيجاباً على صعيد الوطن وعلى صعيد قبول الشعب بالسلطة القائمة وعلى صعيد رفاه الشعب ومستقبله
وبالفعل لقد مرّت في تاريخ لبنان بعد الإستقلال قامات كبيرة فذة في فكرها ورؤياها للحكم وللمستقبل)2( كالأســتاذ فؤاد بطرس والمرحوم الأستاذ كمال جنبلاط الذي لخّص الكاتب إيغور تيموفييف عالمه بالقول: إن « عالم كمال جنبلاط هو عالم الإنسان الصاعد أبداً إلى ذرى التطوّر والكمال. ولذا فهو يرفض بالقدر عينه من النفور والإستياء أنظمة الإستبداد التي يغدو فيها الإنسان مجرد برغي لدفع الآلة المتحجرة الهائلة، وكذلك الديموقراطيات البرلمانية التي تسودها الفوضى وتردي القيم الأخلاقية»)1(؛ ولكن الطائفية السياسية حرمت الوطن من الإفادة مـن كامل طاقات أمثالهم من أصحاب القامات الكبيرة لأن توزيع مراكز السلطة كان يمنعهم من الوصول إلى أكثر من مركز وزير !
وأذهب في الفرضيات إلى أبعد من السياسية لأقول لو أن الطائفية السياسية كانت مطبقة في مجال العلم والفن والأدب ألم يكن من الممكن أن يحرم لبنان من إرسال رسولة نحو النجوم مثل فيروز، أو من بلوغ مرتبة الروّاد في الأدب العالمي مع جبران خليل جبران، أو مرتبة كبار العلماء والمخترعين في العالم مع حسن كامل الصباح!
وإذا كان وجه التشبيه يبدو للبعض غير مألوف بين السياسة والعلم والفن والأدب، فإن النظرة العميقة للأمور تظهر صحة التشبيه، لأن أصحاب القامات الكبيرة يمكن أن يبرزوا في أي حقل كان، ومن ثم لولا الطائفية السياسية لكان يمكن أن يكون برز في لبنان فيروز أو جبران أو صباح في عالم السياسة
ويشهد على ذلك أن بعض اللبنانيين الذين إكتسبوا جنسيات أجنبية وصلوا إلى أعلى المناصب السياسية، بما في ذلك تولّي الرئاسات الأولى في بعض البلدان، دون أن يمنعهم إنتماؤهم الطائفي من ذلك على خلاف الوضع القائم في بلدهم الأم!
81 ـ الآثار السلبية للطائفية السياسية لجهة الطابع المزدوج للقائمين بالسلطة ـ إنعكاس هذا الطابع على القرار الوطني: إنعكست الطائفية السياسية بشكل سلبي على القائمين بالسلطة، وآية ذلك أن تخصيص أحد المراكز لطائفة معينة كان يُفْضي إلى إزدواجية عند من يتولاه، فهو من جهة يدين لطائفته في جزء من وصوله إلى ذلك المركز، الامر الذي يجعله كممثل لها في السلطة وبالتالي المدافع عن حقوقها حيال بقية الطوائف.
ولكن المركز ذاته يطال، من جهة أخرى، جميع المواطنين بصرف النظر عن إنتماءاتهم الطائفية، وهذا يجعل المسؤول ذاته ممثلاً لجميع المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم، وتبعاً لذلك يصبح القائم بأحد مراكز السلطة مضطراً لأن يجمع في شخصه صفتين: صفة ممثل الطائفة وصفة ممثل الوطن بجميع طوائفه.
ولو لم تكن مراكز السلطة موزعة على الطوائف لبدا الأمر طبيعياً في بلد تتعدد فيه الطوائف بإعتبار أن أجهزة السلطة يجب أن تنبثق من الشعب بجميع فئاته وطبقاته وطوائفه، إلاّ أن التوزيع الطائفي لمراكز السلطة كان يخلق مشكلة بين المسؤولين في كل مرة يحصل فيها تباين بين الطوائف بالنسبة لموضوع معين.
ونتيجة لذلك كان القائم بالسلطة يتصرف أحياناً من خلال العوامل الضاغطة في الواقع اللبناني وأهمها الطابع المزدوج في تركيب السلطة، فبحكم تخصيص مركز معين لطائفة من الطوائف كان لا بد لمن يتولى هذا المركز أن يحاول التوفيق بين عاملين:
العامل الأول ممارسة الحكم على أساس وطني شامل بصرف النظر عن إعتبارات الإنتماء إلى منطقة أو طائفة معينة، وكان يفترض أن ينبع القرار الوطني من هذا العامل وحده وهو الذي يخدم مصلحة الوطن العليا ويجمع بين مواقف المسؤولين في السلطة.
والعامل الثاني الإنتماء إلى الطائفة التي خصص المركز لأبنائها مع ما يفرض ذلك على المسؤول من مراعاة تطلعات أبناء تلك الطائفة عندما يتباين الموقف بشأن الموضوع الواحد.
وإذا كان من شأن العامل الأول أن يقرب وحدة القرار الوطني بين القائمين بالسلطة عند مختلف الطوائف، فإن تلك الوحدة كثيراً ما كانت تنكسر على عتبة العامل الثاني.
وكنا أوردنا مثالاً من موقفين للرئيسين سليمان فرنجية وصائب سلام أحدهما يغلّب العامل الوطني والآخر يغلّب الإنتماء الطائفي ( راجع البند 49)، ونضيف هنا مثالاً آخر من موقف للرئيس سليم الحص وعلاقته بالرئيس إِلياس سركيس. وبالفعل كان الرئيس سركيس قد اختار الرئيس الحص عام /1976/ لتشكيل الحكومة نظراً للصداقة التي تربط بينهما، وهذا ما أكّده الرئيس الحص شخصياً عندما قال « فالرئيس سركيس لم يأتِ بي بعد إجراء مشاورات نيابية منتظمة، ولو فعل لما رشحني أحد من النواب ... ولكن هذا الواقع لا ينفي كون رئيس الجمهورية استطاع أن يُسمّى لرئاسة الوزراء صديقاً له مجهولاً سياسياً »)1(
ورغم ذلك ما لبث الرئيسان أن وصلا إلى نقاط خلاف بينهما بسبب تباين مواقف الطوائف من تلك النقاط، وقد روى الأستاذ كريم بقرادوني مواضع الخلاف تفصيلاً في كتابه السلام المفقود،)2( ونرى أن لا فائدة من ذكرها ضمن هذا البحث.
هذه أمثلة ويمكن تكرار غيرها إلى ما لا نهاية.
82 ـ تأييد المواطن العادي والطوائف لإلغاء الطائفية السياسية: إن المواطن العادي لا يعنيه أن يتولى مراكز السلطة أحد أبناء طائفته بقدر ما يعنيه أن يتولاها من يحقق آماله وطموحاته في الأمن والإستقرار والعيش الكريم، ويحقق له الرفاه الإجتماعي، ويحافظ على أموال الشعب التي تتجمع في خزينة الدولة من أجل إنفاقها في خدمة الشعب لا في خدمة سواه.
وهناك من الأمثلة ما يؤكد أن الطوائف نفسها، وبالأخص الطائفة المارونية، لا يضيرها إلغاء الطائفية السياسية لأن ما يعنيها هو أن يتولى مراكز السلطة أشخاص يؤمّنون المصلحة العامة ومصلحة المواطن لا مصالحهم الشخصية.
ويمكن هنا أن نسوق المثال التالي من المديرية العامة للأمن العام؛ لقد كان يتولى هذه المديرية على امتداد فترة طويلة شخصيات من الطائفية المارونية، وفي عهد الرئيس إِميل لحود تولاها رجل من الطائفة الشيعية وهو اللواء جميل السيد، وخلال فترة تولي اللواء السيد مديرية الأمن العام إنتظم عمل الإدارة في الأمن العام وشعر المواطن اللبناني لأية طائفة انتمى بأن الإدارة وجدت لخدمته.
وقد شهد بذلك بيان مجلس المطارنة الموارنة الصادر عن إجتماعهم المنعقد برئاسة صاحب الغبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير بتاريخ 1/9/2004، إذ رغم اللهجة القاسية في إنتقاد مسار الحياة السياسية والإدارية في لبنان وبالأخص بالنسبة للعلاقات اللبنانية السورية وتعديل الدستور من أجل التمديد للرئيس إِميل لحود ثلاث سنوات، فإن البيان ـ وهنا بيت القصيد ـ تضمن إشارة إيجابية بالنسبة لإدارة الأمن العام على خلاف الإشارات السلبية بالنسبة لبقية إدارات الدولة، فقد ورد حرفياً في البند الرابع من البيان ما يلي:
« إنتشار الخوّة في كل الدوائر الرسمية. وما من مواطن يجازف في طلب إنجاز معاملة إدارية، فنية كانت أم عقارية أم خدماتية، إلاّ ويلقى الأمرين في مراجعات قد تطول أشهراً وسنوات، وتبقى محجوزة في درج الموظف، ولا يفرج عنها إلاّ بعد أن يتقاضى ما يحسب أنه حق له، قبل حق الدولة. هذا إذا كان في مكتبه ولم يكن متأخراً عن ساعات عمله، أو هو في إجازة أو في سفر. وقد ترامى إلينا أن دوائر الأمن العام، خلافاً لما هو شــائع عندنا، قد إعتمدت المراسلة، شأن البلدان الراقية في إنجاز المعاملات »)1(.
وهذه الإشارة في بيان المطارنة الموارنة تعني أن الطائفة المارونية لم يضرها أن يحلّ شخص من طائفة أخرى في مركز كان محفوظاً لها باستمرار، وإذا كان تفكير الطائفة في هذا الإتجاه ـ وهو التفكير الصائب والسليم ـ فماذا يمكن أن يقال عن تفكير المواطن العادي لأية طائفة إنتمى؟
نخلص هنا إلى القول إن المواطن العادي لا يعنيه أن ينتمي المسؤول لطائفته بل يعنيه فقط أن يقوم هذا المسؤول بخدمته ويحقق له رفاه العيش.
ومن ثم فإن الشعور الكامن عند المواطن هو بإتجاه أن تخصص المناصب السياسية والإدارية والقضائية لمن يستحقها فعلاً لأية طائفة إنتمى، فالمواطن العادي مع إلغاء الطائفية السياسية على أن يحل محلها مبدأ الإختصاص والكفاءة وفقاً لما ورد في البند « ب » من المادّة /95/ المعدلة من الدستور.
وهذا ما أكّده منذ زمن طويل الأستاذ كمال جنبلاط الذي كان يعتبر أن السبب الأول للأزمات اللبنانية« ليس الخلاف بين المسيحيين والمسلمين، بل الصراع بين دعاة الطائفية السياسية وأنصار فكرة المجتمع المدني العلماني »)1(.
كذلك إن بيان مجلس المطارنة الموارنة الصادر بتاريخ 1/9/2004 والذي أثنى على مسار الخدمة العامة في مديرية الأمن العام يفصح عن أن الطوائف ذاتها تؤيد فكرة إلغاء الطائفية السياسية على أن يحل محلها مبدأ الإختصاص والكفاءة، وعلى أن تحفظ حقوق الطوائف من خلال إنشاء مجلس الشيوخ العتيد( راجع البند 96 وما يليه ).
83 ـ خلاصة الفقرة ـ إن توزيع مراكز السلطة على أساس طائفي يخالف المبادئ الأساسية التي تخضع لها قواعد المشاركة في السلطة سواء في الدول الموحدة البسيطة أو الدول الإتحادية: يتبين من الفقرة موضوع البحث أن تأمين المشاركة في السلطة على أساس الطائفية السياسية جعل تركيب السلطة في الدولة اللبنانية يتصف بطابع مزدوج، طابع وحدي وطابع إتحادي في نفس الوقت.
وقد تجلّى الطابع الوحدي بوحدة الوضع الدستوري ووحدة أجهزة السلطة من تشريعية وتنفيذية وقضائية وإنبثاق المجلس التمثيلي عن الشعب بمجمله كشعب واحد، وأمّا الطابع الإتحادي فقد تجلّى بتوزيع مراكز السلطة والوظائف العامة على الطوائف.
كما تبين لنا أنه إذا كان تركيب السلطة بالشكل المتقدم ترك بعض الآثار الإيجابية وأهمها الحفاظ على الديموقراطية وضمان الحريات العامة إلا أنه ترك أيضاً آثاراً سلبية مدمّرة.
وتجلّت الآثار السلبية على صعيد الإخلال بالمساواة بين المواطنين مع ما إستتبعه من إنعكاس لجهة القبول بالسلطة وعلى الصفة المزدوجة للقائمين بالسلطة إذ إن المسؤول كان يجمع صفة ممثل الطائفة في الحكم وممثل الوطن في نفس الوقت مع ما إستتبع ذلك من إنعكاسات على القرار الوطني.
وهذا يطرح للتساؤل عما إذا كان تكوين السلطة والمشاركة فيها على أساس الطائفية السياسية يمكن أن يجد سنداً له في المبادئ الأساسية التي تخضع لها قواعد المشاركة في السلطة سواء في الدول الموحدة البسيطة أو الدول الإتحادية.
إن الدولة، سواء أكانت موحدة أو إتحادية، تظهر كرابطة بين تجمعات سياسية متجانسة أو متمايزة تخضع في قسم من مصالحها، هي المصالح الوطنية المشتركة، إلى سلطة مركزية واحدة.
من هنا فإن المبدأ الأول الذي يخضع له تنظيم السلطة المركزية هو وحدة تلك السلطة ومن ثم حصر سلطة القرار بها ( راجع البند 18 والبند 60 وما يليه) وإذ إن السلطة يجب أن تنبع من مصدرها الأصلي وهو الشعب، فإن المبدأ الثاني الذي يخضع له تنظيم السلطة المركزية هو مشاركة جميع المجموعات السياسية في تكوين تلك السلطة وممارسة إختصاصاتها.
ولا شك أن مبدأ الوحدة ومبدأ المشاركة يبدو ظاهراً في الدولة سواء إتخذت الشكل الموحد أو الشكل الإتحادي، إلا أن تطبيق كل من المبدأين يختلف تبعاً للشكل المعتمد.
ففي الدول الإتحادية ينحصر مبدأ الوحدة بالدولة الإتحادية وحدها ولا يتعداها إلى الدول الأعضاء إذ تقوم في تلك الدول سلطات محلية إلى جانب السلطة المركزية الإتحادية وتتقاسم معها بعض الإختصاصات، من هنا يوجد في كل دولة عضو في الإتحاد دستور خاص ومجلس تشريعي وسلطة تنفيذية ومحاكم خاصة بها إلى جانب الدستور الإتحادي والمجلس التشريعي والسلطة التنفيذية والمحاكم الإتحادية، وهذا بالطبع ناجم عن الطابع الإتحادي للدولة)1(.
وفي الدول الموحدة يبقى مبدأ الوحدة متحققاً بشكل مطلق إذ لا يوجد ضمن المناطق أية سلطة مستقلة تمام الإستقلال عن السلطة المركزية وتبقى جميع أرجاء الدولة محكومة بدستور واحد.
أما مبدأ المشاركة فيتحقق في الدول الموحدة بشكل بسيط إنطلاقاً من المساواة التامة المفروضة بين المواطنين في التمتع بالحقوق وتحمل الواجبات ضمن حدود القانون الذي يتصف بالعمومية.
وفي الدول الإتحادية يتخذ مبدأ المشاركة بعداً آخراً ينجم عن الطبيعة المزدوجة للدولة الإتحادية، فهي تظهر من جهة كدولة واحدة ومن جهة ثانية كدولة مركبة من عدة دول يجمعها الإتحاد القائم بينها ( راجع البند 18). من هنا تبرز ضرورة مشاركة جميع الوحدات والمجموعات التي تتكون منها الدولة الإتحادية في السلطة المركزية.
فالطابع الوحدي للدولة الإتحادية يفرض مشاركة جميع مواطنيها في تكوين السلطة المركزية وتولي مناصبها بدون تمييز بينهم في الحقوق والواجبات إنطلاقاً من مبدأ المساواة بين المواطنين. وتبعاً لذلك يكون لجميع المواطنين حق تولّي أي منصب سياسي ومن ثم يكون لهم حق الترشّح للمجالس التمثيلية وحق تولي الوظائف العامة ضمن حدود النظام القانوني في الدولة الإتحادية وعلى أساس المساواة التامة بينهم.
وهذا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك إمتياز لأي مواطن بسبب إنتمائه إلى دولة معينة من الدول الأعضاء. وإذا أخذنا مثالاً من الولايات المتحدة الاميركية كدولة إتحادية فلا يمكن أن يُعْطى مواطن في ولاية نيويورك أو أية ولاية أخرى حقوقاً أكثر من مواطني بقية الولايات كأن يحصر حق الترشيح لمنصب رئيس الدولة بالمواطنين من ولاية نيويورك، ومن ثم إن مبدأ الوحدة يفرض المساواة التامة بين المواطنين لأية دولة عضو إنتموا أو لأي تجمع سياسي إنتسبوا.
أما الطابع الإتحادي فيفرض ضمان حقوق الدول الأعضاء إزاء بعضها البعض في تكوين السلطة المركزية وتولي مناصبها، من هنا تتم المشاركة من الدول الأعضاء كدول وليس من مواطني تلك الدول وذلك بصرف النظر عن عدد المواطنين في كل دولة أو مساحة أرضها.
فلو أخذنا مثالاً من مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأميركية نرى أن المشاركة تتم عبر تكوين هذا المجلس ـ عضوان من كل دولة ـ ويتم إختيارهما من مواطني الدولة ذاتها بدون أن يكون هناك أي دور للدولة الإتحادية أو لبقية الدول الأعضاء في هذا الإختيار.
وإذا كان الوضع هو كذلك فإن المشاركة في الدولة الإتحادية تعكس من جهة وحدة الدولة الإتحادية بشعبها وأرضها وسلطتها ومن جهة ثانية إتحادية الدولة بدولها الأعضاء وأقاليمها المتعددة والسلطات المحلية التي تقوم في كل من تلك الدول)1(.
وإذا أردنا مقارنة المبادئ المُحْكى عنها مع الوضع في لبنان نجد أن قواعد تكوين السلطة والمشاركة فيها، من قبل الشعب اللبناني والطوائف التي يتألف منها، على أساس الطائفية السياسية تخالف المبادئ المستقرة في القانون الدستوري المعتمدة سواء في الدول الموحدة أو الدول الإتحادية
وبالفعل إن حصر مراكز السلطة بأبناء طوائف معينة يخالف قواعد المشاركة في السلطة المعتمدة في الدول الموحدة لأنه يخالف مبدأ المساواة بين المواطنين(راجع البندين94 و 106 )، كما أنه يخالف قواعد المشاركة في السلطة المعتمدة في الدول الإتحادية، وآية ذلك أن مشاركة الدول الأعضاء في السلطة المركزية القائمة في الدولة الإتحادية تقوم على أساس المساواة بين تلك الدول من خلال مشاركتها في السلطة عبر المجلس الإتحادي الذي يمثل الدول الأعضاء (راجع البندين18 و 101 )، وليس من خلال تخصيص أي منصب أو مركز لدولة معينة من بين تلك الدول الأعضاء
من هنا نجد أن القواعد التي إعتمدها القانون الدستوري رقم 18/ 90، الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني في الطائف، لقيام الجمهورية الثالثة العتيدة، يمكن أن تكون متوافقة مع القواعد المستقرة في القانون الدستوري.
الفقرة الثانية: المشاركة في السلطة في الجمهورية الثالثة العتيدة
عـن طريــق وحدانية الدولة وإتحادية الطوائف
84 ـ الجمهورية الثالثة ـ ستلغى الطائفية السياسية وتؤمن حقوق الطوائف عن طريق إستعارة المبادئ المعتمدة في الدول الإتحادية لتأمين حقوق الدول الأعضاء ـ معنى إلغاء الطائفية السياسية: وَعَدت الفقرة الأولى من المادّة /95/ من الدستور، كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني، بإلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية عبر تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية وإجتماعية.
ومهمة الهيئة دراسة وإقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
وبالطبع إن إلغاء الطائفية السياسية يشمل جميع المراكز السياسية العليا في الدولة بحيث لا يعود أي منصب من الرئاسات الثلاث حكراً على أية طائفة، كما أن الترشيح والفوز في الإنتخابات النيابية يصبح قائماً على معيار وطني لا طائفي، وعندها « يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية» ( المادّة 22 من الدستور كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90).
إن إلغاء الطائفية السياسية وقيام مجلس للشيوخ، يمثل العائلات الروحية، إلى جانب مجلس نواب منتخب على أساس وطني يعني أن الجمهورية الثالثة المرتقبة ستقوم على مبادئ للمشاركة في السلطة هي نفس المبادئ التي تقوم عليها المشاركة في السلطة في الدول الموحدة البسيطة.
ولكن بالنظر لتعدد الطوائف وإٍستقلاليتها في ممارسة السلطة في بعض المسائل وكذلك دورها في الحياة السياسية كطوائف، ستؤمن حقوق الطوائف للمشاركة في السلطة عن طريق إستعارة بعض المبادئ التي يخضع لها تنظيم السلطة والمشاركة فيها في الدول الإتحادية مع تسليط الضوء قوياً منذ الآن على خصوصية تطبيق مبادئ الإتحادية في لبنان بالمقارنة مع الدول الإتحادية.
وآية ذلك أن المبادئ التي وجدت لتأمين حقوق مختلف الجماعات التي تتألف منها الدولة الإتحادية إنما وجدت لتأمين حقوق جماعات ترتبط بأقليم أي بأرض تختلف عن بقية الجماعات التي ترتبط بأقاليم أو أراضي أخرى في الدولة الإتحادية.
أمّا في لبنان فإن تلك المبادئ إعتمدت لتأمين حقوق جماعات لا تختلف عن بعضها البعض إلاّ بإنتمائها الطائفي لأنها تعيش ضمن الحيز الجغرافي ذاته، بمعنى أن المبادئ المستعارة من الإتحادية إعتمدت هنا لتأمين حقوق طوائف متعددة وليس لتأمين حقوق أقاليم أو شعوب مختلفة إزاء بعضها البعض.
85 ـ المبادئ التي يمكن إستخلاصها من تنظيم السلطة والمشاركة فيها في الجمهورية الثالثة المرتقبة ـ مبدأ وحدة السلطة: إن المبدأ الأول الذي يخضع له تنظيم السلطة المركزية في الدول هو وحدة السلطة وتالياً حصر سلطة القرار بسلطة واحدة هي السلطة المركزية للدولة عبر أجهزتها المختلفة، بحيث تظهر هذه السلطة كإرادة واحدة تنفذ إلى جميع أراضي الدولة على غرار التيار الكهربائي.
وتتجلّى وحدة السلطة بوحدة الوضع الدستوري ووحدة أجهزة السلطة على جميع الأصعدة، أي على صعيد السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
وإذا كان مبدأ الوحدة في الدولة الإتحادية ينحصر فقط بالدولة الإتحادية وحدها ولا يتعداها إلى الدول الأعضاء فإن مبدأ الوحدة يبقى متحققاً بشكل كامل في الدول الموحدة إذ لا يوجد ضمن المناطق أية سلطة مستقلة تمام الإستقلال عن السلطة المركزية وتبقى جميع ارجاء الدولة محكومة بدستور واحد ( راجع البند 18 و 60 وما يليه).
وبالفعل إن الدستور اللبناني منذ صدوره في عام /1926/ كان وما زال بعد عام /1990/، هو الدستور النافذ في كل ارجاء الدولة اللبنانية كما أن السلطة المركزية بقيت واحدة على كامل الأرض اللبنانية.
86 ـ وحدة السلطة في الدولة اللبنانية ـ الأجهزة المركزية للسلطة ـ تطبيق لمبدأ الوحدة: يخضع تنظيم السلطة في الدولة اللبنانية إلى دستور واحد هو الصادر عام /1926/ مع جميع التعديلات الواقعة عليه.
وأتى تنظيم السلطات في الدستور متوافقاً مع المبادئ المعروفة في الدول البسيطة الموحدة التي تعتمد مبدأ فصل السلطات، وتبعاً لذلك أوجد الدستور سلطات ثلاث: السلطة التشريعية والسلطة الإجرائية والسلطة القضائية.
وكانت المادّة /16/ من الدستور تحصر السـلطة التشـريعية بمجلس النواب)1(، إلاّ أن المادّة /22/ التي كانت تنص على إنشاء مجلس الشيوخ والتي ألغيت بموجب القانون الدستوري الصادر بتاريخ 17/10/1927، عادت وبُعِثت إلى الحياة من جديد بالتعديل الدستوري الذي حصل بموجب القانون رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني، إذ نصت المادّة /22/ بصيغتها المعدلة عام /1990/ على أنه « مع إنتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية »)1(.
كما كانت المادّة /17/ تحصر السلطة الإجرائية برئيس الجمهورية وهو يتولاها بمعاونة الوزراء، فأتى التعديل الدستوري الذي تم بموجب القانون رقم 18/90 وجعل السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء ( المادتان 17 و 65 من الدستور كما عدلتا بموجب القانون الدستوري رقم 18/90)، كذلك حصرت المادّة /20/ السلطة القضائية بالمحاكم على إختلاف درجاتها.
وقد فصلت المواد /22/ إلى /48/ الأحكام المتعلقة بالسلطة التشريعية والمواد /49/ إلى /75/ الأحكام المتعلقة بالسلطة الإجرائية في حين خلت أحكام الدستور من تنظيم السلطة القضائية إذ إكتفى النص الدستوري بحصر السلطة القضائية بالمحاكم وترك أمر تنظيم تلك السلطة إلى نظام ينص عليه القانون)2(.
وتنبثق أجهزة السلطة من الشعب اللبناني بمجمله لا من الطوائف التي يتكون منها، وتبعاً لذلك يصح القول إن تكوين السلطة المركزية في لبنان بقي دوماً مراعياً لمبدأ وحدة السلطة وهو المبدأ المعتمد في الدول الموحدة البسيطة.
ويظهر مبدأ الوحدة من خلال وحدة الوضع الدستوري ووحدة المؤسسات الدستورية، فالمؤسسات الدستورية واحدة وتطال صلاحياتها كامل أراضي الدولة اللبنانية والمقيمين عليها. وتشكل تلك المؤسسات، وما يتفرع عنها من أجهزة، سلطة مركزية موحدة في الدولة تنتقل إلى مختلف أرجاء الدولة بدون أي عازل كالتيار الكهربائي، وإن كانت ممارسة السلطة في المناطق يمكن أن تتم عبر الأجهزة المحلية التي تبقى تابعة للسلطة المركزية.
87 ـ أجهزة السلطة المحلية في لبنان هي تطبيق لمبدأ وحدة السلطة: إن علاقة السلطة المركزية بالسلطة المحلية في المناطق وكذلك المستند القانوني لتوزيع الإختصاص بينهما هما اللذان يفرقان بين الدول الإتحادية والدول الموحدة.
ففي الدول الإتحادية تكون السلطة المحلية في الدول الأعضاء مستقلة تمام الإستقلال إزاء السلطة المركزية في الدولة الإتحادية، بمعنى أن السلطة الأخيرة لا تتمتع بأية وصاية أو رقابة على السلطة المحلية داخل حدود الدولة العضو، كما أن مدى إختصاص الدول الأعضاء يتحدد ضمن نطاق جغرافي معين هو بالنهاية إقليم الدولة.
ويتم توزيع الإختصاص بين السلطة المركزية في الدولة الإتحادية وبين الدول الأعضاء بنص الدستور الإتحادي ذاته ولا يمكن بالتالي للسلطة المركزية وأجهزتها أن تعدل في مدى إختصاص السلطات المحلية إلا بتعديل الدستور الإتحادي ذاته.
أمّا في الدول الموحدة فإن السلطة المحلية تبقى مرتبطة بالسلطة المركزية بدرجة من التبعية أو الإستقلالية التي تضيق أو تتسع تبعاً لما إذا كانت الســلطة المحلية تقوم على أســاس اللاحصريـة أو اللامركزية ( راجع البند 66 ).
بالطبع إن وضع السلطة المحلية إزاء السلطة المركزية يتوقف على المبررات التي حتمت قيام إحدى السلطتين إلى جانب الأخرى.
فإذا كانت تلك المبررات تنطلق من التمايز بين المناطق بشكل أن كل منطقة ترتدي طابع الإقليم الذي يحتوي على مجتمع سياسي متجانس فيما بينه ومتميز في نفس الوقت عن غيره من الأقاليم، فإن السلطة المحلية تقوم على أساس الإستقلالية التامة إزاء السلطة المركزية ويكون مدى إختصاصها محدداً دستورياً كما هو الوضع في الدول الإتحادية.
أمّا إذا كانت المبررات تنطلق من توزيع العمل الإداري داخل الدولة وتقريب مركز الخدمة من المواطن لعدم وجود تمايز بين المناطق والمجموعات التي تعيش ضمنها، فإن السلطة المحلية تبقى مرتبطة بعلاقة من التبعية مع السلطة المركزية، كما أن مدى إختصاصها يبقى مرهوناً بإرادة السلطة المركزية ومؤسساتها الدستورية التي يمكن لها في أي وقت أن تعدل أو حتى أن تلغي السلطة المحلية أو تزيد أو تنقص من مدى إختصاصها الجغرافي والموضوعي.
ونعتقد أنه لا توجد في لبنان حاجة أو مبررات لإقامة السلطة المحلية على أساس المناطق والتمايز بين المجموعات التي تعيش ضمن المناطق. فإذا كان المجتمع اللبناني يتصف بالتعددية الطائفية فإن الطوائف لم تكن منعزلة عن بعضها ضمن مناطق جغرافية، بل إن التداخل بين أبناء الطوائف بقي قائماً حيث كان يعيش ضمن المنطقة ذاتها مواطنون ينتمون لعدة طوائف ( راجع البند 27).
من هنا كانت السلطة المحلية في لبنان تقوم دوماً على أساس توزيع العمل الإداري وتهدف إلى تقريب مركز الخدمة من المواطن وفقاً لما هو مألوف في الدول الموحدة، وتبعاً لذلك إعتمد في مجال إقامة السلطة المحلية مبدأ اللاحصرية ومبدأ اللامركزية)1( في آن.
وبالفعل على صعيد اللاحصرية قُسّم لبنان إدارياً إلى محافظات وقُسّمت المحافظات إلى أقضية، يدير المحافظة موظف عام يدعي المحافظ ويدير القضاء موظف عام يدعي القائمقام، ويبقى المحافظ والقائمقام خاضعين لسلطة الرؤساء التسلسليين ومن ثم ليس لهما أية استقلالية إزاء السلطة المركزية.
أمّا على صعيد اللامركزية فإن المظهر الوحيد لها في لبنان تجلّى بإقامة البلديات التي تتمتع بالشخصية المعنوية وبالإستقلال المالي والإداري، إلا أن إستقلاليتها ليست مطلقة إذ تبقى البلدية خاضعة في بعض الشؤون إلى وصاية أجهزة السلطة المركزية)2(.
ومن ثم فإن إقامة السلطة المحلية في لبنان بقي دوماً متوافقاً مع مبدأ وحدة السلطة المعروف في الدول الموحدة البسيطة.
ولكن بالرغم من وحدة السلطة فإن خصوصية المجتمع اللبناني، وإنتماءاته الطائفية المتعددة وتمسّك الطوائف في تطبيق قوانينها الخاصة بواسطة محاكم خاصة بها في المسائل المتعلقة بالحقوق العائلية، فرض إستمرار تقليد يليّن بعض الشيء مبدأ وحدة السلطة المعتمد في الدول الموحدة.
88 ـ تليين مبدأ وحدة السلطة ـ سلطة الطوائف في مسائل الحقوق العائلية: حفظ الدستور اللبناني منذ صدوره عام /1926/ حرية المعتقد كما حفظ للطوائف حق تطبيق قوانينها الخاصة بالحقوق العائلية على أبناء الطائفة المنتمين إليها.
وبالفعل نصت المادّة التاسعة من الدستور على أن « حرية الإعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام وهي تضمن أيضاً للأهلين على إختلاف مللهم إحترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية».
كما كفلت المادّة العاشرة للطوائف حقها بإنشاء مدارسها الخاصة فنصت على ما يلي: « التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام أو ينافي الآداب أو يتعرض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب ولا يمكن أن تمس حقوق الطوائف من جهة إنشاء مدارسها الخاصة، على أن تسير في ذلك وفاقاً للأنظمة العامة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية»)1(.
وإستناداً إلى النصوص الدستورية المتقدمة توالت في عهد الإنتداب النصوص التشريعية المتعلقة بتنظيم أوضاع الطوائف وتحديد ميدان إختصاصاتها وضمان إستقلاليتها، فصدر القرار رقم /60/ تاريخ 13/3/1936 وهو يتعلق بنظام الطوائف الدينية ( راجع البند 46) ثم القرار رقم /61/ وهو يتعلق بمفاعيل إذاعة الأنظمة الطائفية بعد تصديقها ثم القرار رقم /53/ تاريخ 30/3/1939 وهو يتعلق بعدم تطبيق القرار رقم /60/ على المســلمين، وكان صدر قبلاً القــرار رقم /109/ تاريخ 14/5/1939 وهو يتعلق بصلاحية المحاكم في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية.
كما أنه بعد إعلان الإستقلال عام /1943/ توالت النصوص التشريعية المتعلقة بهذا الموضوع فصدر قانون بتاريخ 2/4/1951 وهو يتعلق بتحديد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية، ثم صدر المرسوم الاشتراعي رقم /18/ بتاريخ 13/1/1955 وهو يتعلق بتنظيم دوائر الإفتاء والأوقاف الإسلامية وهو معدل بالقانون الصادر بتاريخ 28/5/1956 وبالقرار رقم /5/ تاريخ 2/3/1967، ثم صدر قانونان بتاريخ 13/7/1962 الأول يتعلق « بإنتخاب شيخ عقل الطائفة الدرزية » والثاني يتعلق « بإنشاء المجلس المذهبي للطائفة الدرزية» ثم صدر القانون رقم /72/ تاريخ 19/12/1967 وهو يتعلق بتنظيم شؤون الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان)1(.
وتطبيقاً لحق الطوائف بتطبيق قوانين أحوالها الشخصية على المنتمين إليها صدرت قوانين تتعلق بإنشاء المحاكم الخاصة بالطوائف وأصول المحاكمة لديها، فصدرت قوانين عن المراجع المذهبية للطوائف المسيحية تطبيقاً لقانون 2/4/1951، كما صدرت قوانين عن السلطة التشريعية في لبنان بالموضوع ذاته بالنسبة للطوائف الإسلامية، فصدر قانون بتاريخ 16/7/1962 وهو يتعلق بتنظيم القضاء السني والجعفري، وقانون بتاريخ 5/3/1960 وهو يتعلق بتنظيم القضاء المذهبي الدرزي)1(.
وهذا يعني أن مبدأ وحدة السلطة يجدها تلييناً له بقيام سلطات مستقلة عن السلطة التشريعية في الدولة، تمارس إختصاصاً تشريعياً وقضائياً بالنسبة للمسائل المتعلقة بالحقوق العائلية.
وبموجب تلك النصوص وبفعل الممارسة أضحى للطوائف كيانها الخاص المستقل وبرزت تلك الإستقلالية على ثلاثة أصعدة.
ـ الصعيد الأول: إستقلالية الطوائف في إدارة شؤونها الذاتية: لقد أضحت كل طائفة مستقلة إستقلالاً تاماً في شؤونها الدينية وأوقافها والمؤسسات المنبثقة عنها.
ـ الصعيد الثاني: الإستقلالية التشريعية في مسائل الحقوق العائلية، فكل طائفة تطبق قانونها الخاص في مسائل الحقوق العائلية، ومصدر هذا القانون الأحكام الشرعية أو المذهبية التي تستخلصها الطائفة من أحكام الشرع بالإستقلال التام عن السلطة التشريعية في الدولة.
ـ الصعيد الثالث:السلطة القضائية، تستقل الطوائف بمحاكمها ولكن إختصاص تلك المحاكم يبقى محصوراً فقط بمسائل الحقوق العائلية ولا يتعدّاها إلى غير ذلك من المسائل والتي تبقى من إختصاص السلطة القضائية القائمة في الدولة )1(.
وهنا أيضاً نجد تلييناً لمبدأ وحدة السلطة في الدولة بإعتبار أن السلطة القضائية هي إحدى السلطات التي تقوم في الدول العصرية.
ولكن ما يفرّق بين وجود سلطة قضائية مستقلة لدى الطوائف عن السلطة القضائية التابعة للدولة في لبنان وبين قيام سلطة قضائية محلية في الدول الأعضاء ضمن الدول الإتحادية هي أن السلطة القضائية الخاصة بالطوائف لا تقوم على أساس توزيع جغرافي وأقاليم مختلفة كما هو الحال في الدول الإتحادية، بل تقوم على كامل الأرض اللبنانية ولكن فقط على جزء من أفراد الشعب هم فقط المنتمين إلى الطائفة التي تتبعها المحاكم الخاصة بالطائفة وفقط بالنسبة لمسائل الحقوق العائلية.
ولا شك في أن الإستقلال الذاتي للطوائف على الصعد المُحْكى عنها يجعل الطوائف تبدو كمجموعات، على غرار الدول الأعضاء في الدول الإتحادية، وكأن تلك الإستقلالية تهدف إلى تأمين حقوق الطوائف في إدارة المصالح الخاصة بها وبأبنائها والمتميزة عن المصالح الوطنية العامة، تماماً كالمصالح التي تبقى من إختصاص الدول الأعضاء في الدول الإتحادية بإعتبارها تهم الدولة العضو ومواطنيها فقط.
وتبرز أهمية الإستقلالية هنا لجهة كونها تتناول سلطة تشريعية وسلطة قضائية مستقلة بالطوائف ومتميزة عن السلطة التشريعية والقضائية في الدولة.
ولكن ما يخفف من أبعاد الإستقلالية هنا هو أنها لم تصل إلى حد إعطاء الطوائف أي حق في مجال السلطة التنفيذية، إذ إن هذه السلطة بقيت واحدة موحدة كان يمارسها رئيس الجمهورية بمعاونة الوزراء قبل التعديل الدستوري الذي تم بموجب القانون رقم 18/90 وأصبح يمارسها بعد التعديل مجلس الوزراء مجتمعاً عملاً بنص المادّة /65/ المعدلة التي نصت على أنه « تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء » )1(.
ومن ثم فإن الطوائف ورغم إستقلاليتها في ممارسة بعض أوجه السلطة التشريعية والقضائية، إلاّ أنها لم تمنح أي حق في مجال ممارسة السلطة التنفيذية.
وبالفعل رغم قيام سلطة قضائية مستقلة خاصة بالطوائف بالنسبة للمسائل المتعلقة بالحقوق العائلية، إلاّ أن تلك السلطة إنحصرت فقط في مجال إصدار الأحكام دون تنفيذها لأن التنفيذ يتطلب تدخل بعض أجهزة السلطة التنفيذية وبالأخص القوة العامة التي بقيت حكراً على السلطة المركزية في الدولة، وتبعاً لذلك أبقى القانون سلطة تنفيذ القرارات والأحكام القضائية، حتى تلك الصادرة عن المحاكم الخاصة بالطوائف، محصوراً بدائرة التنفيذ في القضاء العدلي التابع للدولة وحدها.
89 ـ حصر سلطة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية بالمحاكم التابعة للدولة يعتبر تأييداً لمبدأ وحدة السلطة: إن ممارسة السلطة التنفيذية ومظاهر السيادة بقيت حكراً على السلطة المركزية في الدولة اللبنانية وحدها، وآية ذلك أن تنفيذ الأحكام التي تصدر عن المحاكم الشرعية والمذهبية التابعة للطوائف يتم بواسطة دوائر الإجراء التابعة للقضاء العدلي وليس بواسطة المحاكم الشرعية والمذهبية التي أصدرت الحكم.
وبالفعل تتولى دائرة التنفيذ في القضاء العدلي « تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن المحاكم على إختلاف أنواعها والمتضمنة إلزامات يستوجب تنفيذها إتخاذ تدابير على الأموال أو الأشخاص، والأسناد الرسمية وسائر الأسناد التي أجاز القانون تنفيذها، وتقرير الحجوزات الإحتياطية وذلك مع مراعاة أحكام القوانين التي تولي هذه المهام لمراجع أخرى.
فيما يتعلق بالأحكام الصادرة عن المحاكم الجزائية يقتصر التنفيذ على الحقوق الشخصية» ( المادّة 828 أ.م.م.).
وبالتالي تعتبر دائرة التنفيذ في القضاء العدلي هي المحكمة العادية لتنفيذ الإلزامات الثابتة بحكم أو بسند قابل للتنفيذ والتي يستوجب تنفيذها إتخاذ تدابير على الأموال أو الأشخاص، إلاّ إذا وجد نص قانوني خاص يُعطي الإختصاص لمرجع آخر غير دائرة التنفيذ.
وهنا تظهر أهمية الإختصاص الوظيفي لدائرة التنفيذ بإعتبار أن نطاق إختصاصها الوظيفي يتجاوز نطاق الإختصاص الوظيفي للقضاء العدلي الحقوقي، إذ من المعلوم أن المسـائل المتعلقة بالحقوق العائلية تدخل فـي لبنان ضمن الإختصاص الوظيفي للمحاكم الشرعية والمذهبية)1(( راجع البند 88).
ولكن رغم ذلك فإن دائرة التنفيذ في القضاء العدلي هي المختصة وظيفياً بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية والمذهبية في لبنان رغم أن موضوع الحكم هو أصلاً من إختصاص المحكمة الشرعية والمذهبية.
وبالفعل إن قانون 2/4/1951، المتعلق بتحديد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف غير الإسلامية، نص في المادّة /29/ منه على أنه « تنفذ الأحكام والقرارات المذهبية الصالحة للتنفيذ بواسطة دوائر الإجراء وفقاً لأصول المحاكمات المدنية المتعلقة بالتنفيذ».
كما تضمن قانون القضاء الشرعي السني والجعفري، الصادر بتاريخ 16/7/1962، نصاً مشابهاً في المادّة /245/ منه ومؤداها أنه « تنفذ الأحكام الشرعية بواسطة دائرة الإجراء وفقاً لأحكام أصول المحاكمات المتعلقة بالتنفيذ ».
كذلك نص قانون تنظيم القضاء المذهبي الدرزي المنفذ بالمرسوم رقم /3473/ تاريخ 5/3/1960 على أنه « عند عدم وجود النص تمارس المحاكم المذهبية الدرزية الصلاحيات وتطبق أصول المحاكمات المطبقة لدى المحاكم الشرعية الإسلامية» ( المادّة 9).
والسبب في إعطاء دائرة التنفيذ في القضاء العدلي وحدها الإختصاص بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء الشرعي أو المذهبي يكمن في أن أعمال التنفيذ تستوجب في كثير من الأحيان الإستعانة بالقوة العامة في الدولة، وتالياً القيام بعمل من أعمال السلطة (des actes de Pouvoir) وهذا مظهر من مظاهـر السـيادة في الدولـة )1(.
وتبعاً لـذلك لم تمنح المحاكم الشرعية والمذهبية حق تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عنها والتي يستوجب تنفيذها إتخاذ تدابير على الأموال أو الأشخاص، بل حصر هذا الحق بدائرة التنفيذ في القضاء العدلي)1(.
وهذا يعني أنه رغم إستقلالية الطوائف في ممارسة بعض مظاهر السلطة في الحقلين التشريعي والقضائي الأمر الذي يشكل خروجاً عن مبدأ وحدة السلطة، إلاّ أن تلك الإستقلالية لم تصل إلى حد إنشاء قوة عامة خاصة بها، وهذا أمر طبيعي لأن إنشاء مثل تلك القوة يفترض وجود حيزّ جغرافي محدد تمارس تلك القوة إختصاصاتها عليه، في حين أن الطوائف تتواجد على كامل الأراضي اللبنانية ولا تستقل أية طائفة بحيز جغرافي محدد، بل يعيش في الحيز الواحد أبناء طوائف مختلفة)2(
من هنا إستحالة إنشاء قوة عامة مسـتقلة بتلك الطوائف إذ لا يمكن أن تمارس السلطة على البقعة الواحدة أو المنطقة الواحدة أو الإقليم الواحد إلاّ سلطة واحدة.
وتبعاً لذلك فإن إستقلالية الطوائف في بعض الشؤون، رغم تشابهها في بعض الأوجه مع إستقلالية الدول الأعضاء في الدول الإتحادية، يبقى مرتدياً طابعاً خاصاً تحتمه الطبيعة المميزة لعناصر الدولة اللبنانية.
90 ـ إنعكاس الإستقلال الذاتي للطوائف في مسائل الحقوق العائلية سلباً على صعيد الإنصهار بين أفراد الشعب: ولا شك في أن وجود قانون مدني موحد للأحوال الشخصية من شأنه أن يشجع الزيجات المختلطة مع ما في ذلك من نتائج إيجابية على الصعيد الوطني)1(. ومن ثم
فإن الإستقلال الذاتي للطوائف في مسائل الحقوق العائلية ترك آثاراً سلبية هامة لجهة منع الإنصهار بين أفراد الشـعب المنتمين إلــى طوائف مختلفة ضمن أسرة واحدة
وبالفعل بقي الزواج، كما ذكرنا خاضعاً للشروط الخاصة المرعية ضمن القانون الخاص بالطائفة، وبعض تلك القوانين تعتبر إختلاف الدين أحياناً كسبب مانع للزواج.
بالطبع هناك أسباب ترتبط بالمعتقدات الدينية لدى بعض الطوائف، وبالتحديد الطوائف الإسلامية التي تتمسك بإخضاع مسائل الحقوق العائلية لأحكام الشرع في مواجهة كل دعوة نحو العلمنة الكاملة.
ولكن دون الدخول في مبررات المطالبة بالعلمنة الكاملة، ودون الدخول في تقويم الأسباب التي تعتبر مانعاً أمام العلمنة الكاملة، يبقى بالإمكان تسجيل الملاحظات التالية:
ـ تعتبر الطوائف الإسلامية أن شروط الزواج ومسائل الإرث منظمة بأحكام شرعية آمرة ويترتب على مخالفة بعضها نتائج دينية)2(.
ـ ولكن في مقابل الإعتبار المتقدم يشهد الواقع اللبناني أن إعتبار مسائل الحقوق العائلية من إختصاص السلطة الطائفية، ويخضع لأحكام شرعية تتصف بالصفة الآمرة لم يمنع من قيام زيجات مختلطة سواء داخل لبنان وأمام السلطات الدينية بعد تغيير طائفة أو مذهب أحد الزوجين، أو خارج لبنان عن طريق عقد زواج مدني، ومع محافظة كل من الزوجين على إنتمائه الطائفي ومعتقداته الدينية. ولكن تلك الزيجات بقيت في إطار محدود نظراً لعدم وجود قانون مدني موحد يسهل الإختلاط بين الطوائف.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن النظر إلى مسألة إستقلالية الطوائف في تطبيق قوانينها الخاصة وبواسطة محاكمها الخاصة، على أبناء الطائفة المنتمين إليها في قضايا الحقوق العائلية، من الزاوية القانونية فقط، بمعنى أنه لا يمكن القول إنه يمكن تعديل هذا الوضع من خلال تدخل المشترع وإصدار قانون مدني موحد بحيث يعود الإختصاص في تلك المسائل إلى المحاكم العدلية، لأن الواقع يسطع أن هناك إعتبارات تتجاوز إرادة المشترع وتتعلق بنظام المجتمع الأعلى في لبنان الذي يعطي الطوائف إمتيازات بتطبيق قوانين الحقوق العائلية الخاصة بكل طائفة منها على أبنائها من قبل المحاكم الخاصة بكل منها.
بمعنى أنه ليست إرادة المشترع وحدها هي التي تتحكم بهذا الموضوع لأن هذه الإرادة لا تستطيع أن تتحرك بحرية حيال السلطات الدينية التي تتمسك بالإمتيازات الممنوحة لها)1(.
ويشـهد على صحـة ما نقول ما حصل عندما طـرح الرئيس إِلياس هراوي فـي عهــده موضـوع إصــدار قانـــون مدنــي موحد للأحوال الشخصية ولو بشكل إختياري )1(.
91 ـ بعض مظاهر الإتحادية على صعيد الإختصاص القضائي المعترف به للطوائف في لبنان: إن قيام محاكم خاصة للنظر بمسائل الحقوق العائلية في لبنان تابعة للطوائف ومستقلة عن المحاكم العدلية التابعة للدولة يمكن أن يتشابه مع قيام محاكم داخل كل دولة عضو في الدول الإتحادية إلى جانب المحاكم الإتحادية التي تشكل جزءاً من أجهزة السلطة المركزية في الدولة الإتحادية ذاتها.
وإذا كان من الممكن أن يقع تنازع على الإختصاص بين محاكم الدول الأعضاء، فإن المحاكم الإتحادية يمكن أن تمارس رقابة على هذا التنازع لتُبْقي محاكم كل دولة عضو داخل الإتحاد ضمن حدود إختصاصها، وعلى سبيل المثال فإن المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأميركية هي المختصة لحسم الخلافات التي قد تنشأ بين الدول الأعضاء في الإتحاد)2(.
وفي لبنان يمكن أن نجد بعض مظاهر الإتحادية على صعيد إستقلالية محاكم الأحوال الشخصية عند الطوائف، بحيث أن تلك المحاكم ليست بمنأى عن رقابة المحاكم العدلية التابعة للسلطة المركزية في الدولة، وهي رقابة تهدف لحسم الخلافات بين محاكم الطوائف المختلفة حول مدى إختصاصها، ومن ثم لمنع محاكم أية طائفة من تجاوز حدود إختصاصها على حساب إختصاص محاكم الطوائف الأخرى.
وبالفعل إن المادّة /95/ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الصادر بالمرسوم الإشتراعي رقم 90/83 تنص على على أنه « تنظر محكمة النقض بهيئتها العامة ... في الإعتراض على قرارٍ مبرمٍ أو قابل للتنفيذ صادر عن محكمة مذهبية أو شرعية لعدم إختصاص هذه المحكمة أو لمخالفته صيغاً جوهرية تتعلّق بالنظام العام »)1(.
ويجوز بالتالي الإعتراض أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وهي أحد أجهزة السلطة المركزية في الدولة اللبنانية، على القرارات الصادرة عن أية محكمة شرعية أو مذهبية والقابلة للتنفيذ بمعزل عمّا إذا كانت لم تزل قابلة للإعتراض أو الإستئناف أمام المرجع المذهبي)2(، وتستطيع محكمة النقض بالإسـتناد إلـى النص المتقدّم أن تراقب مدى تقيّد المحكمة الشرعية أو المذهبية بحدود إختصاصها )1(.
ولا شك في أن إعطاء الإختصاص هنا للهيئة العامة لمحكمة النقض فيه بعض مظاهر الإتحادية، إذ من جهة تبقى سلطة الدولة المركزية الموحدة قائمة فوق سلطة الطوائف لمنع محاكم تلك الطوائف من تجاوز حدود إختصاصها، ومن جهة أخرى إن إعطاء الإختصاص للهيئة العامة لمحكمة النقض يعني مشاركة الطوائف الكبرى على الأقل في تشكيل تلك المحكمة لأن الهيئة العامة لمحكمة النقض تتألف من الرئيس الأول لمحكمة التمييز وجميع رؤساء الغرف، وعادة يكون رؤساء الغرف من مختلف الطوائف وبالأخص الطوائف الكبرى في لبنان)2(.
92 ـ تقويم الإستثناء على مبدأ الوحدة والمتمثل بإستقلالية الطوائف في مسائل الحقوق العائلية على صعيدي التشريع والقضاء ـ مخالفته لمبادئ قانونية مستقرة: إذا كانت إستقلالية الطوائف على صعيدي التشريع والقضاء في المسائل المتعلقة بالحقوق العائلية تجد تبريرها في بعض الإعتبارات التاريخية، إلاّ أن هذه الإستقلالية تتنافى مع التفكير العلماني القانوني لتعارضها مع وحدة النظامين القانوني والقضائي للمواطنين ولعلمانية الدولة، ومن ثم فإن هذه الإستقلالية يفترض أن تكون معدّة للزوال مع تطوّر النظام الدستوري « والوصول بالبلاد إلى الأوضاع الطبيعية المستقرة في البلدان الراقية »)1(.
وبالفعل إن تعدد الأنظمة القانونية والقضائية لذات المواطنين اللبنانيين يخالف مبادئ مستقرة في القانون الدستوري وفي القانون بوجه عام، وبالأخص مبدأ المساواة بين المواطنين وآية ذلك أن إحدى نتائج المبدأ هو المساواة في « الحقوق المدنية » على ما أشارت إليه المادّة /7/ من الدستور ( راجع البند 106)، وبالطبع إن الحقوق المتعلقة بالمسائل العائلية هي في طليعة « الحقوق المدنية » التي يفترض أن تتأمن فيها المساواة التامة بين جميع المواطنين اللبنانيين، وتبعاً لذلك يصح القول إن تعدد الأنظمة القانونية والقضائية في لبنان بالنسبة للمسائل المتعلقة بالحقوق العائلية تخالف مبدأ المساواة من النواحي التالية:
ـ من ناحية القانون الذي يطبق على المسائل المتعلقة بالحقوق العائلية، مثلاً هناك مواطن يحق له أن يتزوج بأربع زوجات في حين أن هذا الحق غير قائم بالنسبة لمواطن من طوائف أخرى. كما أن هناك زوجاً بإمكانه أن يطلق زوجته في حين هناك زوج لا يجوز له أن يطلقها، كذلك إن حصة الوريث في تركة مورثه تختلف بين مواطن وآخر تبعاً لإنتمائه الطائفي ...
هذه بعض الأمثلة ويمكن التكرار
ـ من ناحية حق التقاضي: إن مبدأ المســاواة أمــام القضاء هو من أهم المبـادئ التـي يقوم عليها التنظيم القضائـي في الدول العصريــة)1(، وأحد نتائج هذا المبدأ هـو حق جميع الأفراد بمراجعة ذات المحاكم لفصل النزاعات بصرف النظر عن طبقتهم أو وضعهم الإجتماعي أو الإقتصادي أو طائفتهم، في حين أن تعدد المحاكم تبعاً لتعدد الطوائف في لبنان يجعل نوع المحكمة يختلف في مسائل الحقوق العائلية بإختلاف الطائفة التي ينتمي إليها المتقاضون.
أكثر من ذلك إن درجات المحاكمة يمكن أن تختلف في المسألة ذاتها بين مواطن وآخر تبعاً للطائفة التي ينتمي إليها. هناك مواطنون من طوائف معينة مثلاً يجوز لهم أن يطعنوا بالحكم الصادر عن المحاكم القائمة في لبنان أمام محاكم موجودة خارج لبنان متجاوزين في ذلك عدد درجات المحاكمة التي يجوز لمواطنين من طوائف أخرى أن يسلكوها!
بالإضافة إلى ما تقدم يمكن إبراز سلبية أخرى لتعدد الأنظمة القضائية في لبنان وهي تتعلق بمبدأ فصل السلطات وإستقلالية السلطة القضائية؛ وهنا يمكن القول إن محاكم الأحوال الشخصية وبالأخص المحاكم التابعة للطوائف غير الإسلامية تتمتع بإستقلالية أكبر من الإستقلالية التي تتمتع بها المحاكم التابعة للدولة لأن المحاكم التابعة للطوائف غير الإسلامية والقضاة العاملين فيها مستقلون تمام الإستقلال عن الدولة، ما دامت الطوائف مستقلة بتنظيم عمـل محاكمها وتعيين القضاة فيها وإجراء المناقلات القضائية)2(.
كذلك لا بد هنا من تسجيل ملاحظة هامة بالنسبة لإستقلالية محاكم الأحوال الشخصية عند الطوائف غير الإسلامية وهي أن تلك الإستقلالية تأخذ بُعْداً أكبر، وهو يتمثل في كون بعضها هو خارج لبنان، كمحكمة الروتا والمحكمة الإستئنافية الأرثوذكسية في دمشق.
ومن ثم إذا كان بإمكان الدولة اللبنانية أن تمارس نوعاً من الرقابة المسبقة على أنظمة الطوائف المختلفة وتأليف محاكمها وأصول المحاكمة لديها عند وضع تلك الأنظمة، فهي لا تستطيع أن تمارس مثل تلك الرقابة على أنظمة أو عمل المحاكم الموجودة خارج لبنان.
وبذلك تظهر الإستقلالية هنا لا كمظهر من مظاهر إستقلالية السلطة القضائية داخل الدولة، بل كإستقلالية عن الدولة نفسها، إذ إن التحقيق في الدعوى والحكم فيها يتم من قبل محاكم منشأة بموجب قانون آخر غير القانون اللبناني، كما أن القضاة الذين أصدروا الحكم يحملون تابعية غير التابعية اللبنانية)1(.
93 ـ المقترحات لإلغاء إستقلالية الطوائف والعودة إلى مبدأ وحدة السلطة عبر توحيد التشريع والقضاء في مسائل الحقوق العائلية: إذا كان الواقع الراهن لا يسمح حالياً بإلغاء إستقلالية الطوائف في مسائل الحقوق العائلية على صعيدي التشريع والقضاء ( راجع البند 92)، إلا أنه يجب أن تبقى النظرة إلى تلك الإستقلالية على أنها مرحلة إنتقالية يجب أن تنتهي بتوحيد النظام القانوني والقضائي لجميع أفراد الشعب تحقيقاً لمبدأ المساواة وتحقيقاً لوحدة السلطة في الدولة.
ومن أجل ذلك نرى السير بخطة مرحلية في هذا المجال وفقا ًلما يلي:
ـ في مرحلة أولى تدمج محاكم الأحوال الشخصية للطوائف المتعددة ضمن المحاكم التابعة للدولة، وتحديداً ضمن القضاء العدلي. وبعد ذلك يصبح تعيين القضاة خاضعاً لسلطة مجلس القضاء الأعلى فقط دون أي تدخل من الطوائف.
ومن ثم تأخذ التشكيلات القضائية التي يضعها مجلس القضاء الأعلى هذا الواقع بعين الإعتبار.
ـ يوضع قانون مدني موحد إختياري للأحوال الشخصية، وعندها يتم توزيع الأعمال بالنسبة لمسائل الحقوق العائلية، داخل المحاكم العدلية ذاتها، على أساس تخصيص قضاة من بين القضاة العدليين لتطبيق القانون المدني الموحد، وقضاة من المحاكم الشرعية والمذهبية التي أُدمجت مع القضاء العدلي لتطبيق القانون الخاص بكل طائفة.
ـ وبعد صدور قانون مدني موحد إختياري للأحوال الشخصية، يجب تدوين الإختيار في سجلات النفوس وتخصيص مقاعد داخل مجلس الشيوخ العتيد)1(، للفئة التي تختار الخضوع إلى قانون الأحوال الشخصية المدني الموحد.
ـ وبعد بلوغ نسبة الذين إختاروا الخضوع إلى القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية نسبةً معينة يمكن العودة بالسلطة إلى مبدأ الوحدة الكاملة وتغيير طريقة تكوين مجلس الشيوخ كأن يصبح ممثلاً للمناطق بدل الطوائف ( راجع البند 96 وما يليه).
94ـ مبدأ المشاركة في السلطة: إذا كان مبدأ وحدة السلطة في لبنان بقي متحققاً على جميع الأصعدة، فيما عدا المسائل المتعلقة بالحقوق العائلية ( راجع البند 88) فإن مبدأ المشاركة كان دوماً موضع جدل ومناقشة حول كيفية تحقيقه في لبنان على ضوء الطابع المزدوج لتكوين الشعب اللبناني ( راجع البند 49).
وإذ إن الخيار المعتمد في لبنان من جميع الأفرقاء هو خيار النظام الديموقراطي، فهذا يعني أن السلطة يجب أن تنبع من مصدرها الأصلي وهو الشعب، وهذا ما أكدته مقدمة الدستور اللبناني التي أضيفت بموجب القانون الدسـتوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقـة الوفاق الوطنـي (راجع البند 42 و 43 وما يليه).
ومن ثم فإن تحقيق ذلك يتم عن طريق إخضاع تكوين السلطة وممارستها إلى مبدأ المشاركة المعتمد في الدول الموحدة وهو ينطلق من المساواة التامة بين المواطنين (راجع البندين 17 و 106 وما يليه) مع تليين هذا المبدأ وإعطائه بعداً آخراً بسبب الطبيعة المزدوجة لتركيبة المجتمع اللبناني.
وهذا ما أقرّه الدستور اللبناني بعد التعديل الذي تم بموجب القانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني، وبعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية، إذ إعتمد قاعدة مزدوجة في تكوين السلطة وممارستها.
وبالفعل لقد إعتمد القانون الدستوري رقم 18/90 من جهة مبدأ المساواة التامة بين المواطنين عاكساً بذلك وحدة الدولة اللبنانية بشعبها وأرضها ومؤسساتها، ومن جهة ثانية مبدأ مشاركة الطوائف كطوائف في تكوين السلطة وممارستها على غرار مشاركة الدول الأعضاء في الدول الإتحادية (راجع البند 18 والبند 9 وما يليه).
95 ـ مراعاة المساواة التامة في المشاركة بتكوين السلطة وممارستها سيفضي تلقائياً إلى مشاركة أبناء جميع الطوائف في تولي السلطة وممارستها ولكن على أساس وطني يزيل الطابع المزدوج عند القائمين بالسلطة: بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية التي أشارت إليها المادّة /95/ من الدستور كما عُدّلت بموجب القانون الدستوري رقم 18/90، تلغى الطائفية وفق خطة مرحلية تضعها هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية ( راجع البند 84).
وإلغاء الطائفية السياسية يعني فك الإرتباط بين كل مراكز ومناصب السلطة وبين الطوائف، بمعنى أنه لا يعود هناك أي مركز في السلطة مخصص لطائفة معينة، فيصبح بإمكان أي لبناني أن يترشح لمنصب رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس النواب أو يتولى رئاسة مجلس الوزراء.
كما أن التمثيل النيابي يتحرر من القيد الطائفي بحيث يعود لأي مواطن يستوفي شروط الترشيح للإنتخابات النيابية أن يترشح في أية دائرة ويفوز متى إستوفى شروط الفوز الموضوعية والمحددة على أساس وطني لا طائفي.
كذلك إن تشكيل الوزارة يتحرّر من القيد الطائفي، و بدرجة أولى أن تتحرر الوظيفة العامة كلياً من هذا القيد علماً أن المادّة /95/ كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 حرّرت الوظيفة العامة جزئياً من القيد الطائفي ( راجع البند 74).
ومن ثم يصبح تولي أي مركز من مراكز المسؤولية في الدولة يتم على أساس وطني محض وعلى أساس مبدأ الإختصاص والكفاءة كما ورد في المادّة /95/ ذاتها من الدستور)1(.
لكن لا بد هنا من تأكيد حقيقة تتمثل بكون إلغاء الطائفية السياسية لن يُحدث أي تفاوت بين أبناء الطوائف المتعددة في تولي المراكز السياسية والإدارية لأن المستوى الثقافي والعلمي أصبح متقارباً بين أبناء جميع الطوائف، وبالتالي فإن أصحاب الكفاءة والإختصاص يمكن أن نجدهم عند جميع الطوائف.
إن التغيير الوحيد الذي يمكن أن يحصل هو في تولي الرئاسات الثلاث الأولى بحيث يمكن أن يعود اللبناني ويَأْلَف أن يكون رئيس الجمهورية من غير الطائفة المارونية أو رئيس مجلس الوزراء من غير الطائفة السنية أو رئيس مجلس النواب من غير الطائفة الشيعية، كما أنه يصبح من المألوف أن نجد المسؤول من ذات الطائفة ينتقل من منصب إلى آخر ضمن الرئاسات الثلاث الأولى.
أمّا على صعيد التمثيل النيابي فإن قانون الإنتخاب الذي نقترحـه)1( سيجعل المجلس النيابي جامعاً تلقائياً لمختلف أبناء الطوائف، وتبعاً لذلك سيبقى التمثيل في الوزارة مراعياً لحقوق الطوائف طالما أن قيام الوزارة وإستمرارها يبقى مرهوناً بثقة المجلس النيابي)2(.
وعلى صعيد المراكز العليا في الوظيفة العامة والقضاء والجيش، فإن تقارب المستوى الثقافي والعلمي بين أبناء جميع الطوائف سيقود حتماً إلى توزيع عادل لتلك المراكز على مختلف الطوائف.
إن التغيير الحقيقي الذي سيحصل في تولي مراكز السلطة هو تغيير الصفة التي يتولى بها المسؤول مركزه في السلطة، فبدلاً من توليه المركز بصفته منتمياً لطائفة معينة سيتولى المركز بصفته مواطناً لبنانياً وأحد أفراد الشعب اللبناني الواحد، وبذلك يزول الطابع المزدوج للقائم بالسلطة مع ما يرافق هذا الطابع من آثار سلبية ( راجع البندين 49 و 81).
96 ـ المحافظة على حقوق الطوائف عبر إنشاء مجلس الشيوخ بموجب تعديل دستوري ـ إقتراح تخصيص رئاسة المجلس مرحلياً للطائفة المارونية ـ إقتراح حصر الدفاع عن حقوق الطوائف بأعضاء مجلس الشيوخ دون رجال الدين ـ ضرورة تخصيص مقاعد ضمن هذا المجلس لطائفة الذين إختاروا الخضوع للقانون المدني الموحّد للأحوال الشخصية: إلى جانب مشاركة الشعب اللبناني كشعب واحد في تكوين أجهزة السلطة المركزية على أساس المساواة التامة بين المواطنين( راجع البند السابق)، إبتكر إتفاق الطائف ومن بعده القانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً له مؤسسة دستورية في لبنان تتكون على أساس مشاركة الطوائف ـ كطوائف ـ في تكوين السلطة وممارستها وبشكل يضمن حقوق الطوائف إزاء بعضها البعض، وتلك المؤسسة هي التي أسماها إتفاق الطائف ومن بعده القانون الدستوري رقم 18/90 مجلس الشيوخ الذي أعادت المادّة /22/ المعدلة من الدستور بعثه من جديد بالنص التالي:
« مع إنتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ وتتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية ».
وهذا يعني أن مجلس الشيوخ العتيد سيكون ممثلاً للطوائف كطوائف وليس للشعب بمجموع أفراده بحيث يبدو هذا المجلس ممثلاً لنوع من الإتحادية بين الطوائف، وهي إتحادية « ترسّخت »خلال سنوات طويلة كما ورد في مقالة الصحافي الأستاذ جهاد الزين وهي بعنوان « أي لبنان بعد الإنسحاب العسكري السوري » )1(.
ومن ثم فإن مجلس الشيوخ العتيد يتشابه من هذه الزاوية مع المجالس الإتحادية في الدول الإتحادية والتي تتخذ تسميات مختلفة بين دولة إتحادية وأخرى، ففي الولايات المتحدة الأميركية يسمى مجلس الشيوخ وفي سويسرا يسمى مجلس الدول، وفي الإتحاد السوفياتي السابق كان يسمى مجلس القوميات.
وتعتمد بعض الدول مبدأ المساواة التامة بين الدول التي تتألف منها الدولة الإتحادية بحيث يكون لكل دولة عدد من المقاعد مساوٍ لعدد مقاعد الدول الأخرى في هذا المجلس بصرف النظر عن عدد سكان كل دولة ومساحة أرضها، كما هو الوضع في الولايات المتحدة الأميركية وفي الإتحاد السويسري إذ تتمثّل كل دولة أو كانتون بعددٍ مساوٍ من الأعضاء.
في حين تأخذ دول أخرى بعين الإعتبار عدد السكان ومساحة أرض الدولة في التمثيل ضمن المجلس الإتحادي كما كان الوضع في الإتحاد السوفياتي السابق.
من هنا سيكون أمام الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية في لبنان مشكلة أولى تتعلّق بنسبة تمثيل الطوائف في مجلس الشيوخ، وسيكون أمامها خياران:
الأول: هو تمثيل جميع الطوائف بعددٍ متساوٍ من الأعضاء في مجلس الشيوخ بصرف النظر عن عدد أبناء الطائفة.
الثاني: تمثيل كل طائفة بعدد من الأعضاء يتناسب مع عدد أبناء الطائفة، كأن تتمثل الطوائف الست الكبرى بعددٍ متساوٍ وتتمثل بقية الطوائف بعددٍ أقل.
وأعتقد أن الخيار الثاني هو الأسلم لأنه يأتلف مع طريقة توزيع المراكز التي إعتاد عليها اللبنانيون في ظل الطائفية السياسية
وطالما أن إنشاء مجلس الشيوخ بالشكل المُحْكى عنه سيقود حتماً إلى إلغاء الطائفية السياسية خصوصاً في الرئاسات الثلاث الأولى، فنعتقد أنه من الأفضل أن تخصص رئاسة مجلس الشيوخ للطائفة المارونية ولمرحلة معينة فقط.
وتخصيص رئاسة مجلس الشيوخ للطائفة المارونية في مرحلة أولى سيساعد على تقبّل الطوائف المسيحية فكرة إلغاء الطائفية السياسية لأن مجلس الشيوخ سيشكل ضماناً للطوائف إزاء بعضها البعض ومن ثم فإن تخصيص المركز للطائفة المارونية سيولّد طمأنينة لدى الطوائف المسيحية بقيام مجلس الشيوخ بهذا الدور.
كما أن تخصيص الرئاسة على الشكل المتقدم ليس من شأنه أن يترك أية سلبيات على إنتظام عمل السلطات طالما أن هذا المجلس لا يمارس أية سلطة تنفيذية بل يقتصر عمله على مشاركة مجلس النواب في وضع القواعد العامة لتنظيم الحياة في لبنان وعلى الرقابة على السلطة التنفيذية في إلتزام مراعاة مبدأ المساواة بين أبناء جميع الطوائف.
وهذا التخصيص لرئاسة مجلس الشيوخ للطائفة المارونية يفترض أن ينتهي عندما يتحول الشعب اللبناني بأكثريته وبإختياره نحو الخضوع لقانون موحد للأحوال الشخصية، وآية ذلك أنه يفترض أن يصدر قانون مدني موحد إختياري للأحوال الشخصية، وأن تدون أسماء من إختاروا الخضوع لهذا القانون في سجلات الأحوال الشخصية، وتبعاً لذلك يفترض أن يخصص لهذه « الطائفة المستحدثة» عدد من المقاعد في مجلس الشيوخ مثل بقية الطوائف ( راجع البند 93). وعندما يبلغ عدد هذه الطائفة المستحدثة نسبةً كبيرة يصار إلى إلغاء تخصيص رئاسة مجلس الشيوخ للطائفة المارونية( راجع البند 93).
وبعد إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس الشيوخ يفترض أن تحصر المواقف السياسية المتعلقة بالطوائف وبحقوقها بأعضاء مجلس الشيوخ دون رجال الدين، ومن ثم يفترض أن يحصر دور أماكن العبادة من مساجد وكنائس بما هي مخصصة له كدور للعبادة فقط وليس لإعلان المواقف السياسية طالما أنه أصبح لدى الطوائف ممثلين في مجلس الشيوخ يتعاطون الشأن السياسي ويعبرون عن موقف طوائفهم ويسهرون على المحافظة على حقوقها)1(.
وتبعاً لذلك وطالما أن مجلس الشيوخ سيمثل « الطوائف » فإن إنتخابه لا بد أن يتم من قبل أبناء الطائفة وحدها وفقاً لقانون الإنتخاب الذي نقترحه ( راجع البند 113 وما يليه). وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن إنشاء مجلس الشيوخ وتنظيمه وتحديد إختصاصاته يجب أن يحصل بموجب نصوص دستورية على غرار النصوص المتعلقة بمجلس النواب.
97 ـ مشاركة الطوائف في السلطة عبر مجلس الشيوخ يفرض تحديد إختصاصات هذا المجلس بما يؤمن مشاركة الطوائف في تكوين السلطة وممارستها بالنسبة للقرارات التي تعني الطوائف كطوائف: لقد أُعْطي المجلس الإتحادي في الدول الإتحادية إختصاصات واسعة من أجل ضمان مشاركة الدول الأعضاء بشكل متوازن في تسيير شؤون الدولة الإتحادية، وتشمل هذه الإختصاصات الشؤون التشريعية والتنفيذية والقضائية، ونكتفي هنا بمثال عن إختصاصات مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأميركية.
فعلى صعيد السلطة التشريعية يتولى مجلس الشيوخ السلطة التشريعية بالإشتراك مع مجلس الممثلين إذ يتألف الكونغرس من المجلسين معاً وتتساوى سلطات المجلسين في الشؤون التشريعية بإستثناء إمتياز واحد لمجلس الممثلين يتعلق بإقتراح القوانين المتعلقة بالضرائب.
وعلى صعيد السلطة التنفيذية يشارك مجلس الشيوخ الرئيس في ممارسة السلطة التنفيذية، ويظهر مجلس الشيوخ في هذا المجال كرقيب على الرئيس، وبهذه الصفة يتولى مجلس الشيوخ من جهة الموافقة على التعيينات التي يقوم بها الرئيس للمناصب العليا في الدولة الإتحادية ـ كبار القضاة، الوزراء أو أمناء الدولة، السفراء ...ـ ومن جهة ثانية إقرار المعاهدات الدولية التي يعقدها الرئيس.
وعلى صعيد السلطة القضائية يمارس مجلس الشيوخ دوراً محدوداً وذلك بإعتباره المحكمة المختصة لمحاكمة كبار الشخصيات السـياسية في الدولة الإتحادية إذ إن توجيه الإتهام يتم من قبل مجلس الممثـلين في حين
تجري المحاكمة أمام مجلس الشيوخ)1(.
وفي لبنان حصرت المادّة /22/ كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 صلاحيات مجلس الشيوخ العتيد « في القضايا المصيرية ».
ولا شك في أن عبارة « القضايا المصيرية » هي عبارة مطاطة تفرض على الهيئة الوطنية التي ستنشأ لإلغاء الطائفية السياسية ( راجع البندين 84 و 76) تحديد ما هي« القضايا المصيرية » التي تدخل ضمن صلاحيات مجلس الشيوخ العتيد.
وبالطبع ستطرح على النقاش مسألة ما إذا كان يجب الأخذ بالوجهة المعتمدة في الدول الإتحادية لتحديد إختصاصات مجلس الشيوخ في لبنان، أو ما إذا كان يقتضى إبتكار صيغة لتحديد الإختصاصات والأمور المصيرية بما يتناسب مع وحدة الشعب والأرض ووحدة السلطة في الدولة اللبنانية والطبيعة المزدوجة لتكوين الشعب اللبناني التي فرضت إنشاء مجلس للشيوخ يمثل الطوائف كطوائف إلى جانب مجلس النواب العتيد المنتخب على أساس وطني لا طائفي.
ونعتقد أن تحديد إختصاصات مجلس الشيوخ المرتقب في لبنان يجب أن ينطلق من الخصوصية اللبنانية في إنشاء هذا المجلس ومن ثم حصر صلاحياته بالقضايا المصيرية التي يمكن أن تمس حقوق الطوائف إزاء بعضها البعض ومن ثم يمكن تحديد إختصاصات مجلس الشيوخ العتيد على الوجه التالي:
ـ تعديل الدستور، على أن تلحظ أكثرية مختلفة بين تعديل المقدمة وتعديل بقية مواد الدستور.
ـ الإختصاص التشريعي ويتناول بالدرجة الأولى قوانين الإنتخاب بالإضافة إلى المسائل التي تعني الطوائف، كالقوانين المتعلقة بالحقوق العائلية والمحاكم التي تطبق تلك القوانين، وسائر المسائل المتعلقة بالطوائف ذاتها.
ـ المشاركة في إنتخاب وتعيين أعضاء السلطة الإجرائية وكبار الموظفين في الدولة، وذلك من خلال المشاركة في إنتخاب رئيس الجمهورية وتسمية رئيس مجلس الوزراء والوزراء طالما بقي النظام البرلماني قائماً)1( وكذلك من خلال الموافقة على تعيين كبار الموظفين المدنيين والعسكريين الذين يتم تعيينهم بالإختيار من قبل السلطة الإجرائية وليس بطريق المباراة.
ـ المشاركة في إقرار المعاهدات والإتفاقات الدولية.
98 ـ ضرورة الإسراع في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وإقرار إنشاء مجلس الشيوخ: إن المادّة/95/ من الدستور اللبناني كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني، أبقى على الطائفة السياسية في مرحلة «إنتقالية» على أن تنتهي المرحلة الإنتقالية في أسرع وقت وفقاً للمادّة /95/ ذاتها.
وبالفعل إن الفقرة الأولى من المادّة /95/ كما عدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 تضمنت أنه « على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين إتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية وإجتماعية.
مهمة الهيئة دراسة وإقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية ».
كذلك نصت المادّة /22/ كما عدلت بالقانون الدستوري ذاته رقم 18/90 على أنه « مع إنتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».
ومن ثم يمكن القول أن تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية كان يفترض أن يتم عملاً بالفقرة الأولى من المادّة /95/ المعدلة عند إنتخاب أول مجلس نواب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وقد تم ذلك منذ عام /1992/ إذ جرت أول إنتخابات نيابية، بعد التعديل الدستوري الذي صدر بموجب القانون رقم 18/90، على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين عام /1992/.
ولكن بكل أسف بدلاً من أن يُشْرع في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، على إعتبار أن المرحلة الإنتقالية التي تبقى خلالها الطائفية السياسية قائمة يفترض أن تنتهي في أسرع وقت، تصرف المسؤولون السياسيون كما لو أن المرحلة الإنتقالية هي الوضع الدائم الذي يجب أن يستمر بعد التعديل الدستوري عام /1990/)1(.
وهذا يذكرنا بنص المادّة /95/ من الدستور بصيغتها الأصلية كما وضعت عام /1926/ حيث نصت على أنه « بصورة مؤقتة » وإلتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة...».
وهذا يعني أن المادّة /95/ كانت « مؤقتة » منذ عام /1926/، ولكن بكل أسف أصبح الوضع المؤقت هو الوضع الدائم الأمر الذي ساهم كثيراً في وقوع الأحداث التي حصلت في لبنان بعد الأستقلال.
ومن ثم نتمنى أن يبادر المسؤولون إلى تطبيق المادّة /95/ الجديدة من الدستور في أسرع وقت ممكن.
وقد تكون المناسبة مؤاتية بعد التمديد للرئيس إِميل لحود ثلاث سنوات في رئاسة الجمهورية وهو الذي وعد في الكلمة التي ألقاها بتاريخ 1/8/2004 بمناسبة عيد الجيش أنه لا تراجع عن خطاب القسم كأساس لبناء الدولة العصرية المتقدمة، وزوال نظام الحصص الطائفية والسياسية)1(.
وإذ ذكّر الرئيس إِميل لحود بخطاب القسم وأكّد أن لا تراجع عنه، فإننا نسلط الضوء على الفقرة التالية من خطاب القسم:
« أيها السادة، لا مستقبل لأحد في هذا البلد، حاكماً كان أم محكوماً، إلاّ بقيام دولة القانون والمؤسسات، في ظل النظام الديمقراطي البرلماني، وكما تعلمون، فإن الناس يريدون التغيير، ولديهم أسباب معروفة ومحقَّة، وبمقدار ما هو مستحيل أن يتم ذلك دفعة واحدة، بمقدار ما هو غير جائز ألا تكون هناك بداية، فماذا يريد الناس ؟»)1(.
ومن ثم لا بد من بداية لقيام دولة المؤسسات بدلاً دولة المزرعة، ونعتقد أن البداية الأفضل هي الشروع في تطبيق الفقرة الأولى من المادّة /95/ كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 والمتضمنة وجوب إلغاء الطائفية السياسية وتبعاً لذلك إنشاء مجلس الشيوخ وفقاً لنص المادّة /22/ من الدستور كما عدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90.
ونعتقد أنه إذا لم يشرع في هذه البداية فإن الوضع سيبقى إستمراراً لما كان عليه في السابق.
إن إلغاء الطائفية السياسية وقيام المشاركة في السلطة على أساس وطني لا طائفي مع ضمان حقوق الطوائف عبر إنشاء مجلس الشيوخ، هو وحده الذي يجعل المواطن يقتنع بوجود دولة القانون والمؤسسات ومشاركته في تكوين السلطة وممارستها على أساس المساواة التامة مع غيره من المواطنين.
ولكن نبادر هنا إلى القول إنه لا بد أن يسبق إلغاء الطائفية السياسية صدور قانون إنتخاب يؤمن تمثيلاً صحيحاً وصادقاً لمختلف فئات المجتمع اللبناني، وتبعاً لذلك نسجل إعتراضنا على إلغاء الطائفية السياسية في ظل قانون الإنتخاب الحالي لأن المشاركة الحقيقية في السلطة وعلى أساس المساواة التامة بين المواطنين تبقى رهناً بوجود قانون إنتخاب عادل يؤمن تمثيل جميع أفراد الشعب اللبناني فعلياً ويراعي المبادئ التي لحظها الدستور بالنسبة لقانون الإنتخاب.
الفصل الثالث
الإنتخاب هو الوسيلة
للمشاركة في تكوين السـلطة وممارسـتها
ـ قانون الإنتخاب ـ
99 ـ الإنتخاب هو الوسيلة لتحقيق المبدأ القائل بأن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة ـ الديموقراطية المباشرة وغير المباشرة ـ إنعكاس النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر الإنتخابية على تطبيق المبدأ: إعتبر جان جاك روسو في كتابه « العقد الإجتماعي » أن السلطة تتجسد بالإرادة العامة (La volonté générale)، لأن الإرادة العامة هي التي تعكس رأي الأكثرية.
ولكن السؤال الذي يطرح هنا هو التالي: هل يستوجب ذلك أن يشارك جميع أفراد الشعب دوماً في التعبير عن الإرادة العامة أم يبقى بالإمكان أن يتم ذلك بواسطة ممثلين أو مندوبين عنه؟
يجيب روسو على ذلك بالقول إنه لا يصح أن يفوض الإنسان إرادته إلى شخص آخر، لأنه بحسب رأيه لا يمكن لأيٍّ كان أن يعبر عن إرادة غيره، بمعنى أن الديموقراطية، أي حكم الشعب من قبل الشعب، لا تتحقق إلاّ عن طريق الديموقراطية المباشرة التي تمكّن جميع الأفراد من المساهمة في التعبير عن الإرادة العامة)1(.
ولكن تحقيق الديموقراطية المباشرة في العصر الحديث وفي المجتمعات الكبرى يبدو أمراً صعب التحقيق، ومن ثم فإن الديموقراطية أصبحت تتم بصورة غير مباشرة عن طريق إنتخاب ممثلين عن الشعب، وإن كان هناك بعض مظاهر الديموقراطية المباشرة في بعض الدساتير التي ما زالت تأخذ بمبدأ الإستفتاء ( Le référendum) في بعض المواضيع)1(.
وقد إعتمد الدستور اللبناني منذ صدوره مبدأ الديموقراطية غير المباشرة عن طريق إنتخاب ممثلين للشعب، وبالفعل نصت الفقرة الأولى من المادّة /24/ من الدستور اللبناني منذ صدوره عام /1926/ على أن مجلس النواب يتألف « من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية إنتخابهم وفقاً لقوانين الإنتخاب المرعية الإجراء».
وهذا يعني أن الشعب كمصدر للسلطة لا يشارك في صنع القرار مباشرة إنما يشارك في تكوين السلطة ذاتها التي تقوم هي بالتعبير عن إرادته؛ وقد أكدت المقدمة التي أضيفت إلى الدستور اللبناني عام /1990/ هذا المبدأ إذ إن الفقرة « د» من الدستور التي إعتبرت أن الشعب هو مصدر السلطة وصاحب السيادة ( راجع البند 42) أضافت أن الشعب يمارس تلك السلطة والسيادة « عبر المؤسسات الدستورية».
ولا شك في أن المجلس النيابي هو أهم المؤسسات الدستورية التي تنبثق عن الشعب لتضع القواعد العامة للحياة في المجتمع تجسيداً لإرادة الشعب.
ولكن يلاحظ أن المادّة /24/ من الدستور تركت وضع النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر الإنتخابية إلى مجلس النواب نفسه، مع أن هذا الموضوع هو في الحقيقة موضوع دستوري طالما أنه يتعلق بتطبيق المبدأ القائل بأن الشعب هو مصدر السلطة.
وبالفعل حتى يكون الشعب مصدر السلطة عبر ممثليه في مجلس النواب يفترض أن يكون تمثيل المجلس للشعب حقيقياً، في حين أن تقسيم الدوائر الإنتخابية والنظام الإنتخابي يمكن أن يؤثر في صدق هذا التمثيل أو زيفه.
وإذا كان الدستور اللبناني قد ترك وضع قانون الإنتخاب لمجلس النواب إلاّ أنه وضع بعض المبادئ التي يفترض أن يراعيها هذا القانون.
100 ـ المبادئ التي لحظها الدستور بالنسبة لتمثيل الشعب بواسطة ممثليه: إن المبدأ الأول الذي يفترض أن يراعيه قانون الإنتخاب هو مبدأ المساواة بين المواطنين الذي أشارت إليه المادّة السابعة من الدستور منذ صدور الدستور في عام /1926/، والذي عاد وأكّده البند « ج » من المقدمة التي أضيفت إلى الدستور بموجب القانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني، ومبدأ المساواة هنا هو نتيجة طبيعية لكون الشعب هو صاحب السيادة)1(وفقاً لما ورد في البند « د » ذاته من مقدمة الدستور.
ومن ثم فإن مبدأ المساواة يجب أن يعمل بإتجاه مزدوج: الإتجاه الأول هو إتجاه المرشحين إذ يفترض أن يؤمن قانون الإنتخاب المساواة التامة بينهم لجهة أعباء العملية الإنتخابية، والإتجاه الثاني هو إتجاه الناخبين إذ يفترض بقانون الإنتخاب أن يؤمن المساواة التامة بينهم لجهة مدى حقوقهم بالنسبة لإختيار ممثليهم.
أما المبدأ الثاني الذي يفترض أن يراعيه قانون الإنتخاب فهو مبدأ الصفة التمثيلية للنائب بالنسبة لأفراد الشعب، وهنا إعتمد الدستور اللبناني قاعدة مزدوجة:
القاعدة الأولى: تمثيل النائب لمنطقة جغرافية معينة في لبنان مراعاة لميثاق العيش المشترك بين اللبنانيين، وهذه القاعدة أشار إليها الدستور في البند « ج » من المادّة /24/ كما تعدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90، وبالفعل وضعت المادّة /24/ عدة قواعد يقتضى أن يراعيها قانون الإنتخاب في توزيع المقاعد النيابية ومن بينها القاعدة الواردة في البند « ج » والمتمثلة بضرورة توزيع المقاعد « نسبياً بين المناطق ».
كما أن البند « ي » من المقدمة التي أضيفت إلى الدستور عام /1990/ نصت على أن « لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك ».
ومن ثم تفرض القاعدة الأولى أن يكون الترشيح مرتبطاً بمنطقة معينة من بين المناطق اللبنانية، وأن يشارك جميع الناخبين في تلك المنطقة بإنتخاب المرشحين عن تلك المنطقة تأكيداً لميثاق العيش المشترك.
القاعدة الثانية: تمثيل النائب للشعب اللبناني بكامله، وهذه القاعدة كانت واردة في الدستور منذ وضعه في عام /1926/، حيث نصت المادّة /27/ على أن « عضو مجلس النواب يمثل الأمة)1( جمعاء».
ونعتقد أن هذه القاعدة تفرض مشاركة الشعب اللبناني بمجموعه بإنتخاب النائب، وإلاّ كيف يصح إعتبار النائب الذي شارك في إنتخابه مواطنون من منطقة واحدة ممثلاً لبقية المناطق وتالياً للشعب اللبناني بكامله، ومن أجل مراعاة القاعدتين مجتمعتين نعتقد أنه يجب تقسيم الدوائر الإنتخابية على أساس دوائر ترتبط بمناطق معينة وفي نفس الوقت جعل لبنان بمجمله دائرة إنتخابية واحدة، وهو التقسيم الذي نقترحه ( راجع البند 113 وما يليه).
وإذا كان الدستور قد لحظ المبادئ المتقدمة في وضع قانون الإنتخاب يطرح التساؤل عما إذا كانت قوانين الإنتخاب التي تعاقبت في لبنان راعت تلك المبادئ، وفي حال الإجابة بالنفي يطرح السؤال عن البديل.
وتبعاً لذلك سنبحث في قوانين الإنتخاب المتعاقبة في لبنان وصولاً إلى القانون الحالي ( الفقرة الأولى) ليصار بعد ذلك إلى طرح النظام الذي نقترحه ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: قوانين الإنتخاب المتعاقبة في لبنان
101 ـ حصر المسائل المرتبطة بقانون الإنتخاب والتي يمكن أن يكون لها إنعكاس على صحة التمثيل الشعبي: إذا عدنا إلى قانون الإنتخاب الحالي الصادر بموجب القانون رقم /171/ تاريخ 6/1/2000 نرى أن المواضيع التي يعالجها هذا القانون هي التالية:
ـ عدد النواب والدوائر الإنتخابية والدعوة إلى الإنتخاب وشروط الترشيح (الفصل الأول).
ـ تحديد الشروط الواجب توفرها في الناخب ( الفصل الثاني).
ـ القوائم الإنتخابية ( الفصل الثالث).
ـ الشروط المؤهلة للترشيح، وعدم الأهلية والجمع بين النيابة والوظائف العامة (الفصل الرابع).
ـ تقديم طلبات الترشيح ( الفصل الخامس).
ـ الأعمال الإنتخابية ( الفصل السادس).
ـ الدعاية الإنتخابية ( الفصل السابع).
ـ وأحكام متفرقة ( الفصل الثامن).
وبالطبع إن أكثر المواضيع المذكورة هي مواضيع إجرائية أو تقنية وليس من شأنها أن تؤثر بشكل فعّال على صحة التمثيل الشعبي، ولكن هناك موضوعان رئيسيان هما اللذان يمكن أن يكون لهما تأثير كبير على صحة التمثيل، وهذان الموضوعان هما: النظام الإنتخابي الأكثري أو النسبي وتقسيم الدوائر الإنتخابية.
والموضوعان المتقدمان متلازمان لأن تقسيم الدوائر الإنتخابية يمكن أن يتيح إعتماد نظام إنتخابي أكثري أو نسبي، كما يمكن أن يفرض إعتماد نظام إنتخابي أكثري فقط.
ومن ثم فإن بحثنا هنا لن يتناول من المواضيع المتعلقة بقانون الإنتخاب سوى تقسيم الدوائر الإنتخابية وإعتماد نظام الإنتخاب الأكثري أو النسبي، لأن هذه المواضيع هي بطبيعتها أقرب إلى المواضيع الدسـتورية منها إلى القوانين العادية)1(، ولأن تأثيرها يكون كبيراً على صدق أو زيف التمثيل الشعبي.
وبالفعل إن مجلس نواب يأتي بنتيجة نظام إنتخاب يقوم على أساس نظام الإنتخاب الأكثري في دوائر كبرى سيكون مختلفاً عن مجلس نواب يأتي بنتيجة نظام إنتخابي على أساس الدائرة الفردية أو الصغرى، كما أن المجلسين السابقين سيختلفان عن مجلس نواب يأتي بنتيجة نظام إنتخابي يقوم على أساس التمثيل النسبي.
ومن ثم فإن النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر الإنتخابية يلعبان دوراً كبيراً في صدق أو زيف التمثيل الشعبي، من هنا أهمية تحديد النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر الإنتخابية قي متن الدستور ذاته وبشكل يؤمن تمثيلاً حقيقياً لمختلف فئات الشعب.
وتبعاً لذلك نعتبر أنه من الأفضل أن يصار إلى الإتفاق بين جميع الفئات والقوى السياسية في لبنان على تحديد النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر الإنتخابية وإدخال ذلك في متن الدستور من أجل منع إجراء تعديلات وتبديلات متكررة على هذا النظام وهذا التقسيم بموجب قوانين عادية بما يتلاءم مع مصلحة السلطة القائمة وقت التعديل كما كان يجري دوماً في السابق.
102 ـ قوانين الإنتخاب المتعاقبة في لبنان: كانت المادّة /24/ من الدستور بصيغتها الأصلية كما وضعت عام /1926/ تنص على أنه « ينتخب النواب وفقاً للقرار رقم /37/ المؤرخ في 8/3/1922)1( الذي يبقى نافذاً إلى أن تضع السلطة الإِشتراعية قانوناً جديداً للإنتخاب ».
وقد صدرت بعد ذلك قوانين للإنتخاب هي التالية:
ـ القرار رقم /2/ تاريخ 2/1/1934.
ـ قانون تاريخ 10/8/1950 بإنتخاب أعضاء مجلس النواب.
ـ قانون 4/4/1957 بإنتخاب أعضاء مجلس النواب.
ـ قانون 26/4/1960 بإنتخاب أعضاء مجلس النواب.
وبعد التعديل الدستوري الذي تم بموجب القانون رقم 18/90 تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني صدرت القوانين التالية:
ـ القانون رقم /154/ تاريخ 22/7/1992 وهو « يرمي إلى تعديل بعض أحكام قانون إنتخاب أعضاء مجلس النواب وتعديلاته »، وجرت على أساسه أول إنتخابات في لبنان عام /1992/ بعد التعديل الدستوري الذي حصل عام /1990/ تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني.
ـ القانون رقم /530/ تاريخ 11/7/1996 وهو يتعلق بتعديل بعض أحكام قانون الإنتخاب الصادر بتاريخ 26/4/1960 و جرت على أساسه ثاني إنتخابات نيابية عام /1996/ بعد التعديل الدستوري الحاصل عام 1990.
ـ القانون رقم /171/ تاريخ 6/1/2000 وهو يتعلّق بتعديل قانون إنتخاب أعضاء مجلس النواب، و جرت على أساسه ثالث إنتخابات نيابية عام /2000/ بعد التعديل الدستوري الحاصل عام 1990.
ويلاحظ أن القوانين التي صدرت بعد عام /1990/ أتت تعدّل قانون الإنتخاب الصادر عام /1960/.
والواقع أن التعديل كان يتعلّق ظاهراً بتقسيم الدوائر الإنتخابية في حين أنه أبقى حقيقة على التقسيم الذي كان معتمداً في قانون عام /1960/؛ ولكنه عدّل، بشكل كيفي وبما يخدم السلطة القائمة، في طريقة التصويت بالنسبة للمقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة من الدوائر!( راجع البندين 104 و105 )
103 ـ تقسيم الدوائر الإنتخابية والنظام الإنتخابي في قانون 1960 ـ نظام أكثري في دوائر إنتخابية لا تخضع لمعيار واحد في التقسيم: إذا عدنا إلى قانون الإنتخاب الصادر عام /1960/ نجد أن المادّة الثانية من هذا القانون إعتمدت تقسيم الدوائر الإنتخابية على أساس القضاء بشرط أن لا يقل عدد النواب عن إثنين وإلاّ ضُمّ إلى القضاء المجاور.
وقد وضعت المادّة الثانية إستثناءً على القاعدة المتقدمة يتعلق بمراكز المحافظات مع النص على جواز فصل المحافظة عن القضاء أو تقسيمها إلى أكثر من دائرة)1(.
وإذا كان يتراءى أن إعتماد القضاء لتقسيم الدوائر الإنتخابية يجعل المعيار واحداً بالنسبة للجميع، إلاّ أن وحدة المعيار تبدو هنا وهمية وزائفة وآية ذلك أن تقسيم المحافظات إلى أقضية يتعلّق بالتقسيم الإداري لا الإنتخابي، ومن ثم فإن المعيار يقوم على أرضية مختلفة عن الأرضية التي يجب أن ينطلق منها قانون الإنتخاب الذين يفترض أن يخضع لمعيار واحد يؤمن المساواة التامة بين المرشحين والناخبين على السواء في تكوين المجلس النيابي( راجع البند 100).
وبالفعل إن التقسيم الإداري ينطلق من أرضية جغرافية وهو يهدف إلى تقريب مركز الخدمة من محل إقامة المواطن، في حين أن تقسيم الدوائر الإنتخابية يفترض أن ينطلق من أرضية تتعلّق بالتمثيل الشعبي ومن ثم بعدد الناخبين في الدائرة الإنتخابية.
وتبعاً لذلك يصح القول إن ربط تقسيم الدوائر الإنتخابية بالتقسيم الإداري لا يستقيم ولا يؤدي مطلقاً إلى صحة التمثيل النيابي لأن كلاً من التقسيمين يقوم على أرضية مختلفة عن الأخرى، وبالفعل كان تقسيم الدوائر الإنتخابية على أساس القضاء يُفْضي إلى جعل عدد النواب في الدوائر الإنتخابية مختلفاً بين دائرة وأخرى تبعاً لعدد الناخبين المسجلين في الدائرة، وقد تراوح عدد النواب بين نائبين في أصغر دائرة وثمانية نواب في أكبر دائرة.
ومن ثم كان الترشّح في الدائرة الإنتخابية يتم على أساس اللائحة المفتوحة التي يجوز التشطيب فيها، أي أن الناخب لم يكن ملزماً بإنتخاب جميع أعضاء اللائحة الواحدة بل يحق له التشطيب من اللائحة وإستبدال إسم أو أكثر بإسم أو أكثر من اللائحة أو اللوائح المنافسة أو المرشحين المنفردين وهو ما يعرف بالفرنسية بطريقة الـ Panachage، وهي بعكس طريقة اللائحة المقفلة أو المجمدة(List Bloquée) التي لا يجوز التشطيب فيها بحيث يكون مفروضاً على الناخب أن يختار لائحة من بين لوائح المرشحين دون أن يكون من حقه شطب أي إسم من اللائحة أو وضع إسم آخر مكانه)1(.
ويكون الفوز بالنسبة للمرشحين على أساس الأكثرية، بمعنى أن الفوز يكون للمرشحين الذين يحصلون على أكثرية الأصوات
وقد إنتقد العلامة إدمون رباط هذا التقسيم للدوائر الإنتخابية مفضلاً الدائرة الفردية)2( لأنه كلما كبرت الدائرة تضاءل دور المواطن في الإختيار ( راجع البندين 111 و 118).
ورغم هذا الإنتفاد جاءت قوانين الإنتخاب بعد التعديل الدستوري الذي حصل بموجب القانون رقم 18/90 تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني تُبْقي على نظام الترشّح على أساس اللائحة المفتوحة، ومع إبقاء القضاء كدائرة إنتخابية من خلال تخصيص مقاعد معينة لكل قضاء، ولكن مع إعتماد طرق مختلفة لإنتخاب نواب كل قضاء بحيث زادت حدّة سلبيات قانون 1960)1(!
104 ـ تقسيم الدوائر والنظام الإنتخابي بعد عام /1990/: إن التعديلات الأهم التي أُدخِلت على قانون الإنتخاب، بعد القانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني، كانت تتعلّق ظاهراً بتقسيم الدوائر الإنتخابية على أساس توسيع الدائرة الإنتخابية ودون إعتماد معيار واحد في هذا التقسيم وضمن نظام الترشّح على أساس اللائحة المفتوحة وإعتماد الأكثرية للفوز؛ ولكن حقيقة هذه القوانين هي أنها لم تعدّل في تقسيم الدوائر الإنتخابية الذي كان معتمداً في قانون /1960/ بل عدّلت في طريقة التصويت بالنسبة لمختلف الأقضية!
وبالفعل إن القانون رقم /154/ تاريخ 22/7/1992، والذي جرت على أساسه أول إنتخابات نيابية بعد التعديل الدستوري الحاصـل بموجب القانـون رقـم 18/90، ألغى المادّة الثانية)2( من قانـون الإنتخاب الصـادر عـام /1960/، وأقام دوائر إنتخابية على أسس ووفق معايير مختلفة:
ـ أقام دائرة إنتخابية واحدة ضمن محافظتين هما محافظة الجنوب ومحافظة النبطية.
ـ أقام دائرة إنتخابية على أساس المحافظة في كلٍ من بيروت ولبنان الشمالي.
ـ أقام دائرة إنتخابية على أساس القضاء في كل من جبل لبنان والبقاع مع وضع إستثناءات بالنسبة لمحافظة البقاع وذلك بجعل قضائي بعلبك والهرمل دائرة إنتخابية واحدة وقضائي البقاع الغربي وراشيا دائرة إنتخابية واحدة.
وبالطبع يظهر أن هذا التقسيم للدوائر الإنتخابية، في ظل نظام إنتخابي أكثري، هو تقسيم كيفي لا يستند إلى أي معيار موضوعي بحيث أصبح عدد النواب في الدوائر الإنتخايبة يختلف بين دائرة وأخرى بشكل كبير إذ تراوح عدد النواب في الدائرة الواحدة بين حد أدنى بلغ ثلاثة نواب)1( وحد أقصى بلغ ثلاثة وعشرين نائباً)2(.
ثم جاء القانون رقم /530/ تاريخ 11/7/1996 يعدّل في تقسيم الدوائر الإنتخابية، ولكن بشكل كيفي أيضاً كالقانون السابق، وبالفعل:
ـ أبقى محافظتي الجنوب والنبطية دائرة إنتخابية واحدة.
ـ أبقى على القضاء كدائرة إنتخابية واحدة في محافظة جبل لبنان.
ـ جعل المحافظة بكاملها دائرة إنتخابية واحدة في كل من محافظة بيروت ومحافظة البقاع ومحافظة لبنان الشمالي.
وأخيراً جاء القانون رقم 171 تاريخ 6/1/2000، يعدّل من جديد في تقسيم الدوائر الإنتخابية ليقسم المحافظة ذاتها إلى عدة دوائر إنتخابية، وبالفعل:
ـ قُسّمت محافظة بيروت إلى ثلاث دوائر.
ـ قُسّمت محافظة جبل لبنان إلى أربع دوائر.
ـ قّسّمت محافظة الشمال إلى دائرتين.
ـ قُسّمت محافظتا الجنوب والنبطية إلى دائرتين.
ـ قُسّمت محافظة البقاع إلى ثلاث دوائر.
وقد تم تقسيم الدوائر على أساس جمع بعض الأقضية مع بعضها وجعلها دائرة إنتخابية واحدة دون إعتماد أي معيار موضوعي في ذلك، ومن ثم إختلف عدد النواب هنا أيضاً بين دائرة وأخرى، وتراوح بين حد أدنى بلغ ستة نواب)1( وحد أقصى بلغ سبعة عشر نائباً)2(.
وبالطبع إن هذا التقسيم الكيفي للدوائر الإنتخابية وعلى أساس توسيع الدائرة ضمن نظام إنتخابي يقوم على اللائحة وفوز من يحصل على الأكثرية من المرشحين جعل بعض القوى السياسية وبعض الطوائف وبالأخص المسيحية تشعر بعدم تمثيلها تمثيلاً صحيحاً في الندوة النيابية ( راجع البند 101)، الأمر الذي دفع البعض منها إلى مقاطعة الإنتخابات النيابية منذ عام /1992/ وقد عاد أكثر المقاطعين عن مقاطعتهم في الإنتخابات اللاحقة، ولكن مع بقاء الشكوى من تقسيم الدوائر الإنتخابية ضمن نظام إنتخابي يقوم على أساس فوز من يحصل من المرشحين على أكثرية الأصوات في الدائرة.
105 ـ إن قوانين الإنتخاب منذ عام /1992/ أبقت على الدوائر الإنتخابية كما كانت في قانون /1960/ ولكنها عدلّت طريقة التصويت بالنسبة لكل دائرة من تلك الدوائر بشكل كيفي ـ المعيار المزدوج والكيفي في تحديد الهيئة الناخبة في المناطق ـ المسؤول عن ذلك: إذا كان قانون الإنتخاب لعام /1960/ إعتمد القضاء كدائرة إنتخابية، فإن قوانين الإنتخاب التي صدرت منذ عام /1992/ لم تخرج في الحقيقة عن هذا التقسيم للدوائر الإنتخابية بل أنها أبقت على القضاء كدائرة إنتخابية في جميع أنحاء لبنان، ولكن مع تعديل طريقة التصويت فقط ووفق معايير مختلفة، إذ جعلت الناخبين المسجلين في المحافظة بكاملها أو في عدة أقضية مجتمعة تصوت لجميع المرشحين في الأقضية بدل أن يصوت لهؤلاء المرشحين الناخبون المسجلون في القضاء.
وبالفعل إذا كانت قوانين الإنتخاب الثلاثة التي صدرت منذ عام /1992/، ولغاية اليوم، قد ألغت المادّة الثانية من قانون الإنتخاب لعام /1960/ المتعلّق بتقسيم الدوائر الإنتخابية ونصت على تقسيم جديد للدوائر الإنتخابية ( راجع البند 104)، إلاّ أن هذا التقسيم كان وهمياً لأن القوانين الثلاثة التي صدرت منذ عام /1992/ أُرْفِقت بجداول توزّع المقاعد النيابية على المناطق، وهذا التوزيع الأخيرإنطلق من معيار واحد هو القضاء، بحيث خصص لكل قضاء عدد من النواب كما كان الوضع بموجب قانون /1960/.
وبالفعل إذا أخذنا محافظة الشمال، كمثال، والتي إعتبرت حيناً دائرة إنتخابية واحدة)1( وحيناً آخـر قسـمت إلى دائرتين)2(، نجد أنه خُصّص لكل دائرة من الدوائر عدد من المقاعد النيابية وُزّعت على الطوائف بموجب الجدول رقم /1/ الملحق.
ولكن أرفق بعد ذلك بكل قانون الجدول رقم /2/ والذي أُعْطي عنوان « المراكز النيابية في المناطق والأقضية» ومن ثم وزعت المراكز النيابية في محافظة الشمال في القوانين المتعاقبة كما يلي:
ـ القانون رقم 154/92 والقانون رقم 530/96 اللذان جعلا محافظة الشمال دائرة إنتخابية واحدة وزعا المقاعد على الشكل التالي:
ـ مدينة طرابلس الإدارية ثمانية مقاعد
ـ قضاء المنية ـ الضنية ثلاثة مقاعد
ـ عكار سبعة مقاعد
ـ زغرتا ثلاثة مقاعد
ـ الكورة ثلاثة مقاعد
ـ بشري مقعدان
ـ البترون مقعدان
ـ القانون رقم 171/2000 الذي قسم محافظة الشمال إلى دائرتين، وزع المقاعد ضمن كل دائرة على الشكل التالي:
دائرة الشمال الأولى:
ـ عكار سبعة مقاعد
ـ الضنية مقعدان
ـ بشري مقعدان
دائرة الشمال الثانية:
ـ طرابلس ثمانية مقاعد
ـ المنية مقعد واحد
ـ زغرتا ثلاثة مقاعد
ـ البترون مقعدان
ـ الكورة ثلاثة مقاعد
ماذا يعني تخصيص مقاعد لكل منطقة ضمن محافظة الشمال المعتبرة دائرة إنتخابية واحدة)1( أو دائرتين)2(؟.
يعني بكل بساطة أن مشترع قوانين الإنتخاب منذ عام /1992/ لا يزال يعتمد القضاء إجمالاً كدائرة إنتخابية، والتفكير البديهي والمنطق السليم يفرضان بأن يتم إنتخاب نواب المنطقة التي خصصت المقاعد النيابية لها بموجب الجدول رقم /2/ من قبل الناخبين المسجلين في تلك المنطقة
ولكن عبقرية المشترع، في إبتكار نظام إنتخابي يؤدّي الى الإخلال بمبدأ المساواة وإلى ضرب مبدأ مراعاة التمثيل المناطقي وضرب مبدأ العيش المشترك، دفعه لأن يجعل التصويت لإنجاح المرشحين في المنطقة التي خصص لها مقاعد معينة يتم ليس فقط من قبل الناخبين المسجلين في تلك المنطقة بل من كل الناخبين في الدائرة الكبرى التي إعتمدها وفق معايير تختلف بين دائرة وأخرى!( راجع البند 104)
وهكذا أصبحت القوى السياسية التي تملك أكثرية ناخبين في بعض مناطق الدائرة الكبرى، تملك القدرة على إنجاح مرشحين في بعض الأقضية حتى لو كان عدد الأصوات، التي نالها هؤلاء المرشحون في القضاء الذي خصصت له المقاعد النيابية، له ضئيلاً ولا يؤهلهم للفوز؟
وهذا يعني أن مشترع قانون الإنتخاب منذ عام /1992/ إبتكر طريقة جديدة لتقسيم الدوائر الإنتخابية فرّق فيها بين الدائرة الإنتخابية التي خصّص لها عدداً معيناً من المقاعد النيابية، وبين التصويت في الدوائر الإنتخابية بان جعل التصويت في دائرة إنتخابية معينة يتم من ناخبين خارج تلك الدائرة!
وبعبارة أوضح نقول رغم أن قوانين الإنتخاب التي صدرت بعد عام /1992/ خصصت عدداً معيناً من المقاعد النيابية لكل قضاء بموجب الجدول رقم /2/ مراعاةً للتمثيل المناطقي والعيش المشترك، إلاّ أن هذا التخصيص كان وهمياً لأن الناخبين الذين خُصصت المقاعد النيابية لمنطقتهم لم يعد صوتهم حاسماً في فوز المرشحين عن تلك المنطقة
وإذا جاز لنا أن نبدي رأياً حول من المسؤولية عن إصدار مثل تلك القوانين نقول أن المسؤولية تقع على كل السلطات الدستورية التي شاركت في إقرار وإصدار تلك القوانين بدءاً بالحكومة مــروراً بمجلس النواب وإنتهاءً برئيس الجمهورية
وبالفعل إن الحكومة هي التي كانت تحيل مشاريع القوانين إلى المجلس، كما أن المجلس النيابي هو الذي كان يقرّها؛ ولكن القانون لا يصبح نافذاً بمجرد موافقة مجلس النواب عليه، بل لا بد أن تلي موافقة المجلس إجراءات أخرى تتمثل بإصدار القانون من قبل رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية ( المادّة 51 من الدستور))1(.
وثم كان بإمكان رئيس الجمهورية هنا أن يمارس صلاحياته الدستورية، إنطلاقاً من قسمه اليمين بإحترام الدستور ( المادّة 50 من الدستور)، ويُعيد المشروع إلى المجلس ويطلب إعادة النظر فيه عملاً بالمادّة /57/ من الدستور، كون المشروع الذي وافق عليه المجلس جاء مخالفاً للمبادئ التي يفترض بقانون الإنتخاب أن يراعيها (راجع البند 100)
وقد إستعمل الرئيس إِميل لحود هذه الصلاحية عندما أعاد مشروع قانون أقرّه مجلس النواب يجيز للحكومة تعيين قضاة أصيلين دون أن يخضعوا للمباراة الخطية، وبالطبع يمكن تأسيس هذا الموقف على النص الدستوري الذي يفرض أن يعتمد في التعيين معيار « الكفاءة » عملاً بالمادة /95/ من الدستور ( راجع البند 74 ).
ونتمنّى أن يمارس المسؤولون دوماً صلاحياتهم المنصوص عنها في الدستور بدل التفتيش عن صلاحيات من خارج النص الدستوري)1(.
ولكن حتى لو أبقت قوانين الإنتخاب الصادرة بعد عام /1992/ على حق ناخبي كل منطقة وحدهم بإنتخاب نواب منطقتهم، كما كان الوضع عام /1960/، إلاّ أن هناك سلبيات كثيرة تبقى عالقة بالنظامين السابقين، وهي تتجاوز في الحقيقة ما يطرحه المعترضون على النظام والتقسيم الحالي للدوائر الإنتخابية.
106 ـ الأثر السلبي الأول لقوانين الإنتخاب المتعاقبة في لبنان ـ الإخلال بمبدأ المساواة بين الناخبين أنفسهم وبين المرشحين أنفسهم: إن أحد المبادئ التي يفترض أن يراعيها قانون الإنتخاب هو مبدأ المساواة بين المواطنين في جميع الحقوق المدنية والسياسية عملاً بالبند « ج » من المقدمة التي أضيفت إلى الدستور بموجب القانون الدستوري رقم 18/90 والمادة السابعة من الدستور ذاته ( راجع البندين 77 و 100).
ومن ثم فإن تقسيم الدوائر الإنتخابية وفقاً لقوانين الإنتخاب النيابية المتعاقبة في لبنان وبالأخص التقسيم المعتمد في قوانين الإنتخاب الصادرة بعد عام /1990/، يخل بمبدأ المساواة بين الناخبين أنفسهم وبين المرشحين أنفسهم:
ـ لجهة الإخلال بمبدأ المساواة بين الناخبين: إن مبدأ المساواة بين الناخبين يفترض تساوى جميع الناخبين بالنسبة لحقهم في الإقتراع ومدى هذا الحق وتالياً دورهم في تكوين المجلس الذي يمثلهم.
وإذا كان النظام الإنتخابي يؤمن المساواة بين المواطنين لجهة حق الإقتراع بإعتبار أنه يقر هذا الحق لكل مواطن تتوافر فيه شروط الإنتخاب، إلاّ أن تقسيم الدوائر الإنتخابية وفق معايير متعددة وبالشكل الذي ورد في قوانين الإنتخاب المتعاقبة كان يخل بمبدأ المساواة.
وآية ذلك أن مدى حق الناخب الذي يصوت في دائرة يبلغ عدد نوابها ثلاثة وعشرين نائباً، هو أوسع من مدى حق الناخب الذي يصوت في دائرة يبلغ عدد نوابها ثلاثة نواب فقط ( القانون رقم 154/92). وكذلك هو الوضع في الدائرة التي يبلغ عدد نوابها سبعة عشر نائباً في مقابل دائرة يبلغ عدد نوابها ستة نواب فقط ( القانون رقم 171/2000).
ومن ثم فإن دور الناخب في تكوين المجلس النيابي في الدائرة الأوسع يكون أكبر من دور الناخب في الدائرة الأصغر.
ـ لجهة الإخلال بمبدأ المساواة بين المرشحين: يفرض مبدأ المساواة بين المرشحين أن يتساوى جميع المواطنين، الذين تتوفر فيهم شروط الترشّح للإنتخابات النيابية، في هذا الحق وكذلك في الأعباء التي تترتب على ممارسته.
وإذا كان النظام الإنتخابي يؤمن المساواة بين المواطنين لجهة الحق بالترشّح للإنتخابات النيابية)1(، إلاّ أن تقسيم الدوائر الإنتخابية بالشـكل المُحْكى عنه يخل بمبدأ المساواة بين المرشحين أنفسهم لجهة الأعباء التي تترتب عليهم بنتيجة ممارسة هذا الحق.
وبالفعل إن الترشّح للإنتخابات النيابية يفرض نفقات كبيرة للإعلان والدعاية الإنتخابية وللماكينة الإنتخابية كما يفرض مجهوداً ووقتاً يخصصه المرشّح للإتصال بناخبيه وطرح برنامجه وتلقي مراجعاتهم.
وبالطبع إن النفقات والجهود المطلوبة تكون أقل في دائرة صغرى عما هما عليه في دائرة كبرى مع ما في ذلك من إخلال بمبدأ المساواة بين المرشحين أنفسهم.
107 ـ الأثر السلبي الثاني ـ عدم صدق التمثيل النيابي لمختلف المجموعات التي يتألف منها الشعب اللبناني ـ الإخلال بمبدأ التمثيل المناطقي والعيش المشترك: في ظل النظام الإنتخابي الذي يقوم على أساس اللائحة ـ وبالأخص الكبيرة ـ ويعتمد للفوز نظام الأكثرية، فإن الوجه السلبي الأول لهذا النظام يكمن في عدم تمثيل الأقلية مهما كانت النسبة التي نالتها من أصوات الناخبين.
مثلاً لو أن لائحة أُولى فازت بأكثرية ستين بالمائة من أصوات الناخبين وعلى أساس نظام الإنتخاب الأكثري فإن ذلك سيقود حتماً إلى عدم تمثيل أربعين بالمائة في الدائرة الإنتخابية)1(.
وإذا كان يمكن القول إن النظام المعتمد في لبنان هو نظام اللائحة المفتوحة التي يجوز التشطيب فيها وتشكيل لائحة من قبل الناخب ذاته من بين كل المرشحين في الدائرة ( راجع البند 103)، إلاّ أن ذلك ليس من شأنه أن يحدّ من كل الآثار السلبية للنظام القائم في لبنان وبالأخص الإخلال بمبدأ التمثيل المناطقي وميثاق العيش المشرك الذي يفترض أن يراعيه قانون الإنتخاب.
وبالفعل إن البند « ج » من المادّة /24/ من الدستور كما عدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 أوجب توزيع المقاعد النيابية نسبياً بين المناطق، كما أن البند « ي » من المقدمة التي أُضيفت إلى الدستور بموجب القانون الدستوري رقم 18/90 أعلن أن « لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك » ( راجع البندين 40 و 100).
ونعتقد أن هناك ترابطاً لا ينفصم عراه في لبنان بين مفهوم المناطق ومفهوم العيش المشترك، لأن ما يميز الشعب اللبناني رغم تعددية طوائفه هو عيش أبناء الطوائف المتعددة ضمن المنطقة الجغرافية ذاتها، بمعنى أن تعدد الطوائف لم يترافق يوماً مع إستقلال أية طائفة من تلك الطوائف بالعيش منفردة في منطقة جغرافية لا يعيش فيها أبناء الطوائف الأخرى (راجع البند27).
من هنا ترابط مفهوم المناطق مع مفهوم العيش المشترك، وهذا ما لم يستطع مشترع قانون الإنتخاب الكيفي أن يتجاهله، إذ رغم إعتماده مبدأ الدائرة الكبرى ـ المحافظة أو جمع عدة أقضية في دائرة إنتخابية واحدة ـ إلاّ أنه لم يستطع أن يتجاهل وجوب توزيع النواب داخل الدائرة الكبرى على المناطق. ولكنه بدلاً من أن يجعل إنتخاب النواب في كل منطقة محصوراً بالناخبين المسجلين في تلك المنطقة، أشرك بقية الناخبين فـي الدائــرة الكبـرى بإنتخاب النواب المخصصين للدوائـر الصغرى ( راجع البند 105). وهذا الأمر جعل المقاعد المخصصة لمنطقة صغرى تفوز بأصوات ناخبين أكثرها من خارج تلك المنطقة)1(.
ومن ثم يجب إعتماد معيار واحد لمفهوم « المناطق»
108 ـ ضرورة وضع معيار واحد للمناطق: إذ كان البند «ج » من المادّة /24/ من الدستور أوجب توزيع المقاعد النيابية نسبياً بين المناطق، فهذا يفرض أن يكون لكلمة مناطق مفهوم إنتخابي واحد في جميع أنحاء لبنان، وبالطبع إن المفهوم الإنتخابي للمنطقة هو غير المفهوم الإداري لها( راجع البند 105).
إن معنى المنطقة يمكن أن يتدرّج من أصغر قرية إلى أكبر منطقة وهي تشمل لبنان بكامله، وضمن هذين المفهومين يفترض أن يحدد مفهوم «المناطق» في قانون الإنتخاب بذات المعنى وليس بمعاني مختلفة بما يخدم مصلحة السلطة القائمة.
إن المعنى الأفضل لمفهوم المنطقة المقصود بالبند « ج » من المادّة /24/ من الدستور هو معنى المنطقة الجغرافية التي تشــكل دائرة إنتخابية فردية)2(، ولكـن إذا كان المشترع لم يأخذ لغاية الآن بهذا المفهوم « للمنطقة» إلاّ أنه لا يجوز له أن يجعل المفهوم ذاته يعني أحياناً منطقةً يخصص لها ثلاث مقاعد نيابية وأحياناً أخرى منطقة يخصص لها سبعة عشر أو ثلاثة وعشرين مقعداً ( راجع البند 104). لأنه من شأن هذا التحديد الكيفي للمناطق أن يخل بصحة التمثيل المناطقي القائم على العيش المشترك.
وبالفعل في الدائرة الإنتخابية التي خصص لها ثلاثة مقاعد وحُصِر حق الإنتخاب فيها بالناخبين المسجلين هناك، فإن أصوات هؤلاء الناخبين كانت هي التي كانت تتحكم باختيار النواب الثلاثة الذين سيمثلونها في المجلس النيابي.
أمّا في المنطقة التي خصص لها ثلاثة مقاعد وأعطي فيها حق الإنتخاب للناخبين المسجلين في دائرة أكبر كالمحافظة، فإن أصوات الناخبين المسجلين في المنطقة التي خُصِصّت لها المقاعد النيابية لم تكن تستطيع التحكم بإختيار النواب الثلاثة المخصصين لها.
وهذا يعني أن تمثيل المنطقة الصغرى التي تشكل جزءاً من دائرة أكبر هو تمثيل وهمي ولا يعبّر عن صدق توجهات أبناء تلك المنطقة، بخلاف ما هو الوضع عليه في الدائرة الصغرى التي خصّص لها ثلاثة مقاعد نيابية وحصر حق الإنتخاب فيها بالناخبين المسجلين في تلك المنطقة.
وهذا ما جعل بعض المناطق والطوائف يعتبر أن تمثيله في المجلس النيابي لا يعبّر عن حقيقة توجهاته، لأنه يعتبر أن فوزالمرشحين عن منطقته الصغرى إنما تم بأصوات أعطيت له من خارج تلك المنطقة ( راجع البند السابق).
ونعتقد أن هذا الوضع من شأنه أن يمس بمبدأ العيش المشترك الذي نص البند « ي » من مقدمة الدستور على أنه لا شرعية لأية سلطة تناقضه.
وهو ما لاحظناه من شكوى المرشحين في « مناطق » أكثرية الناخبين المسجلين فيها هم من الطوائف المسيحية، وقد أُعْطي حق التصويت فيها للناخبين المسجلين في دائرة إنتخابية كبيرة أكثرية ناخبيها من الطوائف الإسلامية.
وهذا ما أشار اليه إعلان « اللقاء الديموقراطي »، برئاسة الاستاذ وليد جنبلاط الصادر بتاريخ 21/4/2004، عندما قال إن قوانين الإنتخاب التي صدرت بعد عام /1992/ ساهمت « في تعميق الإنقسام المذهبي والطائفي بدل أن تساهم في وأد هذا الإنقسام وضربت مبدأ التمثيل النيابي الصحيح وعطّلت قيمة الصوت الإنتخابي للمواطن، وجعلت من القانون أداةً لتغييب بعض الفئات وتحجيم دورها »)1(.
109 ـ الأثر السلبي الثالث ـ تمركز القرار بموضوع السيادة الشعبية بيد عدد محدود من القادة السياسين ـ الحد من حرية النواب الممثلين للشعب: إذا كانت الديموقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب ( راجع البند 43)، وإذا كان منطق الديموقراطية يفرض أن يكون الشعب هو صاحب السيادة كما ورد في البند « هـ » من مقدمة الدستور، إلاّ أن الشعب لا يمارس السلطة والسيادة مباشرة إنما عبر المؤسسات الدستورية كما ورد في البند « ج » ذاته من مقدمة الدستور (راجع البند 100)، وأهم المؤسسات الدستورية هو المجلس التمثيلي المنبثق عن الإنتخابات التي يشارك فيها كل الشعب.
ومن ثم يفترض بهذا المجلس أن يعكس آراء ومواقف مختلف القوى السياسية التي يتألف منها مجموع الشعب.
وإذا كان هذا الإنعكاس لمختلف المجموعات والقوى السياسية داخل مجلس النواب يمكن أن يلاحظ من خلال الكتل النيابية الموجودة في المجلس، إلاّ أن طريق الوصول إلى المجلس عبر لوائح كبرى وفي ظل نظام إنتخابي يقوم على فوز الأكثرية يجعل القرار محصوراً بيد عدد محدود من الأشخاص، هم رؤساء اللوائح الكبرى التي تستطيع مجتمعة أن تؤلف أكثرية نيابية داخل المجلس.
وإذا كان يمكن أن يقال بالمطلق أن هذه هي طبيعة النظام الديموقراطي التمثيلي، إلاّ أن المطلق لا يؤخذ دوماً على إطلاقه بل لا بد من إتباع القاعدة بما يكملّها وهو أن « المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصاً أو دلالة »)1(.
وإذا كانت القاعدة المتقدمة هي من القواعد التي يمكن أن يُلْجأ إليها في مجال تفسير القانون، إلاّ أنه لا شيء يمنع من إعمالها في تفسير القواعد التي تحكم الظواهر الإجتماعية والسياسية. وتبعاً لذلك لا بد من مقارنة طريقة تشكيل اللوائح والأكثريات النيابية في لبنان مع ما يجري في الديموقراطيات الغربية.
وبالفعل إن تشكيل اللوائح والأكثريات النيابية في الديمقراطيات الغربية يتم على أساس الإنتماء الحزبي والبرامج التي تضعها الأحزاب حيث يكون أعضاء اللائحة الواحدة متجانسين في مواقفهم السياسية والبرامج التي ينطلقون منها، ومن ثم تأتي الأكثرية النيابية في السياق ذاته.
أما في لبنان فإن تشكيل اللوائح الإنتخابية يجمع أحزاباً وعائلات مع أفراد يحظون بموقع شعبي معين في محيطهم، ولكن اللائحة بمجملها تتمركز حول شخص واحد هو الأقوى شعبياً وهو الذي يستطيع أن يجيّر عدداً كبيراً من الأصوات لبقية أعضاء اللائحة، ومن ثم لا بد أن يتمركز القرار عند رئيس اللائحة، ولا يسع بقية أعضاء اللائحة إلاّ الإنصياع للقرار الذي يتخذه.
بالطبع يبقى بإمكان أي نائب عضو في اللائحة، من الناحية المبدئية والقانونية، أن يتخذ الموقف الذي يتوافق مع قناعته ومع إرادة ناخبيه، ولكن التجربة دلّت على أن النائب يقف بالنهاية إلى جانب القرار الذي يتخذه رئيس اللائحة ولو كان ذلك على حساب إقتناعه الشخصي ورغبة ناخبيه، والسبب في ذلك هو أن الإستمرار في المركز النيابي يبقى مرهوناً بقبوله في اللائحة التي وصل من خلالها)1(.
وتبعاً لذلك يصبح القرار المتعلق بممارسة السيادة الشعبية محصوراً بيد عدد محدود من الأشخاص هم رؤساء اللوائح.
ولا شك في أن السيادة الشعبية تبقى متحقّقةً بشكل أفضل كلما اتسعت دائرة الأشخاص المشاركين في صنع القرار، وليس أدلّ على ذلك من القرارات التي يشارك الشعب بكامله في صنعها عبر إعتماد طريقة الإستفتاء الشعبي( راجع البند 99) في الديموقراطيات العريقة.
110 ـ الأثر السلبي الرابع ـ تدني مستوى التشريع ـ منع بروز قيادات جديدة: إن مجلس النواب في الدول التي تعتمد النظام الديموقراطي يمثل السلطة المشترعة منفرداً أو مع مجلس آخر في بعض الدول.
وبالفعل إن المادّة /16/ من الدستور اللبناني كما عدلت بالقانون الدستوري تاريخ 17/10/1927الواردة ضمن الأحكام العامة المنصوص عنها في الفصل الأول من الباب الثاني)1( من الدستور تنص على أنه « تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب »، كما أن الفصل الثاني من الباب نفسه ورد بعنوان « السلطة المشترعة».
وهذا يعني أن المهمة الأولى لمجلس النواب هي التشريع، وهذه المهمة نابعة عن مبدأ مستقر في الأنظمة الديموقراطية التحررية هو مبدأ فصل السلطات.
وإذا عدنا إلى مستوى التشريع في لبنان نلاحظ أن التشريعات التي صدرت في عهد الإنتداب وفي مطلع عهد الإستقلال كانت أفضل من التشريعات التي صدرت بعد ذلك سواء لجهة الصياغة أو لجهة المضمون.
بالطبع لا مجال هنا لاستعراض مختلف القوانين وتقويمها من ناحية الصياغة والمضمون، ولكن نحيل المهتمين بهذا الشأن إلى ملاحظاتنا على بعض القوانين في الكتب التي أصدرناها لغاية الآن بمواضيع قانونية مختلفة)2(، وسوف نكتفي هنا بمثاليـن يظهران التدني في مسـتوى التشريع:
ـ المثال الأول: هو نص المادّة /68/ من القانون رقم /171/ تاريخ 6/1/2000، المتعلّق بتعديل قانون إنتخاب أعضاء مجلس النواب، ومؤداها:
« يحظر على كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وكذلك المكتوبة غير السياسية، تعاطي الإعلان الإنتخابي السياسي خلال الحملة الإنتخابية المحددة من تاريخ دعوة الهيئات الإنتخابية حتى إجراء الإنتخابات وإعلان النتائج النهائية تحت طائلة التعطيل والإقفال التام بقرار يصدر عن محكمة المطبوعات في غرفة المذاكرة».
ولا شك في أن ذاكرة اللبنانيين عموماً، وليس رجال القانون فقط، لا زالت تذكر هذا النص بعد تطبيقه على محطة تلفزيون M.T.V. وصدور قرار قضائي عن محكمة المطبوعات بتاريخ 4/9/2002)1( قضى بإقفال المحطة، وبعد ذلك صدرت قرارات قضائية متناقضة حول طبيعة القرار الصادر في غرفة المذاكرة عن محكمة المطبوعات وتالياً حول طرق الطعن الجائزة ضدّه، وطبيعة الإقفال وهل هو تدبير إحترازي أو عقوبة جزائية.
لن ندخل في مناقشة القرارات القضائية، بل نسلط الضوء قوياً على هذا التشريع من الزوايا التالية:
ـ إن النص ورد في قانون الإنتخاب وليس في قانون العقوبات. وإن عبارة « التعطيل والإقفال التام » هي عبارة غامضة ومطاطة، وهذا يخالف أصول التشريع في المواد الجزائية التي تفرض أن يكون معنى العقوبة أو التدبير الإحترازي واضحاً ومحدّداً على وجه دقيق، حرصاً على الحريات العامة ومن بينها حرية الإعلام.
ـ إن نص المادّة /68/ أعطى محكمة المطبوعات وهي محكمة جزائية حق إصدار القرار « في غرفة المذاكرة »، ومن المعلوم أن إصدار القرارات في غرفة المذاكرة له أصول محددة في قانون أصول المحاكمات المدنية وهو يتراوح بين إصدار القرار وفقاً للأصول الرجائية ( المواد 594 إلى 603 أ.م.م.) أو وفقاً لطريقة الأوامر على العرائض ( المواد 604 إلى 612 أ.م.م.) )1(.
كما أن هناك قرارات تصدر في غرفة المذاكرة ودون إنعقاد جلسات، ولكن مع إحترام مبدأ الوجاهية وحق الدفاع بحيث تبدو الأصول هنا مشابهة للأصول النزاعية كما هو الحال مع القرارات التي تصدر عن الغرفة الإبتدائية لدى محكمة الدرجة الأولى بموضوع إزالة الشيوع في العقارات عملاً بالقانون رقم 16/82.
فهل كان مشترع المادّة /68/ من قانون الإنتخاب يدرك أبعاد معنى القرار الذي يصدر « في غرفة المذاكرة » والأصول المختلفة التي تنطبق عليه؟ وإذا كان يدرك، فلماذا لم يوضح أية أصول وبناء لطلب أي خصم يصدر القرار وما هي طرق الطعن التي يجوز سلوكها ضده؟
ـ المثال الثاني: نأخذه من قانون صدر حديثاً عن مجلس النواب وهو « قانون تنفيذ العقوبات » رقم /463/ تاريخ 7/9/2002.
إن القانون المُحْكى عنه أجاز تخفيض عقوبات الحسني السيرة والسلوك من المحكوم عليهم بعقوبات جنحية أو جنائية مؤقتة لا تقل عن ستة أشهر ( المواد 1/3/4، من القانون).
ومن ثم فإن نصوص القانون حصرت الإستفادة من تخفيض العقوبة بالمحكوم عليهم بعقوبات جنائية أو جنحية لا تقل عن الستة أشهر حبساً، أمّا المخالفات وهي التي تصل العقوبة فيها إلى عشرة أيام حبساً كحد أقصى ( المادّة 60 من قانون العقوبات اللبناني) فإن التخفيض لا يمكن أن يتناولها.
ولكن يظهر أن مشترع قانون تنفيذ العقوبات لم يكن يعلم ما هو الفرق بين الجناية والجنحة وبين المخالفة اذ عاد في المادّة /13/ ليجيز إخضاع المحكوم عليه الذي تخفض عقوبته إلى المراقبة الإجتماعية، ولكن المادّة /13/ نفسها شملت المحكوم عليه « بمخالفة » فورد نص المادّة /13/ كما يلي:
« يمكن إخضاع المحكوم عليه للرقابة الإجتماعية... (لمدة) لا تتجاوز السنتين في الجنحة والمخالفة والخمس سنوات في الجناية ».
ثم عاد المشترع في المادّة /14/ وذكر بين الحالات التي يفقد معها المحكوم عليه منحةَ التخفيض حالةَ المحكوم عليه بمخالفة، وبالفعل ورد في البند /3/ من المادّة /14/ أن المحكوم عليه يفقد منحة التخفيض إذا أقدم « خلال مدة سنتين في الجنحة أو المخالفة وخمس سنوات في الجناية على إرتكاب جرم موازٍ ... »
يظهر أن المشترع هنا اُصيب بفقدان الذاكرة إذ أنه نسي ما كان أقرّه في المواد الأولى عندما حصر حق الإستفادة من التخفيض فقط بالمحكوم عليهم بعقوبات جنحية أو جنائية.
نكتفي بهذين المثالين للتدليل على تدنّي مستوى التشريع، وهما غيض من فيض وليس بالإمكان ذكر الأمثلة الكثيرة هنا لأنها قد تحتاج إلى كتب عديدة بالموضوع.
ولكن إنتقادنا لمستوى التشريع لا ينسينا أن هناك رجال قانون مميزون في الندوة النيابية وإن كان عددهم قليلاً جداً، ومن ثم ليس بإمكانهم وحدهم أن يتنبّهوا لمثل تلك الثغرات في التشريع، لأنهم لا يشرعون فقط للمناطق التي إنتخبوا فيها بل يشرعون لكل الوطن، والتشريع ليس مهمتهم وحدهم بل هو مهمة « السلطة المشترعة» مجتمعة.
وإذا جاز لنا أن نبدي رأياً حول أسباب التدني في مستوى التشريع فنقول إن نظام الإنتخاب وتقسيم الدوائر الإنتخابية هو أحد الأسباب)1(، وبالفعل إن الدائـرة الكبرى من شأنها أن تمنع مواطنين من رجال القانون أو من أصحاب الإختصاصات الأخرى وممن يتمتعون بكفاءات عالية وأحياناً بشعبية قوية في محيطهم الجغرافي وفي لبنان عموماً من الترشيح أو الوصول إلى الندوة النيابية.
وآية ذلك أنه إذا كان مواطن يتمتع بالصفات المُحْكى عنها ويحظى بإجماع شعبي في دائرة صغرى وأحياناً على صعيد لبنان كله، فإنه قد يحجم عن الترشّح طالما أنه لم يحظ بقبوله في لائحة من اللوائح المتنافسة في الدائرة، وإذا ترشّح فقد يصعب عليه الفوز ولو نال نسبة عالية من أصوات محيطه الجغرافي طالما أن بقية أصوات الناخبين في الدائرة الإنتخابية الكبرى تصبّ بإتجاه اللوائح فيها.
وهنا يمكن أن نتذكر أستاذاً كبيراً لا تزال كتاباته مرجعاً لرجال القانون عموماً وللمشترع خصوصاً، هو العلامة إدمون رباط، ونتساءل كيف أن المجلس النيابي لم يحصل له شرف نيل عضوية هذا الرجل، ولماذا لم يوجد نظام إنتخابي يدفع بأمثاله إلى المجلس النيابي)1( ؟
بالطبع يمكن أن لا يدرك الآثار السلبية لتدني مستوى التشريع إلاّ رجال القانون وبعض المواطنين الذين قد يقعون ضحية لهذا التشريع؛ وعندها يطرح السؤال: من هو المسؤول؟ إذا أخطأ الموظف أو أخطأ القاضي في تطبيق القانون فقد يمكن إصلاح الخطأ بطرق المراجعة الإدارية بالنسبة للموظف أو بطرق المراجعة القضائية بالنسبة للقاضي.
ولكن إذا أخطأ المشترع ذاته في وضع القانون، فمن يحاسبه؟ ومن يتحمل نتائج هذا الخطأ؟ لا شك في أن المواطن والشعب اللبناني بمجمله هو الذي يتحمّل نتائج خطأ المشترع، وقد أثبتت التجربة ذلك!
111ـ الأثر السلبي الخامس ـ الحد من حرية الناخب في الاختيار وحرية المواطن في الترشّح بسبب القدرة على تجيير الأصوات: إن نظام الإنتخاب على أساس اللائحة وبالأخص في الدوائر الكبرى، يحدّ كثيراً من حرية الناخب في الإختيار، وآية ذلك أن الناخب يشعر بأن صوته لا قيمة له، بالنسبة لنتيجة الإنتخاب، إلاّ إذا صوت للمرشحين المنضمين إلى إحدى اللوائح.
وهذا يعني أنه إذا وجد مرشحون منفردون في الدائرة ذاتها غير منضمين إلى إحدى اللوائح فإن فوزهم يبدو شبه مستحيل إزاء القدرة التجييرية للأصوات من قبل أعضاء اللائحة الواحدة وبالأخص القدرة التجييرية عند رئيس اللائحة.
وبالطبع هذا يحدّ من حرية المواطن في الترشّح كما يحد من حرية الناخب في الإختيار:
ـ فلجهة حق المواطن في الترشّح، في الواقع يحجم بعض أصحاب الكفاءات العالية المؤهلين لخوض المعارك الإنتخابية، عن ترشّيح أنفسهم إذا لم يرتبطوا بإحدى اللوائح ( راجع البند 110) لأنهم يعلمون أن القدرة التجييرية عند رئيس اللائحة وبقية أعضائها تجعل من فوز المرشح المنفرد أمراً شبه مستحيل للفوز.
ـ أما لجهة الناخب، فهو يجد نفسه مجبراً على الإختيار بين المرشحين المنضمين إلى اللوائح المتنافسة دون المرشحين المنفردين، لأنه يعلم أن حظ المرشح المنفرد بالفوز يبدو شبه مستحيل بمواجهة لوائح كبرى يتبادل أعضاؤها تجيير الأصوات لصالح اللائحة، وهذا يعني أن الناخب يشعر بأن صوته لن يكون مؤثراً في نتيجة الإنتخابات إلاّ إذا صوّت إلى المرشحين المنضمين إلى إحدى اللوائح المتنافسة، وهذا بذاته يعتبر حدّاً من حرية الناخب في الإختيار.
أكثر من ذلك إن الإفساح في المجال أمام الناخب للتصويت إلى عدد كبير من المرشحين في ظل الدوائر الكبرى كان يؤدي عملياً إلى التصويت لمرشحين لا يعرفهم الناخب ومن ثم فإن تصويته لهم لم يكن إلاّ بسبب إنضمامهم إلى اللائحة.
وإذا كان هذا الأمر يبدو مقبولاً في الأنظمة الديموقراطية العريقة التي يتم فيها التصويت على أساس حزبي، حيث أن الناخب يعنيه الحزب أكثر مما يعنيه الشخص الذي أختاره الحزب، فإنه في لبنان يجعل التواصل مفقوداً بين الناخب وممثليه في بلد تؤلف فيه اللوائح على غير الأسس الحزبية المعروفة في الديموقراطيات العريقة، وتبعاً لذلك لا يشعر الناخب في لبنان بقيمة صوته في ظل النظام القائم.
وقد أشار إعلان « اللقاء الديموقراطي » برئاسة الاستاذ وليد جنبلاط الصادر بتاريخ 21/4/2004 الى الحقيقة المذكورة بالقول إن قوانين الإنتخاب التي صدرت بعد عام /1992/ « عطّلت قيمة الصوت الإنتخابي للمواطن »)1(.
إزاء الآثار السلبية لقوانين الإنتخاب المتعاقبة في لبنان، ولا سيما القانون الحالي، طُرِحت مشاريع متعددة لتحل مكانه.
112 ـ تعدد الإقتراحات البديلة للنظام الإنتخابي والتقسيم الحالي للدوائر الإنتخابية ـ نظام التمثيل النسبي ـ التأهل على مستوى القضاء: ورد، في الكتاب الصادر عام /2004/ عن الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الإنتخابات أن البعض أحصى ما يزيد عن ثلاثة وخمسين إقتراحاً بشأن النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر الإنتخابية في لبنان طرحها أصحابها خلال عام /1999/ بناء على الدعوة التي وجهتها حكومة الرئيس سليم الحص التي شكلت لجنة وزارية لتلقي الإقتراحات تمهيداً لصياغــة
مشروع قانون إنتخاب جديد)1(.
لن نتناول بالبحث تفصيلاً كل المشاريع المطروحة إذ يمكن العودة إليها في المرجع المشار إليه، إنما نكتفي هنا بالإشارة إلى أن تلك المشاريع تتراوح بين إتجاهين:
ـ الإتجاه الأول: هو الإبقاء على نظام الإنتخاب الأكثري مع طرح تعديلات على تقسيم الدوائر الإنتخابية بحيث يقسم لبنان إلى عدة دوائر يختلف حجمها بإختلاف أصحاب المشاريع المطروحة.
بالطبع إن مثل تلك المشاريع ليس من شأنها أن تتلافى سلبيات النظام القائم حالياً، وإن كان بعضها يمكن أن يحدّ من بعض السلبيات.
ـ الإتجاه الثاني: هو إلغاء نظام الإنتخاب الأكثري وإعتماد نظام التمثيل النسبي، حيث يجري الإنتخاب على أساس اللائحة المغلقة، ويخصص لكل لائحة عدد من المقاعد بنسبة عدد المقترعين لصالحها.
وتتراوح طروحات دعاة نظام التمثيل النسبي بين جعل لبنان دائرة إنتخابية واحدة أو تقسيمه إلى عدة دوائر كبرى.
إن ميزة هذا النظام تكمن في أنها تسمح لجميع القوى السياسية أن تتمثل في الندوة النيابية بنسبة ما حصلت عليه من أصوات.
ولكن إذا كان هذا النظام يصلح للبلدان العلمانية والعريقة في الديموقراطية التي يقوم التنافس فيها بين الأحزاب على أساس البرامج بحيث أن تفكير الناخب ينصب بإتجاه الحزب وليس بإتجاه المرشح ذاته، فنعتقد أن هذا النظام لا يصلح لتصحيح الوضع القائم والمشكو منه حالياً في لبنان، والسبب في ذلك أنه لا بد من أخذ خصوصية المجتمع اللبناني في هذا المجال.
وبالفعل إن الحياة السياسية وإختيار الناخب لنوابه لا يزال يتأثر بأشخاص المرشحين وبالإنتماءات العائلية والطائفية أكثر مما يتأثر بالأحزاب وبرامجها)1(.
وتبعاً لذلك إن إعتماد نظام التمثيل النسبي سيؤدي إلى قيام تحالفات بين أشخاص وعائلات وقوى سياسية لا يجمعها برنامج واحد ورؤيا موحّدة، لكن تحالفها سيكون ظرفياً ويرتبط بمصالحها الإنتخابية فقط. وقد أثبتت التجارب)2( أن تلك التحالفات مصطنعة، وهو ما يجعل معظم السلبيات المشار إليها ( راجع البند 106 وما يليه) ملازمةً لنظام التمثيل النسبي.
بالإضافة إلى ما تقدّم تبقى هناك مشكلة أمام إعتماد نظام التمثيل النسبي تتعلق بالتوزيع الطائفي )3( والمناطقي للمقاعد النيابية.
وفي محاولة للتوفيق بين الإتجاهين السابقين طرح في بعض المشاريع المزج بين القضاء والمحافظة كدائرة إنتخابية على أساس أن يتم التأهيل ضمن القضاء ليصار إلى الترشيح والإنتخاب بعد ذلك على أساس المحافظة.
ونعتقد أن هذا الطرح من شأنه أن يزيد سلبيات قانون /1960/ بحيث يضيف إليها سلبيات القوانيـن التــي صـدرت بعد عام/1992/ ( راجع البند 103 وما يليه)، وآية ذلك أن هذا الطرح إذا كان ينطلق ظاهراً من معيار واحد إلاّ أن هذا المعيار يقوم على أرضية جغرافية لا على أرضية تمثيلية، وهو لا يصلح بالتالي لإعتماده كمعيار للتمثيل الشعبي لأن هناك أقضية خصصت بمقعدن في حين أن أقضية خصصت بثمانية مقاعد ( راجع البند 108) والقول نفسه ينطبق على المحافظات.
إن التأهيل على صعيد القضاء سيؤهل أصحاب « فانات » يختلف عدد «ركابها» بين «فان» وآخر.
ولكن الأسوء من ذلك أن أصحاب « الفانات » ذاتهم الذين سيتأهّلون مع ركاب « الفان » الخاص بكل منهم لن يكونوا قادرين على إيصال ركاب « الفان » إلى آخر الطريق أي الى مجلس النواب، إذ إن الوصول إلى المجلس يصبح متوقفاً على أصحاب « البوسطات » الكبيرة وحدهم، لأن « الفانات» التي بإستطاعتها الفوز على صعيد المحافظة هي فقط تلك التي يقبل صاحب « البوسطة » الكبيرة أن ينقل ركاب« الفان » إليها، مع ما في ذلك من ضرب لصحّة التمثيل الشعبي وقواعد العيش المشترك!
لذلك فأننا نقترح نظاماً جديداً للإنتخابات من شأنه أن يتلافى سلبيات القانون القائم حالياً، ويراعي في نفس الوقت المبادئ التي أقرها الدستور والمفترض بقانون الإنتخاب أن يراعيها. والنظام المقترح يقوم على المزج بين الدائرة الفردية وبين جعل لبنان كله دائرة واحدة.
الفقـرة الثانيــة: الـنظـام الـمقتــرح للإنتـخابـات
ـ دائرة فردية ضمن لبنان دائرة واحدة ـ
113 ـ التعريف بالنظام المقترح: تعني الدائرة الفردية أن يقسم لبنان إلى دوائر إنتخابية بقدر عدد النواب في المجلس، وهذا يعني أنه على ضوء القانون الحالي يجب أن يُقْسم لبنان إلى مئة وثمانٍ وعشرين دائرة إنتخابية، وهذا هو النظام المتبع في فرنــسا منذ عام /1986/ حيث تُقْسم فرنسا إلى /577/ دائرة إنتخابية)1( ويتم الترشـيح على أسـاس الدائـرة الفردية، ومن ثم فإن الدائرة الإنتخابية هنا تكون أصغر الدوائر الإنتخابية.
وفي نفس الوقت يعتبر لبنان بكامله دائرة إنتخابية واحدة إلى جانب الدوائر الفردية المئة وثمانٍ وعشرين دائرة.
ويُعْطى المواطن حق الإنتخاب على صعيد الدائرة الفردية وعلى صعيد الوطن بكامله. ومن ثم يكون لكل مواطن لبناني أن ينتخب في الدائرة الفردية المسجل إسمه في قوائمها الإنتخابية مرشحاً من بين المرشحين في دائرته وهو ما يعرف بطريقة الإنتخاب المنفرد (Scrutin Uninominal) وفي نفس الوقت ينتخب مرشحاً آخر من بين المرشحين في باقي الدوائر الإنتخابية في لبنان.
وهذا يعني أن المواطن يشارك في إنتخاب النائب في الدائرة الفردية المسجل إسمه فيها وفي نفس الوقت يشارك في الإنتخاب على صعيد الوطن بكامله وذلك بإعطائه الحق لأن يصوت إلى مرشح آخر من غير دائرته.
وبمعنى أوضح يكون لكل مواطن وفي دائرته الفردية أن يقترع لمرشحين إثنين، أحدهما من بين المرشحين في تلك الدائرة والثاني من بين المرشحين في أية دائرة أخرى في لبنان.
وتبعاً لذلك تجري الإنتخابات في لبنان كله في يوم واحد حتى يتمكّن الناخب من أن يصوّت لمرشحين إثنين بالشكل المذكور أعلاه
وقد يتراءى للبعض أن إعطاء الناخب حق التصويت لمرشح في دائرته الفردية ولمرشح آخر من أية دائرة أخرى في لبنان يعطي الأرجحية للأصوات من خارج الدائرة الفردية لأن عدد الناخبين في لبنان يفوق بمئة وثمانٍ وعشرين مرة عدد الناخبين في الدائرة الفردية.
ولكن الواقع هو خلاف ذلك لأن حظ المرشح في الحصول على صوت واحد من خارج دائرته الفردية يقلً بمئة وثمانٍ وعشرين مرة عن حظه بالحصول على صوت من داخل الدائرة الفردية كونه يتنافس خارج الدائرة الفردية مع المرشحين في كل لبنان، في حين أنه يتنافس داخل الدائرة الفردية مع المرشحين فيها فقط.
وبالفعل إذا كان من حق الناخب أن يقترع لمصلحة مرشح واحد من داخل دائرته الفردية، فإنه بالمقابل ليس من حقه أن يقترع إلاّ لمرشح واحد من بين كل المرشحين في جميع الدوائر الأخرى أي في المئة وثمانٍ وعشرين دائرة الموجودة في كل لبنان.
ولكن يبقى هناك محذور بأن يسيء البعض إستخدام النظام المقترح وذلك من خلال التكتل على صعيد لبنان لإسقاط مرشح داخل دائرته الفردية عبر التصويت لمرشح منافس له بالرغم من عدم وجود مؤيدين للأخير في تلك الدائرة
تلافياً للمحذور المتقدم ومراعاة لمبدأ التمثيل المناطقي (راجع البند 100) لا بد من وضع معيار تأهيلي للفوز عن الدائرة الفردية بحيث لا يجوز أن يفوز عنها إلاّ واحداً من المرشحين الذين نالوا نسبة معينة من الأصوات فيها، كأن يحصل المرشح على نسبة 25% من أصوات الناخبين الذين شاركوا في الاقتراع أو 10% من عدد الناخبين المسجلين في الدائرة.
ومن ثم فإن المرشحين الذين نالوا النسبة المذكورة أعلاه من أصوات الناخبين في دائرتهم الفردية هم وحدهم المؤهلون للفوز بالمقعد المخصص لتلك الدائرة، أمّا المرشح الذي لم يحصل على تلك النسبة فيكون غير مؤهل للفوز ويعلن خاسراً مهما بلغ عدد الأصوات التي حصل عليها في بقية الدوائر
وتبعاً لذلك تجمع الأصوات التي حصل عليها المرشحون الذين نالوا النسبة المؤهلة للفوز في دوائرهم الفردية مع الأصوات التي نالها كل منهم في لبنان بكامله، ويعلن فائزاً عن كل دائرة المرشح الذي حصل على العدد الأكبر من الأصوات
وإذا لم يحصل إلاّ مرشح واحد داخل الدائرة الفردية على النسبة المؤهلة للفوز بالمقعد المخصص لها فيستفيد وحده من الأصوات التي نالها من الدوائر الأخرى ويعلن دون سواه فائزاً عن تلك الدائرة بصرف النظر عن الأصوات التي نالها هو أو غيره من المرشحين في بقية دوائر لبنان.
أمّا إذا لم يحصل أي من المرشحين داخل الدائرة الفردية على عدد الأصوات المؤهلة للفوز عنها، فعندئذٍ يعتبر المرشحان اللذان حصلا على العدد الأكبر من الأصوات فيها هما وحدهما المؤهلان للفوز عنها، ومن ثم يجمع عدد الأصوات التي نالها كل منهما في الدائرة الفردية وفي بقية دوائر لبنان، ويعلن فائزاً من نال العدد الأكبر من تلك الأصوات.
وهذا النظام البسيط يمكن إعتماده في ظل المرحلة الإنتقالية التي تفرض توزيع المقاعد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين أو بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية وإلغاء الطائفية السياسية ( راجع البند اللاحق). كما يمكن
إعتماده لإنتخاب أعضاء مجلس الشيوخ بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية ( راجع البند 115).
114 ـ ملاءمة النظام المقترح في ظل الطائفية السياسة أو بعد إلغائها ـ وهو يسهل السير بإتجاه إلغاء الطائفية السياسية: إن المادّة /95/ من الدستور أبقت في المرحلة الإنتقالية التي تسبق إلغاء الطائفية السياسية على توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين ( راجع البند 74).
ومن ثم يبقى الترشح في الدائرة الإنتخابية مرتبطاً بالطائفة التي خصص المقعد النيابي لها وعلى أساس تقسيم لبنان إلى مئة وثمانٍ وعشرين دائرة إنتخابية بحيث تُحَدّد الطائفة التي يعود لها المقعد في كل دائرة.
ونفترض أن دائرة معيّنة خصص المقعد فيها للطائفة المارونية، عندها يكون المرشحون في تلك الدائرة من الطائفة المارونية دون غيرها من الطوائف.
وعندها يتم الإنتخاب من قبل الناخبين فيها ومن قبل الناخبين في بقية الدوائر بالطريقة التي ذكرناها أعلاه (راجع البند السابق).
ومن ثم يعلن فائزاً المرشح من الطائفة المارونية في تلك الدائرة والذي نال أكثرية الأصوات في دائرته وفي بقية الدوائر في لبنان بكامله.
هذا مثال ويمكن تكرار الأمثلة.
بالطبع إن الدائرة الفردية تؤمن التواصل بين الشعب وبين من يمثله في المحيط الجغرافي الذي يعيش فيه، وتساعد على وصول جميع التيارات إلى الندوة النيابية.
ولكن محذور الدائرة الفردية أنها قد تؤدّي إلى تنامي التيارات المتطرفة كما أنها قد تؤدي إلى جعل النائب ممثلاً لمنطقة جغرافية ضيقة الأمر الذي يحول دون جعله ممثلاً « للأمة جمعاء» على خلاف ما ورد في المادّة /27/ من الدستور ( راجع البند 100) ومن ثم دون قيام نواب بقامات كبيرة على مستوى الوطن
وتبعاً لذلك يأتي إشراك جميع اللبنانيين في إنتخاب جميع النواب في أية دائرة فردية ليزيل كل المحاذير المُحْكى عنها.
ولا شك في أن جعل لبنان دائرة واحدة تشارك في إنتخاب جميع المرشحين في الدوائر الفردية من شأنه أن يحد من تنامي التيارات المتطرفة لأنه يفرض على المرشح أن يكمل خطابه المحلي، الموجه إلى الناخبين في دائرته الفردية، بخطاب وطني يوجهه إلى جميع أفراد الشعب اللبناني.
كذلك بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية وإقرار عدم تخصيص أي منصب سياسي أو نيابي لأية طائفة، يصبح الترشيح في أية دائرة مفتوحاً أمام جميع المواطنين بصرف النظر عن الإنتماء الطائفي، ويفوز منهم من ينال أكثرية الأصوات في دائرته وفي بقية الدوائر في لبنان.
وهذا النظام من شانه أن يسّهل عملية إلغاء الطائفية السياسية في المجلس النيابي ومن ثم قيام هذا المجلس على أساس وطني لا طائفي دون أن تكون هناك أية محاذير بالنسبة لأية طائفة أو منطقة، وآية ذلك أن الدائرة الفردية ستقود بالنهاية إلى إيصال ممثلين لجميع الدوائر الفردية طالما أن أصوات الناخبين المسجلين في تلك الدائرة ستكون عاملاً مرجّحاً في الفوز
وبالفعل إن نتائج التصويت على صعيد لبنان بأكمله لن تعدل نتائج التصويت على صعيد الدائرة الفردية إلاّ في حالات قليلة أَخَصُّها ثلاثة:
ـ الحالة الأولى: عندما يكون عدد الأصوات التي نالها المرشحون المتنافسون في الدائرة الفردية متقارباً.
ـ الحالة الثانية: عندما يكون لأحد المرشحين في إحدى الدوائر الفردية قامة وطنية تساعده على حصد عدد كبير من الأصوات خارج الدائرة الفردية التي ترشح فيها.
ـ الحالة الثالثة: إذا كان للمرشّح في الدائرة الفردية إمتداد حزبي في بقية مناطق لبنان، وقرر الحزب التصويت له، وهذا يشجع على التحوّل تلقائياً بإتجاه الإنخراط في الأحزاب الوطنية على صعيد لبنان بأكمله ( راجع البند 117).
وإذا كان النظام المقترح يصلح سواء في ظل إعتماد توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وسواء بعد إلغاء التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية وتالياً إنشاء مجلس للشيوخ يمثل العائلات الروحية، فإن هذا النظام يصلح أيضاً لتطبيقه على إنتخاب مجلس الشيوخ ذاته.
115 ـ ملاءمة النظام المقترح لإنتخاب أعضاء مجلس الشيوخ العتيد: إن المادّة /22/ من الدستور كما عدلت بالقانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني أقرت إستحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية ( راجع البند 84 والبند 96).
وطالما أن هذا المجلس يمثل العائلات الروحية، أي الطوائف، على غرار المجالس الإتحادية في الدول الإتحادية ( راجع البند 17 والبند 96)، فلا بد أن يُراعى في وضع النظام الخاص بإنتخابه مبدأ تمثيله للطوائف، ومن ثم يجب أن يحصر إنتخاب الشيوخ بالنسبة لكل طائفة بأبناء الطائفة وحدهم حتى يأتي هذا المجلس ممثلاً للطوائف ذاتها كما هو الحال مع المجالس الإتحادية التي تمثل الدول الأعضاء في الدولة الإتحادية.
وتبعاً لذلك يصح القول إنه لكي يأتي التمثيل سليماً بالنسبة للطوائف لا بد من إشراك جميع أبناء الطائفة في إنتخاب ممثلي الطائفة، مع الإبقاء على توزيعهم نسبياً بين جميع المناطق التي يتواجد فيها أبناء الطائفة.
وهنا يمكن إعتماد النظام المقترح ذاته بالنسبة لإنتخاب الشيوخ، بحيث يكون لبنان كله دائرة واحدة بالنسبة لكل طائفة وفي نفس الوقت توزع المقاعد جغرافياً داخل الطائفة الواحدة على أساس الدائرة الفردية.
ومن ثم يجري الإنتخاب بالنسبة لممثلي كل طائفة على أساس الدائرة الفردية وعلى أٍساس لبنان كله دائرة إنتخابية، بحيث يكون لكل مواطن من كل طائفة أن ينتخب من أبناء طائفته شيخاً في دائرته الفردية وشيخاً من كل لبنان.
بالطبع إن عدد الدوائر الفردية هنا لا بد أن يكون أقل من عدد الدوائر الفردية بالنسبة لإنتخاب مجلس النواب؛ ولكن سيكون هناك أكثر من دائرة فردية في نفس المنطقة الجغرافية عند تعدد الطوائف الموجودة في نفس المنطقة.
ومن ثم يمكن دمج دائرتين فرديتين أو أكثر من الدوائر الفردية المخصصة لإنتخاب أعضاء مجلس النواب وجعلها دائرة فردية واحدة لإنتخاب عضو مجلس الشيوخ.
وهذا يعني أن تقسيم الدوائر الفردية هنا سيكون مختلفاً بين طائفة وأخرى تبعاً لإختلاف عدد الناخبين في كل طائفة المسجلين في ذات المحافظة أو القضاء.
ولكنها تبقى مسألة إدارية وإحصائية لا يمكن أن تشكل عائقاً أمام تطبيق المبدأ.
116 ـ إن النظام المقترح ينطلق من معيار واحد يراعي المبادئ التي يفترض بقانون الإنتخاب أن يراعيها حسب النص الدستوري وهو يلبي طلبات المعترضين ووعود المسؤولين: إن أهم الإنتقادات التي كانت توجه لقوانين الإنتخاب المتعاقبة في لبنان هي عدم إنطلاقها من معيار واحد يطبق على جميع الناخبين والمرشحين ومن ثم إخلالها بمبدأ المساواة بينهم.
وإزاء تعدد الطروحات كان المسؤولون السياسيون يفكرون دوماً بصيغة جديدة لقانون الإنتخاب تتلافى عيوب القوانين السابقة وتؤمن المساواة بين اللبنانيين وتعتمد معياراً واحداً في تقسيم الدوائر الإنتخابية.
وكانت حكومة الرئيس سليم الحص وجهت دعوة عام /1999/ لتقديم المقترحات حول قانون الإنتخاب وكلفت لجنة وزارية بتلقي هذه الإقتراحات تمهيداً لصياغة مشروع قانون إنتخاب جديد ( راجع البند 112).
إلا أنه بكل أسف بدل أن تسفر تلك الدعوة عن صدور قانون للإنتخاب يتلافى عيوب القوانين السابقة، صدر القانون رقم 171/2000 وهو القانون المعمول به عند إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، ولكن هذا القانون إعتمد ذات المبادئ التي كانت معتمدة في القوانين السابقة ( راجع البند 104).
ومن ثم بقيت الشكوى لدى قسم كبير من الشعب اللبناني وبالأخص من أبناء الطوائف المسيحية من عدم عدالة قانون الإنتخاب وعدم صدق التمثيل بالنسبة للمشتكين، وهذا ما عبّر عنه تكراراً البطريرك الماروني الكاردينال صفير وهو ما أكّده في حديث أدلى به إلى إذاعة « سوا » الأميركية بالقول، أنه يأمل أن يكون قانون الإنتخاب عادلاً وأن تكون فيه صلة بين الناخب والمرشح)1(.
وتبعاً لذلك كثرت الوعود بإصدار قانون إنتخاب جديد، والآمال معلقة على الحكومة العتيدة التي يتوقع تشكيلها بعد التمديد للرئيس لحود ثلاث سنوات.
وبالفعل إن الرئيس إِميل لحود، في تحديده لبرنامج المرحلة المقبلة من عهده بعد التمديد له لمدة ثلاث سنوات جديدة، أورد ضمن أولويات هذا البرنامج « إقرار قانون إنتخاب لا يميز بين منطقة وأخرى ويضمن التمثيل
الحقيقي »)1(، وقد كـرّر الرئيس لحود موقفه بتاريخ 29/9/2004 لدى إستقباله بطريرك الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام على رأس وفد من مطارنة الطائفة جاء لتهنئته بمناسـبة تمديد ولايته لمدة ثلاث سنوات، وبالفعل قال الرئيس لحود « إن قانون الإنتخاب الجديد يجب أن يعكس تمثيلاً حقيقياً للبنانيين، ويحقق المساواة بين كل الدوائر الإنتخابية، فلا يفصّل على قياس هذا الزعيم أو ذاك، علماً إن النواب المنتخبين هم نواب كل لبنان وتتحكم بمواقفهم وتصرفاتهم الإعتبارات الوطنية وليس الطائفية أو المناطقية»)2(.
كما نقل النواب عن الرئيـس بري في لقائه معهم يوم الأربعاء بتاريخ 9/9/2004، قوله أن « ما لمسه من لحود والحريري علـى السواء لجهة السعي إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة الأخير وذلك في مدة أقصاها نهاية أيلول الجاري» وقد أعطاهم مثل هذه الأرجحية وقال « إن أمام الحكومة الجديدة مهمات عاجلة أهمها قانون الإنتخاب ... ».
وعن القانون الجديد للإنتخاب أكّد بري أن الحاجة هي إنجازه قبل نهاية السنة على أبعد تقدير، داعياً النواب إلى « التمسك بإصرار على إعتماد مقياس واحد للدوائر الإنتخابية في لبنان والخروج من القوانين التي تتضمن في كل منطقة دائرة مختلفة عن الأخرى »)1(.
وهنا نسلط الضوء قوياً على القول بوجوب «التمسك بإصرار على إعتماد مقياس واحد للدوائر الإنتخابية في لبنان كله» فهذا القول هو بيت القصيد فيما قلناه حول ضرورة توحيد المعيار في تقسيم الدوائر الإنتخابية.
ولكننا أضفنا أن المعيار الواحد يجب أن ينطلق من أرضية تمثيلية ـ إنتخابية وليس من أرضية جغرافية ـ إدارية(راجع البندين104و108)، وذلك حتى يأتي قانون الإنتخاب مراعياً للمبادئ التي أقرها الدستور بهذا الشأن وتلك المبادئ هي: المساواة بين جميع المواطنين ناخبين ومرشحين، مراعاة التمثيل المناطقي والعيش المشترك، وأن يكون النائب ممثّلاً للأمة جمعاء ( راجع البند 100).
وإذا تمعّنا في النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر المقترح من قبلنا نجد أن هذا النظام والتقسيم يؤمن المبادئ الدستورية المُحْكى عنها، وبالفعل:
ـ لجهة مبدأ المساواة، يؤمن النظام المقترح المساواة التامة بين المواطنين بحيث يكون حق الإنتخاب بالنسبة لكل مواطن ومدى هذا الحق واحداً لا فرق بين مواطن وآخر في مدى حقه في تكوين المجلس النيابي، كما يؤمن هذا النظام المساواة التامة بين المرشحين بحيث تكون أعباء الترشيح والجهود المطلوبة من قبل جميع المرشحين هي ذاتها كون الدائرة الإنتخابية واحدة والنظام الإنتخابي هو واحد بالنسبة للجميع.
ـ ولجهة مراعاة مبدأ تمثيل النائب للأمة جمعاء ومراعاة التمثيل المناطقي والعيش المشترك، يؤمن النظام المقترح تحقيق تلك المبادئ كونه يراعي التمثيل المناطقي والعيش المشترك ضمن مختلف المناطق عبر الدائرة الفردية، ويُشْرك في نفس الوقت جميع أفراد الشعب اللبناني في إنتخاب جميع أعضاء المجلس النيابي.
وبالإضافة إلى ذلك فإن النظام المقترح من شأنه أن يتلافى السلبيات العالقة بتقسيم الدوائر الإنتخابية وفقاً للقانون المعمول به حالياً وما سبقه من قوانين.
117 ـ النظام المقترح يحقق فوائد الدائرة الفردية وفوائد التمثيل النسبي والتأهيل في الدائرة الصغرى ويتلافى عيوب الثلاثة ومن ثم يحقق عدالة وصحة التمثيل وهو يشجع على الإنخراط في الحياة الحزبية على أساس وطني: لا شك في أن الدائرة الفردية تحقق تمثيل كل المجموعات والقوى السياسية الموجودة في البلاد بشكل أفضل.
ولكن نظام الدائرة الفردية قد لا يتيح لقوى سياسية وحزبية موجودة على كامل أرض الوطن، أن تصل إلى الندوة النيابية إذا كانت لا تستطيع أن تجمع أكثريةً كافيةً في أية دائرة من الدوائر الفردية أو الدوائر الصغرى أو الكبرى طالما أن النظام يعتمد للفوز نظام الأكثرية، في حين لو جمعت الأصوات التي يمكن أن تنالها تلك القوى في لبنان لكان بالإمكان أن تفوز بعدد من المقاعد يتناسب وعدد الأصوات التي تحصل عليها في مختلف الدوائر الصغرى، وعلى هذا الأساس وجد نظام الإنتخاب في الدوائر الكبرى وعلى أساس التمثيل النسبي حتى يحقق تمثيلاً لمختلف القوى السياسية القائمة في المجتمع.
وقد ذكرنا العيوب التي يمكن أن ترافق إعتماد نظام التمثيل النسبي في لبنان ( راجع البند 112)، في حين أن النظام المقترح يحقق فوائد نظام الإنتخاب الأكثري في الدائرة الصغرى أو الفردية وفي ذات الوقت يحقق فوائد نظام التمثيل النسبي، وهو يتلافى في ذات الوقت عيوب الإثنين.
وبالفعل إن إعتماد الدائرة الفردية من شأنه أن يتيح تمثيلاً صحيحاً لكل القوى السياسية والحزبية مهما صغرت المساحة التي تتمركز فيها قوتهم الشعبية، كما يتيح في نفس الوقت لكل القوى السياسية والحزبية أن تتمثل في الندوة بقدر قوتها الحقيقية في كل لبنان.
ونعطي المثال التالي: حزب أو تيار سياسي معين له في مختلف أنحاء لبنان مناصرون بإستطاعتهم الفوز بمقعدين فقط في كل لبنان لو إتبع نظام التمثيل النسبي. إن النظام المقترح يتيح لهذا الحزب أو التيار أن يفوز أيضاً بمقعدين وفقاً لما يلي:
يرشح إثنين من أعضائه في دائرتين فرديتين يكون له فيهما العدد الأكبر من المناصرين، وفي نفس الوقت يوزع أصوات مناصريه في بقية المناطق على هذين المرشحين.
وهذا يعني أن الناخب المناصر للحزب في الدائرتين الفرديتين اللتين ترشح في كل منهما مرشّح للحزب سيصوّت لمرشّح الحزب ولمرشّح آخر في لبنان، وفي نفس الوقت سيصوّت الناخب المناصر للحزب في بقية الدوائر الفردية في لبنان لمرشّح في كل من تلك الدوائر ولأحد مرشّحي الحزب في إحدى الدائرتين التي يوجد فيها مرشّح للحزب
ومن ثم بجمع الأصوات التي نالها كل من مرشحي الحزب في الدائرة الفردية التي ترشح فيها مع الأصوات التي نالها في لبنان كدائرة واحدة، يصبح بإمكانه أن يحقق فوزاً بنفس النسبة التي يحققها له نظام التمثيل النسبي.
ولا شك في أنه لن تقوم بوجه النظام المقترح أية عقبات تتعلق بالتوزيع الطائفي)1( أو المناطقي للمقاعد النيابية مثل العقبات التي تبقى قائمة أمام إعتماد نظام التمثيل النسبي( راجع البند 112).
كما أن اشتراط الحصول على نسبة معينة من أصوات الناخبين في الدائرة الفردية (راجع البند 113 مكرر) يحقق فوائد التأهيل على مستوى الدائرة الصغرى في ظل النظام المقترح الذي يجعل لبنان بكامله دائرة واحدة إلى جانب الدائرة الفردية
بالطبع إن النظام المقترح سيدفع المرشحين تلقائياً بإتجاه الإنخراط في الأحزاب الوطنية، وآية ذلك أن إعطاء كل مواطن حق التصويت لمرشّح من خارج دائرته الفردية سيجعل المرشّح في أية دائرة يجهد للحصول على أصوات من خارج دائرته، وإذ إن الإلتزام الحزبي يكون أكثر صرامة وفعالية من الإلتزام الطائفي أو العائلي أو الشخصي، فإن المرشحين سيتجهون تلقائياً إلى الإنخراط في الحياة الحزبية على صعيد الوطن بكامله من أجل تأمين عدد أكبر من الأصوات خارج الدائرة الفردية.
ومن ثم سيجد النائب نفسه مدفوعاً إلى التفكير بخطاب وطني بدلاً من حصر نشاطه في الدائرة الصغرى التي ترشّح عنها وتالياً هدر وقته بالقيام بالواجبات الإجتماعية من أفراح وأتراح في دائرته!
118 ـ النظام المقترح يطلق حرية الناخب في الإختيار والنائب في التقرير وينميّ الممارسة الديموقراطية ويقود تلقائياً إلى عدم حصر القرار بموضوع السيادة الشعبية بيد عدد محدود من القادة السياسيين: كلما صغرت الدائرة الإنتخابية وقلّ عدد المرشحين الذين يجوز للناخب التصويت لهم كلما شعر الناخب أكثر بأهمية صوته.
وتبعاً لذلك وطالما أن النظام المقترح يسمح للناخب بالتصويت لمرشحين فقط أحدهما في دائرته والآخر يختاره من بين جميع المرشحين في الدوائر الفردية الأخرى في لبنان، فلا شك في أن الناخب سيشعر بأهمية الإدلاء بصوته، كما سيكون متحرّراً من أي قيد في إختيار المرشحين اللذين سيصوت لهما، بعكس ما هو عليه الحال عندما تكون المنافــسة قائمة بين لوائــح كبـــرى قد لا يعرف الناخب أكثر أعضائها! ( راجع البند 111).
ولا شك في أن شعور الناخب بأهمية صوته والإفساح في المجال أمامه للإدلاء بصوته لمن يختار من مرشحين هم على قدم المساواة في ظروف النجاح أو الفشل، سيدفعه أكثر نحو التصويت بحرية كاملة ومن ثم سيدفعه أكثر بإتجاه الممارسة الديموقراطية الحقيقية.
كما أن النائب سيتحرر من أي قيد في القرارات التي يتخذها داخل مجلس النواب لأنه سيشعر أن وصوله إلى الندوة النيابية كان بفضل أصوات الناخبين في دائرته الصغرى وفي لبنان بكامله وليس بفضل إنضمامه الى اللائحة
كذلك إن الوصول إلى المجلس النيابي عبر الدائرة الفردية وعبر لبنان كله الذي يصوت لنائب واحد من خارج الدائرة الفردية، سيوسّع دائرة من بيدهم القرار بموضوع السيادة الشعبية بدل أن يبقى القرار محصوراً بيد عدد محدود من الأشخاص)1(( راجع البند 109).
ولا شك في أن السيادة الشعبية تبقى متحققة بشكل أفضل كلما إتسعت دائرة المشاركين في صنع القرار المتعلّق بها، وليس أدلّ على ذلك من القرارات التي يشارك الشعب بكامله في صنعها عبر إعتماد طريقة الإستفتاء الشعبي في الديموقراطيات العريقة ( راجع البند 99).
119 ـ إن النظام المقترح ينهض بالبلد إلى مستوى الديموقراطية الراقية بدلاً من الجدل حول الديموقراطية العددية أو التوافقية، وهو يصلح لأن يطبق على الإنتخابات البلدية: يتخوّف البعض من إحلال « الديموقراطية العددية » التي قد تفضي إلى تفوّق الطائفـة، التي تفـوق غيرها عدداً، على بقية الطوائف في الحياة السياسية بنتيجة إلغاء الطائفية السياسية، ومن ثم يتمسك هذا البعض بالإبقاء على ما سُمّي إصطلاحاً « الديموقراطية التوافقية » التي ترتبط بالطائفية السياسية، وتالياً توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
ونعتقد أن الأصح هو التمسك بالديموقراطية الحقيقية أو « الديموقراطية الراقية » كما جاء في مداخلة للأستاذ جبران تويني في برنامج كلام الناس)1(مساء الخميس بتاريخ 30/9/2004 خلال حلقة استضاف فيها الأستاذ مرسال غانم نائب رئيس مجلس النواب الأستاذ إيلي الفرزلي وعضو لقاء قرنة شهوان الأستاذ سمير فرنجية
قال الأسـتاذ جبران تويني)2( ما مفاده أنه من الأفضـل الكلام عن
«الديموقراطية الراقية» بدلاً من الكلام « الديموقراطية العددية » أو « الديموقراطية التوافقية »؛ وبالفعل إن الديموقراطية هي الديموقراطية، أي هي حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب ( راجع البند 43) ومن ثم يبقى البحث عن وسائل سليمة لتحقيق الديموقراطية الحقيقية و « الراقية »، وأهم تلك الوسائل قانون الإنتخاب و النظام الإنتخابي الذي يعتمده.
ولا شك في أن النظام الإنتخابي المقترح يمكن أن يحقق الديموقراطية بشـكل حقيقي وسـليم لأنه سـيقود تلقائياً إلى تمثيل حقيقي
وصادق لمختلف الفئات التي يتكون منها المجتمع اللبناني ( راجع البندين 117 و121).
أكثر من ذلك يمكن تطبيق النظام المقترح على صعيد الإنتخابات البلدية، وهو سيقود حتماً الى تأمين تمثيل جميع العائلات و الأحياء والطوائف في جميع المجالس البلدية وفي مختلف المدن والقرى بينما نلاحظ أن « الديموقراطية التوافقية » فشلت في تأمين مثل هذا التمثيل
وبالفعل كانت تطرح خلال الإنتخابات البلدية مسألة مراعاة تمثيل جميع العائلات الروحية في المدن والبلدات التي يتفاوت فيها عدد الناخبين الذين ينتمون الى أكثر من طائفة، وكان التوافق يتم أحياناً بين القيادات السياسية أو وجهاء البلدة على مراعاة تمثيل جميع العائلات الروحية بنسبة عدد كل منها في البلدة أو المدينة، ولكن جاءت نتائج الإنتخابات في بعض البلديات مخيّبة للآمال.
كذلك في البلديات التي كان الناخبون فيها من لون طائفي واحد، كان يتم التوافق بين وجهاء البلدة على توزيع المقاعد البلدية على العائلات والأحياء بنسبة عدد أبناء كل عائلة أو كل حي؛ ولكن جاءت نتائج الإنتخابات في بعض البلديات مخيّبة للآمال أيضاً إذ لم يصل أي مرشّح من بعض العائلات أو الأحياء لعضوية المجلس البلدي، رغم أن توافق وجهاء البلدة كان بإتجاه مراعاة تمثيل جميع الأحياء والعائلات.
وتلافياً للمحاذير المُحْكى عنها يمكن تطبيق النظام المقترح للإنتخابات النيابية ( راجع البند 113) على صعيد الإنتخابات البلدية بحيث تقسم الأحياء داخل كل بلدة أو مدينة إلى دوائر فردية، إنطلاقاً من توزيع الأقلام فيها، ويكون لكل ناخب أن يصوت لمرشّح من دائرته ولمرشّح آخر من البلدة أو المدينة في أية دائرة أخرى.
وهذا النظام يجعل المجلس البلدي ممثلاً لجميع العائلات والأحياء والطوائف الموجودة في البلدة أو المدينة، فتتحقّق بذلك الديموقراطية الحقيقية التي عجزت الديموقراطية التوافقية عن تحقيقها؛ أكثر من ذلك إن النظام المقترح سيحقق صحّة وصدق التمثيل في المجالس البلدية تلقائياً وبدون مِنّة من أحد، وهو سيقود الى وفاق وطني حقيقي حتى على صعيد العمل البلدي
120 ـ النظام المقترح يسهل تلقائياً الوفاق الوطني لأنه لن تبقى أية مجموعة تشكو من غبن في تمثيلها وتالياً في مشاركتها بالسلطة: إن الجمهورية الثانية في لبنان بدأت مع صدور القانون الدستوري رقم /18/ بتاريخ 21/9/1990 ( راجع البندين 3 و 74 )، وقد سبق صدور هذا القانون الدستوري حرب بين اللبنانيين إمتدت على عقدين من الزمن، كانت في جانب منها تتعلّق بعدالة المشاركة في السلطة.
والقانون الدستوري رقم 18/90 صدر تطبيقاً لوثيقة وافق عليها النواب اللبنانيون في الطائف وقد أسميت « وثيقة الوفاق الوطني » تدليلاً على وفاق اللبنانيين جميعاً بعد الأحداث المؤلمة التي عصفت بهم وبالوطن.
وبعد أن تمت موافقة النواب اللبنانيين على الوثيقة ونشرتها الصحف في لبنان بتاريخ 23/10/1989، صدر بتاريخ 24/10/1989 عن اللجنة الثلاثية العربية العليا التي كانت تواكب إجتماعات النواب في الطائف، بيان ختامي ورد فيه أنه « يسر اللجنة أن تعبّر عن تقديرها الكبير بالإنجاز التاريخي الضخم الذي توصل إليه النواب اللبنانيون والذي أكّد وحدتهم وأثبت حرصهم على قيام الدولة على أساس الوفاق الوطني... ».
وقد إستبشر اللبنانيين خيراً بهذا الوفاق كما ورد في خطاب أول رئيس منتخب بعد صدور القانون الدستوري رقم 18/90، وهو الرئيس رينيه معوض، إذ ورد في هذا الخطاب « في عهد الوفاق الوطني الطالع علينا، لنا موعد أكثر مع التضامن والتكافل الإجتماعي القائم على الإنماء والإصلاح، تحقيقاً للمساواة بين المناطق وضماناً لمستوى لائق لتقديمات الدولة وخدماتها »)1(.
كما جاء في رسالة الرئيس رينيه معوض إلى اللبنانيين عشية الذكرى السادسة والأربعين للإستقلال وعشية إغتياله « أن لا وطن ولا دولة ولا كيان دون وحدة الشعب، ولا وحدة دون وفاق، ولا وفاق دون مصالحة، ولا مصالحة دون تسامح وتضحية، ولا شيء من كل هذا دون إيمان ومحبة. لذلك فإن دعوتي الأولى هي المصالحة لتعميم الوفاق ...»)2(
وإثر اغتيال الرئيس رينيه معوض بعد فترة قليلة من إنتخابه، تمّ انتخاب الرئيس إِلياس الهراوي رئيساً للجمهورية وتشكلت على الأثر أول حكومة برئاسة الرئيس سليم الحص التي استهلّت بيانها الوزاري على أنها حكومة الوفاق الوطني، وبالفعل بدأ البيان الوزاري بمخاطبة النواب بالقول « هذه الحكومة بتكوينها وأهدافها وخطة عملها هي حكومة الوفاق الوطني التي نصت على قيامها وثيقة الوفاق الوطني...»)1(.
ولكن بعد مرور عقد ونصف من الزمن على وثيقة الوفاق الوطني وتشكيل حكومة وفاق وطني، عاد هذا الوفاق القهقرى إلى الوراء بحيث أصبح أُمنية عند البعض كما جاء في كلام الوزير السابق الأستاذ فؤاد بطرس بعد زيارته للبطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير بتاريخ 17/9/2004 حيث قال:
« تمنياتي إذا أردت أن أكون واقعياً وصريحاً هي حصول وفاق بين اللبنانيين بالمعنى الصحيح وليس بالتكاذب والمجاملات الفارغة، والمطلوب وفاق بالمعنى الصحيح يتعمق في الأمور كلها»)2(.
وهذا ما أكّده أيضاً الإعلان الصادر عن « اللقاء الديموقراطي » برئاسة الاستاذ وليد جنبلاط الصادر بتاريخ 21/4/2004 تحت بند الوفاق
الوطني وإتفاق الطائف »)3(.
كما أن رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري أعلن بتاريخ 19/9/2004 وفي مناسبة مهرجان « عيد التبغ » نصيحة للجميع « بالعودة إلى التوافق ووحدة الصف » وقد أوردت جريدة النهار بتاريخ 20/9/2004 خطاب الرئيس بري كاملاً وأوردت في الصفحة الأولى منها أن « بري مع حكومة وفاق وطني »)4(.
والواقع أن قانون الإنتخاب كان أهم الأسباب التي دفعت الكثيرين للتشكيك بقيام وفاق وطني حقيقي وفقاً لما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني في الطائف.
وبالفعل إن وثيقة الوفاق الوطني تضمنت تحت عنوان « قانون الإنتخابات النيابية » أن هذا القانون يفترض أن « يراعي قواعد العيش المشترك ويؤمن صحّة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل».
ولا شك في أن قوانين الإنتخاب التي تعاقبت بعد وثيقة الوفاق الوطني لم تراعِ تلك المبادئ، في حين أن النظام المقترح يحقق تلك المبادئ ويقود تلقائياً إلى المساعدة على تحقيق الوفاق الوطني، لأن هذا النظام يراعي قواعد العيش المشترك ويتيح لمختلف المجموعات والقوى السياسية مهما صغر حجمها ولأية طائفة إنتمت أن تتمثل في الندوة النيابية بقدر حجمها الحقيقي، وهذا يقود حتماً إلى تمثيل صحيح داخل المجلس.
وقد أشار الإعلان الصادر عن « اللقاء الديموقراطي » المذكور أعلاه تحت بند « قانون الإنتخاب » إلى أن الدائرة الصغرى)1( هي التي تؤمن أخذ « تركيبة المجتع اللبناني وتنوّعه » بعين الإعتبار وهي التي « توفّر إمكان التواصل بين الناخب والنائب، وتؤسس لتطوير الحياة السياسية وتثبيتها على قيم الديموقراطية السليمة »
ولا شك في أن النظام المقترح سيجمع داخل مجلس النواب ممثلين عن مختلف الفئات والقوى الشعبية التي يتكون منها المجتمع اللبناني، بحيث يصبح المجلس بذاته معبراً عن تلاقي جميع اللبنانيين داخل المؤسسات الدستورية الأمر الذي يسهّل تلقائياً تحقيق عملية الوفاق الوطني الحقيقي طالما أنه لن تبقى أية مجموعة تشكو من عدم تمثيلها وتالياً من عدم مشاركتها بالسلطة.
121 ـ خلاصة القسم الأول ـ تأييد خيار وثيقة الوفاق الوطني للجمهورية الثالثة والتي كان يفترض أن تبدأ منذ مطلع عهد الإستقلال ولكن كمرحلة إنتقالية: إن الجمهورية الأولى التي إستمرت منذ صدور الدستور اللبناني عام /1926/ ولغاية عام /1990/ تاريخ صدور القانون الدستوري رقم 18/90 أرست توزيع مراكز السلطة على أساس طائفي، وقد عُرِف هذا التوزيع بالطائفية السياسية.
وهذا التوزيع لمراكز السلطة على أساس الطائفية السياسية « لم تتبنّه أمة من الأمم» كما قال النائب منذر، ويهرب منها المواطن « كما يهرب السليم من الأجرب » كما قال النائب داموس، وتبعاً لذلك يمكن القول إن « لا وطنية إلاّ إذا حذفت الطائفية» كما قال النائب طراد)1(.
ولكن بكل أسف ترسخت الطائفية السياسية بعد إعلان الإستقلال عام /1943/، وقد تسببت بأحداث تلاحقت بعد الإستقلال وكان آخرها الأحداث المؤلمة التي عصفت بلبنان منذ مطلع السبعينيات وإستمرت لأواخر الثمانينيات من القرن الماضي، والتي إنتهت بوثيقة الوفاق الوطني التي وقعها النواب اللبنانيون عام /1989/ في الطائف.
وقد أبقت وثيقة الوفاق الوطني ومن بعدها القانون الدستوري رقم 18/90 الذي صدر تطبيقاً لها على الطائفية السياسية، ولكن في مرحلة إنتقالية حيث يشرع بإلغائها منذ إنتخاب أول مجلس نيابي على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وقد حصل ذلك عام /1992/ حيث تمّ إنتخاب أول مجلس نيابي في لبنان على أساس المناصفة.
ولكن خلال المرحلة الإنتقالية من عام 1992 الى عام 2004 « تابعت الجمهورية (الإنتقالية) تنزهها والعقل الدستوري في إجازة »)1( وتصرّف المسؤولون وكأنها هي آخر المطاف في إتفاق الطائف بحيث لم يُشْرع لغاية الآن في العمل على إنهاء المرحلة الإنتقالية والإنتقال الى الجمهورية الثالثة التي تُلْغى معها الطائفية السياسية وتحفظ حقوق الطوائف عبر إنشاء مجلس للشيوخ يمثل الطوائف كطوائف.
ونعتقد أن خيار الطائف بالنسبة للجمهورية الثالثة كان خياراً صائباً لجهة وضع ضمانات للطوائف عبر إنشاء مجلس للشيوخ يمثل « العائلات الروحية » كبديل عن الطائفية السياسية لأن هذا المجلس يحفظ حقوق الطوائف في المشاركة بالسلطة وعلى أساس أن توزيع بقية مراكز السلطة يتم على أساس وطني لا طائفي بحيث يتاح لأي مواطن ولأية طائفة انتمى أن يتولى أي مركز من مراكز السلطة.
كما نعتقد أن خيار الطائف بإلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس للشيوخ يمثل الطوائف كان يفترض أن يبدأ منذ مطلع عهد الإستقلال ولكن كمرحلة إنتقالية تنتهي مع إختيار اللبنانيين بإرادتهم الخضوع لقانون مدني موحد للأحوال الشخصية ( راجع البند 93).
ولكن إذا كان خيار الطائف جاء صائباً في وضع قواعد المشاركة في السلطة وممارستها، يبقى التساؤل عما إذا كان تنظيم السلطة جاء أيضاً صائباً أم لا؟
هذا ما سنبحثه في الجزء الثاني من الكتاب.
فهرس هجائي
( الأعداد تشير إلى أرقام البنود ضمن الكتاب)
أ
إتحادية 8 و 55 وما يليه
ـ -- الطوائف 51 و84
ـ تعريف الـ --60
ـ تناقض الـ -- مع طبيعة
الدولةاللبنانية 61 وما يليه
ـ طبيعة الدولة الـ -- 18
و60
ـ طرح الـ -- في لبنان 8 55
وما يليه
ـ -- مشروع تقسيم 60 ومايليه
ـ مبررات الـ -- 58
ـ مواقف مؤيدة لـ --
56
ـ مواقف معارضة لـ
--59
ـ مبررات الـ -- 60
أحوال شخصية
ـ سلطة الطوائف في الـ --
46 و88 وما يليه
ـ مقترحات لإلغاء –
93
ـ قانون مدني موحد
للـ -- 93 و96
أرض 20 وما يليه
ـ -- الدولة الإتحادية والموحدة
24 و 25
ـ -- الدولة اللبنانية 26
ـ طبيعة –- 28
ـ وحدة -- 27
ـ إلتصاق الشعب بالـ -- 24
ـ تعريف الـ-- 20
ـ دور الـ -- 23
إستفتاء 10 و55 و99 و109
و118
إستقلال
ـ الشعب اللبناني خلال عهد الـ
-- 38 وما يليه
ـ العهود الجمهورية خلال عهد
الـ --3
ـ المشاكل الدستورية خلال عهد
الـ -- 4 و 56 وما يليه
و 74
إصلاح
ـ مشاريع الـ - – 6
إنتخاب ( راجع قانون إنتخاب )
إنتداب فرنسي 3 و35
أيديولوجية
ـ -- دستورية 1 و 43
ـ -- الشعب اللبناني 42 و43
ت
تشريع
ـ تدني مستوى الـ --110
ـ مراحل الـ 105
ج
جمهورية
ـ تقسيم العهود الـ -- في لبنان 3
ـ الـ -- الأولى في لبنان 3
ـ الطائفية السياسية في
الـ --72
ـ مشكلة دستورية في
الـ-- 4
ـ مشاريع إصلاحية في
الـ-- 6و75 وما يليه
ـ الـ -- الثانية في لبنان 3
ـ الطائفية السـياسية فـي الـ --74
ـ مشكلة دستورية في
الـ-- 8
ـ الـ -- الثالثة في لبنان 3
ـ إلغاء الطائفية السياسية
في الـ --84
ح
حدث إجتماعي 19
حرية وحريات
ـ أثر الطائفية السياسية في
الحفاظ على الحـريات
العامة 75
ـ تناقض الحرية مع السلطة 16
ـ حرية النائب 109 و118
ـ حرية الناخب 111 و 118
حقوق عائلية ( راجع أحوال شخصية )
د
دائرة إنتخابية ( راجع قانون إنتخاب )
دستور
ـ الـ ----اللبناني 2
ـ تعديل -- 7 و 9
و74 و84 96 و97
ـ تعريف الـ -- 1
ـ الطائفية السـياسية في
الـ --72 و84 و96
ديموقراطية
ـ-- مباشرة وغير مباشرة 99
ـ أثر الطائفية السياسية في
الحفاظ على الـ -- 75
ـ أثر قانون الإنتخاب في تنمية
الممارسة الـ--111 و 118
ـ تعريف الـ -- 43
ـ خيار اللبنانيين للـ-- 10
و43
س
سلطة
ـ -- محلية 62
ـ أجهزة -- 65
ـ إختصاص - – 67
ـ تعريف الـ -- 62
ـ في لبنان 87
ـ إرتباط الـ --
بالسلطة المركزية
62 و65
ـ -- مركزية 62 وما يليه
ـ أجهزة -- 64
ـ إختصاص الـ --63
ـ تعريف الـ -- 62
ـ في لبنان 86
ـ إستقلالية الطوائف في لبنان
في الـ -- في مســائل
الأحوال الشخصية 88 و90
ـ تعريف -- 15
ـ تناقض الـ -- والحرية 16
ـ طابـع مــزدوج للـ --
في لبنان 52
ـ قبول بالـ -- 16 و 78
ـ مدى جغرافي للـ --66
ـ مشاركة في الـ -- 18 و52
و67 و69 و83 و95
سيادة
ـ تعريف الـ-- 15
ـ الشعب هو صاحب
الـ -- 99
ـ إنعكاس قانون الإنتخاب على
قرار الـ -- 109 و118
ش
شعب 29 وما يليه
ـ -- الدولة الإتحادية والموحدة
30 و 31
ـ -- الدولـة اللبنانيــة 33
وما يليه
ـ -- من الوجهـــة
التاريخية 34 وما يليه
ـ -- من الوجهة الدينية
46
ـ -- مـن الوجهــة
القانونيـة 23
ـ خصائص وطباع --
44 و45
ـ طبيعة -- 28 و49
ـ وحدة -- 27
وما يليه و42
ـ إلتصاق الـ -- بالأرض
24
ـ تعريف الـ -- 29
شيخ وشيوخ (راجع مجلس الشيوخ)
ط
طائف (راجع وفاق وطني)
طائفية سياسية 72 وما يليه
ـ الـ-- بعد الإستقلال 73
ـ الـ-- وقانـون الإنتخاب
114
ـ الـ-- ووثيقة الوفاق الوطني
74
ـ آثار إيجابية للـ -- 75
ـ آثار سلبية للـ--78 وما يليه
ـ جذور الـ--في الدستور 72
ـ هيئة وطنية لإلغاء-–84 و98
طوائف (راجع أيضاً مجلس الشيوخ)
ـ إستقلالية الطوائف في لبنـان
88 و90
ـ تعدد الطوائف في لبنان 46
ـ آثــار إيجابيــة
لـ-- 50
ـ تأثير -- على تكوين
الشعب اللبناني 47
ـ مجلس شــيوخ يمثـل
الـ-- 84 و 96 وما يليه
ـ مشاركة الـ -- في الحياة
السياسية 48
ـ مشاركة الـ -- في السلطة
72 وما يليه
ع
عيش مشترك
ـ الـ -- وقانون الإنتخاب
100 و107 و115
ـ رغبة بالـ -- 34
ق
قانون إنتخاب
ـ -- عام /1960/ 103
ـ -- بعد عام /1990/104
ـ آثار سلبية 106
ـ تقسيم دوائر 104
ـ -- والحياة الحزبية 112
و 117
ـ إنتخاب مجلس الشيوخ 115
ـ حرية النائب والنــاخب
109 و 111 و 118
ـ دائرة إنتخابية 99 و101
و 103 وما يليه
ـ دائرة فردية 103 و 112
و113 وما يليه
ـ دائرة فردية ضمن لبنان دائرة
واحدة 113 وما يليه
ـ دائرة كبرى 112
ـ لبنـان دائـرة واحـدة
112 و113
ـ مبادئ دســتورية في
-- 100 و116
ـ مشاريع -- 112
ـ المناطق في – 100 و 103
و104
ـ إختلاف المعيار 104
و105
ـ وحدة المعيار 108
و 116
ـ نظام إنتخابي 99 و100
و 103 وما يليه
ـ أكثري 103 وما يليه
و 112 و 113
ـ تأهيل على مستوى
القضاء 112
ـ تمثيل نسبي 112
و117
ـ نظام مقترح 113 وما يليه
ـ هيئة ناخبة 105
م
مبدأ ومبادئ
ـ -- إستقلالية الطوائف في
لبنان 88 و90
ـ -- الإستقلالية في الدول
الإتحادية 66 و69 و87
ـ -- المساواة
ـ الطائفية السياسية و
-- 77
ـ-- في قانون الإنتخاب
100 و 106 و115
ـ -- المشاركة في السلطة
ـ في الدول الإتحادية
والموحدة 18 و69
و83
ـ في لبنان 52 و67
و95
ـ -- وحدة السلطة
ـ-- في الدول الإتحادية
والموحدة 18 و 65
و83
ـ-- في لبنان 52 و85
وما يليه
ـ مبادئ دستورية في قانون
الإنتخــاب 100 و115
مرحلة إنتقالية
ـ الأبقاء على الطائفية السياسية
في -- 74
الجمهورية الثانية -– 74
و121
مساواة ( راجع مبدأ ومبادئ )
مشاركة 15 وما يليه
ـ -- الطوائف في الحيــاة
السياسية 48
ـ -- في الدول الإتحادية 18
ـ -- في الدول الموحدة 18
ـ -- في السلطة ( راجع مبدأ
ومبادئ )
ـ تعدد الطروحات للـ -- 53
ـ معنى الـ -- 17
مجلس الشيوخ
ـ إنتخاب -- 115
ـ إختصاص -– 99
ـ إنشاء -- 84 و96 و98
ـ تمثيل الذين يخضعون للقانون
المدني الموحـد في الأحـوال
الشخصية في - – 96
ـ حصر الدفاع عن الطـوائف
بـ --96
ـ رئاسة -- 96
مشكلة دستورية 4
ـ -- في الجمهورية الأولى 4
ـ -- في الجمهورية الثانيـة 8
ـ -- حول المشاركة في السلطة
10
ـ أسباب داخليــة وخارجيـة
للـ -- 5
منهجية
ـ -- المشاريع السابقة 12
ـ الـ-- العلمية 13
ن
نظام إنتخابي( راجع قانون إنتخاب )
و
وفاق وطني
ـ الـ--وقانون الإنتخاب 121
ـ الـ -- والطائفية السياسية
81
ـ وثيقة الـ -– 7 و 121
فهرس الأعلام
(مرتب تبعاً للشهرة)
( الأعداد تشير إلى أرقام البنود ضمن الكتاب)
أ
ملكون أبلغتيان 59
جوزف أبو خليل 76
شاكر أبو سليمان 59
خير الدين الأحدب 72
إِميل إدّه 26 و72
ريمون إده 26
أوغست باشا أديب 72
مجيد أرسلان 59
حافظ الأسد 43 و59
كامل الأسعد 59
بشير الأعور 59
ب
خاتشيك بابكيان 59
أوغست باخوس 59
باولو برتولي
(الكاردينال ـ المبعوث البابوي) 43 و59
نبيه بري 6و8 و43 و59 و116 و120
نزيه البزري 43 و59
فؤاد بطرس 80 و120
محمد البعلبكي 75
كريم بقرادوني 81
روزانا بو منصف 8
عمر بيهم 37 و48 و55
ت
أميل تابت 72
أيوب تابت 72
جورج تابت 72
بهيج تقي الدين 59
إيغور تيموفييف 80
جبران تويني 119
غسان تويني 40 و79 و96 و121
ج
جبران خليل جبران 80
خليل جريج 92
سمير جعجع 57
أمين الجميل 4 و6 و43 و50 و59
بيار الجميل 57 و59
كمال جنبلاط 80 و82
وليد جنبلاط 6 و9 و43 و59 و108 و111 و120
آنا تيبايا جوكا( ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة) 80
ح
أمين الحافظ 59
إيلي حبيقة 6 و43 و59
بطرس حرب 59
رفيق الحريري 8 و9 و80 و116
حسين الحسيني 4 و7
هاشم الحسيني 59
سليم الحص 8 و 43 و77 و 79 و81 و112 و120
عباس الحلبي 50
إبراهيم الحلو (المطران) 59
شارل حلو 59
مروان حمادة 40
صبحي حيدر 55 و72
إِلياس الحويك
(البطريرك الماروني) 36 و48
خ
حسن خالد (مفتي الجمهورية اللبنانية) 43 و59
عبد الحليم خدام 6
كاظم الخليل 59
إِميل خوري 8 و 9 و13
بشارة الخوري 39 و72 و73
د
أحمد الداعوق 72
عمر الداعوق 55
شبل داموس 72 و121
شارل دباس 72
عثمان الدنا 59
شارل ديغول 80
ر
إدمون رباط و 16 و110
حسن الرفاعي 59
جان جاك روسو 99
ز
جورج زوين 72
بيار زيادة 39
جهاد الزين 96
عبد اللطيف الزين 59
س
الياس سركيس 5 و 59 و81
جورج سعاده 43
حبيب باشا السعد 72
صائب سلام 5 و6 و39 و43 و49 و59
جميل السيد 82
ش
فؤاد الشمالي 59
محمد مهدي شمس الدين 43 و48 و 59
كميل شمعون 43 و57 و58 و59
خالد شهاب 55 و72
فؤاد شهاب 80
ص
حسن كامل الصباح 80
مار نصر الله بطرس صفير (الكاردينال ـ البطريرك الماروني) 48 و78 و82 و116 و120
إِميل روحانا صقر 59
رشيد الصلح 59
رياض الصلح 39 و49 و73
سامي الصلح 72
ض
مخايل الضاهر 48 و59
ط
بترو طراد 72 و121
ع
سليم عازار 9 و13 و56
خير الدين عدرا 55 و72
مار بطرس عريضة (البطريرك المارونـي) 36 و37 و48
عادل عسيران 6 و43 و59
نجيب عسيران 55
سعيد عقل 59
سليمان العلي 59
ميشال عون 9 و56 و57
عبدو عويدات 59
غ
مارسيل غانم 79 و119
غورو (الجنرال الفرنسي) 26
ف
أنطوان فتال 57
إيلي الفرزلي 119
حميد فرنجية 73
سليمان فرنجية 4 و5 و49 و57 و59 و81 و119
سمير فرنجية 119
محمد حسين فضل الله 48
نقولا فياض(شاعر) 77
فيروز 80
ق
محمد رشيد قباني
(مفتي الجمهورية) 48
أحمد قبلان 48
شربل قسيس 57 و59
حسين القوتلي 59
ك
رشيد كرامي 4 و6 و43 و49 و59
عبد الحميد كرامي 39
عمر كرامي 9 و59
ل
غريغوريوس الثالث لحام
(بطريرك الكاثوليك) 116
إِميل لحود 8 و9 و48 و 82 و98 و105 و116
إبراهام لنكولن 43
م
شارل مالك 50 و59
ألبير مخيبر 59
زكي مزبودي 59
سليم المعلوف 59
نصري المعلوف 59
ميشال معلولي 59
رينيه معوض 120
ابراهيم المنذر 72 و121
سمير منصور 98
ن
نقولا ناصيف 8
زياد نجيم 13
سركيس نعوم 110
فؤاد نفاع 59
ألفرد نقاش 72
هـ
جوزف الهاشم 43
إِلياس الهراوي 8 و 13 و90 و120
نبيل هيثم 8
و
شفيق الوزان 5
ي
عبد الله اليافي 72
يوسف إبراهيم يزبك 39
فهرس المواد
الموضوع الصفحة
تقديم الطبعة الأولى.......................................... 7
مقدّمة....................................................... 9
1* تعريف الدسـتور ـ المفهوم القانونـي والمفهوم السياسي
للدستور ـ 2* مضمون الدستور اللبنانـي ـ 3* تقســيم
العهود الجمهوريــة من الجمهورية الأولى إلى الجمهوريـة
الثالثة ـ 4*المشـكلة الدستورية في عهد الجمهورية الأولـى
ـ 5*الأسباب الداخلية والأسباب الخارجية للأزمات الدستورية
في عهد الجمهورية الأولى ـ 6* تعدد المشاريع التي طرحت
لإدخال إصلاحات على الوضع الدستوري في عهد الجمهورية
الأولى ـ 7*وثيقة الوفاق الوطني في الطائف وصدور القانون
الدسـتوري رقــم/18/ تاريـخ 21/9/1990ـ 8* بروز
المشكلات الدستورية من جديد في عهد الجمهوريـة الثانيـة
ـ 9* طرح بعض القوى السياسية مسألة إجراءات تعديلات
دسـتورية ـ 10* حصر المـــشاكل الجديرة بالبحث ـ
المشـاركة في الســلطة ـ تنظيم السـلطة ـ 11* المنهج
الذي كان معتمداً من قبل واضعي المشـــاريع الإصلاحية
قبل الطائف والمنهج المعتمد من قبل واضعـي إتفاق الطائف
ـ 12* نقد المنهج المتبع لغايــة الآن في بحث المشـاكل
الدســتورية فـي لبنـان ـ 13* المنهج الذي نعتمده فـي
هذه الدراسة ـ 14* تقسـيم الكتاب
القسـم الأوّل: المشاركة فـي السلطة........... .... 37
تمهيد..................................................... 39
15 ـ تعريف السـلطة ـ السيادة ـ 16* القبول بالسلطة
ـ التناقض بين السـلطة والحريــة ـ 17*المشاركة في
تكوين السلطة وممارستها ـ 18* إختلاف طرق المشاركـة
في السلطة بين الدول الإتحادية وبين الدول الموحدة البسيطة
ـ 19* أن وضع قواعد قانونية دستورية سليمة للمشـاركة
في السلطة في لبنان يجب أن يرتكز على الحدث الإجتماعي
ـ العوامل الضاغطة ـ تقسيم
الباب الأول: العوامل الضاغطة في وضـع
قواعد المشــــاركة في
تكوين الســلطة وممارستها.......... 47
20*العوامل الضاغطة تنطلق من العناصر الأســاسية
التي يفترض أن تتوافر لقيام دولة
الفصل الأول: الأرض.................................. 49
21* طبيعة أرض الدولة تحدد شكل الدولة وطرق المشاركة
في السلطة
الفقرة الأولى: الأرض (Le Territoire) كعنصر
من عناصر الدولة........................ 49
22*تعـريف 23 ـ دور الأرض كعنصــر من عناصر
الدولة ـ 24* وجه الإختلاف ووجــه الإتفاق بين الدول
الموحدة والدول الإتحادية بالنسبة لعنصـــر الأرض ـ
الإلتصاق بين الشعب والأرض ـ 25* العوامل المستمدة
من الأرض والمؤثرة في إضفاء الشـــكل الإتحادي أو
الموحد للدولة ـ طبيعة الأرض ـ المساحة ـ الموقع
الفقرة الثانية: أرض الدولة اللبنانية..................... 55
26*تحديد أرض الدولـة اللبنانيـة ـ 27* وحدة أرض
الدولـة اللبنانيــة ـ عيش أبناء الطوائف ضمن الوحدة
الجغرافية ذاتها ـ 28* طبيعة أرض الدولة اللبنانية مـن
ناحية المساحة والموقع
الفصل الثاني: الشعب ( La population) ...... 61
29* الشـــعب عنصر من عناصر الدولة ـ تعريف
ـ 30* العوامل المستمدة من تكوين الشعب والمؤثرة
في إضفاء الشـكل الإتحادي أو الموحد للدولـة ـ 31*
وجه الإختلاف ووجه الإتفاق بين الدول الموحدة والدول
الإتحادية بالنسبة لعنصر الشعب ـ 32* العوامل المؤثرة
في تكوين الشعب اللبناني
الفقرة الأولى: وحدة الشعب اللبناني..................... 65
33* ـ الشــعب اللبناني من الوجهة القانونيـة ـ34 *
الشـعب اللبنانـي من الوجهة التاريخية ـ إرادة العيش
المشترك ـ 35* الدور التاريخي الأول ـ الشــعب
اللبنانـي من الوجهـة التاريخيـة خلال عـهد الإنتداب
الفرنسـي ـ 36*المواقف المطالبة بالعيش المشــترك
ضمن حدود لبنان الحالية ـ 37* المواقف التي تحفظت
علـى إنفصـال لبنان عــن محيطه العربـي ـ 38*
الـدور التاريخــي الثاني ـ الشعب اللبناني خلال عهد
الإسـتقلال ـ 39* الشـعب اللبنانــي منذ مطلع عهد
عهد الإستقلال ولغاية أواخر الستينيات من القرن الماضي
ـ 40* الشـعب اللبناني بعد أوائل السبعينيات من القرن
الماضي ـ 41* مدى تأثير العامل التاريخي على صعيد
المشاركة في تكوين السـلطة وممارستها ـ 42*وحدة
الموقف عند الشعب اللبناني على صعيد الأيديولوجيــة
الســـياسية ـ 43* إتفاق اللبنانيين حول خيار النظام
الديموقراطـي ـ 44* العوامل المؤثـرة في تماثل أو
إختلاف خصائص الشعب ـ 45 تماثل خصائص الشعب
الشـعب اللبنانـي على صعيد الطباع وعلى صعيد العمل
والنشاط الفـردي وتعويض اللبناني عمّا يفتقده
الفقرة الثانية: إنتماء الشعب اللبناني
إلى طوائف متعددة....................... 98
46*الشعب اللبناني من الوجهة الدينية ـ مسألة الطائفية
ـ 47 *إخضاع مسائل الحقوق العائلية لسلطة الطوائف
ـ تأثير ذلك علـى تكوين الشـعب اللبنانــي ـ 48*
مشاركة الطوائف كطوائف في الحياة السياسية في لبنان
وتأثير ذلك على تكوين الشعب اللبنانـي ـ 49* الطابع
المزدوج في تكويـن الشــعب اللبنانـي ـ 50*الآثار
الإيجابية للطابـع المزدوج للشعب اللبناني على الصعيد
الحضــاري والثقافي ـ 51*خلاصـة البـاب الأول
ـ طبيعة الدولـة اللبنانية ـ إتحادية طوائف ضمن دولة
بسيطة
الباب الثاني: طرق المشاركة في السلطة........... 115
52*الطابع المزدوج للسـلطة في لبنان ـ الطابع الوحدي
والطابع الإتحادي ـ 53*تعدد الطروحات حول المشاركة
في السلطة
الفصل الأول: المشاركة في السلطة على
أساس جعل لبنان دولةإتحادية..... .... 119
54*طروحات الإتحادية ومبرراتها ـ مناقشة الطروحات
الفقرة الأولى: طرح الإتحادية ومبرراتها................ 119
55*بذور فكــرة الإتحادية عند إنشـاء لبنان الكبير عام
/1920/ وفي عهد الإنتداب الفرنسي ـ 56* بروز فكرة
الإتحاديــة من جديد بعد عام /1975/ـ 57* المواقف
والمشاريع المؤيدة لفكرة الإتحادية ـ 58* المبررات لفكرة
الإتحاديـة والفوائد العملية لها من منظار مؤيديها ـ 59*
المواقف والمشاريع التي تتمسك بالشــكل الموحد للدولة
وترفض الشكل الإتحادي
الفقرة الثانية: الإتحادية مشروع لتقسيم
لبنان إلى دويلات طائفية.................. 137
60 ـ تعريف الإتحادية ـ مبــرراتها ـ التقريب بيـن
المجتمعات الســياسية المتباينة 61 ـ الطبيعة المزدوجة
للدولة الإتحاديـة ـ الإتحاديــة والوحدة تنافي طبيعـة
الدولـة اللبنانيـة ـ 62*السـلطة المركزيـة والسلطة
المحلية ـ تعريف ـ 63*إختصاصات السلطة المركزيـة
ـ الإختصاص الحصري للســلطة المركزية في مجـال
العلاقات الخارجية وشؤون الدفاع ـ 64* أجهزة السلطة
المركزية ـ 65*أجهزة السلطة المحلية ـ مدى إرتباطها
بالسـلطة المركزية ـ 66* خصوصية أجهزة السـلطة
المحلية للطوائف في لبنان نسبة للسلطة المحلية في الدول
الإتحادية والموحدة ـ المدى الجغرافي للسـلطة ـ 67*
إختصاصات الـسلطة المحلية ـ 68*طرح الإتحادية في
لبنان يخالف مسار الإتحادية في العالم كون الإتحادية هي
خطوة نحو توحيد السلطة بين دول كانت مستقلة سابقاً عن
بعضها ـ 69* إن طـرح الإتحاديـة في لبنـان يهدف
لإضعاف السـلطة المركزيــة على خلاف تطوّر الدول
الإتحادية التي تتجه أكثر نحو توطيد الســلطة المركزية
ـ 70* خلاصة الفصل
الفصل الثاني: وحدانية الدولة وتأمين
المشاركة في السلطة................ 161
71* إختلاف الصيغ الهادفة لتأمين المشاركة في
السـلطة في دولة واحدة
الفقرة الأولى: تأمين مشـاركة الطوائف في الجمهوريتين
الأولى والثانية عــن طريق صيغة الطائفية
السياسية ................................. 162
72*جذور الطائفية السياسية في الدسـتور اللبنانـي كما
وضع عام /1926/ ـ 73*ترسيخ الطائفية السياسية بعد
الإسـتقلال ـ 74* إتفاق الطائف أبقى علـى الطائفيـة
السياسية كمرحلة إنتقالية ـ أي في الجمهورية الثانيــة
ـ ولكنه خفف من حدتها بعض الشيء ـ 75* الآثــار
الإيجابية للطائفية السياسية ـ الحفاظ على الديموقراطية
وضمان الحريات العامة ـ 76* الآثار الإيجابية للطائفية
الســياسية على صعيد الإنصهار الوطنــي ـ إبراز
الكفاءات والقدرات الفردية ـ 77*الآثار السلبية للطائفية
السياسية لجهة الإخلال بالمساواة بين المواطنين ـ 78*
الآثـار السـلبية للطائفية السياسية لجهة القبول بالسلطة
ـ 79* الآثار السلبية للطائفية السياسية لجهة الحدّ من
الطموح الشخصي عند المواطن وبالأخص عند أصحاب
القامات الكبيرة في الوطن ـ 80* الآثــار الســلبية
للطائفية الســياسية لجهة حرمان الوطن من الإستفادة
من رجال تاريخيين وطاقات بعض أبنائـه المتفوقين ـ
81*الآثـار السـلبية للطائفية الـسياسية لجهة الطابع
المزدوج للقائمين بالسـلطة ـ إنعكاس هذا الطابع على
القرار الوطني ـ82* تأييد المواطن العادي والطوائف
لإلغاء الطائفية السياسية ـ 83*خلاصـة الفقـرة ـ
إن توزيع مراكز السـلطة على أسـاس طائفي يخالف
المبادئ الأساسية التـي تخضع لها قواعد المشاركة في
الســلطة سواء في الدول الموحدة البسـيطة أو الدول
الإتحادية
الفقرة الثانية: المشاركة في السلطة في الجمهورية
الثالثة العتيـدة عن طريق وحدانيـة
الدولة وإتحادية الطوائف.................. 196
84* الجمهورية الثالثة ـ ستلغى الطائفية السياسية وتؤمن
حقوق الطوائف عن طريق إستعارة المبادئ المعتمدة فـي
الدول الإتحادية لتأمين حقوق الدول الأعضــاء ـ معنى
إلغاء الطائفية الســـياسية ـ 85* المبادئ التي يمكن
إستخلاصها من تنظيم الســـلطة والمشـاركة فيها في
الجمهورية الثالثة المرتقبة ـ مبدأ وحدة السـلطة ـ 86*
وحدة السلطة في الدولة اللبنانية ـ الأجهـزة المركزيـة
للسلطة ـ تطبيق لمبدأ الوحدة ـ 87*أجهزة الســلطة
المحلية في لبنان هي تطبيق لمبدأ وحدة الـسلطة ـ 88*
تليين مبدأ وحدة السلطة ـ سلطة الطوائف في مســائل
الحقوق العائليـة ـ 89*حصـر سـلطة تنفيذ الأحـكام
والقرارات القضائيـة بالمحاكم التابعة للدولة يعتبر تأييداً
لمبدأ وحـدة السـلطة ـ 90* إنعكاس الإستقلال الذاتي
للطوائف في مســائل الحقوق العائلية سلباً على صعيد
الإنصهار بين أفــراد الشـعب ـ 91* بعض مظاهر
الإتحادية على صعيد الإختصاص القضائي المعترف به
للطوائف في لبنان ـ 92* تقويـم الإستثناء على مبدأ
الوحدة والمتمثل بإستقلاليـة الطوائف في مسائل الحقوق
العائليــة على صعيدي التشـريع والقضاء ـ مخالفته
لمبادئ قانونيـة مســتقرة ـ 93* المقترحات لإلغاء
إستقلالية الطوائف والعودة إلى مبدأ وحدة السلطة عبـر
توحيد التشريع والقضاء في في مسائل الحقوق العائلية
ـ 94* مبدأ المشاركة في الســلطة ـ 95*مراعاة
المساواة التامة في المشاركة بتكوين السلطة وممارستها
سيفضي تلقائياً إلى مشاركة أبناء جميع الطوائف فــي
تولي الـسلطة وممارستها ولكن على أساس وطني يزيل
الطابع المزدوج عند القائمين بالســلطة ـ 96*المحافظة
على حقوق الطوائف عبر إنشاء مجلس الشـيوخ بموجـب
تعديل دسـتوري ـ إقتراح تخصيص رئاسـة المجلـس
مرحلياً للطائفـة المارونيـة ـ إقتراح حصر الدفاع عن
حقوق الطوائف بأعضاء مجلس الشيوخ دون رجال الدين
ـ ضـرورة تخصيص مقاعد ضمن هذا المجلس لطائف
الذين إختاروا الخضوع للقانون المدني الموحد للأحـوال
الشخصية ـ 97*مشاركة الطوائف في السلطة عبر مجلس
الشـيوخ يفرض تحديد إختصاصات هذا المجلس بما يؤمن
مشاركة الطوائف في تكوين السـلطة وممارستها ـ 98*
ضرورة الإسراع في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفيـة
السياسية وإقرار إنشاء مجلس الشيوخ
الفصل الثالث: الإنتخاب هو الوسـيلة للمشـاركة
فـي تكوين السلطة وممارستها ـ
قانون الإنتخاب..................... 234
99*الإنتخاب هو الوســيلة لتحقيق المبـدأ القائــل بأن
الشعب هو مصدر السـلطات وصاحب الســــيادة ـ
إنعكاس النظام الإنتخابي وتقسيم الدوائر الإنتخابية علــى
تطبيق المبدأ ـ 100*المبادئ التي لحظها الدستور بالنسبة
لتمثيل الشعب بواسطة ممثليه
الفقرة الأولى: قوانيـن الإنتخاب المتعاقبة في لبنان.......... 238
101* حصـر المسائل المرتبطة بقانون الإنتخاب والتـي
يمكن أن يكون لها إنعكاس على صحـة التمثيل الشـعبـي
ـ 102* قوانين الإنتخاب المتعاقبة في لبنـان ـ 103*
تقسيم الدوائر الإنتخابية والنظام الإنتخابي في قانون 1960
ـ نظام أكثري في دوائر إنتخابية لا تخضع لمعيار واحد
في التقسيم ـ 104* تقســيم الدوائر والنظام الإنتخابي
بعد عام 1990ـ 105* إن قوانين الإنتخاب منذ عــام
/1992/ أبقت على الدوائر الإنتخابية كما كانت في قانون
/1960/ ولكنها عدلّت طريقة التصويت بالنسبة لكل دائرة
من تلك الدوائر بشكل كيفي ـ المعيار المزدوج والكيفي في
تحديد الهيئة الناخبة في المناطق ـ 106* الأثـر السلبي
الأول لقوانيــن الإنتخاب المتعاقبة في لبنان ـ الإخلال
بمبدأ المسـاواة بين الناخبين أنفسـهم وبين المرشـحين
أنفسهم ـ 107* الأثر السلبي الثاني ـ عدم صدق التمثيل
النيابي لمختلف المجموعات التي يتألف منـها الشــعب
اللبناني ـ الإخـلال بمبدأ التمثيل المناطقـي والعيــش
المشترك ـ 108*ضــرورة وضع معيار واحد للمناطق
ـ 109* الأثر السلبي الثالث ـ تمركز القرار بموضوع
السيادة الشعبية بيد عدد محدود من القادة السياسين ـ الحد
مـن حرية النواب الممثلين للشعب ـ 110* الأثر السلبي
الرابع ـ تدني مســـتوى التشريع ـ منع بروز قيادات
جديدة ـ 111* الأثر السلبي الخامس ـ الحد من حريـة
الناخب في الاختيار وحرية المواطن في الترشّح بسـبب
القدرة على تجيير الأصـوات ـ 112* تعدد الإقتراحات
البديلة للنظام الإنتخابي والتقسيم الحالي للدوائر الإنتخابية
ـ نظــام التمثيل النسبي ـ التأهل على مسـتوى القضاء
الفقـرة الثانيــة: النظام المقترح للإنتخابات ـ دائرة
فردية ضمن لبنان دائرة واحدة........ 271
113*التعريف بالنظام المقترح ـ 114* ملاءمــة النظام
المقترح في ظـل الطائفية السـياسية أو بعـد إلغائها ـ وهو
يسهل السـير بإتجاه إلغاء الطائفية السياسية ـ 115*ملاءمة
النظـام المقتـرح لإنتخاب أعضـاء مجلـس الشيوخ العتيد
ـ 116* إن النظام المقترح ينطلق من معيار واحد يراعـي
المبادئ التي يفترض بقانون الإنتخاب أن يــراعيها حسب
النص الدسـتوري وهو يلبـي طلبات المعترضين ووعـود
المسؤولين ـ 117* النظام المقتـرح يحقق فوائد الدائـرة
الفردية وفوائد التمثيل النسبي والتأهيل في الدائرة الصغرى
في الدائرة الصغرى ويتلافى عيوب الثلاثة ومن ثـم يحقق
عدالة وصحة التمثيل وهو يشجع على الإنخراط في الحياة
الحزبية على أساس وطني ـ 118* النظام المقترح يطلق
حريـة الناخب في الإختيـار والنائب فـي التقرير وينميّ
الممارسة الديموقراطية ويقود تلقائياً إلى عدم حصر القـرار
بموضوع السيادة الشعبية بيد عدد محدود من القادة السياسيين
ـ 119* * إن النظـام المقتـرح يرتقي بالبلد إلى مستوى
الديموقراطية الراقية بدل الجدل حول الديموقراطية العدديـة
أو التوافقية وهو يصلـح لأن يطبق على الإنتخابات البلديـة
ـ 120* النظام المقترح يسهل تلقائياً الوفاق الوطني لأنـه
لن تبقى أية مجموعة تشكو من غبن في تمثيلها وتالياً فـي
مشاركتها بالسلطة ـ 121* خلاصة القسـم الأول ـ تأييد
خيار وثيقة الوفاق الوطني للجمهوريـة الثالثة والتي كان
يفترض أن تبدأ منذ مطلع عهد الإستقلال ولكن كمرحلة
إنتقالية
فهرس هجائي.............................. 293
فهرس الأعلام.............................. 301
فهرس المواد............................... 307
للمؤلف
القانون القضائي الخاص، جزءان، الطبعة الثالثة 1996
الوسيط في أصول المحاكمات المدنية، جزءان، الطبعـة
الخامسة 2002
المنهجية في القانون، الطبعة الثانية 2003
أصول التنفيذ الجبري، الطبعة الثانية 2003
أسباب الطعن بطريق النقض، جزءان، الطبعة الاولى2004.