مقالات عن: القانون القضائي الخاص - الوسيط في اصول المحاكمات المدنية جزءان طبعة سابعةالمحامي الاستاذ سليم باسيلاجريدة النهار 18/08/1984
اول مقالة عن الكتاب وردت في جريدة النهار بقلم المرحوم المحامي الاستاذ جوزف باسيلا. وهذا نص المقالة:
يمتعك القاضي الدكتور حلمي الحجار، ويملك عليك اعجابك في ما تقرأ من فصول وبحوث، في كتابه الصادر أخيراً بعنوان: «القانون القضائي الخاص»، طبقاً لاحكام قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد (المرسوم الاشتراعي الرقم 90/83)، وفي سواه.
فحلمي الحجار، في ما يكتب، صفاء النظر الى أشياء الحق، وبراعة المودة بها الى اصولها، وقدرة على تقليبها على مختلف وجوهها، وطاقة متفردة على استيعابها واستتخراج مضامينها، ثم موازنتها ومقارنتها بسواها، والخلوص من كل ذلك الى رأي فيه من الشجاعة، والجدة، والصحة نصيب كبير.
في كتاب الدكتور الحجار فصول مسهبة حول «القانون القضائي الخاص»، وهي التسمية التي يؤثرها المؤلف على «قانون اصول المحاكمات المدنية»، لان مصطلح «أصول المحاكمات المدنية» لا يعبر عن حقيقة المواضيع التي يتضمنها هذا القانون، بل يقتصر على التعبير عن الناحية الاجرائية والاصولية. وبهذا يكون صاحب الكتاب أخذ بالتسمية التي ذهب اليها العلامة سولوس سنة 1940 في دروسه في جامعة حقوق باريس، ولم يأخذ بما اقترحه العلامة موريل من ابدال تسمية قانون اصول المحاكمات المدنية «القانون القضائي المدني»، ولم يأخذ بما اقترحه العلامتان فنسان وجنشار اللذان آثرا الابقاء على التسمية التقليدية المتداولة، اي «أصول المحاكمات المدنية»، ما بقيت تسميتا «أصول المحاكمات الجزائية» و «أصول المحاكمات الادارية ».
أمّا الجديد الذي استوقف حلمي الحجار القاضي في قانون اصول المحاكمات المدنية الجديد (المرسوم الاشتراعي الرقم 90 تاريخ 16/9/1983)، فبعضه جاء في المصطلحات التي أخذ بها القانون الجديد، كاستبداله بكلمة صلاحية كلمة اختصاص، وتقسيمه الاختصاص الى اربعة انواع: الاختصاص الدولي، والاختصاص الوظيفي، والاختصاص النوعي، والاختصاص المكاني الى اختصاص مكاني عادي واختصاص مكاني الزامي.
امّا القواعد التي استحدثها قانون اصول المحاكمات المدنية الجديد، فمنها استبعاده الاحكام التي كانت واردة في المادة الثانية من قانون اصول المحاكمات المدنية القديم، وكانت تمنع على المحاكم النظر في صحة اعمال السلطة التشريعية، سواء جهة انطباق هذه الاعمال على الدستور، ام جهة انطباق المعاهدات السياسية على القانون الدولي العام، لاعتبار ان هذا المبدأ مرتبط بمبدأ الفصل بين السلطات المكرس دستورياً، ولا حاجة لاثباته وإقراره في قانون اصول المحاكمات المدنية .
ويرى حلمي الحجار القاضي ان هناك، ايضاً، قواعد مستحدثة على صعيد الاثبات، منها القواعد الهادفة تسهيلاً وتسريعاً لإجراءات الاثبات، مع توسيع دور القاضي في هذا المجال، اذ أُجيز للمحكمة ان تقوم بالتحقيق بنفسها، او تنتدب احد قضاتها للقيام به، حتى اذا كان المكان الذي يقتضي التحقيق فيه بعيداً عن مقر المحكمة، اجيز لها ان تنتدب القاضي المنفرد الذي يقع هذا المكان في دائرته.
أمّا القواعد المستحدثة على صعيد المحاكمة فألغى القانون الجديد المحاكمة الغيابية والاعتراض الا في حالات قليلة جداً. كما اجاز للخصوم ان يكتفوا بالمدافعات الخطية التي قدموها بحيث يصدر الحكم على اساس هذه المدافعات وبدون عقد اية جلسة.
على كل هذا، وعلى سواه، يدير القاضي حلمي الحجار في كتابه «القانون القضائي الخاص» كلام حقوقي عالم يذهب بعيداً في استقرائه النص، وفي استقصائه اياه، وفي الوقوف على حرفه ومعناه، وفي استخلاص ما يقوله صراحة وما يمكن ان يقوله بالتفسير والاجتهاد، كل ذلك في غير ترسم او محاكاة لاحد.
وللدكتور الحجار حول «دور كل من الخصوم والقاضي في الاثبات»، وفي سياق حديثه عن الجديد في قانون اصول المحاكمات المدنية (المرسوم الاشتراعي الرقم 90/83) هذا الكلام:
«وتضمن القانون الجديد ايضاً نصّاً يجيز إلزام الغير بتقديم مستند موجود في حوزته، اذ نصت المادة /208/ أ.م.م. الجديد على انه يجوز للمحكمة «أثناء النظر في القضية ان تأمر بادخال شخص في المحاكمة لاجل الزامه بتقديم ورقة موجودة في حوزته. ولها ايضاً من تلقاء نفسها او بناء على طلب الخصوم، بجلب أوراق من الدوائر الرسمية، اذا تعذر عليهم ذلك» (نفس معنى الفقرة الاولى، المادة 259، مرافعات مصري).
تمنيت، هنا، لو ان صاحب الكتاب اشار الى ما تعنيه كلمتا «الدوائر الرسمية»، وهل هاتان الكلمتان تعنيان ايضاً الدوائر والمراجع القضائية الجزائية التي تولت او تتولى التحقيق في قضايا ذات علاقة بالدعوى العالقة لدى المرجع القضائي المدني الذي أُعطي الحق، بحسب قانون اصول المحاكمات المدنية الجديد، ان يأمر بجلب تلك التحقيقات من تلقاء نفسه او بناءً على طلب الخصوم.
ألا يرى الدكتور الحجار ان قاعدة سرية التحقيقات القضائية الجزائية تحول دون ان يطلب الى المرجع القضائي الجزائي التخلي لاي مرجع كان، قضائياً كان ام غير قضائي، عن أوراق تتضمن تحقيقات في دوائره؟
وهل يسمح المؤلف ان أورد، هنا، بعض ما جاء للعلامتين الجزائيين ستيفاني ولوفسور حول سرية التحقيقات القضائية الجزائية؟
« La procédure d’instruction est secrète; le public n’y a pas accès, les témoins ne sont pas mis au courant de leurs dépositions respectives; les décisions même qui sont rendues par les juridictions d’instruction ne le sont pas publiquement, mais en chambre de conseil (art. 199 C.P.P.). Cependant, l’inculpé et la partie civile peuvent être tenus désormais (depuis 1897 et 1921) au courant du déroulement de la procédure par l’intermédiaire de leur conseil, à qui le dossier est communiqué à certains moments.
«Par contre, l’instructon doit rester secrète à l’égard du public. La règle est traditionnelle et a été rappelée par l’article 11 C.P.P. en ces termes: « Sauf dans les cas où la loi en dispose autrement, et sans préjudice des droits de la dèfense, la procédure au cours de l’enquête et de l’instruction est secrète.
Toute personne qui concourt à cette procédure est tenue au secret professionel dans les conditions et sous les peines de l’article 378 du code pénal».
وبعد. للمشتغلين بالقوانين القضائية الخاصة أو قوانين أصول المحاكمات المدنية، أو سواها من القوانين التي تتناول أصول المحاكمات، ذاتيات منفردة. انهم أذهان اوتيت قدرة خاصة على التنقل بين حرف القانون ومعناه، واختيار اسراره، والبلوغ الى أغواره، وربطه بقواعده وأصوله، وانزاله منازل التنفيذ، واستنفاد الوسائل اليه، ذلك بدون ان يقصروا كفايتهم على بعض من وجوهه دون بعضها الآخر.
اعجبت في زمن الدراسة بالعلامة كوش الاصولي الفرنسي الكبير، والذهن الحقوقي الذي طبع جيلاً كاملاً من الأصوليين الفرنسيين بطابع الدقة، والعمق، والرشاقة الفكرية، وشجاعتها. وقد يكون من أبرز خصائص فكر كوش الحقوقي انه يساير النص ويساريه، ويستوعبه ويداريه، ويحاوره ويداوره، ويمده بالغذاء ويصله بالروح، ويستنطقه في يسر وسلاسة, وأكاد أقول في شيئ من مصادقة تجعله والنص خدنين حميمين متشاركين في سعي دائب واحد الى مدلول حقوقي واحد.
ومن خصائص كوش، فكره النابض، المتحرك المتخطف، السريع الاخذ العطاء، الصافي على عمق، الرائق على تدفق، الذاهب بدون انحناء ولا التواء.
اذكرني كتاب القاضي الدكتور حلمي الحجار بالعلامة كوش ذهناً وسياقاً ومرونة فكر، وقدره على التنقل بين النص وممارسته في توازن وتساوق، وبُعد عن جمود التقليد، ومكاره التعقيد، ومخاطر التردد.
وقد يكون من أغلى ما اسدى الدكتور الحجار الى دارسي «الاصول» والمشتغلين بها، انه اختصر المسافة بين «الجامعة» و «قصر العدل» بحيث ان كتابه «القانون القضائي الخاص» ليس كدساً من «نظريات»، ولا رصفاً من «عمليات»، بل هو أخذ برأي للعلامة الاصولي الكبير موريل جاء فيه:
«Il n’existe pas, un droit pratique et un droit théorique, une procédure théorique et une procédure pratique.il y a une pratique de la procédure qui ne peut être acquise dans des conditions rapides et sûres que si elle repose sur la connaissance des principes»
كتاب الدكتور حلمي الحجار «القانون القضائي الخاص»، فصول ممتعة في مداولة نصوص هذا القانون، وفي مناقلتها، وفي استكشاف وسائل استعانتها لرفع ظلامة أو تأييد حل اناس آلو ان لا يقنعوا بما قسط لهم من ميسور العيش، وان لا يذعنوا لما فرض عليهم من مكتوب القدر.