مقالات عن: القانون القضائي الخاص - الوسيط في اصول المحاكمات المدنية جزءان طبعة سابعةالمحامي الاستاذ جورج كسابجريدة النهار صفحة 12 تاريخ 28 ايلول 1984
الحلقة الثالثة من مقالة كتبها المحامي الاستاذ جورج كساب في جريدة النهار في ثلاث حلقات.
-3- للاطلاع على صورة جريدة النهار اضغط هنا
فتحت الجلسة علناً وهيئة المحكمة كالسابق من صيدون رئيساً وعيسى حمدان ممثلاً للنيابة العامة والناسك المتنسك تحت شجرة اللوز في الغينة ممثلاً لجمعية الرفق بالابرياء و«سعيد» نيابةً عن الشعب اللبناني. فتلا الرئيس محضر الجلسة الاولى ضد الدكتور حلمي الحجار، وفيه «عرض» كتابه «القانون القضائي الخاص»، ومحضر الجلسة الثانية «تحليل» الكتاب – الدليل. وبما ان الدكتور حلمي الحجار توقف بدون مبرر عند باب «النية القضائية» وكان حرياً به ان يلج هذا الباب الى الداخل، الى «نيّة القاضي» فيرسم معالمها ويطلع علينا بصورة واضحة عنها، ولا سيما لكونه قاضياً يمارس القضاء ممارسة فعلية، لذلك رأت المحكمة ان تكلف الاخ «سعيد» الاشارة ولو الماما الى «النيّة القضائية» عبر هذه الجلسة من المحاكمة.
ـ النائب العام حمدان معترضاً: كلا لم يغفل الدكتور الحجار النية القضائية بدليل أقواله مثالاً لا حصراً: «يقتصر عمل القاضي مبدئيأً على قول الحق (ص551). العقل النيّر هو في النهاية عقل القاضي (ص672). ان القرار القضائي فعل من افعال الارادة (ص538). ان استخلاص القرائن القضائية متروك لتقدير القاضي الذي له يستنبطها من ظروف ووقائع للدعوى بما له من سلطة التقدير. وهذا يعني ان القرائن القضائية متروكة لحكمة القاضي وبصيرته (ص203)» الا ترى الرئاسة الكريمة في هذه الاقوال ومثيلاتها مما ورد في كتاب الدكتور الحجار «القانون القضائي الخاص» وصفاً حسناً لـ «نيّة القاضي»؟ وهل من اوصاف للنية القضائية أجمل من «التصميم على الحكم بالحق بحكمة نيرة وتعقل» على تعبير الدكتور الحجار؟
هنا انبرى الاخ «سعيد» ممثل الشعب اللبناني الى حلبة المحكمة مقشعر البدن متوهج النظرات، فانصت الجميع اليه فرحين به دفاقاً، على عادته، بالحياة.
ـ «سعيد» مصوراً: أطلق ديوجين طائراً منتوف الريش في وسط الحلبة، حلبة برلمان الشعب في أثينا، وصرخ قائلاً: هذا هو انسان افلاطون: «الانسان طائر منتوف الريش». ومن عالم المثل الافلاطونية الى عالم الواقع الموضوعي، صرخ ارسطو في وجه معلمه: احب افلاطون معلمي، ولكني احب الحقيقة اكثر منه (...) فاذا كان الانسان «طائراً» منتوف الريش، على تعبير افلاطون، فالقضاء هو هذا الريش الذي يحوط الانسان بالدفء ويبسط جناحيه عالياً الى السماء. واذا كان الانسان حيواناً اجتماعياً: على تعبير ارسطو، فان القضاء يكون وعاء المجتمع الحي الذي يجمع النسر والحسون في قفص واحد والاسد والارنب في عرين واحد، والا تحول بنو البشر الى حيوانات مفترسة كتابها الناب وسلاحها المخلب، والدليل على ذلك قاطعاً هذه الغابة، غابة الوحوش، تسرح وتمرح في ربوع الوطن الغالي في غياب القاضي يوم شل القضاء فالتفتت الغرائز رهيبة مدمرة. اليس كذلك ايها السادة؟
ـ الرئيس صيدون مقاطعاً: هذه صورة خارجية للنية القضائية. وحسناً ما ورد عنها في مجلد الدكتور الحجار موضوع الدعوى، فهات حدثنا عن «النية القضائية» في وجدان القاضي: كيف تتكون؟ تحكم بالعدل؟ وبتعبير آخر: مهمة القاضي في «القانون القضائي الخاص» ان يكشف النقاب عن «نوايا» المتخاصمين المتداعين أمامه، وكتب المؤلف في موضوع «كشف هذه النوايا» ثماني مائة صفحة. وما كتبه عن «نية» القاضي لا يتجاوز نصف صفحة فهل لك ايها الناسك المتجلبب برؤى الكهف في الغينة ان تحدثنا عن «النية القضائية» عند القاضي الحاكم كي يكتمل للدكتور الحجار كتابه عن كشف «النوايا» في القضاء؟
ـ سعيد كالحياة متدفقاً «النوايا» هم اهل البيت. فمن هم هؤلاء «النوايا»؟ وما هو هذا «البيت»؟ هؤلاء «النوايا» هم عائلتك تسكن فيك، و«البيت» هو انت، ولذلك قيل: « على حسب نواياكم ترزقون، وانما الاعمال بالنيات». سؤال: أترضى بيتك مسكناً للعقارب والافاعي والتماسيح والجرذان والثعالب؟ والسعادة التي تحلم بها اما هي تلك السعادة في العيش مع هؤلاء عائلة تقيم معك وفيك اقامتها الدائمة؟ ثم، الا يرشيك ان تكون عائلتك الكنار والعندليب والحمل الوديع والوردة الجورية؟ الا يرضيك ان تكون عائلتك المقيمة فيك المحبة والرحمة والرأفة والحق والخير والجمال؟ سؤال آخر: هذا «البيت» الذي هو انت، لماذا تسمح للقمل والنمل والبق والبراغيث ان تتسرب اليه؟ وهل من راحة لعائلتك المحبوبة التي تعيش فيك، عائلتك الامل والرجاء والنقاوة والصفاء ان تحيا سعيدة ناعمة البال وانت لا تحميها من مثل ما يزعجها من القمل والنمل والبق والراغيث؟ سؤال آخر: ماذا انت فاعل بعائلتك «نواياك» في جو مفعم بالحقد الطائفي؟ ماذا انت فاعل ببيتك الذي هو انت والسنة التعصب الطائفي تتسرب اليه من كل حدب وصوب وتلسعه شديد اللسع وتفرغ فيه من سمومها: الفتك والدمار والعار والشنار؟ ثم بعد ان تطلب من مواطن لبناني قاضياً كان ام غير قاض، ان يختار «عائلته النوايا» وسبع عشرة طائفة تنفث في شرايينه السم الزعاف؟ ... ماذا انت فاعل حملا يحيط بك من كل صوب مجموعة خطيرة من ذئب وفيل ودب وكلب مسعور... ؟ تلكم هي «العائلات - النوايا»، موجة ملوثة تسرح وتمرح على بحر «الامة اللبنانية». فماذا الآن بالحصر عن القاضي عائلة ومنزلاً؟ انه لا جواب عن هكذا تساؤل الا عبر مصبات فكرية وحضارية يليها تشخيص الداء في آن. فعليه:
الفصل الاول
المصبات الحضارية الانسانية.
يتحرك الانسان جداول تنضم الى جداول، وانهاراً تتحد بانهار وجداول أخرى، منذ فجر التاريخ وحتى اليوم والى الابد، لتصب جميعها حضارة انسانية في الاوقيانيوس من شامخ مصبات اربعة هي: القياس، الشعور، العدالة، والانصاف، فما هي هذه المصبات؟
أولاً: القياس او المعادلة
انحصر القياس الانساني، على شدة تشعبه واختلاف مناهجه، بثلاثة ميازين هي الاكسيوم والبوستيلاتوم والكريتاريوم. ولا شيء متحرر في العدالة القانونية سوى ما يطرأ على «الكريتاريوم» من طوارئ تغيره وتبدله. وبتعبير آخر: فما هي هذه المقاييس؟
أمّا «الاكسيوم» فانه ميزان المعادلة الفكرية الصرفة كأن تقول مثلاً: الجزء أصغر من الكل ومصير الانسان الموت، وبما ان القاضي انسان، فان القاضي مصيره الموت، وقس على ذلك مما يدخل في نطاق المعادلة الفكرية الصرفة.
أمّا «البوستيلايم» فانه معادلة وجودية تفرض نفسها فرضاً على الانسان بما هو انسان، كقولك مثلاً: ان الخط المستقيم هو اقرب مسافة بين نقطتين، او ان الارض تدور حول الشمس وفق معادلة دقيقة حتى الثواني زمناً والملليمتر مسافة، واعتمدت «الفلسفة الظهورية» هذا « البوستيلاتوم» مقياساً فكرياً ولا سيما عبر الفلاسفة هوسرل، هايغر، وشارل مالك.
أمّا موقف الانسان حيالهما، اي حيال كل من «الاكسيوم والبوستيلاتوم» فانه موقف المستسلم الراضخ بدليل رضوخه المطلق للعلوم من حتمية واحتمالية ومناهج علمية. وبتعبير آخر: ان للطبيعة قوانين طبيعية هي «ضرورة» على حد التعبير الماركسي، وانه لا مكان للانسان لتغيير هذه «الضرورة» لانها هكذا وستبقى هكذا...
أمّا «الكريتاريوم» فانه قاعدة يضعها الانسان تلبية لحاجة ويغيرها ويحل محلها قاعدة سواها تلبية لحاجة ايضاً. ...
هذا، واذا كان العلماء قضاة «الاكسيوم والبوستيلاتوم». فان القضاة هم علماء «الكريتاريوم» . فماذا الآن عن «الشعور مصباً هداراً يترجم عند القاضي الى «نية قضائية»؟ فعليه:
ثانياً: الشعور
هذا كانت «الغريزة» شبكة خطوط الحيوان الداخلية يتقيد بقيودها ولا يخرج عن حدودها فان الشعور عند الانسان هو تلك الشبكة التي ترسم له، اي الانسان، خطوط مسيرته الوجدانية قبل ان تترجم الى افعال خارجية وقد يتغير هذا الاسم الشعور «فيصير» العاطفة» في الادب. فالشعور، في الحالة هذه، دفقاً للحياة، انما هو الصورة الحية المختبئة خلف صورة الانسان المادية والتي لن تصل اليها واعياً متفحصاً الا عبر مركب مخملي الشراع يقال له: «الاستبطان». وكي يتاح لك ان تكشف النقاب عنه لتقع عليه سافراً عن وجهه حسبك ان تعرف انه حاصل تفاعل اربعة عناصر جوهرية من اصل ما يتركب منه الانسان هي: الغرائز، الحواس، الفكر، والكائن. فماذا نعني بذلك؟
هل طربت يوماً لبستان من الفاكهة لذ كل ما فيه وطاب من الليمون والاجاص والتفاح والرمان وما اليها؟ هات يدك والحقني الى كتفه، الى كتف البستان، حيث تقيم بركة المياه، مياه الري. وهل من بستان لا ترويه الامواه؟ الم يخلق الله من الماء كل شيء حي؟ انظر اليها «البركة» الا ترى من فوقها مصبات اربعة تصب فيهل الامواه النميرة؟ اتعرف ما هي هذه المصبات؟ انها الغرائز والحواس والفكر والكائن «تصب جميعها في بحيرة الشعور» ومن ثمّ بستانك انت بما فيه من اشجار المحبة او الكراهية، الرحمة او الانتقام، الجمال او القبح، العدالة او الظلم. بستانك انت يشرب حتى الارتواء من هذه «البحيرة - الشعور» ... فماذا انت انساناً لو اقتصر شعورك على مصبات الحواس والغرائز والفكر؟ آنذاك انت ولا شك من حفدة «سيدنا» كارل ماركس عليه السلام. اما اذا تدفق في بحيرتك «الشعور» المصب الرابع المتوهج الرقراق الذي تعرفه انت باسم «الروح» وتعرفه الاديان باسم «الله» ويعرفه المسيحيون باسم «المسيح» وتعرفه الفلسفة باسم «الكائن» فانت من حفدة «ايل» رب الارباب الذي «يزرع الارض بالمحبة ويرويها بماء السلام». هذا هو «الشعور» بريشة الفنان «سعيد». ولك انت ان ترسمه بريشتك عبر احلامك: فاحلام نومك صورة طبق الاصل عن «شعورك اللاواعي» واحلام يقظتك صورة واضحة عن «شعورك الواعي»، هذا الشعور، حلّ عند القاضي اللبناني محل «نية العدالة»؟ استمهلك للجواب. فاصطبر علي. ان الله مع الصابرين. واليك الآن «العدالة القانونية بذيل الطاووس منفرجاً زاهياً مقشعراً. فعليه:
ثالثاً: العدالة
زعم بعضهم ان العدالة ان تعطي كل ذي حق حقه. وقال آخرون: كلا: العدالة ان تؤمن لكل ذي حاجة حاجته. فانتفض المجتهدون وزعموا ان العدالة تقتصر على اعطاء كل انسان مقدار ما يعمل ومقدار ما ينتج... فماذا نقول نحن القضاة والمحامين عن العدالة؟ نقول عنها وبالفم الملآن: العدالة سجينة النص القانوني، وهذا النص بدوره سجين «الكريتاريوم». ولا شيء متحرر في العدالة القانونية سوى ما يطرأ على «الكريتاريوم» من طوارئ تغيره وتبدله. وبتعبير آخر: وبالصورة الملأى وضوحاً: العدالة القانونية ان يطبق القاضي النص القانوني تطبيقاً حسناً حتى ولو لم يكن مقتنعاً وجدانياً بالحل. ولذلك كان لا بد من الانصاف في هذه العدالة المتحجرة. فما هو الانصاف؟ فعليه:
رابعاً: الانصاف.
قد يرى فقهاء القانون وعلماؤه في الاسباب والظروف التخفيفية والاعذار المحلة وسواها مما قرب منها او بعد «انصافاً» شأنه ان يحد من هول النص القانوني المتحجر. أمّا نحن فنرى الانصاف ابعد مدى، نراه ان تحل الدولة الى حد بعيد محل الفرد في تامين العدالة: فلقمة العيش أولاً، والمدرسة ثانياً والمعالجة ثالثاً والمسكن رابعاً وسوى ذلك مما هو في صميم الانصاف يجب ان يخرج من نطاق التجارة، من نطاق المزاحمة، من نطاق الربح والخسارة والرهان والظلم والعدوان الى نطاق دولة قوية تضع يدها على الرغيف والمسكن والدواء والمدرسة، والا اقتصر الانصاف على القشور دون اللباب. وبتعبير آخر: اذا كان النص القانوني ترك للقاضي مجالات واسعة كي يخرج رأس اصبعه من سجنه، اي من سجن النص القانوني، من خلال قضبان «الانصاف» الحديدية، فان الانصاف في رأينا ان يخرج نهائياً حاجات الانسان الضرورية من رغيف ودواء و سكن ومدرسة من مسرح الربح والمراجعة الى قدس اقداس الدولة دون ان يؤول ذلك الى المس بالحريات العامة من قريب او من بعيد.
تلكم هي المصبات الحضارية «القياس، الشعور، العدالة، والانصاف». صورناها مدخلاً موجزاً لما نحن فيه من «نية قضائية» فما هي النية القضائية؟ فعليه:
الفصل الثاني: النية القضائية اللبنانية.
النية القضائية، وعملاً بشرعة حقوق الانسان، ان يكون القاضي حاكماً عادلاً، على استعداد دائم للحكم لما يعرض عليه من قضايا باعتماد الوقائع الصحيحة مضموناً والنص القانوني اطاراً عامّاً والانصاف القانوني روحاً للنص يلازمه ملازمة الروح للجسد. وبتعبير آخر: النية القضائية لدى القاضي العادل استعداد دائم للتقيد بالنص القانوني ووقائع الدعوى عدالة والرحمة الانسانية انصافاً في اطار الانصاف المتروك تقديره للقضاء. عندها تقتصر مهمة القاضي على الفكر، الفكر المحض، دون ان يكون لشعوره بما يحمله من غرائز واهواء و احاسيس سلطان على حكمه العادل. ومن ثمّ، لا علاقة لدين القاضي أو عائلته أو جنسيته أو معتقده... بما يصدره من احكام، عندها تكون النية القضائية، تقيداً بالعدالة والانصاف، اقرب ما تكون الى «النية العلمية» اي نية العالم الذي يقدم على دراسة الكون وهو على استعداد مسبق للتقيد باحكامه، اي احكام الكون وقوانينه. وكي يتاح للقاضي ان يكون هكذا عادلاً تحتم ان يتصف النص القانوني بصفتين اساسيتين جوهريتين: وحدة الروح أولاً، والهرمة القانونية المعروفة علمياً باسم دستورية القوانين ثانياً، فما هي، في الحالة هذه النية القضائية اللبنانية؟
لنبدأ بالقول حالاً وبالصراحة الجارحة مهما تكن النتائج: ان النية القضائية اللبنانية في ناح والنية القضائية العالمية في ناحية أخرى: ففي حين ان النية القضائية، عملاً بشرعة حقوق الانسان، تعتمد «الفكر» اداة ومنارة تعتمد النية القضائية اللبنانية «الشعور» دافعاً وموجهاً لحياكة الاحكام وتصدير العدالة. فماذا نعني؟ يعني ان غرائز القاضي اللبناني وحواسه الشخصية بما هي عليه من قوة او ضعف او انحراف، ومعتقده الديني... جميعها تشترك مع فكره في صياغة احكامه، وحسبك دليلاً ان المجتمع اللبناني المعاصر تركيبة طائفية لا هي بالديموقراطية ولا هي بالتيوقراطية. ففي حين ان البرلمان اللبناني يصدر النصوص الطائفية بقوانين يحظر عليه ان يغير شعرة من اي نص طائفي تستنه كل طائفة عبر دهاليزها المتحجرة المظلمة. وبتعبير آخر: كيف ننتظر من القاضي اللبناني الفكر معتمدا ونية وما يطبقه من قوانين ملعب للغرائز والاهواء والغباوة والتحجر والتناقض والتخلف؟ اية نية قضائية تعتمد وحدة العلم نطالب بها القاضي اللبناني وليس في القوانين اللبنانية من وحدة للعلم سوى ما يحمله البعير المنهوك العطشان من قرب ملأى بالمياه؟ وماذا نقول للتاريخ يوماً عن نية قضائنا اللبناني غارقة في خضم «الشعور» وما كنا نحن لنضع في جعبته من نصوص الّا ما أتى متناقضاً حتى من «الاكسيوم والبوستيلاتوم»؟ أيّة نيّة نتصورها للقاضي اللبناني وهو تحت رحمة مسلح وراجمة صواريخ وطائفية لا ترحم؟ أيّة نيّة نتصورها للقاضي اللبناني وما بين يديه من نصوص تتخاصم وتتناكح وتناقض جميعها – أو جلها على الأقل – الدستور اللبناني؟ لنقل وبالفم الملآن ايضاً، مرة اخرى بعد الألف: يربض «الشعور» على النية القضائية، بما يحمله الشعور من غرائز وحواس وفكر ومعتقدات دينية، وتالياً لا تطلب من القاضي اللبناني نيّة قضائية عالمية تعتمد الانسان شرعة وحقوقاً ما لم توحد مجتمعك اللبناني توحيداً علمانياً. فماذا نعني بذلك؟
يوم افلست التيوقراطية افلاساً مبرماً ارتد «كريتاريوم» الانسان الى «الاكسيوم والوستيلاتوم» حقائق علمية ومناهج، والى شرعة حقوق الانسان «كريتاريوم» ليضع حدّاً للمهاترات الطائفية والخرافية والماورائية. وبتعبير: يوم افلست التيوقراطية الطائفية نظاماً للحكم ارتد الانسان الى العلمنة يحلها كاملة شاملة محل المثلث التيوقراطي «الاسطورة – الخرافة - الوهم» نظاماً علمياً حضارياً يجمع ما تفرقه الطائفية وتبعثره وتقطعه من اوصال الامة الواحدة... وعندما يكون ميلاد «النية القضائية» ميلاداً سليماً يعتمد الفكر منارة، وتجنب الاشتراك في الحكم شعوراً بما يحمله الشعور من غرائز وأوهام وأهواء وتعصب طائفي. ومن ثمّ، لا سلامة للنية القضائية اللبنانية ما لم تحل العلمنة الكاملة الشاملة محل هذه التركيبة الطائفية الراعبة. ثم لو كان للقضاء اللبناني «نوايا» غير مريضة لكان تحرك من البدء ضد العابثين بالقانون ولا سيما الغرباء منهم.
ـ النائب العام حمدان مقاطعاً وبحدة: على المحكمة الكريمة ان تمنع هذا «السعيد» عن التعرض للقضاء. حسبنا هدم وتدمير. مع الجزم بان ما اوضحه هذا «السعيد» عن «النية القضائية» عند القاضي يكفي للحكم بالدعوى. يضاف الى ذلك ان المؤلف الدكتور الحجار كتب عن «القانون القضائي» محصوراً ب «نوايا» المتخاصمين موضوعاً، وبنية القاضي تلميحاً. ولم يكن مطلوباً منه اكثر من ذلك...
ختمت المحاكمة فأجلت الدعوى للحكم. وفي تاريخه ادناه صدر عن المحكمة القرار التالي على الدكتور حلمي الحجار مؤلف كتاب «القانون القضائي الخاص»:
باسم المعذبين من الامة اللبنانية نحن، صيدون، رئيس محكمة الهربانين من جحيم «الخوتان»، نحكم على الدكتور حلمي الحجار الحكم المبرم الصالح للتنفيذ على أصله بالنص:
من حيث ان مهمة «القانون القضائي الخاص» كشف نوايا المتخاصمين امام القضاء.
ومن حيث ان الدكتور حلمي الحجار احسن واجاد في وضع مخطط علمي كامل شامل لكشف هذه «النوايا» كشفاً قانونياً يتاح معه للقضاء ان يحكم بالعدل.
ومن حيث ان «نيّة القاضي»، واهملها الدكتور الحجارن تدخل في صميم «القانون القضائي الخاص»، وكان عليه ان يضع لها مخططاً قانونياً علمانياً واضحاً كي تأتي احكام القضاء عادلة ومعصومة عن الخطأ.
لذلك نحكم للدكتور حلمي الحجار بانه سد فراغاً قانونياً خطيراً في كشف «نوايا المتخاصمين» امام القضاء. وسيضاف كتابه العمران «القانون القضائي الخاص» الى امجاد لبنان الفكرية بهذا المعنى. ونحكم عليه، اي على الدكتور الحجار، بان يؤلف جزءاً ثانياً على الخط نفسه في موضوع «النية القضائية» على ان يكون جازماً انه «لا نية للقضاء سليمة» ما لم تعلمن الدولة اللبنانية علمنة كاملة شاملة.